لا تذهب الفكرة هنا، إلى الحديث عن تعويم العملة، وإنما تذهب إلى تعويم مجموعة من الأطر الضابطة لمجموعة العلاقات التي تقوم بين أي طرفـين، وتذهب الفكرة هنا أكثر إلى ترك مجموعة التشنجات التي تحدث بين الأطراف الذين تجمعهم علاقة ما، دون حل، على اعتبار أن الزمن كفـيل بتجلية الكثير من الشوائب التي تستجد لتشويه العلاقة، مع أن تركها «وبوعي الجميع» خطر على مجمل العلاقات القائمة بين الناس، فهي بمثابة السرطان الخفـي الذي يقرض الجزيئات الصغيرة فـيها، حتى يتم انهيار البناء بالكامل، فـ«معظم النار من مستصغر الشرر» ولعل الخاطر الأكبر فـي هذه الصورة تلك العلاقة القائمة بين قطبي الأسر (الأب/ الأم) ابتداء، وما بينهما وبين أطفالهم بعد ذلك.
والمسألة -وفق هذا الطرح- لا تتوقف على ارتخاء العلاقات بين الطرفـين، وعدم تحفـيزها بمقومات -ربما- تكون بسيطة وميسرة، ولكن لأن الإهمال يشوب ذلك، فتنمو لتصبح عقدا ليس يسيرا حلها بالمطلق، ولكنها تتأثر أكثر وأكثر بعدم الاهتمام بحل القضايا العالقة؛ ولو كانت صغيرة؛ والناس كما هو معاش منساقون نحو طراوة الحدث فقط، فمتى أضيئت هنا أو هناك شعلة من (نور/ نار) ينساقون إليها وأعينهم مغمضة، ويتركون بقايا الرماد من النار السابقة، وبقايا الرماد؛ المعبأة بالشرر؛ هذه خطيرة جدا، حيث يمكنها أن تسبب حرائق يصعب إخمادها بعد ذلك، كحال الديون الغارقة التي يعتمدها بعض أصحاب الممارسات التجارية كالمقاولين للأعمال المختلفة، ومعنى ذلك فإن مجموعة التجاوزات أو القفز عن واقع معين، إلى واقع آخر أكثر حداثة، فـيه مخاطرة كبيرة، وهناك من يقع فـي ذات الفخ على الرغم من تكرار تجارب مماثلة، ولكن لأن الإنسان معرض للنسيان، فلذلك يكرر أخطاءه، فـي كل مرة، وعندما يستفـيق يكون الأمر قد ولى، وعليه أن يتحمل مسؤولية أخطائه.
أتصور من وجهة نظر شخصية؛ أن لا فرق فـي المعنى بين مفهومي: التعويم، والقفز على المراحل، ففـي كليهما هناك تأجيل أمر على حساب أمر آخر، مع أن كل أمر له صلاحية زمنية مؤقتة، إذا تجاوز الواحد منا فترة ذلك الأمر، فسيكون عند موقفـين لا ثالث لهما؛ فإما عليه العودة من جديد لترميم من تم تهشيمه من خلال هذا التجاوز، وهناك تكون المعالجة متهلهلة، ونتائجها المتوقعة متواضعة، وإما أن يستمر على خط سيره، وبذلك يترك خلفه حمولة ثقيلة -يقينا- فـي يوم من الأيام سيدرك أنه أخطأ بتفكيره المتواضع ترك الأمور بدون إيجاد حلول فـي حينها، لأن عمليات الترقيع التي تتم لعلاج القضايا، وهي كلها شائكة فبقدر ضعف المعالجة، هي؛ فـي الوقت نفسه لا تنبئ عن رؤية واعية لخطورة مآلات الأحداث، ونتائجها الكارثية، بعد ذلك، ومن هنا تأتي عمليا أهمية المقولة: «لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد» لأن ظروف الغد ليس بيد كل واحد، فهي مرهونة بظروف ذلك الغد، فما يتيسر اليوم من علاجات لقضايا حاضرة، فلن تتيسر ذات العلاجات لذات القضايا، فالشمس تشرق على يوم جديد مختلف يحمل بين طياته الكثير من الصور الجديدة، وإلا ما معنى أن يتبادل الناس فـيما بينهم التهاني بحلول الأعوام الجديدة؟ لعلنا نقرأ فـي إلحاح الأطفال على أمر ما، شيئا من الحقيقة التي نحن غافلون عنها، وهي حيوية اللحظة الحاضرة، وضرورة استغلالها، لأننا إذا تجاوزناها، ستخمد تلك اللحظة وتذروها الرياح، والأطفال يدركون بفطرتهم النقية أنه إذا لم يتحقق لهم ما يريدون فـي تلك اللحظة، فلن يتحقق لهم بعد ذلك، حيث تبدأ مرحلة جديدة للرؤية عن الجميع، فجميل أن نكون حاضرين فـي لحظتنا التي نعيشها، ولا نعومها على اعتبار أن هناك لحظة آخر قادمة، ستتيح لنا ما نريد تحقيقه الآن، وبأريحية أكثر فهذه نوعا من الخرافة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بعد ذلک
إقرأ أيضاً:
اشترِ الآن.. تغريدة ترامب التي هزّت وول ستريت
في تغريدة مقتضبة نشرها على منصته "تروث سوشيال"، كتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب "هذا هو الوقت المناسب للشراء!!! DJT".
كانت الجملة قصيرة، لكنها كفيلة بإثارة زلزال في الأسواق المالية، خصوصا أنها سبقت بساعات إعلانًا مفاجئًا عن تعليق مؤقت للرسوم الجمركية الجديدة لمدة 90 يوما.
