لماذا ترفض الثورة الدينية الحداثة؟ كتاب يقرأ علاقة المشروع الإسلامي بالغرب
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
الكتاب: ما الثورة الدينية.
المؤلف: داريوش شايغان. ترجمة: د. محمد الرحموني.
الناشر: دار الساقي بالتعاون مع المؤسسة العربية للتحديث الفكري. بيروت 2004.
رغم صدور هذا الكتاب منذ عشرين عامًا، فإنَّ المواضيع التي يطرحها لا تزال قائمة، لا سيما إشكالية العلاقة بين الحداثة والحضارات التقليدية في منطقة الشرق الأوسط، وصدام الثقافة والحداثة بين أوروبا والإسلام، وتفكك البنى التقليدية أمام هجمة الحداثة الغربية بسبب تحجر هذه البنى ضمن "المأثور" الديني.
فقد انتقلت أوروبا التي كانت تكن العداوة للإسلام، منذ القرون الوسطى وصولاً إلى الحقبة الاستعمارية، إلى تبني الحداثة بكل منطوياتها الفكرية والثقافية والسياسية، مجسدة القطيعة مع الماضي الديني، بينما العالم العربي والإسلامي، لا يزال حالياً، في حالة مخاض، ولا ندري كيف ستؤول الأمور، مع هيمنة الطائفية التي صارت قويّة جدّاً في الشرق الأوسط، ولم تكن كذلك بهذه الدرجة مع انهيار السلطنة العثمانية. لكنَّ منذ نجاح الثوة الإسلامية في إيران عام 1979، وهزيمة الحركات القومية في كل من مصر والعراق وسورية، وحركة التجييش الذي تعرفه الحركات الإسلامية الجهادية منذ حرب الخليج الثانية عام 1991، ولغاية الحربين في أفغانستان والعراق، وصولاً إلى الحرب الأهلية السورية، فمن الممكن أن تتفتّت سورية والعراق إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية ، خصوصًا أنَ المجتمعات التقليدية والطوائف السياسية العربية غير مستعدّة لتبني الحداثة والديمقراطية التعددية.
قام المشروع العربي ـ الإسلامي على امتداد أكثر من قرن إلى الوراء، في ما عرف بعصر النهضة، على أساس الإجابة عن سؤال حضاري تمحور حول التحدي الغربي: ما حقيقته؟ وكيف نرد عليه؟ وكيف نحقق النهضة؟ وانتهت النهضة وجاءت الثورة، وكبر التحدي الغربي وازداد، وظل السؤال يراوح مكانه، بل حل الحديث عن السقوط وأسبابه محل الحديث عن النهضة وسبلها.لعل السؤال حول الأصالة والمعاصرة، والتراث والحداثة، وحول مواجهة التحدي الحضاري والاستعماري الغربي، وتحقيق النهوض في العالمين العربي والإسلامي، قد استحوذ على قدر كبير من اهتمام الكتاب والباحثين العرب والمسلمين منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، إلا أن هذا التحدي بوجهه السياسي والعسكري والاقتصادي ما زال قائماً، وهذه الإشكالية الحضارية في التواصل مع الغرب ما تزال مطروحة.
وفي هذا الإطار يندرج كتاب المفكر الإيراني داريوش شايغان، الذي ولد سنة 1935، وتتلمذ على المستشرق الكبير هنري كوربان، ودرس في إيران وإنكلترا وسويسرا وفرنسا، وحصل على دكتوراه الدولة في باريس سنة 1968، عن بحثه الهندوسية والصوفية، وشغل بعد ذلك كرسي أستاذ في الفلسفة المقارنة بجامعة طهران، ثم عين سنة 1977 مديراً للمركز الإيراني للدراسات الحضارية حتى سنة 1979، تاريخ انتصار الثورة الإيرانية. غادر بعدها إلى باريس حيث عين مديراً لمعهد الدراسات الإسماعيلية حتى سنة 1988.
كتاب" ما الثورة الدينية" ـ الحضارات التقليدية في مواجهة الحداثة- يتكون من مقدمة وستة فصول، ويحتوي على 317 صفحة من القطع المتوسط، وصدر عن دار الساقي في بيروت سنة 2004.
