في الوقت الذي صدمت فيه الحكومة المصرية أكثر من 14 مليون مصري يقيمون في الخارج وفقا لإحصائيات رسمية، بقرار يجبرهم على تنزيل تطبيق على هاتفهم المحمول مهمته حساب الضريبة المقررة على كل هاتف يشترونه من الخارج لدفعها عند دخولهم به البلد العربي الإفريقي الذي يعني اقتصاده أزمات هيكلية مزمنة.

لكن ناشطون كشفوا عن صدمة ثانية، وهي أن تطبيق "تليفوني" المفروض على المصريين بالخارج تنزيله، تم تصميمه في إسرائيل، ويجري إدارته من "تل أبيب"، على حد قولهم.



التطبيق الخاص بالجمرك
تم تصميمه وادارته فى #اسرائيل #تليفونى يمكنكم التاكد من فحص التطبيق بالمتجر كالصورة http://pic.twitter.com/ed9RwTEaF8 — راجى عفو الله (@emaarw) January 6, 2025
وهو الحديث الذي بحثت "عربي21"، في مدى مصداقيته بتجربتها للتطبيق، وعبر الحديث مع خبير مصري في الإعلام الرقمي، ولم تثبت صحته، ولكن تظل هناك الكثير من المخاوف باقية من ذلك التطبيق، بحسب متحدثين، ومراقبين.

ويظل ملف اعتماد الحكومة المصرية على برامج التجسس ومنها الإسرائيلية مقلقا للمعارضين المصريين خاصة بعدما كشفه تحقيق دولي في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، من أن شركة مراقبة رقمية إسرائيلية باعت للنظام المصري برامج تجسس، لاستخدامها ضد المعارضين.

وقالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إن التحقيق كشف عن وثائق تفيد بأن شركة "إنتليكسا" وهي تحالف لشركات أسلحة ومراقبة رقمية مملوكة لإسرائيليين وعمل بها رئيس وزراء الاحتلال الأسبق إيهود أولمرت كمستشار، باعت برنامج التجسس المعروف باسم "بريداتور" لمصر لاستخدامها لتقويض حقوق الإنسان وحرية الصحافة والحركات الاجتماعية.

"انتقادات الجباية ومخاوف التجسس"
وانتقد البعض فرض الحكومة المصرية هذا التطبيق على المصريين لفرض الرسوم الجمركية الجديدة على الهواتف المستوردة بقيمة 38.5 بالمئة، وللسيطرة على سوق الأجهزة المحمولة ومنع المستوردة منها والبالغ حجمها نحو ملياري دولار سنويا، وفق بيان لوزارتي المالية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مطلع كانون الثاني/ يناير الجاري.

وقررت الحكومة أن يكون لكل مواطن قادم من الخارج موبايل "مُعفى" للاستخدام الشخصي لفترة انتقالية مدتها 3 أشهر، والسماح للمواطنين بتسجيل هواتفهم المحمولة المستوردة بالمنظومة الإلكترونية الجديدة عبر تطبيق "تليفوني"، ويمكنهم الاستعلام عن قيمة الرسوم المستحقة وسدادها "أون لاين" خلال مهلة تمتد، لأول مرة، 3 أشهر عبر التطبيق.


وفق البيان، يعزز القرار الجديد توطين صناعة المحمول، ويوفر المزيد من فرص العمل ومنع التهرب من الجمارك والضرائب، ويحمي السوق من الممارسات غير القانونية ويحافظ على حقوق الدولة وحماية المستهلكين من الأجهزة المقلدة.

لكن خبراء اقتصاد مصريين بينهم الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، أكدوا في تصريحات صحفية أن السبب الرئيسي للقرار هو العجز الكبير في ميزانية الدولة الذي بلغ في (2023-2024) 504.5 مليارات جنيه (حوالي 10 مليارات دولار)، ولذا ترغب في تحصيل الرسوم على جميع الهواتف التي تدخل مصر.

