هل يهتز الاقتصاد العالمي مع وصول ترامب للبيت الأبيض؟
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
ما هو التأثير الاقتصادي الذي قد تُخلّفه سياسات الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة، على أوروبا والصين والعالم كلّه، تساؤلات لا يتوقف محللون اقتصاديون فرنسيون عن طرحها مُنذ إعادة انتخاب دونالد ترامب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وبدء العد التنازلي لعودته للبيت الأبيض، حيث يستعد لأداء اليمين الدستورية قريباً.
وترى الباحثة والمحللة الفرنسية آن شيفيال، أنّ كل تصريح لترامب يؤجج المخاوف المبررة، ومن أهمّها التهديدات بفرض رسوم جمركية باهظة على الواردات من الصين وأوروبا، والوعود بإلغاء القيود التنظيمية وتخفيض الضرائب للأمريكيين، والالتزام بترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين، مُحمّلاً الرئيس الحالي جو بادين مسؤولية الحدود المفتوحة لبلاده، وأخيراً ضم كندا واستعادة السيطرة على قناة بنما.
Hausse des droits de douane, baisse des impôts, expulsion massive de clandestins. Quel impact aura la politique du 47e président sur une Amérique dont le dynamisme écrase l’Europe et la Chine? ↓https://t.co/WYJkv8E1B3
— Le Figaro (@Le_Figaro) January 2, 2025 أوروبا ليست قويةومن جهته، قال رئيس إدارة الاقتصاد العالمي في يومية "لو فيغارو"، فابريس نودي لانجلوا، إنّ "التهديد بفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات، و25% على الواردات المكسيكية، و60% على الواردات الصينية، يُشكّل خطراً كبيراً على الاقتصاد العالمي. فإلى أيّ مدى سوف يذهب ترامب في إجراءاته؟ وهل سيؤدي ذلك إلى تصعيد عالمي؟".
وأشار إلى أنّ الأسوأ ليس مؤكداً، حيث يرى خبراء اقتصاديون أنّ ترامب يُساوم دائماً ويُمارس الضغط ليطلب المزيد من أجل تبديل الظروف الراهنة. وفي هذه المواجهات المقبلة، فإنّ أوروبا ليست في موقف قوي، وتحتاج شركاتها إلى منافذ للتعويض عن ضعف السوق الأوروبية والتباطؤ في الصين.
Nouvelle-Orléans : Donald Trump a dénoncé la «vermine violente» qui s'est «infiltrée» partout aux États-Unis grâce, selon lui, à la politique de «frontières ouvertes» de Joe Biden.
→https://t.co/sJDYfJ59Nv pic.twitter.com/gLTCz2n4C6
ووفقاً لأحدث التوقعات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، فإنّ النمو الأمريكي هذا العام سيكون ضعف النمو في منطقة اليورو. ويُشير أحد كبار المصرفيين الفرنسيين إلى أنّ "جاذبية الولايات المتحدة مُذهلة، حيث يتم جذب تدفقات ضخمة للغاية لرأس المال، من الشركات والمُستثمرين الماليين من أوروبا إلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي".
ويقول جون بلاسار، المحلل الاقتصادي في مجموعة "ميرابو" السويسرية، إنّ "الفرق في النمو بين أوروبا والولايات المتحدة هو قبل كل شيء التكنولوجيا"، مؤكداً على الفجوة الاقتصادية الكاملة مع أوروبا التي تُعاقبها التوترات الجيوسياسية، وعدم الاستقرار السياسي، ونقص الإنتاجية. وهو الواقع الذي يدفع الأوروبيين إلى الادّخار، في حين أن المستهلك الأمريكي يستمر في الإنفاق على الرغم من التضخم.
ومن أجل الحفاظ على هذا الاستهلاك، الذي يُشكّل أهمية بالغة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، جعل دونالد ترامب من مكافحة التضخم الموضوع الرئيسي لحملته الانتخابية، وذهب إلى حدّ وعد ناخبيه بخفض فاتورة الطاقة إلى النصف. والاعتماد أيضاً على التخفيضات الضريبية لدعم الإنفاق والاستثمار من قبل الأسر والشركات.
كما أنّه بصدد تخفيض الضرائب على الشركات التي تُنتج في الولايات المتحدة من 21% إلى 15%. ومن شأن الثقة المتجددة للأسر، في أعقاب الانتخابات، والظروف المالية المرنة، أن تُشجّع على بداية قوية لهذا العام، كما يُشخّص الخبراء الاقتصاديون في شركة أليانز للأبحاث.
Le Figaro - à lire : «Sinon, ce sont les tarifs douaniers jusqu’au bout !!!» : Trump menace les Européens de taxes supplémentaires https://t.co/l2lFBYpZP0 Raison de plus pour que les Européens lèvent les sanctions contre la Russie et achètent du gaz russe !
— Jean de Catelan (@JeandeCatelan) December 20, 2024 سيناريو مجهول!ومع ذلك، فإنّ سيناريو عام 2025 بالنسبة للاقتصاد الأمريكي يُواجه العديد من الأمور المجهولة، كما يعترف الاقتصاديون. تُلخّص المحللة فيرونيك ريتشز فلوريس ذلك "في زوبعة إعادة انتخاب ترامب، هناك عدد كبير من الأسئلة"، لأنّه بعيداً عن التهديدات وعبارات الصدمة والتعيينات الغريبة، فإنّ كل شيء سيعتمد على حجم الإجراءات والجدول الزمني لتنفيذها. وسط تساؤلات "هل سيكون لمُستأجر البيت الأبيض المُستقبلي مُطلق الحرية؟ وهل يجب تمرير قراراته المُتعلّقة بالميزانية عبر الكونغرس؟".
وعلى الورق، يبدو الأمر بسيطاً، لأنّ الكونغرس جمهوري بشكل شبه تام، ولكن بعض الأعضاء لا يُريدون أن تُؤدّي التخفيضات الضريبية إلى ارتفاع العجز العام بشكل كبير، يؤكد الخبير الاقتصادي جون بلاسار. وقد يصل هذا إلى 9% من الناتج المحلي الإجمالي، مُقارنة بنحو 6% اليوم.
ولكن ومن ناحية أخرى، انطلاقاً من شعاره "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، يستطيع ترامب أن يتصرف بموجب مراسيم رئاسية، مع خطر مواجهة العقبات القانونية التي تؤخر تطبيق الإجراءات.
Quand on additionne les fortunes accumulées par les membres de la future Administration Trump, on atteint le chiffre vertigineux de 474 milliards de dollars. Pas moins de 12 milliardaires en font partie. →https://t.co/0AZfBXUpPwhttps://t.co/0AZfBXUpPw
— Le Figaro (@Le_Figaro) December 22, 2024 برنامج تضخمي للغايةويُعرّض ترامب نفسه لردّة فعل عنيفة مُحتملة، من خلال التأثير المُرتد للحواجز الجمركية وإغلاق الحدود على التضخم. فالسلع الاستهلاكية "المصنوعة في أمريكا" ستكلف أكثر من "المصنوعة في الصين"، وسيكون من الضروري إيجاد عمالة لتحل محل المكسيكيين وغيرهم من اللاتينيين (الذين سيتم ترحيلهم)، بأجور منخفضة، في الزراعة والبناء والترميم.
ويُحذّر باتريك أرتوس، الأستاذ في كلية باريس للاقتصاد، من أنّ "برنامج ترامب تضخمي للغاية"، ويُضيف "إنّ سياسته غير مُتّسقة"، فهو يعد بتخفيض الأسعار للمُستهلكين بينما سيخلق توترات في سوق العمل وأسعار الواردات.
ووفقاً لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، ستُكلّف التعريفات الجمركية كل أسرة أمريكية أكثر من 2600 دولار سنوياً في المتوسط، ويُمكن أن يرتفع التضخم بمقدار 4 نقاط في غضون 18 شهراً. وهذا من شأنه أن يُجبر بنك الاحتياطي الفيدرالي على إبطاء وتيرة تخفيضات أسعار الفائدة.
ويُشير اقتصاديون آخرون، أقل قلقاً، إلى أن ترامب في ولايته الأولى لم يتسبب في ارتفاع التضخم الذي توقعه البعض، وأن الاقتصاد استفاد من التخفيضات الضريبية. إلا أنّ عام 2017 لم يكن يُشبه عام 2025، عالم أسعار الفائدة المنخفضة قبل كوفيد، ودون الأخذ بعين الاعتبار الحروب الراهنة في أوكرانيا والشرق الأوسط.
La richesse de l’homme d’affaires atteint 348 milliards de dollars selon Bloomberg, portée par les marchés qui estiment notamment que sa proximité avec le président-élu pourrait bénéficier à ses entreprises.
→https://t.co/J1V2Wyz5jX pic.twitter.com/IavTtyq2s3
وأخيراً، من بين الأمور المجهولة العديدة في معادلة ترامب، هناك أيضاً حالة إيلون ماسك. إذ تمّ تكليف أغنى رجل في العالم، الذي كان موجوداً في كل مكان منذ الانتخابات الأمريكية، بخفض الإنفاق الفيدرالي بلا رحمة. فهل سينجح؟ يتساءل محللون اقتصاديون. وإذا كان الأمر كذلك، بأيّ ثمن؟
ولا يتوقع الخبراء الفرنسيون استمرارية التناغم بين المليارديرين، ترامب وماسك، والأخير نفسه يحتاج، في أنشطته، إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الصين، فهل ينتهي شهر العسل بينهما حينها؟
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية ترامب الصين إيلون ماسك عودة ترامب إيلون ماسك الصين
إقرأ أيضاً:
الخير والشر وانعدام اليقين في اقتصاد ترامب
تُـرى ما هو حجم الأثر الذي قد تخلفه الإدارة الأمريكية القادمة على النمو الاقتصادي والتضخم؟ الإجابة ليست واضحة حتى الآن. ففي حين قد تعمل بعض سياسات الرئيس المنتخب دونالد ترامب المقترحة على تعزيز النمو وخفض التضخم بمرور الوقت، فإن بعضها الآخر سيكون له تأثير معاكس.
على الجانب الإيجابي من الـسِـجِـل، سيكون ترامب مُـناصِرا للأعمال التجارية في عموم الأمر، وهذه الحقيقة وحدها من الممكن أن تحفز النشاط الاقتصادي من خلال إطلاق العنان «للغرائز الحيوانية» التي تدفع الاستثمار في الأعمال التجارية والإبداع والنمو. ينبغي للنمو أيضا أن يستفيد إذا نجح ترامب والجمهوريون في الكونجرس في تمديد التخفيضات الضريبية المفروضة على الشركات والدخل الشخصي، التي سينتهي العمل بها في عام 2025، بشكل دائم. على نحو مماثل، إذا كُـبِـح جماح التجاوزات المحتملة المصاحبة لأجندته الخاصة بإلغاء الضرائب، فإن الحد من الروتين البيروقراطي قد يعزز النمو ويشجع المنافسة، وهذا من شأنه أن يقلل الأسعار في الأمد البعيد. يريد ترامب أيضا زيادة إنتاج النفط والغاز في أمريكا بما يعادل ثلاثة ملايين برميل يوميا، وقد يُـفضي هذا إلى خفض أسعار الطاقة وجعل القطاعات المحلية الكثيفة الاستهلاك للطاقة أكثر قدرة على المنافسة. ولكن نأمل أن يحدث هذا دون الإلغاء التدريجي لمعظم إعانات الدعم التي قدمتها الإدارة السابقة للطاقة الخضراء. لن تقترب «إدارة الكفاءة الحكومية»، وهي لجنة استشارية خارجية بقيادة إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي (وهما من كبار المتبرعين لحملة ترامب الانتخابية)، من خفض الميزانية الفيدرالية بمقدار 2 تريليون دولار، كما وعدت في الأصل. ولكن إذا تمكنت إدارة الكفاءة الحكومية من تحديد تخفيضات ولو حتى بقيمة 200 مليار دولار، فإن هذا من الممكن أن يقلل من أوجه القصور في القطاع العام. أخيرا، يشير الدعم المتزايد الذي يحظى به ترامب بين قادة التكنولوجيا إلى أننا قد نشهد تعزيزا شديدا لميزة أمريكا النسبية في كثير من صناعات المستقبل، بدءا من الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والأتمتة (التشغيل الآلي)، والأبحاث الطبية الحيوية. ليس من غير المرجح أن تقف الإدارة الجديدة في طريق هذه الصناعات فحسب، بل إنها ستبذل قصارى جهدها للقضاء على أي مقاومة تواجهها من قِـبَـل الهيئات التنظيمية أو المجتمع المدني. لكن النمو الأسرع والتضخم الأقل بفعل السياسات الضريبية، وإلغاء الضوابط التنظيمية، وغير ذلك من التدابير المؤيدة للأعمال التجارية سيستغرق وقتا حتى يتحقق، وسوف يعتمد بشكل حاسم على تأثير الجانب السلبي من سِـجّـل ترامب. على وجه الخصوص، يمكن أن تُـفضي سياسات عديدة وعد بها ترامب إلى ارتفاع التضخم، إما من خلال صدمات العرض السلبية أو تغذية الطلب المفرط. ومن غير الممكن أن ننكر أن التعريفات الجمركية المرتفعة، والحروب التجارية، والانفصال عن الصين ستكون عوامل تضخمية وضارة بالنمو. وسوف يتوقف مدى الضرر على حجم ونطاق التعريفات الجمركية وغير ذلك من سياسات الحماية.
