دين وقضايا المجتمع الراهنة – قراءة في المشهد السوداني المعاصر
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
زهير عثمان
تعكس الحالة الفكرية السودانية اليوم تعقيدات تاريخية وسياسية واجتماعية متداخلة، يغذيها إرث من الأيديولوجيات المتصارعة والتحديات الراهنة، أبرزها الحرب والتيارات الدينية المتشددة. يتطلب هذا الواقع قراءة معمقة لفهم الجذور والمآلات، خاصة في ظل التباينات بين الطروحات الفكرية وأثرها على تشكيل المجتمع والدولة.
أثر الأيديولوجيات في السودان و انكسار الأحلام الثورية
كما في الدول العربية الأخرى، شهد السودان تجارب حزبية وأيديولوجية استندت إلى رؤى ثورية تحررية. من الحزب الشيوعي إلى الحركات القومية والإسلامية، مرت البلاد بفصول من التنافس الأيديولوجي الحاد. ركزت هذه التيارات على بناء "الدولة الحصينة" أو "الدولة الإسلامية"، إلا أن النتيجة كانت سلسلة من الإخفاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
افتقرت هذه المشاريع إلى رؤية تنموية شاملة، مما جعل السودان، رغم موارده الضخمة، يعاني من الفقر والتخلف. في النهاية، أصبحت الأيديولوجيا أداة للسيطرة بدلاً من التحرر، حيث ركزت القوى الحاكمة على البقاء في السلطة بأي ثمن.
الدين والسياسة - علاقة معقدة ومأزومة
علاقة معقدة ومأزومة
منذ استقلال السودان، كان الدين عاملاً رئيسياً في تشكيل الهوية السياسية والثقافية للبلاد. استخدمته بعض التيارات كأداة لتحقيق الهيمنة السياسية، مما أدى إلى استقطاب حاد داخل المجتمع.
الحركات الإسلامية، على وجه الخصوص، قدمت نفسها كبديل للمشاريع العلمانية واليسارية، لكنها عانت من فشل في تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية. تفاقمت الأمور مع صعود التيارات المتشددة، التي حولت الدين إلى مشروع أحادي يهدف إلى تهميش الآخر وإقصائه.
ومع ذلك، ظل التصوف الشعبي يمثل ملاذاً روحياً للكثير من السودانيين الذين وجدوا فيه قيم التسامح والتعايش بعيداً عن الصراعات الأيديولوجية. في المقابل، ظهر التصوف الصفوي بين المثقفين كحركة تحاول إعادة تأطير الروحانية السودانية في سياق فلسفي وحداثي، مما أكسبه جمهوراً جديداً بين النخب الثقافية.
وفي السنوات الأخيرة، برزت ظواهر جديدة من بينها الإلحاد كحالة احتجاجية من بعض الشباب ضد هيمنة الخطاب الديني التقليدي. إلى جانب ذلك، شهدت البلاد انتشاراً لفكر "الوجوديين الجدد" الذين تأثروا بالعولمة وأيديولوجيات الانتماء للإنسانية بدلاً من الإيمان برب أو إله، حيث يعتبرون التجربة الروحانية الفردية وسيلة لاستكشاف الذات بعيداً عن القوالب الدينية التقليدية.
الحرب والمجتمع و تمزقات وآفاق
الحرب الحالية في السودان ليست مجرد صراع على السلطة، بل هي نتاج لعقود من السياسات الإقصائية والفشل في بناء دولة وطنية جامعة. الحرب عمقت الانقسامات العرقية والدينية، وأصبحت مسرحًا لتجاذبات إقليمية ودولية.
في ظل هذا الوضع، يجد المجتمع السوداني نفسه عالقًا بين قوى الحرب والتيارات الدينية المتشددة، التي تحاول استغلال النزاع لتعزيز أجنداتها.
أفق الحل-نحو خطاب فكري جامع
تجديد الفكر الديني , لا يمكن تجاوز الأزمة السودانية دون مراجعة الفكر الديني. يحتاج السودان إلى خطاب ديني مستنير يعزز قيم المواطنة والتسامح، ويبتعد عن التوظيف السياسي للدين.
