حكم المجاهرة بالذنوب والمعاصي وبيان خطورة ذلك
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إن كل إنسان مُعرَّض للوقوع في الخطأ، ولكن الإصرار على الذنوب وعدم التوبة منها وخيم العواقب، في الدنيا والآخرة؛ فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه.
وممَّا يعظُم به الذنب أن يتمّ المجاهرة به، بأن يرتكبَ العاصي الذنب علانية، أو يرتكبه سرًّا فيستره الله عزَّ وجلَّ لكنَّه يُخبر به بعدَ ذلك مستهينًا بسِتْر الله له؛ فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ» متفق عليه.
والمراد بالمجاهرة مَنْ يُعلن فعله بالمعصية؛ أي الذي يخبر الناس بها، ويشتهر بها؛ يقول العلامة زين الدين عبد الرؤوف المناوي الشافعي في "فيض القدير" (5/ 11، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [(إلا المجاهرين)؛ أي: المعلنين بالمعاصي المشتهرين بإظهارها الذين كشفوا ستر الله عنهم] اهـ.
وأوضحت الإفتاء أن النصوص الشرعية الكريمة من الكتاب والسنة المطهرة اتضح أن من ارتكب ذنبًا أو إثمًا عليه أن يبادر بالتوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، كما عليه أن يكثر من الاستغفار وتلاوة القرآن والصلاة والصدقة: ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: 39].
وأوضحت الإفتاء أنه ورد أن هذه القربات تمحو الخطايا، داعية الله تعالى قبول التوبة من التائبين وأن يهدينا جميعًا الصراط المستقيم.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].
وقال جل شأنه: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 133-135].
وقال عز من قائل: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: 70].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الإمام البخاري: «وَاللهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الذنوب المعاصي التوبة الله ع
إقرأ أيضاً:
حكم الدعاء في الصلاة بالمأثور وبغير المأثور بالشرع الشريف
أكدت دار الإفتاء المصرية، إن الدعاء في الصلاة جائز بالمأثور وبغير المأثور، والدعاء في الصلاة وخارج الصلاة مستحبٌّ؛ لما ورد من الآيات والأحاديث الكثيرة في فضله؛ قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، وقال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]، وقال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55]، وقال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 110].
الدعاء في الصلاة
وأخرج أصحاب السنن والحاكم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ». ثم قرأ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].
وروى الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ». وروى الترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ مِنَ الدُّعَاءِ». وأخرج الديلمي في "الفردوس" -واللفظ له- وأحمد والبخاري في "الأدب" والحاكم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِن العَبْد لَا يخطئه من الدُّعَاء أحد ثَلَاث: إِمَّا ذَنْب يغْفر، وَإِمَّا خير يدّخر، وَإِمَّا خير يعْمل -أي يعجل».
الدعاء في الصلاة بالمأثور وبغير المأثور
وقالت الإفتاء إن الدعاء في الصلاة بالمأثور وبغير المأثور جائز؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَقُولُوا: السَّلَامُ عَلَى اللهِ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ للهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ -فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ ذَلِكَ، أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ- أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَلْيَدْعُ بِهِ». وفي رواية مسلم: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ». وفي رواية: «ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ، أَوْ مَا أَحَبَّ».
فأطلق صلى الله عليه وآله وسلم الدعاء بما يشاء العبد ولم يقيده، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعون في صلاتهم بما لم يتعلموه، فلم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد روى أبو داود في "سننه": أن رجلًا كان يدعو في صلاته دعاءً لم يعلمه له صلى الله عليه وآله وسلم، وأقره صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينكر عليه، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: «مَا تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ؟» قَالَ: أَتَشَهَّدُ، ثُمَّ أَسْأَلُ اللهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ النَّارِ، أَمَا وَاللهِ مَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ. فَقَالَ: «حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ». أخرجه ابن ماجه وغيره، ولما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنَ الدُّعَاءِ» لم يعين لهم ما يدعون به، فدل على أنه أباح لهم كل الدعاء.
قال الإمام الرملي في "نهاية المحتاج" (1/ 511، ط. الحلبي): [وكذا يسن الدعاء بعده -أي التشهد الآخر- بما شاء من ديني أَو دنيوي؛ كاللهم ارزقني جارية حسناء؛ لخبر: «إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ، فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ للهِ إلَى آخِرِهَا، ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ أَوْ مَا أَحَبَّ». رواه مسلم، وروى البخاري: «ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُوَ بِهِ»، بل نقل عن مقتضى النص كراهة تركه]. اهـ.
وقال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (1/ 256، ط. المكتب الإسلامي): [ويستحب الدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وله أَن يدعو بما شاء من أَمر الدنيا والآخرة]. اهـ.
وقال العلامة الدردير في "الشرح الكبير لمختصر خليل" (1/ 251، ط. دار الفكر): [وحيث جاز له الدعاء دعا بما أَحب -من جائز شرعًا وعادةً- إن لم يكن لدين، بل وإن كان لطلب دنيا]. اهـ.