من يقف وراء الهجوم على القصر الرئاسي في تشاد؟
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
أثار الهجوم المسلح على القصر الرئاسي في تشاد، مساء الأربعاء الماضي، والذي أسفر بحسب الحكومة عن مقتل 18 مسلحا وإصابة 6 رهن الاعتقال مقابل مقتل جندي، العديد من التساؤلات حول توقيته والجهة التي تقف خلفه، والهدف منه، فضلا عن تداعياته الداخلية والخارجية.
توقيت الهجومجاء الهجوم بعد أقل من 48 ساعة من التصعيد اللفظي بين تشاد وباريس، إثر الانتقادات الحادة التي وجهها ماكرون بباريس لقادة العديد من الدول الأفريقية، وهي التصريحات التي تحمل في طياتها نوعا من التعالي حسب مراقبين، والمنّ على هذه الدول المدينة بالشكر والعرفان لباريس، لكنها لم تفعل ذلك.
وذكّر ماكرون بأن "أيا من هذه الدول ما كان لها أن تستقل لولا التدخل الفرنسي لدعمها لنيل استقلالها، وأن أحدا منهم لا يستطيع إدارة دولة ذات سيادة من دون تدخل".
هذا التصعيد الفرنسي جاء كرد فعل على قرار رئيس تشاد محمد إدريس ديبي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ومن قبله قرار بوركينا فاسو ومالي والنيجر، بإنهاء "الاتفاقيات الأمنية الاستعمارية" مع فرنسا، خاصة مع تزايد العمليات الإرهابية في هذه الدول، وعدم نجاح باريس في حمايتها من الجماعات المسلحة.
إعلانومن وجهة نظر بعض المحللين فإن ماكرون ربما أراد توجيه رسالة بأن فرنسا ليست هي العقبة، وأن هذه الدول الأفريقية لن تستطيع الحكم بمعزل عن الدور الفرنسي.
هذا الموقف أثار حفيظة تشاد تحديدا، حيث أعربت على لسان وزير خارجيتها عبد الرحمن كلام الله عن "قلقها العميق" إزاء هذا "الموقف المزدري تجاه أفريقيا والأفارقة"، مذكرة بأن "التدخل الفرنسي كان لمصالح خاصة".
لكنه أثار في المقابل تساؤلا آخر عما إذا كانت باريس تقف وراء الهجوم، لإجبار نجامينا على إعادة التفاوض معها بشأن العودة الأمنية بصورة قانونية وفق "اتفاقيات جديدة" مختلفة عن سابقتها، أو أن لها علاقة بجماعة بوكو حرام المتهمة من نجامينا بشن الهجوم خاصة، وفق أعلن مسؤول أمني.
ويستبعد عدد من المراقبين وجود تنسيق بين باريس وبوكو حرام أو أن تكون الجماعة ضالعة في هذا الحادث.
فقد كانت الجماعة العدو الرئيسي لباريس طيلة أكثر من 10 سنوات، كما أنها أحد المستهدفين من عملية برخان التي أطلقتها فرنسا عام 2014، للقضاء على هذه التنظيمات المسلحة عبر نشر 5 آلاف من قواتها في 5 دول هي تشاد ومالي والنيجر وبوركينا فاسو، وموريتانيا.
كما دعمت باريس الجيوش الوطنية في هذا الشأن، ومنها الجيش التشادي، وبحسب مقال في وول ستريت جورنال عام 2023، فإن تشاد لديها 1100 جندي يقاتلون "بوكو حرام" وتنظيم "الدولة" في غرب أفريقيا حول بحيرة تشاد، كما تلاحق في أحيان أخرى المسلحين في نيجيريا والنيجر.
هل بوكو حرام وراء الهجوم؟من الصعب، وفق محللين، الذهاب إلى مثل هذا الطرح لعدة أسباب، منها أن الجماعة لم تعلن رسميا تبنيه، وربما من الصعب عليها مهاجمة القصر الرئاسي الذي هو أشبه بثكنة عسكرية يوجد حولها أكثر من 3 آلاف جندي للحماية، بعدد محدود يتألف من 25 مسلحا.