فهل كانت مجرد صدفة؟ أم أن الأمر يتجاوز ذلك نحو شبهات تلاعب متعمّد؟
ونُشرت التغريدة صباح الأربعاء، ومع حلول المساء، أعلن ترامب تعليق الرسوم على معظم الدول (باستثناء الصين).
لكن الأسواق لم تنتظر طويلًا، فقد:
واللافت أن ترامب وقّع التغريدة بالأحرف الأولى لاسمه DJT، وهو أمر غير معتاد في منشوراته، لكن هذه الأحرف تحديدًا هي رمز سهم "شركة ترامب للإعلام والتكنولوجيا" المالكة لمنصة "تروث سوشيال".
فهل كان في الأمر رسالة خفية؟تقرير غارديان أشار إلى أن سهم الشركة قفز بنسبة 22% في ذات اليوم، ما دفع كثيرين لطرح تساؤل مشروع: هل استُخدمت التغريدة للتأثير على السوق بشكل مدروس؟
إعلان انتقادات سياسية ودعوات للتحقيقما لبثت الشكوك أن تحوّلت إلى تحرّك سياسي، فقد طالب مشرعون ديمقراطيون وخبراء أخلاقيات بإجراء تحقيق رسمي.
ووصلت رسالة مشتركة من السيناتورين آدم شيف وروبن جاليجو إلى البيت الأبيض تطالب بـ"تحقيق عاجل حول احتمال استخدام معلومات داخلية"، في خطوة وصفها البعض بأنها محاولة لفتح ملف فساد محتمل في أعلى سلطة تنفيذية.
السيناتور كريس مورفي كتب عبر منصة "إكس": "فضيحة تداول داخلي تلوح في الأفق… تغريدة ترامب في الساعة 9:30 صباحا تشير إلى نيته منح أتباعه أفضلية مالية عبر معلومات خاصة".
أما إليزابيث وارن، فوصفت ما حدث بأنه "فساد واضح"، في حين طالبت ألكسندريا أوكاسيو كورتيز بالكشف عن جميع الأسهم التي اشتراها أعضاء الكونغرس في الـ24 ساعة الأخيرة، وعلّقت بقولها: "سمعت أحاديث مثيرة في الكونغرس. سنكتشف بعض الأمور قريبا. حان الوقت لحظر التداول الداخلي".
قانونيون يحذّرون.. سلوك غير أخلاقيالمثير أن الانتقادات لم تقتصر على خصوم ترامب السياسيين، فقد صرّح ريتشارد بينتر، المستشار الأخلاقي السابق في إدارة جورج بوش الابن، لـ"إن بي آر": "لا يمكن السماح للرؤساء أو كبار المسؤولين بالتعليق على السوق والتأثير عليها أثناء اتخاذهم قرارات سياسية حاسمة".
وأضاف "لو قام أي شخص من إدارة بوش بنشر منشور مماثل، لتم فصله في اليوم ذاته".
وقال بينتر "هذا السيناريو قد يعرض الرئيس لاتهامات بالتورط في التلاعب بالسوق".
وأوضح بينتر أن الحادث قد يؤدي إلى إجراء تحقيقات "حول من كان يعرف ماذا ومتى قبل أن يعلن (ترامب) أنه سيؤجل الرسوم الجمركية على جميع الدول باستثناء الصين".
ورفض متحدث باسم وزارة العدل التعليق، ولم تستجب هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية فورًا لطلب التعليق وفقا لشبكة "إن بي سي نيوز".
هذا التصريح يفتح الباب مجددًا أمام نقاش طويل حول حدود المسؤولية الأخلاقية للمسؤولين التنفيذيين، وما إذا كانت القوانين الحالية كافية لمنع استغلال النفوذ الاقتصادي.
إعلان ترامب يبرر والبيت الأبيض يحاول احتواء الأزمةحين سُئل مساء الأربعاء عن توقيت التغريدة، قال ترامب ببساطة، "كنت أفكر في الأمر خلال الأيام القليلة الماضية".
لكن مصادر من داخل البيت الأبيض وصفت القرار بأنه جزء من إستراتيجية مدروسة مسبقًا، وأكدت المتحدثة كارولين ليفيت أن ما جرى يدخل في إطار "فن الصفقة".
نشاط مشبوه آخر في الكونغرسووسط الجدل، كشفت النائبة الجمهورية مارغوري تايلور غرين عن قيامها بشراء أسهم في "آبل" و"أمازون" يومي الثالث والرابع من أبريل/نيسان الحالي، أي بعد إعلان ترامب تعريفاته الجمركية.
وبحسب غارديان، فقد ارتفعت أسهم "أمازون" بنسبة 12% و"آبل" بنسبة 15% بعد تعليق الرسوم.
فهل تزامنت عمليات الشراء تلك مع معلومات مسبقة؟ سؤال لا يقل أهمية.
وبينما يترقّب الرأي العام ما قد تكشفه التحقيقات، تبقى تغريدة ترامب "اشترِ الآن" رمزًا لأزمة أكبر تتعلق بتداخل المال والسياسة والمصالح الشخصية.
وقد أثارت التغريدة تساؤلات لا تتعلق فقط بالتلاعب بالسوق، بل بما إذا كانت الأسواق الأميركية تُدار الآن بإشارات فردية من الرئيس نفسه.
وإذا ثبت وجود تداول داخلي، فإن القضية قد تتحوّل من "جدل سياسي" إلى أزمة نزاهة تهز أركان الدولة الأميركية.