برلين- مع سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، انتعشت الآمال بتحسن الأوضاع السياسية في البلاد، لكن هذا التطور لم يكن كافيا لحسم ملف اللاجئين السوريين الذين أصبحت قضيتهم محورا رئيسيا في النقاش العام ببرلين وحملات الأحزاب الألمانية مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة في 23 فبراير/شباط المقبل.

وتعكس تصريحات المسؤولين الألمان انقساما واضحا بين تأكيد الحاجة إلى ترحيل اللاجئين بأسرع وقت، وبين ضرورة استثمار وجودهم في سوق العمل المتعطش للكفاءات ودعم الاندماج بدلا من دعم برنامج الإعادة.

وتتصدر هذه القضية، ومنذ أشهر، المشهد السياسي في البلاد، خاصة بعد سلسلة من الحوادث الأمنية ارتبطت بأسماء مهاجرين، وبعد نجاح "اليمين المتطرف" في التقدم بولايتين في الانتخابات المحلية.

فراغ كبير

ومجددا أفادت وزيرة الداخلية نانسي فيزر بأن المكتب الاتحادي للهجرة سيعيد تقييم أوضاع الحماية الممنوحة للسوريين إذا اعتُبر الوضع في دمشق مستقرا. وتأتي هذه التصريحات ضمن محاولات لإرضاء ناخبين يدعمون سياسات أكثر تشددا حيال الهجرة واللجوء، وهي خطوة ليست بغريبة في ظل التنافس الحاد بين الأحزاب الألمانية.

من جانبه، يرى فولفغانغ مولكه، الخبير الاقتصادي والمراسل لعدة صحف من برلين، أن ترحيل اللاجئين قد يترك فراغا كبيرا في قطاعات رئيسية مثل الرعاية الصحية والهندسة، حيث يشكلون جزءا مهما من القوى العاملة فيها.

إعلان

وقال للجزيرة نت إن اندماج العديد منهم في ألمانيا يجعل من الصعب عودتهم الطوعية أو القسرية دون تكبد الاقتصاد خسائر فادحة، مؤكدا أن السياسيين يطرحون هذا الملف "بواقعية محدودة".

ولا تقتصر مطالب ترحيل اللاجئين على وزيرة الداخلية، إذ دعا رئيس الاتحاد المسيحي الديمقراطي والمرشح لمنصب المستشار، فريدريش ميرتس، إلى ترحيل "مرتكبي الجرائم الجنائية منهم، حتى لو اقتضى الأمر إعادتهم إلى دول مثل سوريا أو أفغانستان".

إجراءات غامضة

وقوبلت هذه التصريحات بانتقادات حقوقية، خاصة أن منظمات إنسانية كثيرة تعتبر أن سوريا "لا تزال غير آمنة"، مما يثير تساؤلات عن الأساس القانوني والإنساني لهذا المقترح، كما يؤخذ عليها غياب الآليات والإجراءات الواضحة للتنفيذ والمتابعة حتى في البلد الأصلي، من بينها دعم مشاريع للعائدين طوعا.

ولم تكد تمضي ساعات على الإعلان عن سقوط الأسد، حتى قام المكتب الاتحادي للهجرة بتعليق البت في طلبات حوالي 47 ألف لاجئ سوري. واعتبر المحامي وخبير العلاقات الدولية فولف شويبرت أن هذا الإجراء "منطقي، إذ إن الأسباب السابقة لمنح الحماية، مثل قمع نظام الأسد، لم تعد قائمة". لكنه يؤكد ضرورة مراعاة الوضع الأمني في سوريا "الذي لا يزال هشا".

وأضاف للجزيرة نت أن إلغاء الحماية بسبب انتهاء الحرب يتطلب التأكد من توفر ضمانات بعدم تعرض العائدين إلى خطر الاضطهاد أو العنف، وقال "عودة اللاجئين ليست قضية بسيطة، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن بعضهم أسس حياة جديدة في ألمانيا يصعب التخلي عنها".

من جانبه، يرى الخبير السياسي إيفالد كونيغ أن الإشكالية الأكبر في الخطاب الحكومي الألماني تكمن في الغموض الذي يكتنف المصطلحات المستخدمة مثل "مرتكبي الجرائم و"الإسلامويين"، وأن غياب التحديد الدقيق يسمح بتوظيف هذه المصطلحات بشكل يخدم الأجندات الانتخابية.

إعلان

وأوضح للجزيرة نت أن مثل هذه التصريحات قد لا تكون أكثر من رسائل انتخابية موجهة للجمهور المحلي، لكنها تضع اللاجئين السوريين في موقف قلق وغير مستقر. وأضاف أن الحملات الانتخابية المتزايدة ضد اللاجئين غالبا ما تؤدي إلى تعزيز موقف الأحزاب المتشددة مثل حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي يبني شعبيته على الخطاب المناهض للمهاجرين.

تطبيق معقد

في الوقت الذي تروج فيه بعض الأحزاب لفكرة "العودة الطوعية"، فإن تطبيقها على أرض الواقع يظل معقدا. وتشير تقارير إلى أن بعض الأقليات السورية، مثل المسيحيين والعلويين والشيعة، "قد يواجهون تهديدات حقيقية بسبب الظروف السياسية المستجدة في سوريا".

في المقابل، فإن الجزم بأن سوريا أصبحت آمنة يظل بعيد المنال. ويرى الخبير كونيغ أن "هناك فراغا سياسيا كبيرا فيها يجعل عودة اللاجئين، سواء طواعية أو قسرية، محفوفة بالمخاطر". ويقول إن الحكومة الألمانية مطالبة بالتعامل مع الملف بحذر، خاصة أن أي خطوة غير مدروسة قد تؤدي إلى موجة جديدة من النزوح.