كما أن المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية والمتحدث باسم الحكومة الخميس، نفى ضلوع بوكو حرام في عملية تنفيذه، مشيرا إلى أن منفذيه "تشاديون يجري التحقيق لمعرفة دوافعهم، ولا علاقة للهجوم بمنظمة إرهابية معروفة وأنهم قدموا من أحد أحياء العاصمة، وبحوزتهم أسلحة بيضاء، وأسلحة نارية خفيفة، وكلهم ينتمون لقبيلة واحدة" دون أن يحددها.
إعلان هل تستفيد فرنسا من الهجوم؟إذا كانت فرنسا غير ضالعة "على الأقل ظاهريا" في هذا الهجوم، فقد تكون أحد المستفيدين منه، لأنه يفند الرواية التي قدمها النظام للشعب التشادي، بضرورة رحيل القوات الفرنسية، لأنها لم تثبت كفاءة في حماية البلاد من الإرهاب.
وهذه الرواية التي استندت إليها الأنظمة العسكرية في العديد من دول الجوار "مالي والنيجر وبوركينا فاسو" لتبرير المطالبة برحيل القوات الفرنسية من أراضيها، بل إن الطلب التشادي بإنهاء الاتفاقية الأمنية مع فرنسا نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، جاء بعد وقت قصير من الهجوم الذي شنته بوكو حرام على قاعدة عسكرية بالقرب من بحيرة تشاد، وأسفر عن مقتل 40 جنديا تشاديا.
وبالتالي ووفق المنطق الفرنسي، وحسب تصريحات ماكرون الأخيرة، فقد تحتاج هذه الدول، وتشاد تحديدا، لبقاء القوات الفرنسية بصورة أو بأخرى "كداعم لها للحد من العمليات الإرهابية، خاصة أن عملية الانسحاب المقررة لهذه القوات وعديدهم ألف جندي لم تكتمل بعد، رغم أن السلطات التشادية حددت موعدا أقصى لهذا الانسحاب نهاية هذا الشهر، لكنه يمكن أن يؤجل".
قد يكون من الصعب على الرئيس محمد كاكا في هذه المرحلة الحديث عن إعادة النظر في إمكانية توقيع اتفاقات أمنية جديدة مع فرنسا، لعدة أسباب، منها محدودية هذا الهجوم الذي تمت السيطرة عليه بأقل خسائر، وفق الرواية الحكومية وهو مقتل جندي واحد مقابل 24 مسلحا.
وقد حرص وزير الخارجية على الظهور في موقع الحدث بمسدس في خاصرته، ووقوفه وسط الجنود، لإرسال رسائل للرأي العام بأن قوات الجيش قادرة على السيطرة على مقاليد الأمور دون الحاجة لدعم خارجي.
بل إن الرئيس التشادي في المقابل، قد يستغل الحادث لتشديد قبضته الأمنية في البلاد، بإحداث تغييرات كبيرة في قيادات الجيش لضمان الولاء له، وللحيلولة دون أي محاولة خارجية من فرنسا أو غيرها، لدعم أي جماعات مسلحة لتدبير انقلاب عليه.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات القوات الفرنسیة هذه الدول بوکو حرام
إقرأ أيضاً:
بيت المرهوبي.. النظر المحرّم من نافذة القصر!
وجهتُنا هذه المرة إلى بيت أو قصر «المرهوبي»، وهو بيت بناه السلطان برغش بن سعيد بن سلطان ما بين عامي 1881 و1882، قبل أن يشرع فـي بناء «بيت العجائب». أخذَنا المرشد السياحي إلى جنبات وباحات البيت شارحًا لنا كلَّ جزء منه. وفـي شرحه كانت هناك إشادة كبيرة بإنجازات السلطان برغش، سواء فـي البيت أو فـي زنجبار عمومًا، وممّا ذكره أنّ هذا البيت محاطٌ بأشجار الأمبا؛ الفاكهة التي أدخلها السلطان برغش إلى الشرق الإفريقي كله، بعد أن أتى بها من الهند، وأنه (أي السلطان) نقل إلى زنجبار التطور الذي شاهده فـي الهند وفـي أسفاره.