سؤال النهضة
قام المشروع العربي ـ الإسلامي على امتداد أكثر من قرن إلى الوراء، في ما عرف بعصر النهضة، على أساس الإجابة عن سؤال حضاري تمحور حول التحدي الغربي: ما حقيقته؟ وكيف نرد عليه؟ وكيف نحقق النهضة؟ وانتهت النهضة وجاءت الثورة، وكبر التحدي الغربي وازداد، وظل السؤال يراوح مكانه، بل حل الحديث عن السقوط وأسبابه محل الحديث عن النهضة وسبلها.
وفكرة ما الثورة الدينية (العنوان الأصلي للكتاب)، محاولة تندرج ضمن هذه الإشكالية الحضارية، إلا أن داريوش شايغان يلج الموضوع من زاوية ورؤية جديدتين تعتمدان بالخصوص على:
أولاً ـ توسيع إطار الأنا الحضارية، فلم تعد هذه الأنا مقتصرة على العرب والمسلمين، بل اتسعت ورحبت لتشمل كافة الحضارات التقليدية الشرقية (الإسلامية والهندية والصينية)، أو ما سماه شايغان التجمع الروحي الواحد. ذلك أن هذه الحضارات الإسلامية والهندية والصينية تتميز على الرغم مما بينها من اختلافات بتجانس بنيوي في تجربتها الميتافيزيقية. وقد أبان شايغان عن هذا التجانس اعتماداً على منهج مقارن يرتكز على ما يُعرف في مجال الفلسفة المقارنة بـ المماثلات التناسبية les analogies de rapport.
ثانيًا ـ اعتماد رؤية حضارية شاملة للكوكبتين الثقافيتين، الشرقية والغربية، على اعتبار أن الحضارة كل شامل له منطقه ومقولاته الخاصة. وتكمن أهمية هذه الرؤية الشاملة في قدرة المؤلف على تجاوز النزعة التجزيئية الغالبة على الدراسات الحضارية الراهنة، والتي تعزل الظواهر بعضها عن بعض وتدرسها كلاً على حدة. ويتطلب كتاب بمثل هذه الشمولية جهازاً معرفياً ومنهجياً ولغوياً ضخماً. ولعل هذا ما يفسر الكم الهائل من المعارف الفلسفية والدينية والسياسية والاجتماعية والعلمية التي يزخر بها الكتاب، إضافة إلى استيعاب كاتبه للعلوم القديمة والحديثة وإلمامه بها: التصوف (الإسلامي والهندي)؛ علم النفس (بكل فروعه تقريباً)؛ الأنثروبولوجيا؛ تاريخ الأديان... إلخ، إضافة إلى معرفته بلغات كثيرة: الفرنسية؛ الألمانية الإنكليزية؛ وطبعاً الفارسية.
والكتاب يرمي حسب مؤلفه إلى توضيح "المأساة" التي تختفي خلف الظواهر، والنفاذ عبر "علم ظواهر رؤى العالم" إلى مسرح الصراعات الثقافية الكونية. وهو يرى في هذا السياق أن "الثورة الدينية" علامة خطيرة على فشل مزدوج، سواء من حيث عجز الحداثة عن اقناع الجماهير المحرومة المطروحة على هامش التاريخ، أو عجز "التقاليد الدينية القديمة" عن استيعاب ما عرفته العصور الحديثة من قطيعة مع الماضي، وأن هذه الثورة التي تمثل بروز ظاهرة أدلجة المأثور الديني، تصبح فيها الأيديولوجيا النقطة الأكثر خرقاً في التقاء المستويات المختلفة للوعي.
معنى الثورة الدينية
يعمد المفكر داريوش شايغان في الأبواب الثلاثة الأولى إلى نوع من الاستطراد لتسهيل مهمة القارئ ـ حسب رأيه ـ في فهم معنى الثورة الدينية في أفق الحضارات التقليدية، مغرقاً في موضوعات ذات طابع فلسفي. ولا يثير فينا هذا الاستطراد - ونقول ذلك استطراداً - أي عجب، اللهم إلا إذا كنا لم نقرأ بعد رسالة الغفران.
فيتناول في الباب الأول: التوجه الروحي الواحد أو البنى الكبرى للفكر التقليدي، وتوضع الحضارات التقليدية في كوكبة ثقافية واحدة، مبرزاً الأشكال القابلة للمقارنة في هذه الكوكبة الحضارية، من حيث "المركز المرئي للوجود"، وما يسمى "بالنـزول والصعود" في تجربة المقدس، والبنية الثلاثة المتصلة بعوالم الظواهر الحسية، والخيال، والروح، وعلم اللاهوت الموجب وعلم اللاهوت السالب، ويخلص إلى وجود بنية تقف جداراً فاصلاً بين الرؤية الصوفية للعالم والمفاهيم الفلسفية التطورية التاريخية.
