يرى الباحث براسانتا كومار برادان أن السعودية حققت، خلال الاجتماع الدولي في جدة قبل نحو أسبوعين، "بداية جيدة" للتشاور بشأن سبل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن جهود الوساطة في هذا الملف تمثل "مهمة هائلة" للمملكة؛ لأن النزاع خارج جوارها العربي/ الإسلامي، وبالتالي فإن "قوتها الناعمة غير فعالة".

تلك القراءة قدمها الباحث براسانتا كومار برادان في تحليل بمعهد "مانوهار باريكار للدراسات والتحليلات الدفاعية" في نيودلهي (MP-IDSA) ترجمه "الخليج الجديد"، لافتا إلى أن "نهج السعودية تجاه هذه الحرب يتميز بالالتزام بالحياد وجهود الوساطة وتقديم المساعدة الإنسانية للاجئين الأوكرانيين".

وتبرر روسيا حربها المستمرة منذ 24 فبراير/ شباط 2022 في جارتها أوكرانيا بأن خطط الأخيرة للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بقيادة الولايات المتحدة، تهدد الأمن القومي الروسية.

وأردف: "في حين أن تركيز الرياض السياسي والأمني الأساسي ظل تقليديا داخل العالم العربي والإسلامي، فقد أظهرت اهتماما عميقا بتطورات تلك الحرب. ويؤكد الموقف السعودي من الحرب على مبادرات السياسة الخارجية الديناميكية والتطلعية للمملكة، والتي دافع عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان".

ولفت إلى أنه "في 5 و6 أغسطس/ آب الجاري، استضافت مدينة جدية السعودية اجتماعا لممثلي الأمن القومي من أكثر من 40 دولة إلى جانب ممثلي الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي، واتفق المجتمعون على مواصلة المشاورات وتبادل الآراء لإيجاد طريقة لإعادة السلام بين روسيا وأوكرانيا".

واعتبر أنه "من المفارقات أن روسيا لم تُدعَ إلى الاجتماع. ووصفته أوكرانيا بأنه "مشاورات مثمرة"، فيما قالت روسيا إنه "بدون مراعاة مصالحها، لن يكون لأي اجتماعات بشأن الأزمة الأوكرانية أدنى قيمة مضافة".

وزاد برادان بأنه "منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، التزمت السعودية بموقف الحياد بينما كانت تدعو باستمرار إلى حل سلمي عبر المفاوضات الدبلوماسية. وبمرور الوقت، تطور هذا الحياد إلى مشاركة دبلوماسية أكثر نشاطا، حيث تسعى المملكة جاهدة للتوسط بين روسيا وأوكرانيا".

اقرأ أيضاً

وساطة السلام بحرب أوكرانيا.. هكذا عزز بن سلمان المكانة الدولية للسعودية

تحركات سعودية

و"على الرغم من العلاقات العميقة مع روسيا، صوّتت السعودية لصالح قرارات الأمم المتحدة الداعية إلى وقف النزاع وانسحاب القوات الروسية ووقف ضم الأراضي الأوكرانية. وقد حافظت المملكة على علاقة جيدة مع روسيا وأوكرانيا، مما يجعلها تعتقد أنها في وضع فريد كوسيط محايد وذو مصداقية في الأزمة"، بحسب برادان.

وتابع: "في الوقت الذي تنادي فيه بوقف الحرب، قدمت المملكة مساعدات إنسانية للاجئين الأوكرانيين، وفي فبراير/ شباط الماضي، زار وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أوكرانيا والتقى بالرئيس فولوديمير زيلينسكي، ووقَّع البلدان اتفاقيات بقيمة 400 مليون دولار هي 300 مليون دولار كمشتقات نفطية لأوكرانيا وتقديم مساعدات إنسانية بـ100 مليون دولار عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والمساعدات الإنسانية".

