كيف تحول الأفوكادو من طعام للحيوانات إلى فاكهة عالمية مميزة؟
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
ذاع صيت الأفوكادو في السنوات الأخيرة إلى حد الهوس العالمي بهذه الفاكهة كما يصف البعض، يرجع ذلك إلى فوائدها الصحية المثبتة علميا وتنامي ثقافة الوجبات الخفيفة الصحية على مدار اليوم، إلى جانب الحيل التسويقية التي تشكل تصورات المستهلكين.
وكنتيجة لذلك، ارتفع معدل استهلاك الفرد السنوي من الأفوكادو في الولايات المتحدة من 1.
هي شجرة فاكهة معمرة بأوراق بيضاوية، يعود تاريخها إلى أكثر من 10 آلاف عام،وتنتمي إلى فصيلة النباتات المزهرة الغارية (Laurales) التي تنمو في المناخات الاستوائية وشبه الاستوائية.
يتنوع شكل ثمرة الأفوكادو، ما بين دائرية أو أجاصية الشكل مع رقبة طويلة نحيلة، ويتراوح لونها من الأخضر إلى الأرجواني الداكن، لها بذرة مركزية تشبه الكستناء، وفيحين تكتسب الفواكه السكر مع نضجها، فإن محتوى السكر في الأفوكادو ينخفض مع نضجه.
وتعد ثمرة الأفوكادو مصدرا للدهون الصحية غير المشبعة، وتحتوي على مواد مغذية أخرى منها فيتامين ب، فيتامين ك وفيتامين هـ، إضافة إلى كميات ملحوظة من البروتين والبوتاسيوم والمغنيسيوم وغيرها من العناصر الغذائية المهمة.
شجرة الأفوكادو تنمو في الطبيعة البرية (بيكسلز) وجبة للحيواناتيعتقد الباحثون أن جنوب وسط المكسيك هو الموطن الأصلي للأفوكادو، وأن تاريخ هذه الفاكهة الكريمية يعود إلى الفترة التي سبقت حياة البشر في الأميركتين، إذ كانت شجرة الأفوكادو تنمو في الطبيعة البرية، وما يسقط من ثمارها تلتقطه الحيوانات الثديية الضخمة والمنقرضة الآن مثل حيوان الماموث وحيوان المدرع والكسلان العملاق.
إعلاناستطاعت تلك الحيوانات التهام ثمار الأفوكادو كاملة، ولكن لحسن الحظ لم تتمكن من هضم بذورها، وأثناء التنقل لمسافات طويلة، يتم إخراج البذور وتصبح جاهزة للإنبات،وهكذا تمكنت شجرة الأفوكادو من البقاء والحفاظ على نسلها في غابات أمريكا الوسطى.
انقرضت تلك الثدييات الضخمة قبل 13 ألف عام، وبطريقة ما نجت أشجار الأفوكادو، وكانت ثمارها بمثابة هدية السماء للقادمين الجدد من البشر على أرض المكسيك وأميركا الوسطى، ولاسيما أنها تعد وجبة مغذية ومشبعة، وبحلول عام 500 قبل الميلاد، بدأ المزارعون الأوائل في زراعة شتلات هذه الشجرة بدلا من ترك الأمر برمته للطبيعة.
الأفوكادو عبر الحضاراتكانت ثمرة الأفوكادو ذات أهمية كبيرة بين السكان الأصليين لأميركا الوسطى، ودخل في التراث الثقافي لحضارات ما قبل كولومبوس مثل حضارة الأزتيك وكارال وموكايا ومايا،وأطلق شعب الأزتيك (حضارة في أميركا الوسطى ازدهرت في وسط المكسيك) على ثمار الأفوكادو اسم "أهواكاتل" والتي تعني في لغة ناهواتل الأزتية "فاكهة الخصوبة".
ربما يعود سبب التسمية إلى مظهر ثمرة الأفوكادو أو إشارة إلى خصائصها المنتشرة بينهم كمنشط جنسي، إذ اعتقدوا أنه يمنح القوة لمن يتناوله، واعتبروا شجرته مقدسة، وفي حضارة المايا، تم تمثيل الشهر الرابع عشر (كانكين) من تقويمهم برمز الأفوكادو،كما دُفن أحد أنجح حكامهم، باكال الأول، في تابوت يضم صورا لأشجار الأفوكادو.
الأفوكادو.. أزمة هويةشكَل الأفوكادو جزءا مهما من رحلة استكشاف أمريكا الوسطى في القرن السادس عشر، إذ وصل الاستعمار الإسباني إلى شواطيء المكسيك عام 1519، ووثق الأسبان استخدامات الأفوكادو، إذ قدمه السكان الأصليون لحكامهم "كجزية"، واستخدموهكأموال في المعاملات التجارية، وأشاروا كذلك إلى استخدامه كعلف للحيوانات، وعلاج للكدمات وتقصف أطراف الشعر، وفي الطباعة على القماش.