محتوى الباب الأول تذكير بالبنى الكبرى للفكر التقليدي، وكيف انهارت مع انبثاق العصر العلمي التقني في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، الذي أحدث تغييراً مذهلاً في وعي الإنسان بذاته وبمركزه في العالم، بحيث رأى فيه المؤلف ثاني تحول ثقافي للبشرية (حدث التحول الأول ما بين القرنين السابع والخامس قبل الميلاد). وقد نقل هذا التحول الإنسانية من الرؤية التأملية إلى الفكر التقني، ومن الأشكال الجوهرية إلى مفاهيم التقنية الرياضية، ومن الجواهر الروحية إلى الدوافع الغريزية البدائية، ومن الأخروية إلى التاريخانية.
ولم يعد للإنسان، تبعاً لذلك، موضع مركزي وثابت في العالم لأن العالم لم يعد هو نفسه شيئاً ثابتاً... ولم يعد ينتسب إلى الأنبياء والآلهة، بل أضحت شجرة نسبه تعود إلى القردة. ولم يعد سيد نفسه، بل هو متربع فوق بركان من القوى اللاواعية واللاعقلية. لقد انهارت (باختصار) رؤية العالم التراتبية وقوسا النزول والصعود والبنية الثلاثية وعلم اللاهوت السالب والصور الظاهرانية للخيال، بحيث حل التطور ذو البعد الواحد محل الصعود الدوري التزامني، وحلت أزمنة وفضاءات الامتداد الهندسي المتجانسة محل الأزمنة والفضاءات الروحية المتفردة، وحلت السببية الفيزيائية محل تطابق الرموز التزامني، وحلت ثنائية الجسد والروح محل بنية الفكر الثلاثية، وحلّت أخيراً الكناية محل الرمز.
أما في الباب الثالث فيتحدث عما يسميه الفجوة الأساسية التي يتحدث فيها عن التحول الثقافي في الغرب، وعن فلسفة النهضة الأوروبية، وتقويضها منظومة الفكر التراتبي، ويتناول تهديم البنى الكبرى للفكر التقليدي واضمحلال الغائية، وانهيار التراتبية الأنطوالوجية، و"العلة بلا جوهر" و"الثنوية الميتافيزيقية" و"التمثل والموضوعية"، ثم ينتقل إلى ما أسماه الصدمات الثلاث، الكوسمولوجية، والبيولوجية، والسيكولوجية، ليصل إلى الحديث عن العدمية الغربية التي تتمثل في الانفصام بين الإيمان والمعرفة.
الفكر في الغرب كف عن أن يكون فكراً فلسفياً، كما كف الفكر في الشرق عن أن يكون فكراً دينياً. لذلك، فإن النمط الفكري الوحيد القادر حالياً على فرض نفسه هو نمط جديد من الفكر لن يكون فلسفياً بأتم معنى الكلمة، ولن يكون دينياً.أما الحضارات التقليدية الشرقية ، فهي تعيش مأزقاً حقيقياً متأتياً من كونها فقدت بناها الفكرية الكبرى، أو بالتدقيق فقدت هذه البنى مبررات وجودها بفعل الهجمة الحداثية الغربية، ومن كونها لم تشارك في صنع هذه الحداثة، أو في الحقيقة ـ كما یری شايغان ـ لم يسمح لها الغرب بذلك. فعلى خلاف التحول الإنساني الأول الذي حدث في حواضر العالم الكبرى آنذاك (اليونان والهند والصين)، فقد اكتفى التحول الثاني بالمجال الجغرافي الغربي. ولما كانت هذه الحضارات ترغب في الفعل في التاريخ، فقد حاولت جاهدة الانخراط في هذا التاريخ، ولكن من دون القيام بأي مجهود نقدي إزاء بناها الفكرية الموروثة، بل غاية ما فعلته مماثلة مفاهيمها بالمفاهيم الغربية، فتصبح بذلك (على سبيل المثال الصلاة رياضة، والوضوء صحة، والشورى ديموقراطية...إلخ، ويسمي شايغان هذه العملية أدلجة المأثور l'idéologisation de la tradition.