وفي المقابل، يتخوف مصريون من أن يكون تطبيق تليفوني وسيلة للتجسس على المقيمين بالخارج، كما يرى البعض أن القرار الذي يأتي بهدف جمع الأموال من المصريين في الأساس، له هدف آخر وهو تقليل نقل التكنولوجيا الحديثة عبر الهواتف المستوردة حيث يتخوف النظام من تأثير التكنولوجيا على المصريين، ويدفعهم للاكتفاء بالمصنع محليا الأقل جودة والأكثر سعرا.

السيسي وأعوانه الواطئين الحقراء الخونة بيرغموا شعب مصر كله ينزل تطبيق اسرائيلي على تليفوناتهم، عشان العميل الخسيس بتاعهم يفضل حابس نفس مصر حتى الموت.
يا شعب مصر حرام تسيبوا الكلام ده بدون حساب والله، https://t.co/NVVwLf2B3m — Amr Waked (@amrwaked) January 6, 2025
كما يعتقد البعض أن القرار بجانب فكرة التجسس المحتملة يخدم مجموعة صافي وهبة صهر شقيق السيسي، موزع ومنتج حصري لهواتف "شاومي" الصينية، وموزع معتمد لهواتف "آبل" الأمريكية، و"سامسونغ" الكورية الجنوبية.

لكنه ومنذ آب/ أغسطس 2018، حين جرى عقد قران محمد صافي وهبة، على مريم أحمد السيسي ابنة المستشار أحمد السيسي شقيق رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، وصعد نجم إمبراطورية صافي وهبة، ودخلت العديد من المجالات ونال العديد من المناصب، بشكل مثير للتساؤلات.

وتقوم العديد من الشركات الدولية الكبرى بالعامين الماضيين، بتصنيع منتجاتها في مصر، ومنها شركات "سامسونغ" و"شاومي" و"فيفو" و"إنيفينكس" و"نوكيا" و"مايكروماكس".

"مشروعات ابتزاز المصريين"
وتمثل تحويلات المصريين في الخارج أهمية كبيرة لدى الحكومة المصرية خاصة مع زيادة تحويلاتهم السنوية بشكل مطرد والتي حققت خلال الشهور العشرة الأولى من العام الماضي، نحو 23.7 مليار دولار، بحسب البنك المركزي المصري.

ومن آن إلى آخر، تطلق الحكومة المصرية مبادرة جديدة تستهدف المصريين بالخارج وتسعى من خلالها زيادة تحويلاتهم، في وقت تعاني مؤسسات الدولة المصرفية من أزمة شح الدولار، وتواجه فيه الحكومة المصرية أزمات سداد فوائد ومتأخرات وأقساط قروض دين خارجي يفوق 155 مليار دولار.

ومنها: مبادرة تسوية الموقف التجنيدي للمصريين بالخارج، في آب/ أغسطس 2023 مقابل 5 آلاف دولار، والتي جرى مدها مرتين مقابل 7 آلاف دولار، وذلك إلى جانب مبادرة إعفاء جلب سيارات من الخارج عام 2022، وتخصيص أراضي لهم بالدولار  في العاصمة الإدارية والمدن الجديدة، ومبادرة "بيتك في مصر"، وإطلاق شهادة "بلادى الدولارية"، وغيرها.

ويصل عدد المصريين العاملين بالخارج نحو 14 مليون مصري معظمهم في دول الخليج العربي، بحسب وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين في الخارج السفيرة سها جندي، فيما يبلغ عدد السكان بالداخل أكثر من 107 ملايين نسمة.

وأجمع "محمد"، و"إسلام"، أحدهما مقيم في إيطاليا، والآخر في السعودية، على أن "كل ما تطلقه الحكومة المصرية من مبادرات في ظاهرها خدمات للمصريين في الخارج ولكن الجميع يعي أن هدفها هو جمع الأموال منهم بكل الطرق".

وأشارا إلى "ما يتم تحصيله منهم عبر السفارات والقنصليات من أموال بالعملات الصعبة لقاء استخراج شهادات ومحررات رسمية"، مؤكدين أن "عيون الحكومة على أموال المصريين في الخارج، وتطبيق (تليفوني) حلقة من حلقاته".

