تشكّل العمارة الكويتية انعكاسا لتأثيرات ثقافات متعددة كالعثمانية والهندية والفارسية، إذ ارتبطت العمارة العثمانية في الكويت بامتداد السلطنة العثمانية في أقطار العالم الإسلامي على مدى قرون.

بينما جاءت العمارة الهندية، نتيجة للاحتكاك الوثيق بين الكويتيين من التجار والعاملين بالسفن التجارية، الذين كانوا يزورون الأقاليم الهندية لنقل البضائع.

وتعرّف هؤلاء على تفاصيل الحضارة الهندية من عمارة وفنون وأطعمة وأسواق من خلال معايشاتهم اليومية في تلك المناطق.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أرشد هورموزلو: الثقافة كالطيور المهاجرة لا تحتاج إلى تأشيرات دخولlist 2 of 2كتاب الفوضى.. قصة صعود وهبوط شركة الهند الشرقيةend of list

وبالنسبة للتأثير الفارسي، فقد تمثل في لمسات عمال البناء الإيرانيين الذين أسهموا في تشكيل ملامح العمارة الكويتية.

المساجد شواهد حيّة على التراث المعماري

تمثل المساجد جزءا مهما من العمارة الكويتية، كونها شواهد حيّة على التراث والحضارة الكويتية، وهي ليست مجرد أماكن للعبادة، بل تعكس ما حظيت به المساجد من اهتمام من قبل الكويتيين، حكاما ومحكومين، على مر العصور.

وفي هذا السياق، يأتي كتاب "الآثار والتراث المعماري للمساجد القديمة في الكويت"، لمؤلفه بشار محمد خالد خليفوه، والصادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ليقدم توثيقا دقيقا لهذا الجانب المضيء من التراث الكويتي. ويستعرض الكتاب عناية الكويتيين بالمساجد، سواء في حقبة ما قبل الثورة النفطية أو بعدها، مسلطا الضوء على الآثار المعمارية التي تميز هذه المساجد.

كتاب بشار  خليفوه يمثل مرجعا مهما لتوثيق تطور العمارة الإسلامية في الكويت (الجزيرة)

ويتناول الكتاب نشأة وتطور النمط المعماري في المساجد التراثية، ويسلط الضوء على مساجد الكويت الأولى. ويقدم دراسة فنية وتاريخية دقيقة تشمل تفاصيل التصاميم المعمارية للمآذن، وإضاءة القباب، وتطور المحراب والمنبر، إلى جانب الأعمدة والزخارف والأبواب التراثية وتصميماتها المميزة.

إعلان إحياء التراث المعماري للمساجد

يشرح المؤلف، بشار محمد خالد خليفوه، التطور الملحوظ في عمارة المساجد في الكويت، ويركز على الدور البارز الذي لعبته دائرة الأوقاف العامة الكويتية في إعادة إحياء النمط التراثي القديم للمساجد، بدءا من عام 1949. ويناقش الكتاب تأثير هذه الدائرة في تحديد معالم العمارة الإسلامية المحلية وإبراز هويتها.

ويتضمن الكتاب مباحث عدة، من بينها "مساجد الكويت الأولى"، التي تتناول النقلة النوعية التي شهدها الأثر المعماري لهذه المساجد. و"التطور العملي للأثر المعماري ودور دائرة الأوقاف"، حيث يركز هذا المبحث على الأنشطة التي قادتها الدائرة لإحداث تغييرات جوهرية في المعمار القديم، مما أضفى طابعا فريدا على المساجد الكويتية.

زهور التوليب وضعت على المئذنة كنوع من الزخرفة، وقد اشتهر بوضع هذا النوع من الزهور بالزخرفة العثمانية (صورة من الكتاب)

ويمثل الكتاب مرجعا مهما لتوثيق تطور العمارة الإسلامية في الكويت. فهو لا يكتفي بتسليط الضوء على الإرث التاريخي للمساجد، بل يناقش أيضا كيف ساهمت الممارسات الحديثة في الحفاظ على الهوية المعمارية الكويتية. ويعكس هذا العمل رؤية متكاملة، تجمع بين الماضي والحاضر، لتظل المساجد منارة للثقافة والتراث في الكويت.

وقدم المؤلف بشار محمد خالد خليفوه في كتابه دراسة شاملة وموسعة للمعالم الفنية والجمالية للآثار المعمارية للمساجد الكويتية. وتناول المؤلف تفاصيل دقيقة شملت الزخارف والنقوش بأنواعها، مع تحليل نمط الأعمدة والأبواب والنوافذ وأشكالها. كما خصص فصولا لدراسة المآذن والقباب والمنابر والمحاريب، مسلطا الضوء على التصاميم والنقوش الفنية التي ترتبط بمدارسها الإسلامية المختلفة.