والنتيجة المباشرة لهذه العملية، أن ما تنتجه هذه الحضارات من فكر هو فكر بلا موضوع، وما تُنتجه من فن هو فن بلا محل، وما تأتيه من سلوك هو سلوك عبثي. أما طبقتها المثقفة فلا هي سليلة حكماء الشرق، ولا سليلة مثقفي الغرب. وتكون النتيجة النهائية أن: يسقط الدين في أحبولة مكر العقل، فيتغرّب وفي نيته مواجهة الغرب، ويتعلمن وفي عزمه روحنة العالم، ويتورط في التاريخ وفي مشروعه إنكار التاريخ وتجاوزه.
وينتقل إلى موضوع "الثورة الدينية" مبدياً استغربه لمصطلح "الثورة الإسلامية" معتبراً أن اللفظين المكونين للمصطلح لا تربطهما أية وشائج أنطولوجية. ويتناول الماركسية المبتذلة قائلاً إن الحضارات غير الغربية تتأرجح بين انفعالية المتطرفين الدينيين والمتطرفين اليسارين، وهو إذ يعرض إلى البراكسيس الجدلي والماركسي يقول إن ما راج عندنا ليس أطروحات ماركس بل ماركسية دوغمائية مبتذلة، لاتظهر فيها الأفكار في نقائها بل في صورة أفكار متطرفة متحجرة، وفي فلسفات مستنـزفة، وأنه إذا كانت الايديولوجيا تنـزع إلى تدنيس الأفكار المعلمنة، فإن الديانات النضالية تنـزع إلى علمنة الأفكار المقدسة.
وهو يأخذ المفكر الإسلامي الإيراني علي شريعتي المتوفى عام 1977 كنموذج لهذا الاتجاه الذي يعطي للمقولات الماركسية معاني جديدة تفضي إلى "إسلام مؤدلج" شف عن "مقولات اجتماعية اقتصادية مسطحة". وهو يرى أنَّ أدلجة الأديان تفتح على خطر مرعب يتمثل في السلوك اللاعقلاني للجماهير. وهو إذ يرى أن الدين بإمكانه المساهمة في إثراء الحياة الروحية للإنسان فإنه يقول أنه لا يمكن "توجيه الحياة الاجتماعية من خلال الدين". وأن محاولة تحقيق الديانة تاريخياً في الشأن العام تخفضها إلى مستوى الأيديولوجيا الشمولية.
ويكرر شايغان في جميع ما نشره بعد سنة 1982، أي بعد صدور ما الثورة الدينية؟ ـ ربما بالمعنى الإيجابي ـ فكرته الجوهرية التي يمكن تلخيصها في أن العالمين ـ الغرب والشرق ـ يعيشان مأزقاً حقيقياً. فالفكر في الغرب كف عن أن يكون فكراً فلسفياً، كما كف الفكر في الشرق عن أن يكون فكراً دينياً. لذلك، فإن النمط الفكري الوحيد القادر حالياً على فرض نفسه هو نمط جديد من الفكر لن يكون فلسفياً بأتم معنى الكلمة، ولن يكون دينياً. إنه شيء ما بين الاثنين، يأخذ من الدين طاقته الوجدانية، ومن الفلسفة مظهرها المعقول والاستدلالي. وهذا النمط الهجين هو الأيديولوجيا. فالأيديولوجيا، إذاً، بما هي وعي زائف، وبما هي نزوع إلى المماثلة والمطابقة، وبما هي خطاب بياني، وبما هي بنية ثنوية اختزالية، أي باختصار بما هي شر محض، هي الفكرة التي استبدت بشايغان. وبما أنه يكتب انطلاقاً من انتمائه الحضاري والثقافي، فقد ركز تحاليله على هذا التجمع الروحي الواحد الذي أضاف إليه الحضارة الإفريقية، فهي تعاني بدورها من أفيون الأدلجة، ممثلة بالخصوص في ظاهرة الإسلام الثوري أو الإسلام المناضل.
وكانت هذه المقولة التحليلية (الأيديولوجيا)، أيضاً، الأداة التي قيم بها شايغان شعراء إيران قديماً وحديثاً. ففي مقاله عن حافظ الشيرازي كما في مقاله عن سهراب سبهري (شاعر إيراني معاصر)، كان الفيصل في الحكم على شاعرية الشاعر، مدى غياب الأيديولوجيا أو حضورها، ويرى أن النص الشعري الجيد هو الذي لا تفوح منه رائحة الأيديولوجيا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الدينية الفلسفة علاقات كتاب دين عرض فلسفة كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحدیث عن الفکر فی فی الغرب لم یعد
إقرأ أيضاً:
تايمز: هكذا ينظر كتاب بريطانيون لأداء ترامب بعد 100 يوم من الحكم
أدلى 5 من كُتّاب مقالات الأعمدة في صحيفة "تايمز" البريطانية بآرائهم وتحليلاتهم حول أداء الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد مرور 100 يوم على ولايته الثانية.