وفـي ظنّي أنّ المرشد -حاله مثل كثيرين فـي كلِّ الأماكن فـي زنجبار- خفّف من لهجة العداء ضد العُمانيين التي يَصُمُّون بها آذان الزوار خاصةً من الأوروبيين الذين يُسعدهم سماعه بطبيعة الحال، والذكاءُ السياحي التجاري البحت قد يقتضي هذا بعيدًا عن المسلمات الأخلاقية بالطبع، ثم إنّ المرشد عرف من زيِّنا أننا عُمانيون وأننا لن نقبل أيَّ إساءة، فضلًا عن أنّ إساءة كهذه لو برزت فستؤثر سلبًا على عمله وعلى الحركة السياحية التي يعتمد عليها اقتصاد الجزيرة، وهو يعلم أنّ عدد الزوار العُمانيين ليس قليلًا الآن. ويبدو أنّ الرجل يفهم قواعد عمله كما ينبغي، وهو ما حدث فعلًا عندما بدأ حديثه بوصف المرهوبي أنه أول عُماني يصل إلى هذه المنطقة للمتاجرة بالعبيد، فلما صحّح له سيف المعلومة بأنّ المرهوبي تاجرٌ يبيع كلَّ شيء وليس العبيد، قال: «إنّ هذا ما يقوله الإنجليز، فأين ما تقولونه أنتم؟!»، وقد سبق أن أشرتُ إلى هذا الموقف فـي مقال سابق. سردتُ حكاية هذا المرشد للباحث محمد بن عبدالله الرحبي المتخصص فـي تاريخ «أفرابيا» (تاريخ غرب المحيط الهندي «شرق إفريقيا» زنجبار)، فكان تعليقه أنه «يجب على حكومة زنجبار أن تتخذ تدابير مهمة تخصّ هؤلاء المرشدين السياحيين، من خلال تعليمهم وتدريبهم، للحدّ من هذه الحملات التدليسية التي يتربحون بها؛ ذلك أنّ الأكاذيب حين تكون مدرّة للمال فمن الصعب التخلّي عنها دون قانون صارم أو تدابير حاسمة. والمؤسف أنّ هؤلاء المرشدين دأبوا على إسماع السياح، خاصة الغربيين منهم، ما يودون سماعه فقط، من خلال اختلاق أعداء وهميين -هم فـي هذه الحالة العرب والهنود الذين ولدوا فـي زنجبار- وتجاهلهم ذكر الغربيين وتورطهم فـي تجارة العبودية».
ومن تدليس ذلك المرشد -مثلًا- زعْمُه أنّ السلطان برغش كان يقضي يومين فـي الأسبوع فـي هذا البيت الذي خصّصه لجواريه، وأنه «كان غيورًا جدًا، لدرجة أنه عند مغادرته القصر يحقن خدمه بأدوية تقتل فـيهم الذكورة!»، وهذا الزعم ذكّرني بما كتبه الكاتب محمود صقر فـي موقع «رابطة العلماء السوريين» تحت عنوان «زنجبار باقي الحكاية»: «ما إن خرجتُ من سوق العبيد أحمل غصة اتهام العرب وحدهم بتجارة العبيد، حتى ذهبتُ لزيارة أطلال قصر السلطان برغش بن سعيد المعروف بقصر المرهوبي، تجوّل بي المرشد السياحي بين أطلاله، وهو يشير إلى حالة الشبق العربي المتجسد فـي سلوك السلطان الذي كان ينظر من نافذة القصر لاصطياد من تقع عليها عينه من النساء، بخلاف عشرات المحظيات المجلوبات من خارج زنجبار. يعني خرجنا من سوق العبيد بتهمة للعرب وحدهم فـي الاتجار بالعبيد، ومن قصر المرهوبي باستباحة نساء الجزيرة»! وأنا أستمع إلى مرشدنا السياحي كنتُ أحدّث نفسي أنه من غير المُستبعد أن يكون هو نفسه الذي يتحدّث عنه محمود صقر فـي مقاله. يضيف محمود صقر: «بثثتُ شكواي لأحد الأصدقاء العرب المقيمين منذ زمن مع أسرته فـي زنجبار، فأضاف لي أنّ ما يدرسه أبناؤه فـي الكتب المدرسية لا يبعد كثيرًا عما اشتكيتُ له منه»، وهذه فـي الواقع كارثة كبيرة، فليس هذا ما ينتظره العُمانيون من حكومة زنجبار. وبما أنّ العلاقات جيدة الآن بين الطرفـين، وهناك مساعداتٌ كثيرة تُقدّم لحكومة زنجبار من الحكومة العُمانية ومن القوى الناعمة الأخرى داخل الجزيرة ومن الجمعيات الخيرية، فقد حان الوقت لتصحيح الوضع، وهو وضعٌ ليس فـي تصحيحه أيّ صعوبة، ولا يحتاج إلى أكثر من تحرّك دبلوماسي رسمي.