"ليس إسرائيليا.. والأزمة عدم ثقة"
وفي رؤية فنية حول الحديث المنتشر عن تطبيق (تليفوني)، قال الإعلامي وخبير الإعلام الرقمي ومقدم برنامج "هاي تك" على "قناة الشرق"، عمر الشال: "بداية التطبيق يأخذ بعض الصلاحيات على الهاتف المحمول عند تنزيله، وتبدو أن جميعها صلاحيات منطقية".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح، أن "ذلك الرأي يأتي وسط اعتبار أنه يمكن أخذ صورة أو ترسل له معلومات فهو يجمع بيانات عن المستخدم، وهذا يبدو من تفاصيل التطبيق على (آب ستور) أو (بلاي ستور) ويمكن منهما التعرف على البيانات التي يقوم التطبيق بتجميعها عنك".

لكن الشال، يرى أن "المشكلة ليست في هذا الأمر"، مبينا أن "أغلب التطبيقات والبرامج الموجود على الهواتف المحمولة تأخذ صلاحيات أكثر من هذا، مثل فيسبوك وغيره، ولذا ليست المشكلة في الصلاحيات أو في البيانات التي يحصل عليها التطبيق ولكن المشكلة في انعدام ثقتنا في من يقوم بجمع هذه المعلومات".

وقال: "بمنتهى البساطة ولانعدام الثقة في الحكومة وفرضها هذا التطبيق على المصريين في الخارج واضطراراهم لاستخدامه، وأنه يجمع معلوماتهم الشخصية فهذا أمر مقلق جدا في دولة مثل مصر".

ولفت إلى أن "هناك دول كثيرة في العالم بها تطبيقات مشابهة وليست بنفس الطريقة ويستخدمونها بشكل عادي، لأن هناك ثقة، وهناك قوانين تحمي من تسريب البيانات وتحمي الخصوصية والمعلومات الشخصية، وهذا غير موجود في مصر للأسف الشديد".

ويعتقد أن "التخوف هنا في محله جدا من جمع المعلومات وربط تلك المعلومات بالأشخاص وبالتليفونات، وما قد ينتج عن ذلك، خاصة وأن التطبيق يجمع (آي بي) التليفون لمعرفة مكان الشخص المستخدم، وتفاصيل أخرى قد تكون بالفعل تمثل نوعا من القلق أو الضرر".

وأشار خبير الإعلام الرقمي المصري إلى الشق الثاني من الموضوع وما يثار أن هذا التطبيق جرى تصميمه في إسرائيل، قائلا: "أرى أن هذا الكلام غير منطقي ولا يوجد دليل عليه، والصورة المنتشرة ليست لها علاقة بالتطبيق، ولقد قمت بالتحري عن الموضوع، ولو دخل أي شخص على تطبيقات تحميل البرامج لن يجدها".

وكشف عن أن "تلك الصورة تمثل إعلانا ظهر لشخص ما يقول إن الجهة المعلنة في إسرائيل، وهذا يمثل نوعا من الشفافية حيث أنه لو ظهر لك إعلان فيمكنك معرفة ما هي تلك الشركة وأين مكانها؟، ولكن الصورة لا علاقة لها بتطبيق(تليفوني)".


ويرى أن "من غير المنطقي والمستبعد تماما أن يكون التطبيق الذي تطلقه الهيئة القومية لتنظيم الاتصالات (حكومية) في مصر، في أي مرحلة من مراحله تم تصنيعه في إسرائيل، لأن هذا أمر غير منطقي، ويخص الأمن القومي المصري".

وأكد أنه "في مصر كفاءات علمية وتقنية كبيرة جدا، والتطبيق أصلا لا يحتاج كفاءات، وهو بسيط جدا، ولكن بعض نتائجه غير منطقية حيث يخرج منه قيم ضريبية كبيرة جدا على هواتف قديمة".

وختم بالقول: "ولذا من وجهة نظري الفنية البحتة أرى أن ربط التطبيق بإسرائيل غير منطقي ولا دليل عليه، ولكن التخوف من أن يساء استخدام هذا التطبيق في جمع بيانات المصريين وربطها بأمور لها علاقة بالملفات الأمنية واستيفاء وجمع معلومات، فهي هنا مخاوف منطقية".