المصالحة الوطنية -يتطلب إنهاء الحرب حوارًا شاملًا يجمع جميع القوى الوطنية، بما في ذلك التيارات الإسلامية المعتدلة، لبناء عقد اجتماعي جديد.
إعادة بناء الدولة -يحتاج السودان إلى دولة مدنية قوية، تعيد الاعتبار للمواطنة وتحقق التنمية الشاملة. يتطلب ذلك تفكيك منظومات الفساد والاستبداد التي أرستها الأنظمة السابقة.
في ظل هذه التحولات، يظل مستقبل السودان مرهونًا بقدرته على تجاوز انقساماته الفكرية والسياسية. الدين، كما الحرب، يمكن أن يكون قوة هدم أو بناء، ويتوقف الأمر على مدى وعي المجتمع وقادته بضرورة بناء دولة حديثة تعترف بتعددية أبنائها وتعزز قيم العدل والمساواة
هذا الطرح ليس مثاليا ولكنه واقعي ومعقول في ظل الظروف الحالية بالسودان .
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
البرهان: مشاورات القوى السياسية تمهد للحوار السوداني
أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان أن مشاورات القوى السياسية والمجتمعية تهدف إلى رسم خريطة طريق للحوار السوداني، وإحلال السلام والتوافق السياسي، ولفت إلى أن "الباب ما زال مفتوحا أمام كل شخص يقف موقفا وطنيا وينحاز للصف الوطني".
وقال البرهان -في كلمة في ختام مشاورات القوى السياسية في بورتسودان- إن توصيات هذه المشاورات ستؤخذ بعين الاعتبار لاستكمال مسيرة الفترة الانتقالية.
وتناول البرهان في كلمته عدة قضايا محورية تتعلق بالحرب الأهلية والحوار الوطني ومستقبل الفترة الانتقالية في السودان. وبدأ كلمته بتكريم شهداء السودان، الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن، مع التركيز على شهداء "معركة الكرامة".
وأشاد بدور الشعب السوداني في دعم القوات المسلحة خلال فترة الحرب، قائلا: "لولا سند الشعب، ما كانت القوات المسلحة لتقوم بما فعلته".
ورحب البرهان بدور القوات النظامية الأخرى والقوات المشتركة والمستنفرين من مختلف الفئات، الذين ساهموا في صمود القوات المسلحة.
دور القوى السياسيةوأكد البرهان أهمية دور القوى السياسية الوطنية والمجتمعية في دعم القوات المسلحة خلال الحرب، مشيرا إلى أن هذه القوى ستكون جزءا أصيلا من تحقيق النصر الكامل في جميع أنحاء السودان. ودعا إلى التعلم من تجربة الحرب لبناء دولة جديدة تختلف عن الماضي.
إعلان
ووجه البرهان الجهات المختصة في الجوازات بعدم منع أي مواطن سوداني من الحصول على الجواز أو الأوراق الثبوتية، مؤكدا "لا نعادي الناس بسبب آرائهم". كما أضاف أن لكل شخص الحق في انتقاد النظام، لكن ليس له الحق في "هدم الوطن أو المساس بثوابته".
تشكيل حكومة جديدةوأعلن البرهان أن الفترة القادمة ستشهد تشكيل حكومة جديدة لاستكمال مهام الفترة الانتقالية، ويمكن تسميتها "حكومة تصريف أعمال" أو "حكومة حرب". وستكون هذه الحكومة مكونة من كفاءات وطنية مستقلة تعمل على إنجاز المهام العسكرية المتبقية، بما في ذلك تطهير السودان من المتمردين.
وجدد البرهان رفضه التفاوض مع المتمردين، قائلا "لا تفاوض مع المتمردين إلا إذا وضعوا السلاح وخرجوا من منازل المواطنين والأعيان المدنية".
وأشار إلى رفضه وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان، مؤكدا أن أي وقف لإطلاق النار يجب أن يكون مصحوبا بانسحاب المتمردين من الخرطوم وغرب كردفان وولايات دارفور، وتجميع قواتهم في مراكز محددة.
واختتم البرهان كلمته بالتأكيد على عزمه المضي قدما نحو بناء دولة سودانية قوية ومستقرة، قادرة على لعب دور مهم في المستقبل.