وزاد بأن "وزير الخارجية السعودي أعرب عن استعداد بلاده للتوسط في الصراع والمساعدة في حله. وخلال أقل من أسبوعين، زار بن فرحان موسكو أيضا والتقى بنظيره سيرجي لافروف، وجدد استعداد السعودية للتوسط من أجل إنهاء الحرب".

برادان قال إنه "منذ إنشاء (التحالف النفطي) "أوبك +" في عام 2016، تعمق التعاون السعودي الروسي في قطاع الطاقة بشكل كبير. وبالنسبة للولايات المتحدة، كان تعاونهما في "أوبك +" وتأثيره على سوق النفط العالمي مصدر قلق كبير".

وأردف أنه "في الوقت الذي فرضت فيه الولايات المتحدة والدول الأوروبية حظرا على استيراد النفط الروسي (بسبب الحرب في أوكرانيا)، ساعدت سياسات "أوبك+" الاقتصاد الروسي خلال الحرب، كما ساعدت السعودية في الحفاظ على هيمنتها في سوق النفط والحفاظ على اقتصادها في حالة جيدة".

اقرأ أيضاً

تحليل: وساطة السعودية والصين بين روسيا وأوكرانيا خطأ استراتيجي

إجماع دولي 

وبالتالي، وفقا لبرادان، "لدى السعودية أسباب كثيرة لدعم موقف محايد في الحرب، متجنبة الضغط من الولايات المتحدة. وكانت علاقتها مع أوكرانيا دافئة أيضا مع العلاقات السياسية والاقتصادية الجيدة. ودعت السعودية زيلينسكي للمشاركة في قمة جدة لجامعة الدول العربية في مايو/ أيار الماضي، حيث سعى للحصول على دعم المنظمة ضد العدوان الروسي".

وأضاف أن "الرياض تسعى إلى تعزيز سمعتها كوسيط موثوق به في جوارها وما وراءه. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الوساطة سمة مهمة للدبلوماسية السعودية".

ولفت إلى أنها "توسطت في النزاعات الإقليمية في المنطقة العربية/ الإسلامية كما هو الحال في لبنان، وبين (حركتي) حماس وفتح في فلسطين، ومؤخرا بين الأطراف المتصارعة في السودان. وغالبا ما تستخدم الرياض قوتها الدينية الناعمة لإثبات مصداقيتها كوسيط، كما تقدم مساعدات مالية لدعم وتهدئة الأطراف المتصارعة".

وتابع أنه "في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، توسطت السعودية والإمارات بين الولايات المتحدة وروسيا للإفراج عن بريتني جرينير، وهي رياضية أمريكية (لاعبة سلة كانت) مسجونة في روسيا، وفيكتور بوت وروسي كان في سجن بالولايات المتحدة".

واستدرك برادان: "لكن النجاح في الوساطة في الحرب الروسية الأوكرانية، المستمرة منذ 18 شهرا، سيكون مهمة هائلة للرياض؛ إذ تدور الحرب في منطقة خارج جوارها العربي/ الإسلامي، حيث قوتها الناعمة غير فعالة، فعلى الرغم من الحفاظ على علاقات جيدة مع موسكو وكييف، إلا أن روافع الرياض السياسية والدبلوماسية للتأثير عليهما محدودة".

كما اعتبر أنه "سيكون من الصعب إقناع روسيا بالانسحاب دون اتفاق مقبول. وفي الوضع الحالي، حيث استولت روسيا على أراضٍ أوكرانية، تدعم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أوكرانيا في الحرب ولا تزال أزمة اللاجئين قائمة، وستظل فعالية وساطة الرياض مقيدة".

و"في اجتماع جدة، حققت الرياض بداية جيدة لجلب أصحاب المصلحة الرئيسيين من جميع أنحاء العالم للتشاور. وتمتلك جهود الوساطة السعودية القدرة على بناء إجماع دولي لإنهاء الحرب، لكن التحدي المعقد يكمن في الترجمة الناجحة لهذا الإجماع إلى إجراءات ملموسة وفعالة على الأرض"، كما ختم برادان.

