ولأننا أو أغلبنا، مع الأسف، نصدق في كل ما هو غربي، وهو نتاج طبيعي للهزيمة الحضارية التي وضعنا فيها الاستعمار منذ أكثر من مئة عام، فسأبدأ بأقوال الفلاسفة الغربيين فيما يخص فكرة دولة القانون، ومنها أُعرّج على فكرة استقلال القضاء..
دولة القانون هي مفهوم أساسي في الأنظمة الديمقراطية، ومع ادعاء كل أنظمة الحكم في عالمنا الثالث تطبيق الديمقراطية، فإن الدولة لا توصف ولا تصنف ضمن دول الديمقراطية إلا إذا حكم فيها القانون وساد، بلا هوى ولا مآرب ولا مصالح شخصية لأي من كان، ومن ثم تُحترم القواعد القانونية وتُطبَّق بشكل متساوٍ على الجميع، أفرادا ومؤسسات، بما في ذلك الجهات التنفيذية مثل الحكومة ورئيس السلطة التنفيذية، فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود، ومن ثم لابن رئيس على فرد من الشعب أمام القانون.
وينبثق من معنى دولة القانون مفاهيم ترسخ للدولة الديمقراطية أهمها الفصل بين السلطات، بمعنى توزيع السلطات بين التشريعية والتنفيذية والقضائية لضمان توازنها واستقلاليتها، وكذا حماية الحقوق والحريات، بأن يضمن القانون والقضاء المستقل حماية حقوق الإنسان ويحد من انتهاكها، وردع تغوّل السلطة التنفيذية التي تتقاطع في كثير من الأحيان مصالحها مع مصالح الأفراد.
معنى دولة القانون مفاهيم ترسخ للدولة الديمقراطية أهمها الفصل بين السلطات، بمعنى توزيع السلطات بين التشريعية والتنفيذية والقضائية لضمان توازنها واستقلاليتها، وكذا حماية الحقوق والحريات، بأن يضمن القانون والقضاء المستقل حماية حقوق الإنسان ويحد من انتهاكها، وردع تغوّل السلطة التنفيذية
وأهم من كتب في هذا المفهوم الفيلسوفان الفرنسيان مونتسكيو وجان جاك روسو، والإنجليزي جون لوك، والأخير من أوائل من حذر من خطورة عدم الفصل بين السلطات، وكأن الرجل استشرف المستقبل في عالمنا الثالث، ورأى رأي العين توغل السلطة التنفيذية على التشريعية والقضائية، لذا فقد كتب في استقلالية السلطة القضائية في كتابه "رسالتان عن الحكومة" أكد فيه على ضرورة وجود قضاء مستقل لحماية الحقوق الطبيعية (الحياة، الحرية، الملكية)، معتبرا أن القضاء المستقل هو وسيلة لتحقيق العدالة ومنع الاستبداد الحكومي.
لكن سبقه بأكثر مما يقارب الألف عام، في هذا المجال، عالمنا وفيلسوفنا المسلم الفارابي، الذي كتب "آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها"، والذي رأى فيه أن الحاكم الفاضل يجب أن يدعم قضاء مستقلا لتحقيق العدل، أي بالمفهوم المعاكس ألا تغوّل عليه ولا يفرض عليه رأيه ولا يوجهه ومن باب أولى ألا يرهبه، وهي معان كلها تصب في استقلال القضاء وفصل سلطاته عن السلطة التنفيذية، ليكون حرا يقضي بما ترد إليه من شواهد وأدلة ويحكمه في ذلك سيادة القانون.
في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي برزت ظاهرة خطف الطائرات، وارتبطت في الغالب بدوافع سياسية، أيديولوجية، أو جنائية. هذه الظاهرة شكلت تحديا كبيرا للأمن الجوي وأثرت على السياسات الدولية، ما أدى لاحقا إلى وضع تدابير أمنية مشددة لمنع مثل هذه الحوادث، مثل المجموعات الفلسطينية، والمجموعات الثورية ويسارية في شرق آسيا، مثل الجيش الأحمر الياباني، وأخواتها التحررية في أمريكا اللاتينية، مثل جيش التحرير الوطني في كولومبيا، والجيش الشعبي للتحرير في الأرجنتين، لكنها كانت حيلة الضعيف، والتي كانت تستهدف طائرات فيها رعايا دول مختلفة بهدف لفت الانتباه إلى قضايا سياسية أو الضغط على الحكومات، لتلبية مطالب هذه المجموعات التي يراها البعض مشروعة في ظل القهر الاستعماري المباشر أو بالوكالة.