ذائقة جمالية متأصلة في عمارة الكويت

تشير فصول الكتاب إلى أن الكويتيين تمتعوا بذائقة جمالية عالية قديما وحديثا، وهو ما انعكس بوضوح في جماليات مساجد خمسينيات القرن الـ20. وأظهرت تلك المساجد هوية كويتية بارزة في معمارها، حيث امتزجت الأصالة بالابتكار لإعطاء هذه المباني طابعا روحانيا ومعنويا خاصا.

إعلان

وبحسب الكتاب، شهد عام 1949 تحولا نوعيا في عمارة المساجد الكويتية. إذ قامت دائرة الأوقاف العامة، منذ إنشائها، بدور محوري في تطوير المعمار الإسلامي في البلاد، من خلال توسيع المساجد وبناء مآذن شاهقة، وهو أمر لم يكن مألوفا في النمط المعماري التقليدي للمساجد التراثية. ومع تحول الدائرة إلى وزارة عصرية في أوائل ستينيات القرن الماضي، بدأت حقبة جديدة من الأنشطة الإسلامية والتطوير العمراني.

ويشير المؤلف إلى أن دائرة الأوقاف استعانت بمجموعة من المهندسين والمعماريين وخبرات البنائين الكويتيين لإضفاء طابع متجدد على المساجد القديمة. ولعبت هذه الجهود دورا أساسيا في إعادة إحياء التراث المعماري، حيث استُخدمت أساليب حديثة ومخططات هندسية متطورة سواء في بناء مساجد جديدة أو في ترميم المساجد القديمة.

صورة لأشكال بناء المآذن (صورة من الكتاب)

ومنذ تأسيس دائرة الأوقاف العامة عام 1949، ظهرت تغييرات جوهرية في زخارف المساجد وأنماطها المعمارية. حيث تم إدخال أساليب تصميم جديدة، مع الاستعانة بخبرات معمارية من دول أخرى، مما أسهم في تطور الزخرفة وإحياء الهوية الفنية للعمارة الإسلامية في الكويت. ويبرز الكتاب الفارق الواضح بين فترة ما قبل تأسيس دائرة الأوقاف وما بعدها، حيث أضحت المساجد رموزا حية للتطور الثقافي والجمالي للعمارة الكويتية.

وسلط المؤلف الضوء على تاريخ العمارة الكويتية من خلال دراسة النماذج التصميمية القديمة وربطها بجوانبها الفنية والجمالية ومدارسها الفنية الإسلامية. ويظهر هذا الربط بين الماضي والحاضر في تصميم المساجد الذي يعكس التطور الثقافي والفني، بينما يحمل في الوقت نفسه روح الأصالة والتراث.

من البساطة إلى الأصالة المعمارية

استعرض المؤلف بشار محمد خالد خليفوه في كتابه "الآثار والتراث المعماري للمساجد القديمة في الكويت" تطور بناء المساجد وعمارتها، مُبينا كيف كانت المساجد في الكويت قبل تأسيس دائرة الأوقاف. ووصف المؤلف تلك المساجد بأنها كانت تفتقر إلى البساطة في التصميم، إذ كانت تتكون من عريش أو غرف صغيرة مبنية من صخور البحر والطين، مدعومة بأعمدة خشبية تُعرف بـ"الجندل" التي تحمل الأسقف.

إعلان

وأوضح المؤلف أنه مع بداية النهضة العمرانية الأخيرة في الكويت، ومع تولي كل دائرة دورها في الإسهام في هذا التطور، واكبت دائرة الأوقاف العامة هذا التحول. وشيّدت مساجد حديثة، وهدمت وأعادت بناء المساجد القديمة المتداعية، بما يتناسب مع التقدم العمراني السريع الذي شهدته البلاد. وكانت هذه الخطوات جزءا من رؤية شاملة لتطوير البنية التحتية للعمارة الدينية في الكويت، وجعل المساجد تعكس روح التطور والحداثة مع الحفاظ على التراث.

المسجد الكبير في الكويت صمّمه المعماري محمد صالح مكّية، بمزيج من الطراز الأندلسي والشرقي، وفق تراث معماري إسلامي تقليدي يحمل بصمات العمارة العربية في كل أرجائه (شترستوك)

وفي خاتمة كتابه، أشار المؤلف إلى أن الزخارف التي استعانت بها العمارة الكويتية القديمة تمثل رمزا أساسيا يعبر عن هوية تلك العمارة. وأكد أن تلك الزخارف استُلهِمت من التراث والمواريث الإسلامية المتنوعة، مضيفة لمسات فنية وجمالية على جميع مكونات المساجد، من المآذن إلى المنابر، ومن الأعمدة إلى الأبواب والنوافذ، وحتى الجدران.