يعيش في ألمانيا حاليا نحو 975 ألف سوري، حسب وزارة الداخلية، جاء معظمهم عام 2015 هربا من ويلات الحرب. ويتمتع أكثر من 30 ألفا منهم بوضع "الحماية الفرعية"، الذي يتيح لهم البقاء بسبب الحرب المستمرة في بلدهم.

لكن انتهاء الحرب لا يعني بالضرورة انتهاء التهديدات الأمنية أو الاقتصادية التي يواجهها هؤلاء. ويتطلب حسم هذا الملف دراسات دقيقة واستشارة المنظمات الدولية لضمان أن القرارات تتماشى مع القوانين الدولية وحقوق الإنسان.

في ظل هذه التعقيدات، يبدو أن مستقبل اللاجئين السوريين في برلين سيظل رهين التوازن بين المصالح السياسية، والضغوط الاقتصادية، والمتغيرات الأمنية، سواء داخل ألمانيا أو في سوريا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات اللاجئین السوریین فی ألمانیا

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأوروبي: مؤتمر مانحي سوريا على مستوى الوزراء ولم توجه دعوة للشرع

قال متحدث باسم المفوضية الأوروبية، الأربعاء، إن الاتحاد الأوروبي لم يوجه دعوة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع لحضور قمة دولية لمانحي سوريا في بروكسل يوم 17 آذار/ مارس لأن الاجتماع سيُعقد على "المستوى الوزاري".

وكان مسؤول أوروبي قال لوكالة "رويترز" في وقت سابق اليوم إن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني سيحضر قمة المانحين، وستكون هذه هي المرة الأولى التي تُمثل فيها سوريا رسميا في المؤتمر السنوي.

وفي وقت سابق، الأربعاء، تحدثت "رويترز" عن احتمالية توجه الرئيس السوري أحمد الشرع إلى العاصمة البلجيكية بروكسل للمشاركة في مؤتمر دولي سنوي للمانحين لسوريا.

ونقلت الوكالة عن مصدر سوري ودبلوماسيين اثنين أنه من المتوقع أن يسافر الشرع إلى بروكسل للمشاركة في مؤتمر المانحين المقرر عقده في 17 آذار /مارس الجاري.

ويهدف المؤتمر الذي يستضيفه الاتحاد الأوروبي إلى "حشد الدعم الدولي لانتقال سلمي شامل" في سوريا.

وقبل أيام، قالت متحدثة المفوضية الأوروبية أنيتا هيبر خلال مؤتمر صحفي، إن المفوضية أرسلت دعوة إلى وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني للمشاركة ممثلا عن الإدارة السورية.


وبحسب معلومات أولية حصلت عليها وكالة الأناضول من مصادر في الاتحاد الأوروبي، فإنه تم إرسال دعوة أيضا إلى الرئيس السوري أيضا لحضور المؤتمر.

وستكون هذه الزيارة المتوقعة أول زيارة يجريها الرئيس السوري إلى أوروبا منذ توليه رئاسة البلاد نهاية شهر كانون الثاني /يناير الماضي خلال "مؤتمر النصر" الذي عقد بالعاصمة دمشق.

وكان الشرع تلقى التهنئة من عدد من قادة الدول الأوروبية بعد تنصيبه رئيسا للبلاد، بما في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي دعا الرئيس السوري لإجراء زيارة إلى باريس خلال الأسابيع المقبلة، وفقا لوكالة الأنباء السورية "سانا".

ويعقد الاتحاد الأوروبي مؤتمرا للمانحين لدعم سوريا في بروكسل منذ عام 2017، حيث يلتزم الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بتقديم المنح والقروض لسوريا والمجتمعات المضيفة لهم في المنطقة، بحسب وكالة الأناضول.


ويعتبر مؤتمر المانحين المقبل المقرر انعقاده تحت عنوان "الوقوف إلى جانب سوريا: تلبية احتياجات انتقال ناجح"، الأول من نوعه مع مشاركة الحكومة السورية الجديدة أيضا.

وفجر الأحد 8 كانون الأول/ ديسمبر، دخلت فصائل المعارضة السورية إلى العاصمة دمشق، وسيطرت عليها مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكم نظام حزب البعث، و53 عاما من حكم عائلة الأسد.

وفي 29 كانون الثاني/ يناير، أعلنت الإدارة السورية الجديدة عن تعيين قائد قوات التحرير أحمد الشرع رئيسا للبلاد في المرحلة الانتقالية، بجانب العديد من القرارات الثورية التي قضت بحل حزب البعث العربي الاشتراكي ودستور عام 2012 والبرلمان التابع للنظام المخلوع.

مقالات مشابهة

  • مستقبل سوريا.. 80% من اللاجئين السوريين يرغبون فى العودة
  • بارزاني وعبدي يبحثان الأوضاع السياسية والتطورات الأخيرة في سوريا
  • الاتحاد الأوروبي: مؤتمر مانحي سوريا على مستوى الوزراء ولم توجه دعوة للشرع
  • تدفق آلاف اللاجئين السوريين إلى القرى اللبنانية عبر النهر الكبير وسط مخاوف أمنية
  • جون ويندهام.. رائد الخيال العلمي الذي تنبأ بكوارث المستقبل
  • أستاذ العلوم السياسية: إسرائيل توظف الفوضى في سوريا لتحقيق أهدافها
  • هل ساهم توجه إدارة ترامب في سوريا باتفاق قسد مع الشرع؟
  • الجزيرة: ترحيل كل اللاجئين غير الشرعيين
  • «مدرسة جميلة» ومربي فاضل هو «ابن» سرحتها الذي غنى بها
  • الأمم المتحدة تحذر من تفاقم أزمة اللاجئين في السودان وشرق الكونغو