"جباية وفساد وتجسس"
من جانبه، قال الكاتب الصحفي أحمد حسن بكر ، معلقا على فرض ضريبة الهاتف  المحمول على المصريين في الخارج، بأنها "جباية، وفساد وتجسس، في اللادولة"، مضيفا في حديثه لـ"عربي21": "علينا أن نتوقع ما هو أسوأ من تلك الضريبة".

وأكد أنه "في مصر حيث لادولة، باع السيسي كل شىء من أجل لا شىء، ولم يعد أمامه إلا فرض الضرائب الجزافية على وسائل التواصل الإلكترونية، التي أعفتها كل دول العالم تقريبا من الجمارك، لأنها أصبحت ضرورة من ضرورات الحياة والعمل".

وأوضح أن "نظام السيسي المترنح فقد عقله السياسي، وسيطر عليه فساد الحاشية والأصهار، لذا نسمع كل يوم عن قرارات لا تخدم الوطن أو المواطن، وإنما تخدم الحاشية والأصهار".

"صهر شقيقه والقرار"
ويعتقد بكر، أن "قرار جمارك وضرائب الهاتف المحمول يصب في المقام الأول بخزائن رجل الأعمال (صافي وهبة) صهر شقيق السيسي، والذي يسيطر على توكيلات بعض أجهزة التليفونات الصينية، وهي التليفونات التي ترفض معظم الدول الأوربية وأمريكا تحميلها على شبكتها، خوفا من حملها برامج تجسس صينية".

وبعد وصفه تطبيق (تليفوني) بـ"الخبيث"، قال: "بداية يجب أن نعلم أن مصر إشترت من إسرائيل الكثير من برامج التجسس، للتجسس على معارضي نظام السيسي، وفي الوقت نفسه تستخدمها إسرائيل للتجسس على كافة قطاعات الدولة المصرية، وكما تردد بقوة فإن تطبيق (تليفوني) خبيث في الأساس وإن كان الظاهر أنه يختص بتنفيذ قرار الضريبة الجديدة".

وأشار الكاتب المصري المعارض من الولايات المتحدة إلى ملف مرتبط بالقضية وهو "تهريب الهواتف المحمولة من الموانىء المصرية"، موضحا أنه "عندما تُعلن الصحف المحلية أن تجار المحمول شغلوا أكثر من مليون جهاز تليفون من ماركات (سامسونغ)، و(آبل)، قبيل سريان قرار الجباية، فهذا يكشف أنه يتم تهريبها من الموانيء المصرية، وبأعداد كبيرة عبر تجار ومهربين، وليس من خلال المصريين العاملين بالخارج".


ولفت أيضا إلى أن "هذا القرار الغبي والفاسد ينطوي على ما يسمى بالازدواج الضريبي، لأن المصري حين يشتري هاتفه من الدولة المقيم بها فإنه يدفع ضريبة مبيعات، ثم يأتى لمصر ليعيد دفع أكثر من 38 بالمئة من قيمة الهاتف، وهذا يعني أنه دفع أكثر من ثمن الهاتف".

وخلص للقول إن "السيسي بهذه الطريق يكسب أكثر من شركات (سامسونغ)، و(آبل)"، مبينا أنه "بالضريبة والجمارك التي فرضها على الهواتف المحمولة يحقق بذلك مكاسبا تفوق مكاسب الشركتين العالميتين بكل هاتف".

وفي نهاية حديثه توقع أن "يجد شباب المبرمجين المصريين حلولا إلكترونية قريبا تفسد ما تحاوله الدولة لإيقاف عمل التليفونات التي لا تدفع الجباية"، لكنه شدد على أن "هذا الأمر لو نجح فيه الشباب سيكون خطير كبيرا على الأمن السيبراني لقطاع الاتصالات والمعلومات".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية المصرية السيسي مصر السيسي ضريبة الهواتف المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المصریین فی الخارج الحکومة المصریة على المصریین هذا التطبیق فی إسرائیل تطبیق على أکثر من فی مصر

إقرأ أيضاً:

ترامب .. 100 يوم من سحق الداخل وإشعال الخارج

الثورة نت/..