وتشير الدلائل إلى أن الإسبان أحبوا هذه الفاكهة وأعجبوا بنكهتها وأعادوا نشرها في أوروبا وكل الأماكن التي انتقلوا إليها، لكنهم في الواقع لم يتقبلوا اسمها، فقاموا بتعديلالكلمة الأزتكية إلى كلمة أسهل في النطق وهي كلمة "أغواكيت" Aguacate.
إعلانوفي القرن السابع عشر، تغيَر الاسم مرة أخرى، إذ اشتهر الأفوكادو بين الإنجليز الذين يعيشون في جامايكا باسم "كمثرى التمساح" بسبب المظهر الخارجي للثمرة الذي يشبه جلد التمساح.
لم تكن الأسماء القديمة أو كمثرى التمساح أسماء جذابة تليق بمستقبل هذه الفاكهة، ولهذا بعد نجاح زراعة الأفوكادو في الولايات المتحدة بداية من عام 1833، نجحت جهود تسويقية من قِبل المزارعين الأميركيين وبموافقة وزارة الزراعة الأميركية في أوائل القرن العشرين في تغيير اسم هذه الفاكهة إلى اسمها المعروف حاليا "أفوكادو".
تم الترويج للاسم الجديد في مجلتي "نيو يوركر" و"فوغ" كفاكهة مميزة تليق بالطبقة الأرستقراطية، حتى ترسخت في مخيلة الجمهور لأول مرة كطعام فاخر ومميز، واستمرت الحملات التسويقية على نفس النهج.
بداية من عام 1833، نجحت جهود تسويقية في تغيير اسم فاكهة كمثرى التمساح إلى "أفوكادو" (غيتي إيميجز) الأفوكادو الدمويربطت دراسات عدة بين استهلاك الأفوكادو وبين اتباع نظام غذائي صحي بشكل عام، مما عزز هوس العالم بالأفوكادو وفرض طلب غير مسبوق على مزارعيه في المكسيكالتي تعد أكبر منتج للأفوكادو على مستوى العالم أو كما يطلق عليه مؤخرا "الذهب الأخضر".
خضعت هذه التجارة المربحة لسيطرة متزايدة من قبل عصابات المخدرات المكسيكية،واضطر المزارعون إلى حمل السلاح، وبسبب العنف الذي ولّدته هذه التجارة، والمسافات غير الآمنة التي يقطعها الأفوكادو وصولا الى المستهلك يشير البعض إليه باسم "أفوكادو الدم".
الأفوكادو في النظام الغذائيهناك العديد من الطرق لإدخال الأفوكادو في النظام الغذائي اليومي، إذ يمكن تقطيع الثمار الناضجة إلى شرائح فوق الخبز المحمص أو في السلطات، وكنكهة للآيس كريم، ويمكن استخدامه بدلا من المايونيز، أو كبديل للزبدة في المخبوزات، ويمكنك شوائه أو قليه أو تحويله إلى كريمة لتزيين الكعك، أو يمكنك ببساطة تقطيعه إلى شرائح، ورش القليل من عصير الليمون الطازج فوقه مع إضافة القليل من رقائق الفلفل الحار المجفف.
إعلانوتشمل الاستخدامات الأخرى عصر الثمار لإنتاج زيت الأفوكادو، وكذلك يتمتع ببعض الخصائص الطبية، إذ يُعتقد أن الأوراق تعمل كعلاج للإسهال عند غليها، ويستخدم اللب لعلاج الجروح، ويمكن سحق البذور واستخدامها كحشو لآلام الأسنان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الأفوکادو فی هذه الفاکهة
إقرأ أيضاً:
أسطورة حب تُرجمت مسرحيا برائحة اللبان..
تعددت قصص الحب الخالدة، وغالبا ما كان خلودها إلا بسبب نهايتها، النهاية التي كتبت في أسطر التاريخ، فماذا إن كانت نهاية الحكاية أسطورة تناقلتها الأجيال، مع اختلاف الإيمان إن كانت الأساطير حقيقة أم خرافة، إلا أن بقاءها مرهون بالأبدية.
هكذا كانت الصورة التي رسمها المخرج يوسف البلوشي في مسرحية "أسطورة شجرة اللبان" التي رفعت الستار عن النسخة الخامسة عشر من مهرجان المسرح العربي مساء أمس، لتكون فرقة مزون المسرحية هي المنافسة العمانية لنيل اللقب، ومواجهة العروض العربية المشاركة في هذه النسخة.
تروي الحكاية قصة حب ملحمية، حيث تتجرد "موشكا" من القبيلة والأصل، وتجري خلف قلبها الذي قادها للحب، وربما ليس بجديد ما فعلته موشكا، ولكن الجديد ألا تكون "موشكا" إنسانا، ولكن قلبها ينبض لـ"غديّر" الإنسان، فهذا حتما يقود في النهاية إلى البقاء كأسطورة، وليست بأي أسطورة، بل هي جذر من جذور التراث العماني، وأيقونة محفورة في أصالة هذا البلد.
