جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-03@12:49:39 GMT

"بريكس" وتغيير قواعد اللعبة

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

'بريكس' وتغيير قواعد اللعبة

◄ "قمة بريكس 2023" تمثل دفعة قوية لجهود بناء نظام عالمي جديد

◄ رغبة 23 دولة في الانضمام إلى "بريكس" تترجم قوة هذا التكتل الاقتصادي

◄ ضرورة إيجاد نظام اقتصادي مُغاير يرتكز على التنمية والبناء لا استنزاف الموارد

 

حاتم الطائي

ما تزال حالة التغيرات العالمية تجري من حولنا، فيما يؤكد طرحنا بأنَّ ثمَّة عالم جديد آخذ في التشكل، إيذانًا بانقضاء مرحلة الأحادية القطبية، التي أعقبت مرحلة الحربين العالميتين ما تبعهما من حرب باردة، ليبدأ العالم الجديد القائم على التعددية القطبية، مساره، بينما يتضاءل النفوذ الغربي عالميًا، وخاصة في مناطق الاستعمار القديمة، في حين تزداد المكانة العالمية لقوى العالم الجديد وعلى رأسها الصين وروسيا.

ومن هذا المُنطلق، يُمكننا النظر إلى الاجتماع المُرتقب بعد غدٍ الثلاثاء، لمجموعة بريكس، في جنوب إفريقيا، وهي القمة التي تنعقد في توقيت بالغ الحساسية؛ سواء فيما يتعلق بالأوضاع الجيوسياسية حول العالم، أو التطورات الاقتصادية التي تلت أزمتي كورونا وتعطل سلاسل الإمداد، ما نجم عنه حالة من الركود الاقتصادي في العديد من البلدان، وتسجيل مستويات مرتفعة من التضخم وأسعار الفائدة.

المجموعة التي تضم حتى الآن: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، تمثل واحدة من أكبر التكتلات الاقتصادية العالمية، وتضاهي في قوتها مجموعة العشرين، ومجموعة السبع، وتستحوذ الدول الخمسة الأعضاء فيها على 31% من حجم الاقتصاد العالمي، و18% من التبادل التجاري العالمي، و26% من مساحة العالم، و43% من سكان العالم، كما إن الإنفاق الدفاعي لدول "بريكس" يتخطى 400 مليار دولار، أما اقتصاديًا فإنَّ الناتج المحلي الإجمالي لدول هذا التكتل يبلغ 32.66 تريليون دولار.

وعند تحليل قوة وإمكانيات دول "بريكس" لا يكفي أن نتوقف عند الأرقام والحقائق وحسب؛ بل ننظر إلى الآفاق والخطط والاستراتيجيات التي تعتزم دول التكتل تنفيذها، وفي المُقدمة منها توسيع نطاق التكتل؛ حيث تسعى 23 دولة من مختلف أنحاء العالم، إلى الانضمام إلى تحالف "بريكس"، كما إن التحالف يسعى لتبني سياسات اقتصادية وتجارية من شأنها أن تُعيد تشكيل خارطة التجارة العالمية، وعلى رأسها الرغبة الكبيرة في استخدام العملات الوطنية في التبادل التجاري بين دول التكتل، وهذا مسعى تقوده الصين وروسيا، اللتان تتأثران بنظام الدولرة (أي اعتماد الدولار الأمريكي عملة دولية) القائم حاليًا، خاصة إذا ما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على أي دولة. ولا شك أنَّ توسيع نطاق العملات التي يمكن تنفيذ التبادلات التجارية بها، يُسهم بصورة أساسية في تعزيز الميزان التجاري بين الدول، لا سيما وأن هيمنة الدولار على الأسواق العالمية، تتسبب في أزمات متتالية؛ بل إنَّ مُعظم الأزمات الاقتصادية ناتجة عن ارتباط النظام المالي العالمي بالعملة الأمريكية. وقد بدأ بالفعل عدد من الدول حول العالم في استخدام العملات الوطنية للتبادل التجاري؛ ما ساهم في تعاظم القيمة التجارية للسلع والمنتجات وتخفيف الضغط عن كاهل المالية العامة للدول، وكذلك تحسين أداء ميزان المدفوعات.