في غضون مئة يوم فقط من ولايته الثانية، قاد الرئيس الاميركي دونالد ترامب حملة شاملة لسحق مؤسسات الدولة، فرض إرادته على الحلفاء التقليديين، وأشعل حروبا تجارية واسعة.

وكالة “أسوشيتد برس” وصفت أداء ترامب ، بأنه الأوسع نطاقا تاريخياً منذ تأسيس الجمهورية الأميركية، متجاوزاً في مداه وسرعته جميع الرؤساء السابقين.

تقرير”أسوشيتد برس” الموسع الذي شارك في اعداده 13 خبيراً أوضح أن ترامب خلال هذه الفترة القصيرة لم يكتف بإعادة صياغة دور الحكومة فحسب، بل قلب العقائد الأميركية التقليدية رأساً على عقب، لينذر بملامح “أميركا جديدة” تتسم بالانغلاق والاستئثار بالسلطة، داخلياً وخارجياً.

حروب تجارية
وعد ترامب الأميركيين باقتصاد “مزدهر وجميل”، لكنه بدلاً من ذلك أدخل الأسواق في موجة اضطرابات غير مسبوقة، شنّ حروبا تجارية على الجميع: الصين، المكسيك، كندا، الاتحاد الأوروبي، وحتى اليابان وكوريا الجنوبية.

فرض ضرائب عقابية وصلت إلى 145% على البضائع الصينية، وأثار ذعراً في الأسواق المالية، فانهارت ثقة المستثمرين وتراجعت توقعات النمو.
رغم ذلك، واصل ترامب الترويج لخططه باعتبارها وسيلة لإعادة بناء الصناعة الأميركية، متجاهلا التحذيرات الاقتصادية. وحسب تحليل “مختبر الميزانية” في جامعة ييل، قد يفقد المواطن الأميركي العادي نحو 4900 دولار سنوياً بسبب سياسات ترامب الجمركية.
أما مشروعاته الاستثمارية التي احتفى بها في البيت الأبيض، من مصانع هيونداي إلى استثمارات الذكاء الاصطناعي، فلم تحدث أثراً اقتصادياً ملموساً، فيما ترتفع مؤشرات احتمال الركود بشدة.

تفكيك واقصاء
في واحدة من أكثر القرارات إثارة للجدل، اختار ترامب الملياردير إيلون ماسك لتفكيك الحكومة الفدرالية.
تعامل ماسك مع المهمة كأنها لعبة تقنية: فصل عشرات الآلاف من الموظفين، وألغى برامج اجتماعية بلا مراجعة تُذكر، مخترقاً قواعد بيانات حساسة، ومثيراً ذعراً غير مسبوق داخل مؤسسات الدولة.
لكن الخسائر كانت جسيمة: تضررت الخدمات العامة بشدة، وتضررت فئات واسعة من الأميركيين. ومع ذلك، ظل ترامب يغدق المديح على ماسك حتى بدأ يتحدث عنه بصيغة الماضي، وكأن انتهاء مهمته أصبح أمراً محسوماً.
وفي الوقت نفسه، شنت الإدارة حملة قصاص ضد خصومها السياسيين والقضائيين، فعزلت المدعين العامين الذين شاركوا في تحقيقات ضده، وألغت تصاريح أمنية لعشرات المسؤولين السابقين.

قسوة بلا قيود
نفذ ترامب سياسات هجرة متطرفة: رحّل مهاجرين إلى السلفادور دون مراجعة قضائية، أغلق منافذ اللجوء، واستخدم قانون الأعداء الأجانب لعام 1798 لترحيل مهاجرين اتُهموا بالانتماء لعصابات.
كما أرسل الجيش إلى الحدود، ملوحاً باستخدام قانون التمرد لعام 1807 لاحتجاز المهاجرين بالقوة العسكرية.

التدخل في القضاء كان سافراً. شن ترامب حملة لعزل قضاة اتحاديين رفضوا أوامره، في سابقة خطيرة هددت بفقدان سيادة القانون، مما أثار تحذيرات من رئيس المحكمة العليا نفسه.

