فرنسا تُصعّد اللهجة وتدرس فرض عقوبات قاسية على الجزائر بعد رفضها استقبال مطرودين
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
زنقة 20 ا الرباط
قال وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتيلو، اليوم الجمعة ، تعليقا على رفض الجزائر استقبال مؤثر جزائري طردته السلطات الفرنسية بعد نشره فيديو عنيف ، إن “الجزائر تسعى إلى إذلال فرنسا”.
وأضاف الوزير الفرنسي في تصريحات للصحافة خلال زيارة إلى نانت “أعتقد أننا وصلنا إلى درجة مثيرة للقلق للغاية مع الجزائر”.
و تم القبض على المؤثر الجزائري الملقب بـ “دوالمن” على تيك توك، يوم الأحد في مونبلييه ، و تم ترحيله إلى الجزائر يوم الخميس، قبل أن تقرر السلطات الجزائرية رفض استقباله و قررت اعادته إلى فرنسا في نفس اليوم.
وزير الداخلية الجزائري قال اليوم للإعلاميين : “لقد أصدرت أمرا بالطرد، والسلطات الجزائرية لم ترغب في السماح له بالنزول على الأراضي الجزائرية، وهو ما يتناقض تماما مع القواعد”.
وأضاف “أعتقد أن فرنسا لا يمكنها أن تتسامح مع هذا الوضع”، داعيا إلى “تقييم كل الوسائل المتاحة فيما يتعلق بالجزائر من أجل الدفاع عن مصالحنا”.
و تم مؤخرا اعتقال جزائريين آخرين، بسبب نشرهم محتويات على الإنترنت تدعو إلى ارتكاب أعمال عنف ضد معارضي النظام الجزائري.
المصدر: زنقة 20
إقرأ أيضاً:
تطهير القارة الأفريقية من بقايا الاستعمار الفرنسي
انضمت كل من السنغال وساحل العاج للدول الأفريقية التي قطعت عهودا على نفسها أن تمسح من بلادها آثار الوجود الفرنسي، سياسيا وعسكريا وأمنيا وثقافيا. فقد أعلن رئيس ساحل العاج، الحسن وترا، في خطابه للأمة ليلة رأس السنة، أن بلاده ستسترد القواعد العسكرية التي تستخدمها القوات الفرنسية، والتي طلب منها أن تغادر البلاد خلال شهر يناير الحالي.
أما الرئيس السنغالي، بشير جمعة ديوماي فاي الذي بدأ دورته الأولى في أبريل 2024، فقد أعلن أن القوات الفرنسية ستغادر البلاد تماما مع نهاية هذا العام. والروابط بين السنغال وفرنسا تعود إلى أكثر من ثلاثة قرون، فقد كانت السنغال أقدم مستعمرة فرنسية في أفريقيا السوداء، واستمرت الروابط بين البلدين متينة بعد استقلال السنغال عام 1960، وظلت الفرنسية اللغة الرسمية للبلاد، والعلاقات السياسية والتجارية والعسكرية متواصلة.
تعززت العلاقات الأمنية بين البلدان الأفريقية وفرنسا في فترة صعود الحركات الإسلامية المتطرفة مثل، بوكو حرام في نيجيريا والشباب في الصومال وتنظيم «القاعدة في بلدان المغرب العربي» والجماعات الإسلامية المحلية في مالي وتشاد وغيرها. فانتشرت القواعد الفرنسية في كثير من دول الساحل وغرب ووسط أفريقيا.
وأصبحت القوات الفرنسية تتدخل في شؤون البلاد الداخلية، وتحاول خلع من تشاء وتنصيب من تشاء، لكن تلك القوات لم تتدخل ومجازر رواندا تحصد مئات الألوف عام 1994. لقد انطلقت حملات طرد القوات الفرنسية من تشاد، أقرب حلفاء فرنسا في القارة، ثم مالي، فبوركينا فاسو فالنيجر وصولا إلى ساحل العاج وأخيرا السنغال. وبهذا تكون فرنسا قد خسرت 70 في المئة من وجودها في القارة الأفريقية، ولم يبق الآن إلا 1500 جندي في جيبوتي، و350 جنديا في غابون.
موجة التحرر من بقايا الاستعمار الفرنسي بشكل خاص، والغربي بشكل عام شملت انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من تجمع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (ECOWAS) وقريبا ستنسحب من التجمع السنغال وساحل العاج. فالمجموعة الاقتصادية التي تقودها نيجيريا تعتبر قريبة جدا من الدول الاستعمارية.
إننا نشهد ربيعا أفريقيا ضد بقايا الوجود الاستعماري الفرنسي والغربي، الذي سيطر على كثير من دول القارة ونهب مواردها واستعبد شعوبها وفرض لغته عليها وظل يعاملها بطريقة فوقية استعلائية شوفينية. ولم يسلم من ذلك نجوم الرياضة الأشهر، الذين يشكلون غالبية الفريق الفرنسي. فنجومه الأفارقة لا يسلمون من الإهانات العنصرية إذا ما تعرض الفريق الوطني للخسارة.
أما علاقات فرنسا بكبرى مستعمراتها السابقة، الجزائر، فهي الأسوأ، ربما منذ الاستقلال. لقد تعاملت الجزائر مع فرنسا بما تستحق من إهانة، وسحبت سفيرها من فرنسا في يوليو الماضي على خلفية الاعتراف بمغربية الصحراء، كما ألغى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رحلته التي كانت مقررة إلى فرنسا.