ما فعله دولة رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، من تسليم الشاعر المصري الثوري عبد الرحمن يوسف القرضاوي للإمارات من غير سند قانوني، هادما بقراره قواعد الحقوق والحريات التي نصت عليها المواثيق الدولية والعهد الدولي الموقعة عليه دولته، وهي الحقوق التي أسستها الشرائع وعلى رأسها الشريعة الإسلامية، إنما هي سابقة يخشى أن يُبنى عليها في المستقبل
الجديد في الأمر أن الأنظمة باتت هي من تقوم بعمليات خطف الأفراد من المعارضين لا لفت الانتباه إلى قضيتها أو وضعها، بل لكي تقوم بوضع المخطوف في مزاد سري، وربما علني، في حال كشفت عن وجهها برقع الحياء، من أجل المساومة على مكاسب عامة لترابها، أو حتى مكاسب شخصية لمن اتخذ القرار بالخطف ومن ثم المساومة، وربما الاثنين، يجني مكاسب لدولته، و"يشهدوا منافع لهم"، وقد تكون هذه المنافع في صورة رشوة مباشرة توضع في بنوك غربية، وقد تكون تقديم أوراق اعتماد وتثبيت في المنصب، وهو يقوم من خلال ذلك المنصب، بما سبق.
وعمليات الخطف الجديدة تتطلب تدخلا وتغولا من السلطة، في الأغلب التنفيذية، على سلطات القضاء، أو حتى التشريع، فتسرع الإجراءات وتتخطى المواعيد القانونية ويضرب بعرض الحائط القوانين، من أجل عيون من رسا عليه المزاد وكسب بأمواله العطاء ونعم بالفريسة وتباهى بالانتصار، ضاربا بمقولة سعد زغلول الخالدة "الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة" عرض الحائط ليؤصل قاعدة جديدة مفادها "المال فوق القوة والرشوة تحرك الحكومة".
إن ما فعله دولة رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، من تسليم الشاعر المصري الثوري عبد الرحمن يوسف القرضاوي للإمارات من غير سند قانوني، هادما بقراره قواعد الحقوق والحريات التي نصت عليها المواثيق الدولية والعهد الدولي الموقعة عليه دولته، وهي الحقوق التي أسستها الشرائع وعلى رأسها الشريعة الإسلامية، إنما هي سابقة يخشى أن يُبنى عليها في المستقبل، لا سيما مع انشغال العالم أو تشاغله عن واحد من المبادئ التي نظم عليه عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، لتصبح الحريات والحقوق سلعة تباع لمن يدفع أكثر.. (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون)..
المجد للثوار.. المجد للشرفاء.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه القانون الحقوق اللبناني عبد الرحمن يوسف لبنان الإمارات عبد الرحمن يوسف مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطة التنفیذیة الحقوق والحریات دولة القانون
إقرأ أيضاً:
20 سنة من حكم محمود عباس.. ما هي الخسارة المزدوجة التي تحققها السلطة الفلسطينية؟
مرت 20 سنة على ثاني وآخر انتخابات لرئاسة السلطة الفلسطينية التي كانت في عام 2005 بعد رحيل ياسر عرفات، وفيها جرى انتخاب محمود عباس بنسبة 62.52 بالمئة في ولاية كان من المفترض أن تمتد لـ5 سنوات فقط.
وبحسب القانون، من المفترض أن يتم ينتخب "رئيس الدولة" لفترة ولاية مدتها خمس سنوات، ولا يجوز إعادة انتخاب شاغل المنصب إلا لمرة واحدة، وذلك وسط انتقادات واسعة للسلطة الفلسطينية ورئيسها بسبب عمليات ملاحقة المقاومة في جنين وممارسة التنسيق الأمني على أعلى المستويات.