يواجه الحبيبان معركة دامية، حيث تتصدى "موشكا" لملك الجان، تقبل أن تعذب بعد اكتشاف الروح التي تنبض في داخلها، وأنها وقعت في ذنب لا يمكن غفرانه، ليتم تعذيبها، وما كان موتها بعد ذلك إلا بقاء كأسطورة خالدة، حيث تتحول إلى شجرة لبان، تفوح بعطرها كلما قطع منها جزء.
وليس بجديد ما يحكى على لسان الأجداد من قصص الحب بين الإنس والجن، وما تفعله تلك المشاعر من صراع طويل، ولعنة كبرى تحل على العاشق الإنسي، فماذا لو أن مسرحية "أسطورة شجرة اللبنان" لم تسلط الضوء على صراع كلنا استطعنا رؤيته أو سماعه متناقلا بين الأجيال كحكايات الأساطير والقصص الشعبية، بل اختارت "مزون" أن تسرد قصة الصراع في عالم الجن، العالم اللامرئي والمجهول والغيبي، بتفاصيل تلفت المشاهد، من اختيار للألوان والأزياء، واختيار طبقة الصوت وطريقة الحديث والإيحاءات الجسدية.
ولم يكن الاكتفاء بالتوغل لعالم حساس جدا للبشر، يستلزم الدقة والتركيز على التفاصيل، إلا أن اختيار أن تعنون المسرحية بما يمس عمق التراث العماني "شجرة اللبان" وما يمثله هذا الرمز من رسالة عظيمة، كان إيصالها عبر مختلف الدول شيئا وجب تحية "فرقة مزون" على اختياره، كما أن اختيار كلمة "أسطورة" كان أمرا مثيرا للجمهور، وداعيا للمهتمين بالأساطير لكشف حكاية الأسطورة والبحث عن تفاصيلها.
قصة عاطفية درامية مقتبسة من رواية "موشكا" للكاتب محمد الشحري، وأعدها مسرحيا نعيم نور، لتوضع في يد المخرج يوسف البلوشي، الذي استعان بإمكانيات طاقم عمل فرقة مزون، ليخرج بجمالية مغذية للبصر، فمن النجاح في اختيار الأزياء والديكور والإضاءة، إلى تكاملية الأداء التمثيلي، وإشراك الموسيقى المقتبسة من التراث العماني، صنعت لوحة مسرحية فنية محبوكة بعناية.
استعان المخرج في مسرحية "أسطورة شجرة اللبان" بالفنون الشعبية، فكان حضور الرقصات الشعبية ملفتا، إضافة إلى استخدام فن النانا وفن هيلي مكبر من محافظة ظفار، وفن المحوكة من محافظة شمال الباطنة، كما ان العزف الحي والمباشر باستخدام الآلات الموسيقية أبرزها آلة القربة، والموسيقى التصويرية المصاحبة، أضفى رونقا مميزا للعرض.
كما كان لأداء الممثلة الرئيسية "نادية عبيد" والتي قامت بدور موشكا وهي التي قام عليها الأداء المسرحي الأكبر في العرض، ماأثار جذب الجمهور، لا سيما برشاقتها في الأداء، وتحكمها بطبقاتها الصوتية، ورقصاتها البارعة، وقدرتها الجسدية على تصوير سياط التعذيب الموجهة لها، ما رفع صوت التحية لها مرارا أثناء وبعد العرض.
وشارك المخرج يوسف البلوشي في مهرجان بغداد المسرحي في 2023 بـ"أسطورة شجرة اللبان"، ولكنه استعان بتغيير كبير في العمل، إضافة إلى تغيير في بعض طاقم الممثلين.
الندوة التعقيبية..
وقدمت الدكتورة داليا حمدان تعقيبا على المسرحية أكدت على عناصر نجاح العمل، وجذبه للجمهور، وعلى الاعتماد على البناء الزمني السليم، ووجود حالة من التكثيف الزمني والدرامي للعمل أكسبه مزيدا من القوة، وقالت: المخرج استطاع أن ينجح بمزج عالم الجن بعالم الإنس، كما أنه اعتمد على التكرار، والتكرار الكامل يعني الموت، وعالم الأشباح هو عالم الموت"، كما أشادت الدكتورة داليا بأداء أبطال العمل، والإضاءة واستخدام الدخان الفاعل، والفنون الشعبية والموسيقى التقليدية التي خدمت العمل.
وأشارت إلى أن المبالغة في الأداء في عالم الجن كان مبررا جدا لأن هذا العالم غير واقعي، فكانت المبالغة أمرا مناسبا لهذا العالم فقط، وختمت حديثها بأن العرض المسرحي يعد عملا عمانيا متقدما فكريا.
وعرضت مساء اليوم مسرحية "الملجأ" من الأردن في مسرح قصر البستان، وقدمت فرقة مسرح الصواري البحرينية عرضها "المؤسسة" في مسرح مدينة العرفان، كما قدمت المملكة العربية السعودية مسرحية "ذاكرة صفراء" وهي مع عروص المسار الثاني للمهرجان.