وبالنظر إلى الفوائد التي تحققت بفضل قيام هذا التكتل قبل نحو 23 عامًا، فإنَّ تعزيز التوازن الاقتصادي العالمي يتصدر القائمة، خاصة وأن الدول الأعضاء الحاليين، ينتهجون مسار التنمية الدولية، ما أسس لنموذج اقتصادي عالمي مقابل النموذج الاقتصادي الذي يقوده الغرب وأمريكا؛ فنموذج "بريكس" يستهدف مسارات التنمية عبر تعزيز علاقات التعاون والشراكة الاقتصادية بين الدول، وتقود الصين هذا التوجه، خاصة بعد إطلاق مبادرتها العالمية "الحزام والطريق"، إلى جانب الدور المؤثر لروسيا والهند في النظام الاقتصادي العالمي، من خلال إسهاماتهما في سوق الحبوب العالمي، لا سيما وأن دول "بريكس" تستحوذ على ثلث هذا السوق، أي أنها قادرة على الحفاظ على الأمن الغذائي العالمي، بعيدًا عن أي قرار غربي أو أمريكي قد يستهدف بعض الدول.

هذا النوع من التوازن الذي استطاعت دول "بريكس" أن تضع له القواعد الثابتة في بنية الاقتصاد العالمي، يُمهِّد الطريق في الوقت ذاته، لبناء منظومة اقتصادية تنطلق من جنوب العالم؛ فالصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل تسعى لتوحيد الجهود من أجل قيادة النمو العالمي من جنوب الكرة الأرضية، بعدما اقتصر هذا النمو لعقود مضت على نمو اقتصادات نصف الكرة الشمالي. وهذا يقودنا إلى دلالة صريحة على الدور المحوري الذي يمكن أن تقوم به دول "بريكس" من خلال تعزيز مسارات التنمية العالمية، وقيادة نمو اقتصادي قائم على التعاون والشراكة لا استنزاف الموارد الطبيعية للدول، ومنظومة دولية قادرة على مواجهة التقلبات الاقتصادية على أساس تحقيق المنفعة العامة لا الهيمنة وإلحاق الضرر الاقتصادي بالدول الأقل نموًا. والمُلاحظ أن دول هذا التكتل تسعى فيما بينها من أجل تعزيز التكامل الاقتصادي، فبينما تركز الهند على تطوير القدرات التكنولوجية، تسعى الصين إلى القيام بدور أكبر في التجارة الدولية تعزيزًا لمكانتها، أما جنوب أفريقيا والبرازيل فتأملان التوسع في الأنشطة الزراعية لتعزيز الأمن الغذائي، في حين تستهدف روسيا ترسيخ الروابط الاقتصادية مع القارة الآسيوية لا سيما في ضوء المشاريع الصناعية التي تعتزم تطويرها في شرق البلاد.

القمة المرتقب انعقادها في جوهانسبيرج بعد أقل من 48 ساعة، ستطرح على طاولة النقاش عددًا من الملفات والقضايا، وتشمل التجارة العالمية في ظل التحديات القائمة، وقضايا التمويل مع ارتفاع معدلات الفائدة، إضافة إلى تغير المناخ في ضوء مؤتمرات "كوب" التي تعقدها الأمم المتحدة. وتضم قائمة الموضوعات المطروحة للنقاش: مسألة أمن الطاقة؛ إذ تأمل روسيا إثارة هذا الملف خاصة بعدما تعرض له خطا "نورد ستريم 1 و2" من أعمال تخريب أثرت على تدفق الغاز إلى أوروبا، والعقوبات المفروضة على روسيا نتيجة للعملية العسكرية في أوكرانيا، وفوق كل ذلك قضية الدولار، وسط ترجيحات عن رغبة دول التكتل في تبني عملة خاصة به.