وجرت هذه الانتخابات في التاسع من كانون الثاني/ يناير 2005، على أن يعمل "رئيس الدولة" على "حماية الدستور ووحدة الشعب، ويضمن استمرار بقاء الدولة وإستقلالها الوطني، والسير المنتظم للسلطات العامة، ويمارس اختصاصته وتحدد مسؤولياته وفقا لأحكام الدستور".
"خسارة - خسارة"
أكد محللون ومصدر مطلع أن السلطة الفلسطينية دخلت "معركة خاسرة" مع حملتها القمعية في جنين، والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى زوالها، بحسب ما جاء في تقرير لموقع "ميدل إيست أي".
وقال مسؤول كبير في حركة فتح إن الحملة المستمرة ضد المقاومة الفلسطينية في مدينة جنين الواقعة شمال الضفة الغربية، والتي أسفرت عن استشهاد 16 فلسطينيًا على الأقل حتى الآن، محكوم عليها بالفشل بغض النظر عن النتيجة.
وأضاف شريطة عدم الكشف عن هويته أن السلطة الفلسطينية "تعرضت لضغوط لإسقاط التوازن بين خدمة احتياجات إسرائيل الأمنية والحفاظ على الشرعية بين الشعب الفلسطيني"، واصفا الهجوم على جنين بـ"التخلي الفعلي عن الحياد السلبي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية واختبار الوقوف إلى جانب الإسرائيليين، في مقابل الحفاظ على السلطة".
وقال إنه "إذا نجحت السلطة الفلسطينية في جنين، فإنها ستفقد مبرر وجودها بين الفلسطينيين، وإذا فشلت، فإنها ستفقد مبرر وجودها فيما يتعلق بإسرائيل، وبالتالي فإنها تخسر المعركة على الجبهتين".
ويذكر أنه في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، شنت السلطة الفلسطينية حملة أمنية واسعة النطاق في جنين، شملت محاصرة المدينة وإطلاق النار على المدنيين العزل والاشتباك مع عناصر المقاومة باعتبار أنهم مجموعة من "الخارجين عن القانون".
وقتل عناصر السلطة الفلسطينية ثمانية فلسطينيين على الأقل من سكان المدينة منذ بدء العملية، بما في ذلك أب وابنه الأسبوع الماضي، كما قُتل ستة على الأقل من أفراد قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك بعضهم في تبادل لإطلاق النار مع أعضاء المقاومة.
وتعتبر السلطة الفلسطينية أن حملة "حماية وطن" موجهة ضد "الخارجين عن القانون" وأنها تحظى بدعم الأكاديميين والمثقفين والناشطين وتهدف إلى استعادة "القانون والنظام"، بينما تؤكد حالات المقاومة في الضفة الغربية أن العمل المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي مشروع، وأنها تتجنب المعارك المباشرة مع السلطة الفلسطينية.
"سابقة خطيرة"
قال ناشط سياسي مقيم في نابلس فضل عدم الكشف عن اسمه ضمن تقرير الموقع أن السلطة الفلسطينية "دفعت الناس إلى أرض جديدة من خلال جعل قتل الفلسطينيين لبعضهم البعض أمرًا مقبولا، وهذه سابقة خطيرة وضعتها السلطة الفلسطينية".
وأضاف الناشط "في الماضي، كان لدينا انقسام سياسي، ولكن كان من غير المقبول على الإطلاق أن يقتل فلسطيني فلسطينيًا آخر، لكن الآن تم إضفاء الشرعية على سفك الدماء الفلسطينية، وهذا سيكون له عواقب وخيمة في المستقبل".
وأوضح أنه من "خلال قتل زملاء فلسطينيين، تثبت السلطة الفلسطينية أيضًا للجمهور أنها تتعاون مع الاحتلال، وهذا يزيد من الإحباط العام تجاه السلطة الفلسطينية، التي شهدت انخفاض شعبيتها في السنوات الأخيرة"، محذرا من أن الفلسطينيين سيصلون في النهاية إلى "نقطة الانهيار، جنبًا إلى جنب مع الغضب إزاء الحملة الوحشية ضد منتقدي حملة جنين".
وفي الشهر الماضي، أفاد موقع أكسيوس الأمريكي أن العملية كان يُنظر إليها على أنه حاسمة لمستقبل السلطة الفلسطينية، حيث كان محمود عباس حريصا على إرسال رسالة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بأنه "قادر على إدارة الشؤون الفلسطينية".
حتى الآن، رحبت "إسرائيل" بقمع السلطة الفلسطينية، حيث ذكرت قناة "كان" أن المؤسسات الأمنية شجعت الهجوم، وجيش الاحتلال أجرى مشاورات مع كبار المسؤولين الفلسطينيين من أجل "تحسين النشاط" في مخيم اللاجئين.
"شرعيات منتهية"
وقبل حلول انتهاء ولاية عباس الأولى عام 2010، وقعت أحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007، وأدى إلى نشوء سلطتين سياسيتين وتنفيذيتين في صيف عام 2007 في الضفة الغربية تحت سيطرة حركة فتح، وفي قطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس.
وحدثت هذه الأزمة السياسية بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية في مطلع عام 2006، ونشوء أزمة سياسية ارتبطت بعراقيل للانتقال السلمي للسلطة داخليا وخارجيا، وخضوع أجهزة السلطة الفلسطينية للحزب الذي كان تقليديا ومنذ توقيع إتفاقية أوسلو يمسك زمام الحكم الذاتي الفلسطيني؛ وهو حركة فتح.
ويستمد رئيس السلطة الفلسطينية "شرعيته الحالية" من قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 2009 بأن "يستمر الرئيس الفلسطيني محمود عباس والمجلس التشريعي في أداء مهامهما إلى حين إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة".
ويشغل عباس إلى رئاسة السلطة الفلسطينية مناصب محورية وهي رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس حركة فتح، وفي عهد عرفات شغل مناصب رئيس الوزراء ووزير الداخلية وأمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة.
ومنذ أحداث الأقسام جرت العديد من المحاولات من أجل تحقيق المصالحة بين حماس وفتح وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نظرا لانتهاء ولاية كل المؤسسات الفلسطينية بعد 19 عاما على آخر انتخابات، إلا أن ذلك لم يتكلل بالنجاح، وفي عام 2021، أُلغيت الانتخابات التي كان من المفترض أن تُجرى بعد سنوات من التأجيل، بحجة منع "إسرائيل" إجراءها في القدس.
أهم أدوار السلطة
يشكل التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، الذي وصفه عباس بأنه مسؤولية "مقدسة"، ركيزة أساسية لاتفاق أوسلو منذ عام 1993، وعامل أهمية حيوية لبقاء السلطة الفلسطينية ذاتها وسبب وجودها من وجهة نظر "إسرائيل".
وعلى الرغم من تهديدات عباس المتكررة بقطع العلاقات الأمنية مع "إسرائيل" على مر السنين، فإنه لم يفعل ذلك إلا مرة واحدة من قبل، وسط مخاوف من ضم إسرائيلي وشيك في الضفة الغربية بعد إصدار خطة السلام لإدارة ترامب السابقة في عام 2020، لكنه استأنفه سريعا بعد انتخاب بايدن.
ولا يزال التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" غير مرغوب فيه للغاية بين الفلسطينيين العاديين من جميع الأطياف السياسية، الذين يرون فيه "شكلا من أشكال التعاون مع الاحتلال، وخيانة صريحة لمقاومة الشعب الفلسطيني".
والتسيق الأمني هو تعاون استخباري وتبادل المعلومات مع أجهزة إسرائيلية مثل "الشاباك"، ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه"، ويهدف إلى حماية الإسرائيليين أساسًا، ونبذ "الإرهاب وأعمال العنف".
ويلزم اتفاق أوسلو الموقّع عام 1993، واتفاق "طابا" عام 1995، السلطة بمحاربة المقاومة ونشطائها ضمن ما سمته الاتفاقيات بـ"الإرهاب"، وجعل السلطة مسؤولة عن اتخاذ الإجراءات المناسبة من خلال التعاون أمنيًا.