((3))

المصدر | براسانتا كومار برادان/ معهد مانوهار باريكار- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: حرب روسيا أوكرانيا السعودية وساطة بین روسیا وأوکرانیا الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

روسيا وأوكرانيا تتبادلان الاتهامات بشن هجوم صاروخي على مدرسة بكورسك

تبادلت أوكرانيا وروسيا الاتهامات بشن هجوم صاروخي أمس السبت على مدرسة داخلية تقع في جزء من منطقة كورسك الروسية تسيطر عليه القوات الأوكرانية، مما أسفر عن 4 قتلى. وتزامن ذلك مع إطلاق روسيا عشرات الصواريخ والمسيرات على أوكرانيا، مع تقدمها نحو مدينة توريتسك الإستراتيجية.

وقالت القوات المسلحة الأوكرانية -عبر تطبيق تليغرام- إن روسيا شنت قصفا جويا من أراضيها استهدف مدرسة داخلية في سودجا، الواقعة على بعد نحو 12 كيلومترا عن الحدود مع أوكرانيا، مما أسفر عن مقتل 4 على الأقل. وكانت المدرسة الداخلية تؤوي أشخاصا يستعدون للإجلاء.

وأوضحت أنه بحلول العاشرة مساء (20:00 بتوقيت غرينتش) أمس، تم إنقاذ 84 شخصا أو تلقوا رعاية طبية. وكان 4 من المصابين في حالة حرجة. واستمرت جهود الإنقاذ لإزالة الأنقاض.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي -في حسابه على منصة إكس- إن الروس "دمروا المبنى رغم وجود عشرات المدنيين هناك" مضيفا "هكذا خاضت روسيا حربها على الشيشان قبل عقود. وقتلوا السوريين بنفس الطريقة".

في المقابل، اتهمت الحكومة الروسية اليوم أوكرانيا بشن ذلك الهجوم، وكتبت وزارة الدفاع في بيان "ارتكبت القوات المسلحة الأوكرانية جريمة حرب أخرى بشن ضربة صاروخية موجهة ضد مدرسة داخلية في سودجا" وأضافت أن عملية الاطلاق تمت من مدينة سومي شمال شرق أوكرانيا.

إعلان

وقد اندلعت أشد معارك الحرب خلال الأشهر القليلة الماضية في منطقة كورسك الحدودية مع أوكرانيا، حيث تسيطر القوات الأوكرانية على مساحات شاسعة من الأراضي منذ أن شنت هجوما كبيرا عبر الحدود في أغسطس/آب الماضي.

تضرر أحد المباني في سودجا نتيجة القتال بين القوات الروسية والأوكرانية (رويترز-أرشيف) عشرات الصواريخ والمسيرات

تزامنت هذه الاتهامات مع إطلاق روسيا عشرات الصواريخ والمسيرات على أوكرانيا مما أسفر عن 15 قتيلا، وفق ما أفادت كييف أمس، في حين أكدت موسكو أن قواتها تتقدم نحو مدينة توريتسك الإستراتيجية.

وأفادت القوات الجوية الأوكرانية ظهر أمس أن موسكو أطلقت 42 صاروخا و123 طائرة مسيّرة على البلاد، لافتة إلى أن الدفاعات الجوية أسقطت عددا من الصواريخ، مؤكدة تدمير 56 مُسيرة "معادية" وأن 61 أخرى لم تصل لأهدافها.

وقال زيلينسكي عبر تطبيق تليغرام "خلال الليلة الماضية، هاجمت روسيا مدننا بمختلف أنواع الأسلحة: صواريخ، مسيّرات، قنابل جوية". وأضاف أنّ "هذه الهجمات الإرهابية تُظهر أنّنا بحاجة إلى المساعدة للدفاع عن أنفسنا في مواجهة الإرهاب الروسي" داعيا "شركاء" كييف إلى التحرّك.