ويبقى القول.. إنَّ التحديات الاقتصادية التي نشهدها من حولنا تتطلب قيام مثل هذه التكتلات التي تعمل على تعزيز التوازن الاقتصادي، وتستهدف عدم بقاء مركز ثقل النظام الاقتصادي العالمي في يد دولة واحدة أو معسكر واحد، لكن في المُقابل تعزيز التضامن العالمي لمواجهة الأزمات وإيجاد الحلول القائمة على التشارك في النتائج، مع كسر أي شكل من أشكال الهيمنة والاستحواذ غير العادل، ولا شك أنَّ تحالف "بريكس" سواء في تشكيله الحالي، أو المُستقبلي المرتقب، سيعمل على تغيير قواعد اللعبة العالمية، ومن ثم تحقيق الأهداف العادلة والمُنصفة لشعوب العالم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: اقتصادی ا تعزیز ا

إقرأ أيضاً:

"الاقتصاد والنظام العالمي بعد جائحة كوفيد".. اضطرابات في عالم متشكك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يناقش كتاب "الاقتصاد والنظام العالمي بعد جائحة كوفيد"، من تحرير الصيني تشاو جيان يينغ، وترجمة ريهام دشيش، اتجاه العولمة الاقتصادية، وخطر الركود الاقتصادي العالمي، والسلسلة الصناعية المتأثرة بجائحة فيروس كورونا، وتأثير الوباء على سلسلة التوريد العالمية وكيفية استجابة الصين والنظام العالمي في حقبة ما بعد الجائحة، والحوكمة العالمية، والعلاقات بين القوى الكبرى، ومخاطر وخيارات ومسارات العلاقات الصينية الأمريكية في ظل الجائحة.
ويوضح الكتاب، الذي يشارك ضمن إصدارات بيت الحكمة للثقافة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، المشاكل التي تواجه أوروبا والعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي بعد الوباء، ويلقي نظرة عامة على الاضطراب المالي العالمي الحاصل بسبب وباء فيروس كورونا، من خلال مناقشة الأسباب والخصائص والتأثيرات والتدابير المضادة، ويحذر من عدم الاستعداد لنوع جديد من الركود طويل الأجل وغيرها من الموضوعات الرئيسية التي كانت موضع قلق ومناقشة على نطاق واسع.


ويظل السؤال الرئيسي، الذي تتوالد منه الأسئلة التي يطرحها الكتاب ليناقشها، هو: كيف ننظر إلى العالم في حقبة ما بعد جائحة فيروس كورونا. وما يجب الإجابة عنه هو أن العالم في حقبة ما بعد جائحة فيروس كورونا يجب أن يكون مرتبطًا بالعديد من التناقضات المحتملة. 
ويتساءل الكتاب: ما الروابط والاختلافات بين هذه التناقضات؟ وإلى أي مدى ستستمر في تغيير العالم الذي نعرفه؟ وهل النظريات الحالية والنماذج التاريخية كافية للتنبؤ بملامح العالم واتجاهاته في حقبة ما بعد الجائحة؟ وكيف نتعامل مع قضايا الأمن التقليدية وغير التقليدية في ظل العولمة والمعلوماتية؟

مقالات مشابهة

  • العالم في حالة حرب.. هذه بؤر التوتر التي يتجاهلها الغرب
  • "الاقتصاد والنظام العالمي بعد جائحة كوفيد".. اضطرابات في عالم متشكك
  • أستاذ استثمار: قرارات ترامب تفاقم صعوبة الوضع الاقتصادي العالمي
  • منظمة بريكس.. عنوان صراع جديد بين الغرب والجنوب العالمي
  • معلومات الوزراء: اقتصاديات البيانات عنصر حيوي في تشكيل المستقبل الاقتصادي العالمي
  • "أومينفست" تسلط الضوء على النمو الاقتصادي العُماني بـ"المنتدى الاقتصادي العالمي"
  • محمد صبحي: «فارس يكشف المستور» كناية عن المؤامرات العالمية التي تُحاك ضد الأمة
  • ختام دورة الاتحاد الدولي للحكام المرشحين لكأس العالم 2026
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2
  • تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم