في خطبة جمعة سابقة، ألقى فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق خطبة بتاريخ 12-8-2005، تناول فيها أهمية خطبة الحاجة التي استهل بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلامه، مشيرًا إلى ما رواه عبد الله بن مسعود: "كان يعلمنا خطبة الحاجة كما يعلمنا القرآن"، دلالة على أهميتها ومكانتها في الإسلام.

الآية العظيمة: دعوة للاستمرار على ذكر الله

استشهد فضيلة الدكتور بالآية الكريمة من سورة آل عمران:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾.


وأوضح أن هذه الآية تعد من أعظم آيات القرآن من حيث العمل؛ إذ تدعو المسلم للبقاء على ذكر الله وطاعته حتى يأتيه الموت وهو على الإسلام. فالإنسان لا يعلم متى يموت، ولذا يجب أن يكون دائم الذكر والعبادة، دون غفلة أو نسيان.

وأشار فضيلته إلى أن الغفلة عن الله سبحانه وتعالى هي عائق بين العبد وربه، وأن هذا النقص البشري يدعو المسلم إلى الاستغفار والتضرع لله ليغفر له هذه الغفلة.

تحويل العادات إلى عبادات: جوهر الإصلاح

ناقش فضيلة الدكتور أهمية تحويل العادات اليومية إلى عبادات بنية صالحة خالصة لله تعالى، محذرًا من أن تحول العبادة إلى عادة هو أول طريق الفساد. فالصلاة، على سبيل المثال، إذا أداها المسلم دون خشوع أو تركيز، تتحول إلى عادة لا تؤدي وظيفتها التي أرادها الله لها، وهي النهي عن الفحشاء والمنكر كما جاء في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

السلف الصالح: القدوة في الإخلاص والعبودية

أشاد جمعة بالسلف الصالح الذين استطاعوا تحويل العادات إلى عبادات من خلال تطبيق حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". فكانوا يخلصون النية في جميع أفعالهم وأقوالهم، حتى في أبسط أمور حياتهم اليومية، فصاروا عبادًا ربانيين يستجيب الله لدعائهم.

استعدادًا لرمضان: دعوة للتقوى والإخلاص

اختتم الدكتور الخطبة بدعوة المسلمين لاستثمار شهر رجب الفرد كتهيئة روحية لشهر رمضان، وتحقيق معنى التقوى في قوله تعالى:
﴿ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾.
وحثهم على نقل أنفسهم من دائرة الغفلة إلى دائرة رضا الله، وتحويل عباداتهم إلى إخلاص كامل، وعاداتهم إلى عبادات تقربهم من الله سبحانه وتعالى.

 

إن خطبة الجمعة هذه تحمل دعوة واضحة لإحياء القلوب بالذكر، وتحقيق معنى العبودية لله سبحانه وتعالى، والسعي لأن تكون كل لحظة في حياة المسلم فرصة للتقرب إلى الله، استعدادًا لمواسم الخير والطاعة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الجمعة خطبة الجمعة رمضان الخطبة شهر رجب جمعة إلى عبادات

إقرأ أيضاً:

مفهوم الصدقة الجارية ومصارف أنفاق الأموال

كشفت دار الإفتاء المصرية، برئاسة الدكتور نظير عياد مفتي الديار، عن مفهوم الصدقة الجارية، وهى الصدقة المستمرة للأجيال المتعاقبة، لا لجيل واحد، والمتعدية للعديد من الأشخاص، لا لشخص واحد.

وقالت الإفتاء إن من أبواب الصدقة طباعة المصاحف، وكتب العلم النافع، وبناء المساجد، والمدارس، والمستشفيات، والمقابر للمحتاجين، وتوصيل الماء والكهرباء والخدمات للمحرومين، وإقامة جمعيات خدمية وتطوعية للزواج، وحل مشكلات الناس، وتوصيل احتياجاتهم للمسؤولين وما شابه، ممَّا يُحقّق غرض الدوام والتعدية.

مصارف إنفاق أموال الصدقات


روى العلامة البلاذري في "فتوح البلدان" (ص: 131، ط. دار ومكتبة الهلال)، قال: [حدثني هشام بن عمار أنه سمع المشايخ يذكرون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند مقدمه الجابيةَ من أرض دمشق، مر بقوم مُجذَّمين من النصارى، فأمر أن يُعطَوْا من الصدقات، وأن يجري عليهم القوت] اهـ.


وعن جابر بن زيد: أنه سئل عن الصدقة فيمَن توضع؟ فقال: "في أهل المسكنة من المسلمين وأهل ذمتهم"، وقال: "قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم في أهل الذمة من الصدقة والخمس" أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف".

وقال الإمام القرطبي المالكي في "تفسيره" (3/ 338، ط. دار الكتب المصرية): [وقال المهدوي: رخص للمسلمين أن يعطوا المشركين من قراباتهم] اهـ.


فالاختلاف في الدين لا ينبغي أن يكون مانعًا من أسباب الود والرحمة بين الناس؛ لأنه سنة كونية أرادها الله تعالى؛ قال سبحانه: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 99].

وإعطاء الصدقات لغير المسلمين من قبيل التعاون والاستباق في الخير بين الأمم المختلفة في الدين؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [المائدة: 48].


وقال العلامة ابن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 261، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وصحَّ دفع غير الزكاة إلى الذمي واجبًا كان أو تطوعًا؛ كصدقة الفطر، والكفارات، والمنذور؛ لقوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]] اهـ.


وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (4/ 195، ط. دار الكتب العلمية): [(و) تحل -أي: صدقة التطوع- لغير المسلم] اهـ بتصرف يسير.

مقالات مشابهة

  • مسجد باريس الكبير يعتمد دعاء لفرنسا بعد خطبة كل جمعة
  • علي جمعة: السلف الصالح تميزوا بتحويل العادات إلى عبادات
  • الحكمة والموعظة الحسنة
  • كيف تعلم أن الله راضٍ عنك؟ هذه أول علامة تدل على حب الخالق لعبده
  • علي جمعة: الكذب محاولة فرض واقع لم يخلقه الله فيتحول لسجن من الوهن
  • أسرار الرزق والنجاح.. 10 حقائق عن وعد الله في القرآن الكريم
  • صرخة في وجه النفاق
  • مفهوم الصدقة الجارية ومصارف أنفاق الأموال
  • مفتي الجمهورية يهنئ فضيلة الدكتور أحمد الطيب بعيد ميلاده