سياسة مضطربة
على الساحة الدولية، بدا ترامب وكأنه يسعى إلى تدمير إرث ما بعد الحرب العالمية الثانية. لوّح بتقليص الوجود العسكري الأميركي في أوروبا، ما أثار ذعراً في العواصم الغربية.
عطل عمل وزارة الخارجية، قوض المنظمات الدولية، انسحب من اتفاقية باريس للمناخ، وحارب المحكمة الجنائية الدولية، علاوة عن استمراره في دعم نتنياهو في مجازره ضد الفلسطينيين.
الأدهى أن ترامب، في خطاباته، ألصق مسؤولية الحروب على ضحاياها أنفسهم، زاعماً مثلاً أن “أوكرانيا بدأت الحرب”، مما زعزع ثقة حلفاء الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى.

استهداف للجيش
أقال ترامب كبار القادة العسكريين، ونفذ عمليات تطهير واسعة داخل البنتاغون، متهماً بعضهم بتسريب المعلومات.
استعداداً لصراع مستقبلي مع الصين، أعاد ترامب توجيه أولويات الجيش، وأمر بتخصيص قرابة تريليون دولار للبنتاغون، فيما قمع برامج التنوع داخل الجيش، وفرض خططاً لضبط المعايير القتالية بشكل يثير مخاوف تراجع جاهزية القوات.

الصحة والبيئة
تحت قيادة روبرت إف. كينيدي الابن، ألغت وزارة الصحة الاميركية آلاف الوظائف الحيوية، وقوضت حملات التطعيم وسط تفشي الحصبة القاتل.
في البيئة، شن ترامب حملة منظمة ضد سياسات مكافحة التغير المناخي، متيحاً للملوثين حرية أوسع لإطلاق الانبعاثات السامة، متجاهلا الإجماع العلمي العالمي بشأن الكوارث المناخية الوشيكة.

الإعلام
شن ترامب حرباً مفتوحة ضد وسائل الإعلام، قاد دعاوى قضائية ضد شبكات كبرى مثل “سي بي إس” و”أسوشيتد برس”، وسعى للسيطرة على إذاعة صوت أميركا، محاولاً إحكام قبضته على تدفق المعلومات العامة.

وفي مجال الفنون والثقافة، قطع مئات الملايين من الدولارات عن مؤسسات عمرها عقود، بزعم أنها تروج “لأجندات تقدمية”، متسببا في تدمير شبكات دعم فني وتعليمي حيوية للمجتمع الأميركي.

مفترق طرق
بعد 100 يوم من ولاية ترامب الثانية، تبدو الولايات المتحدة أقرب إلى نموذج سلطوي قومي متشدد، بعيد كل البعد عن الديمقراطية الليبرالية التي قادتها لعقود.
فهل تستفيق المؤسسات الأميركية وتعيد ضبط مسار البلاد؟ أم أن ترامب ماضٍ نحو ترسيخ سلطته بقوة لا رادع لها؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.

مقالات مشابهة

  • بعد تحرشه بسيدة .. سائق بتطبيق نقل ذكي شهير يواجه هذه العقوبة
  • تحرش بسيدة فى السيارة.. القبض على سائق بتطبيق نقل شهير
  • هل تفي الحكومة المصرية بوعدها توفير كهرباء بلا انقطاع في الصيف؟
  • غرامات بانتظار من لا يلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور
  • التحقيقات فى واقعة مقتل سائق على يد صديقه: المتهم استعان بآخر
  • رابطة الصحفيين في الاتحاد الأوروبي تفتتح مركزاً لمراقبة حرية الصحافة في إقليم كوردستان
  • مبادرة سيارات المصريين بالخارج 2025.. طريقة التسجيل بعد عودة التطبيق للعمل
  • المصريين الأحرار يهنئ الرئيس عبد الفتاح السيسي وشعب مصر بعيد العمال
  • قانون المحاماة.. بين آمال الإصلاح وتحديات التطبيق
  • ترامب .. 100 يوم من سحق الداخل وإشعال الخارج