وربما يتساءل البعض عن هذا المرهوبي صاحب الأرض التي بُني عليها قصر السلطان وسُمِّي باسمه. وفـي الواقع لم تُمِطْ المصادر التاريخية اللثام عن هذه الشخصية، غير أنّ المؤكد أنه كان أحد أفراد عائلة لها نفوذ مالي فـي تلك الفترة. ومما يروى أنّ السلطان برغش استولى على أرض هذا الرجل لخلاف بينهما وأقام عليها قصره هذا، مع احتفاظه بالاسم نفسه «بيت المرهوبي» أو «قصر المرهوبي». وفـي ظنّي أنّ هذه الحكاية تحمل بذرة كذبها فـي داخلها، فلماذا يختار السلطان لقصره اسم شخص هو على خلاف معه؟! الأرجح عندي أن يكون المرهوبي نفسه هو من أهدى السلطانَ قطعة الأرض هذه فقرر السلطان تسمية القصر باسمه تكريمًا له وعرفانًا بعطائه.
يقع القصر شمال المدينة الحجرية، وهو محاطٌ بحائط مستوحى من جدران المتنزهات بإنجلترا، وتوجد به أحواض مائية كبيرة مليئة بزهور الزنبق، وبه أيضًا العديد من الممرات المائية والعديد من الحمامات الموصلة بالمياه العذبة من عين تسمى Chemchem. وتأتي المياه من بُعد أربعة كيلومترات، وكانت سلالم القصر من الرخام الأبيض والأسود المؤدية إلى شرفة كبيرة مدعومة على أعمدة حجرية وكلها مستدير الشكل. يقول المرشد: إنّ حريقًا اندلع بالقصر عام 1889 فدمّره ولم يتبق إلا شكله الحالي، فـيما يقول الباحث محمد بن عبدالله الرحبي: إنّ جميع البيوت والقصور بالريف الزنجباري موصولة إلى المدينة بالهاتف منذ عام 1880، ويضيف: «قصر المرهوبي كان مكانًا لاستراحة السلطان برغش، ويحتوي على الحمامات التركية التي لا يزال بعضها محافظًا على ملامحه، وغرف للجلوس بعد الاستحمام، كما كان يحتوي على برك سباحة وكراسٍ منحوتة من الحجر ونوافـير وحدائق غنّاء. وقد استوحى السلطان برغش التصميم من بعض البلدان الإسلامية، فنجد على سبيل المثال الزخارف والقباب العثمانية واضحة، كما حوّل قناة مائية قريبة من القصر إلى شبكة مياه لتزويد القصر بالماء للحمامات والنوافـير وبرك السباحة».
مع الإكرامية التي منحها له سيف -كعادته لمن يقدّم لنا خدمات فـي هذه الرحلة- كال لنا المرشد السياحي المديح والثناء، وقال: «إنّ زنجبار هي عُمان وعُمان هي زنجبار، وتاريخُنا واحد، ونرحّب بكم دائمًا»، وعلى قدر سعادتي بهذا الإطراء كان شيءٌ ما فـي داخلي متشككًا: «تُرى هل هذا ما يقوله عن عُمان والعُمانيين أمام الآخرين؟!». ويبدو أنّ سمة الترحيب عند التوديع هي سمة زنجبارية خالصة؛ فلم ندخل محلًّا أو مطعمًا إلا ويشكروننا فـي الوداع ويقولون بالسواحلية بكلّ لطف: «karibuni tena»، بمعنى: تفضلوا ثانيةً.
ونحن نغادر بيت المرهوبي، قلت لصاحبَيّ -سيف وسليمان- إنه رغم الحريق الذي التهم المبنى، فإنّ الملامح العامة للبيت ما زالت واضحة، وكذلك سُمك الجدران، وهذا يعني أنّ الترميم ليس مستحيلًا، بل أراه واجبًا ليلحق «بيت العجائب» و«بيت الساحل» فـي الترميم، ولماذا لا تشتريه الحكومة العُمانية؟ لأنّ البيت إرثٌ عُمانيٌّ يحكي تاريخَنا هناك، هذا التاريخ الذي يتعيّن أن يظلّ صامدًا فـي مواجهة أعاصير الزمن الهوجاء.