وأشار الرئيس الأوكراني إلى أضرار في 6 مناطق، هي زاباروجيا وأوديسا وسومي وخاركيف وخميلنيتسكي وكييف.

وقد قتل 15 شخصا على الأقل في ضربات ليل الجمعة السبت وفجر السبت طالت وسط أوكرانيا وشرقها، خاصة خاركيف وإيوناكيفسكا قرب الحدود الروسية بمنطقة سومي الواقعتين شمال شرق البلاد.

ومن جانبها أعلنت وزارة الدفاع الروسية في بيان أنّها استهدفت خلال الليل بنى تحتية للغاز والطاقة "تضمن عمل مؤسسات المجمع الصناعي العسكري" بأوكرانيا.

هجوم روسي على كييف (رويترز-أرشيف) تقدم روسي

وتواجه القوات الأوكرانية صعوبات كبيرة في منطقة دونيتسك حيث يواصل الجيش الروسي تقدمه البطيء.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية السيطرة على بلدة كريمسكي بالضاحية الشمالية الشرقية لتوريتسك، وقالت مجموعة المحللين الأوكرانيين (ديبستايت) إن القوات الروسية توجد وسط مدينتي توريتسك وتشاسيف يار المتنازع عليهما منذ أشهر.

إعلان

وإلى جانب ذلك، تُحرز القوات الروسية تقدّما أيضا في منطقة خاركيف، كما تقترب من مدينة كوبيانسك التي لها أهمية إستراتيجية.

ويواجه الجيش الأوكراني -الذي يفتقر لجنود ومعدّات- صعوبة في تجنيد مزيد من العناصر خصوصا بسبب إحجام السكان المنهكين بعد 3 أعوام من القتال.

زيلينسكي يأمل الاجتماع قريبا مع الرئيس الأميركي (رويترز) زيلينسكي وإدارة ترامب

على الصعيد السياسي، قال الرئيس الأوكراني إنه يأمل في اجتماع شخصي قريبا مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، موضحا أن عدة اتصالات جرت بين واشنطن وكييف منذ تنصيب ترامب.

وأوضح زيلينسكي أن هذه الاتصالات تمت على مستوى كيث كيلوغ المبعوث الخاص لترامب، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، ومسؤولين آخرين. ووصف المحادثات بأنها "جيدة جدا" قائلا إنها تناولت "مواضيع عامة".

وقال -في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية- إن هناك زيارة مؤجلة لكيلوغ إلى البلاد ولم تتم إعادة جدولة موعدها بعد، لكنه يتوقع أن تتم قريبا. وأضاف "من المهم لنا أن يحدث ذلك خلال الأسابيع المقبلة، بأقرب وقت ممكن".

مقالات مشابهة

  • ترامب يريد تنازلات من روسيا وأوكرانيا لوقف الحرب
  • تبادل الاتهامات بين روسيا وأوكرانيا بشأن قصف مدرسة في كورسك
  • الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع يصل الرياض في أول زيارة رسمية للسعودية
  • روسيا وأوكرانيا تتبادلان الاتهامات بشن هجوم صاروخي على مدرسة بكورسك
  • جريمة لا تغفر ..روسيا وأوكرانيا تتبادلان الاتهامات بشأن قتلى مدرسة
  • روسيا وأوكرانيا تتبادلان الاتهامات بالمسؤولية عن قصف مدرسة في كورسك
  • 4 قتلى بقصف مدرسة.. روسيا وأوكرانيا تتبادلان الاتهامات
  • مبعوث ترامب يتحدث عن خطة لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا
  • روسيا وأوكرانيا تتبادلان القصف وزيلينسكي يعلن مقتل ستة
  • ترامب يكشف عن"مناقشات جادة" تجري مع روسيا بشأن أوكرانيا فهل تضع الحرب أوزارها؟