وقالت الصحيفة في التقرير الذي يرصد أقوال أولئك الكُتاب، إن ترامب ما إن عاد مرة أخرى إلى البيت الأبيض حتى شرع على الفور بتغيير أميركا والعالم.
روجر بويزيستدعي المحرر الدبلوماسي في الصحيفة التاريخ عندما يقارن عودة ترامب إلى سدة الحكم، برجوع الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت الأول من منفاه في جزيرة إلبا إلى باريس يوم 20 مارس/آذار 1815.
ويقول إن عودة نابليون تلك، والتي استمرت 100 يوم، أحدثت هزة في النظام العالمي قبل هزيمته في معركة واترلو، فيما بداية ترامب قد يكون لها تأثير أطول.
ويضيف أن هذه البداية تطرح أسئلة كبيرة، حول ما إذا كان الرئيس الأميركي ستنفَد طاقته ويفقد زخمه، وهل سينجح في ترسيخ تغييراته قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في 2026، أم أن القضاء سيُحبط مخططاته؟
ويستمر بويز متسائلا عما إذا كان ترامب سيركز على شن حرب تجارية شاملة مع الصين، وهل ستتحول هذه الحرب إلى صراع عسكري؟
إيما دنكانتعتقد كاتبة العمود الأسبوعي المتخصص في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية أن ترامب نجح في ترك بصمته في أول 100 يوم له في سدة الحكم، إذ لم يسبق لأي رئيس أميركي آخر أن أحدث -برأيها- مثل هذا القدر من الضرر بهذه السرعة.
إعلانوتقول إن الرسوم الجمركية الهائلة التي فرضها حوّلت الاقتصاد الأميركي الذي كان قويا إلى اقتصاد مهدد بالركود والتضخم على حد سواء.
كما أن استعداده لتجاهل المحاكم وتهديداته باستخدام أجهزة الدولة ضد من ينتقده يوحي بأن بلاده تتجه نحو الاستبداد، كما تزعم دنكان.
ووفقا لها، فقد يكون تخليه عن أوكرانيا لصالح التقارب مع روسيا قد قضى على التحالف الغربي، معربة عن أملها أن تكون أيامه القادمة في منصبه أقل خطورة.
دانيال فنكلشتاينيشدد كاتب العمود السياسي الأسبوعي على ضرورة أخذ ترامب على محمل الجد حرفيا، حيث لا يزال هناك ميل للنظر إليه على أنه غريب الأطوار، ويتصرف حسب أهوائه. غير أن فنكلشتاين يقول إن هذا ليس صحيحا.
ويوضح أن القرارات التي اتخذها الرئيس في أول 100 يوم له، مثل تلك المتعلقة بالتعريفات الجمركية، والميل نحو الاستبداد، وقناعته بأن أميركا تتعرض للسرقة من قبل حلفائها والخداع من شركائها التجاريين، لطالما كانت جميعها جزءا من سياساته.
ماثيو باريسمن وجهة نظر هذا الكاتب، فإن ترامب لم يسقط بعد. لكنه يستدرك قائلا إن السرعة التي صعد بها تهدد بالفعل ما يسميه علماء الصواريخ "التفكيك السريع المفاجئ"، الذي يعني السقوط عند الآخرين.
ومع بلوغه الوشيك سن الــ80 في يونيو/حزيران المقبل، يعتقد باريس صراحة أن ترامب بدأ يفقد قدرته على إدراك ما هو ممكن.
جولييت صموئيلابتدرت الكاتبة تحليلها بعبارة تدل على الاستغراب حيث قالت "يا للهول، إذا كانت هذه 100 يوم فقط، فماذا سيحدث خلال الفترة المتبقية من ولايته هذه؟".
وعن تأثير قراراته الاقتصادية على بريطانيا، ترى الكاتبة أن تداعياتها الكبرى ربما تتمثل في لفظ التجارة الحرة أنفاسها الأخيرة.
ونتيجة لتلك السياسات خسرت أسواق الأسهم ترليونات الدولارات مما اضطره إلى التوقف، على حد تعبير جولييت.