وأوضح المؤلف أن هذا الكتاب جاء لتوثيق النمط المعماري القديم الذي يُعبر عن الهوية الكويتية. وأبرز كيف استطاعت العمارة الكويتية دمج أصالة التراث مع التطور الحضري، لتبني معالم دينية تحمل طابعا فريدا يمزج بين الماضي والحاضر. ويمثل هذا التوثيق إضافة قيمة لفهم تاريخ الكويت وتراثها المعماري الإسلامي، ويحفظ للأجيال القادمة قصة تطور المساجد الكويتية من البساطة إلى الأصالة والإبداع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات اجتماعي العمارة الإسلامیة التراث المعماری مساجد الکویت عمارة الکویت فی الکویت الضوء على

إقرأ أيضاً:

«الخراريف».. ذاكرة الحكاية الإماراتية في «أبوظبي للكتاب»

أبوظبي (الاتحاد)
في مجلس ليالي الشعر بمعرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025، الذي ينظمه مركز أبوظبي للغة العربية، ووسط حشد من الأطفال، أعادت سلامة المزروعي إحياء تقليد «الخراريف»، أحد أقدم فنون الحكي في الموروث الشعبي الإماراتي.
في مجلس يحاكي المجالس الإماراتية التقليدية، جلست المزروعي بلباسها التراثي الأصيل، مرتدية البرقع لتروي قصصاً من الماضي القريب، بأسلوب شائق استحضر ذاكرة الجدات، وأعاد الأطفال إلى أجواء الحكاية الأولى.
قدّمت المزروعي شخصيات خرافية شهيرة في التراث المحلي، أبرزها «أم دويس»، بأسلوب سردي تفاعلي أثار حماسة الصغار، الذين لم يكونوا مجرد مستمعين، بل شاركوا في نقاشات وأسئلة حول مغزى الحكاية، وأسباب ما تعرّض له أبطال القصص من خطر.
وكان الأطفال يتسابقون للإجابة: «لأنهم لم يستمعوا إلى نصائح أهاليهم»، ما يُكرّس في أذهانهم قيمة طاعة الوالدين، ويزرع في نفوسهم أولى بذور الحكمة والسلوك القويم.
تقول المزروعي: «الخراريف ليست مجرد تسلية، بل وسيلة تربوية استخدمها الأجداد لتعليم أبنائهم السنع، والكلمات التراثية، وقيم الحياة».
وأشارت إلى أن هذه القصص نُقلت شفاهياً بين الأجيال، وشكّلت جزءاً من الذاكرة الثقافية التي تحمل في طيّاتها اللغة، والتاريخ، والهوية. وأضافت: «نحن نروي الخراريف اليوم لنحافظ على لهجتنا، ونُبقي تراثنا حيًّا في وجدان الصغار والكبار».
وتُعرف المزروعي بأسلوبها الخاص في التفاعل مع الأطفال، إذ تعتمد على قراءة شخصياتهم وتقديم القصص بما يناسب ميولهم. تقول: «أحرص على كسر حاجز الخجل لدى بعض الأطفال، وأشجعهم على التفاعل والمشاركة، مما يجعل التجربة تعليمية وترفيهية في آن معآً».
يأتي تنظيم فعالية الخراريف ضمن أنشطة هيئة أبوظبي للتراث، التي تتبنى هذا المشروع الثقافي الحي، وقد نجح في استقطاب جمهور واسع من الأطفال الذين يطلبون يومياً المزيد من القصص، على الرغم من أن البرنامج يحدد سرد خروفتين في اليوم.
تقول المزروعي: «في كثير من الأحيان، أستمر في الحكاية طوال اليوم، وهناك من يتابعني عبر يوتيوب ويزورني في المعرض ليستمع إليّ مباشرة». 

أخبار ذات صلة ركن الفنون.. إمتاع بصري ومساحة نابضة بالإبداع «أبوظبي الدولي للكتاب» يطلق إصدار «أم كلثوم.. من الميلاد إلى الأسطورة» معرض أبوظبي الدولي للكتاب تابع التغطية كاملة

مقالات مشابهة

  • محافظ الشرقية يؤدي صلاة الجمعة بمسجد الكويتية في بلبيس
  • في 5 محافظات | الأوقاف تفتتح اليوم 6 مساجد ضمن خطتها لإعمار بيوت الله
  • وكيل أوقاف بالفيوم للأئمة المرحلة الراهنة تقتضي الحيطة والحذر من الجميع
  • «الخراريف».. ذاكرة الحكاية الإماراتية في «أبوظبي للكتاب»
  • مركز الدرعية لفنون المستقبل و«سكاتاريلا أسوسياتي» يناقشان آفاق الفن والتصميم المعماري في المملكة
  • سحب وفقد الجنسية الكويتية من 434 حالة
  • رئيسُ إدارة شئون المساجد والقرآن الكريم يلقي كلمةَ وزير الأوقاف بمؤتمر الإسلام في كازاخستان
  • تفكيك الفكر المتطرف محاضرة بالجامعة المصرية للثقافة الإسلامية بكازاخستان
  • خلال لقائه بمديري الإدارات.. .وكيل أوقاف الشرقية يشدد على عدم صعود المنبر أو استخدام ميكروفون المساجد لغير المصرح لهم
  • محافظ بني سويف يشهد احتفالية الأوقاف لتكريم المتبرعين والمساهمين في إنشاء وتطوير المساجد