وكان آخر لطمة وجهتها الجزائر لفرنسا عندما توحدت جميع أطياف الشعب الجزائري رافضة تصريحات الرئيس أيمانويل ماكرون حول اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، عندما تجرأ الرئيس الفرنسي بالحديث عن قيام الجزائر بتلطيخ شرفها، بسبب هذا الاعتقال ومنعه من العلاج وهو أمر غير صحيح أصلا، فقد نقل إلى المستشفى. لقد نصب ماكرون نفسه هنا أستاذا في الأخلاق والتاريخ فيقول: «نحن الذين نحب الشعب الجزائري وتاريخه. أحث حكومته على إطلاق سراح بوعلام صنصال». ولا نعرف متى كان ماكرون يحب الجزائر وتايخ الجزائر التي سددت ضربة قاضية لفرنسا وهيبتها ودورها وتأثيرها بعد أن أنهت 132 سنة من الاستعمار.
والرئيس الفرنسي ماكرون اعترف بمغربية الصحراء في مخالفة للقانون الدولي. ولا ننسى أنه في لحظة تجلٍ عالية من العنصرية، ادعى أن الجزائر لم تكن موجودة قبل الاستعمار الفرنسي، وهو ما يذكرنا بالضبط بالسردية الصهيونية حول عدم وجود شعب فلسطيني. ومن غرائب مواقف الماكرونية أنه ينتقد اعتقال صنصال ويتراجع عن قرار الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية باعتقال مجرم الحرب نتنياهو. لقد أحسنت الجزائر صنعا أن قررت أن تكون اللغة الإنكليزية اللغة الثانية في البلاد، وأثني هنا على خطابات السفير الجزائري في الأمم المتحدة، عمار بن جامع، التي يلقيها إما بالعربية أو الإنكليزية مع أنه يتكلم الفرنسية بطلاقة تامة.
ملء الفراغ في أفريقيا
لقد حاول الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أن يفتح الجبهة الأفريقية، فقام بعدد كبير من الزيارات لدول القارة، وأنشأ قاعدة جوية في النيجر وقاعدة عسكرية في جيبوتي. أما القاعدة الجوية في النيجر، فقد تم سحب القوات منها بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2023، لكن القاعدة البحرية في جيبوتي ما زالت قائمة بحجة مراقبة القرصنة في البحر الأحمر، والآن تقوم بمرافقة السفن التجارية تحسبا لهجمات الحوثيين.
أما الجهات التي تحاول أن تملأ الفراغ الذي تركته فرنسا فهي ثلاث: روسيا، للأمن والعسكر، والصين للتجارة وتركيا للتنمية والتعاون. وكل من هذه الدول الثلاث نجحت في مجالها. فروسيا نشرت الآن وحدات الفاغنر والخبراء العسكريين في كل الدول التي انسحبت منها فرنسا. أما الصين فقد أصبحت الشريك التجاري الثاني للقارة بعد الاتحاد الأوروبي، حيث بلغت التجارة نحو 220 مليار دولار.
أما تركيا فقد دخلت منافسا قويا في القارة تقيم المشاريع وتقدم المساعدات والمعونات وتفتح السفارات، حيث ارتفع عدد السفارات التركية من 12 سفارة عام 2002 إلى 44 سفارة وقنصلية عام 2022. وارتفعت السفارات الأفريقية في أنقرة من 10 عام 2008 إلى 37 عام 2021.
وتعتبر تركيا رابع دولة في العالم في حجم التمثيل الدبلوماسي في القارة بعد الولايات المتحدة والصين وفرنسا. كما أنشأت تركيا «قمة الشراكة الأفريقية ـ التركية» عام 2008 والتي تعقد مؤتمرا دوريا على مستوى القمة. وبين عام 2008 و2023 زار الرئيس رجب طيب أردوغان 30 دولة أفريقية. وارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا من 3 مليارات عام 2003 إلى 26 مليارا عام 2021. في إثيوبيا وحدها يوجد نحو 200 شركة تركية تشغل ما يزيد عن 30 ألف مواطن. وتصل الخطوط الجوية التركية إلى 55 مدينة في أفريقيا، وقد تكون الوحيدة التي تربط مقديشيو بالعالم الخارجي.
مثلث الخراب
تعمل فرنسا بالتنسيق مع دول عربية على توسيع دائرة المطبعين العرب مع الكيان الصهيوني والتي ساهمت أو سهلت أو أغرت أو رشت دولا عربية للانضمام إلى قطار التطبيع. وتعمل الآن على خلق مصاعب للجزائر لأنها عصية على التطبيع بعد أن نجحت مع هذه الدول من خلق صعوبات داخلية لكل من تونس وليبيا والسودان واليمن. وتعمل فرنسا الآن على جر موريتانيا بعيدا عن الجزائر وتقربها من مثلث التطبيع مقابل إغراءات مالية واستثمارية. كما تعمل فرنسا الآن على جرّ لبنان إلى موقع جديد مهادن مع الكيان الصهيوني.
وسنرى أن دور فرنسا في سوريا، إذا تمكنت الدولتان من لعب دور حقيقي في الشأن السوري، لن يكون إلا لصالح التطبيع والتخلي عن أراضيها المحتلة. لكن العنجهية والعنصرية والتاريخ الاستعماري الأسود لهذه الدولة التي ما زالت تعتقد أنها عظمى، سيجلب لها مزيدا من الكراهية وستطرد من بقية الدول العربية والشرق أوسطية كما طردت من القارة السوداء، وذلك اليوم ليس ببعيد.
القدس العربي