على نحو مماثل، سيؤدي فرض قيود صارمة على الهجرة -ناهيك عن الترحيل الجماعي- إلى تقويض النمو وزيادة التضخم بدرجة أكبر من خلال زيادة تكاليف العمالة وزيادة خطر نقص العمالة في قطاعات رئيسية. علاوة على ذلك، إذا جُـعِـلَـت التخفيضات الضريبية دائمة ونُـفِّـذَت وعود مالية أخرى دون إيجاد طرق لتغطية تكاليفها، فقد يزيد الدين العام بنحو 8 تريليونات دولار على مدى العقد المقبل. وهذا أيضا من شأنه أن يغذي التضخم، الذي سيزيد بدوره من أسعار الفائدة الطويلة الأجل ويزاحم الاستثمار في المستقبل، على نحو يقوض النمو.
كما قد تؤدي أي محاولة غير منظمة لتعزيز القدرة التنافسية المحلية من خلال إضعاف الدولار إلى ارتفاع التضخم وزعزعة أركان الأسواق المالية. وأي جهد حقيقي أو من قبيل التهديد لتحدي استقلالية الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من شأنه أن يزيد من التضخم المتوقع والفعلي. والتأثير المترتب على العوامل الجيوسياسية غير مؤكد على نحو مماثل. فقد ينجح ترامب في احتواء وتقليص بعض المخاطر الجيوسياسية التي تؤثر على الاقتصادات والأسواق -مثل الحرب الروسية الأوكرانية وصراعات الشرق الأوسط- لكنه قد يتسبب أيضا في إشعال شرارة حرب اقتصادية أوسع نطاقا مع الصين والتي قد تؤدي إلى مزيد من تشرذم الاقتصاد العالمي. وعلى هذا فإن التأثيرات التي قد تخلفها إدارة ترامب على النمو والتضخم ستعتمد على التوازن النسبي بين السياسات الإيجابية والسلبية. ما يدعو إلى التفاؤل أن عوامل عديدة قد تتعارض مع مقترحات ترامب الأشد ضررا. يتمثل العامل الأول، وربما الأكثر أهمية، في انضباط السوق: فالسياسات التي تزيد من التضخم والعجز ستستفز «حراس» سوق السندات، وترفع أسعار الفائدة الاسمية والحقيقية (المعدلة حسب التضخم) الطويلة الأجل، وربما تتسبب في تصحيح سوق الأسهم (انخفاضا بنسبة 10% على الأقل). وبما أن ترامب ينظر إلى سوق الأسهم كمقياس للأداء الرئاسي، فإن هذه الإشارة وحدها قد تُـحـبِط أكثر أفكاره حماسة.
علاوة على ذلك، بما أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يزال مستقلا، فيكاد يكون من المؤكد أنه سيقلص أو يوقف تخفيضات أسعار الفائدة إذا بدأ التضخم يرتفع مرة أخرى. ينبغي أن يشكل مجرد احتمال حدوث هذه النتيجة قيدا إضافيا على عملية صنع السياسات الرديئة، وكذا ينبغي أن يكون تأثير مرشحي ترامب لشغل مناصب عليا في إدارة السياسة الاقتصادية، والذين يفهمون الاقتصاد والأسواق بشكل عام. أخيرا، تَـعني الأغلبية الجمهورية الضئيلة في مجلس النواب أن ترامب لا يمكنه أن يعتمد بالضرورة على دعم حزبه الكامل لجميع سياساته، وخاصة تلك التي من شأنها أن تضيف بدرجة كبيرة إلى الدين العام. هذه كلها حواجز حماية مهمة. وإذا قصرنا توقعاتنا على عام 2025، فإن التأثير الصافي المترتب على أجندة ترامب الاقتصادية قد يكون مدمرا للنمو، وإن كان من المرجح أن تتباطأ وتيرة عودة الاقتصاد إلى هدف التضخم الذي حدده الاحتياطي الفيدرالي بنسبة 2%. وقد يظل النمو أعلى من الإمكانات -نظرا للرياح الخلفية القوية- لكنه سيكون أقل مما كان عليه في عام 2024. ما دام في الإمكان احتواء سياسات ترامب الأكثر تطرفا -وفي حال عدم حدوث بعض التطورات غير المتوقعة، مثل صدمة جيوسياسية- فيجب أن يكون العام الجديد حميدا نسبيا بالنسبة للاقتصاد الأمريكي.