سيكون الرئيس اللبناني المنتخب جوزاف عون، أمام طريق وعر جراء تحديات سياسية واقتصادية ودبلوماسية، بعد أزمات طاحنة تعرضت لها البلاد منذ 2019.

 

وسيكون الرئيس المنتخب في حاجة ماسة إلى مد يد العون من المجتمع الدولي لتحقيق إصلاحات اقتصادية تعيد للبنان أملاً بنهاية تدهور اقتصادي ونقدي ومصرفي.

 

الأناضول تستعرض في التقرير الآتي أبرز التحديات الاقتصادية التي تعرض لها لبنان منذ 2019، عندما عانى تراجعات متتالية في سعر صرف عملته المحلية الليرة حتى اليوم.

 

** الانهيار المالي والمصرفي

منذ عام 2019، يعاني لبنان انهيارا ماليا يُعد من أسوأ الأزمات في العصر الحديث وفقًا للبنك الدولي، إذ فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 98 بالمئة من قيمتها إلى متوسط 90 ألفا أمام الدولار من 1500 سابقا.

 

وبينما انهارت الثقة بالنظام المصرفي بالكامل، فإن البنوك التي كانت يوما رمزا للاستقرار، أصبحت عاجزة عن تلبية طلبات السحب بالدولار، ما أدى إلى تآكل مدخرات المواطنين.

 

التحدي الأكبر أمام الرئيس الجديد هو إعادة هيكلة القطاع المصرفي، واستعادة الثقة بين المواطنين والمستثمرين.

 

هذه المهمة تتطلب تعاونا مع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي الذي تراجع عن الدخول في خطة إصلاحات اقتصادية مع لبنان قبل عدة سنوات.

 

كما يحتاج الرئيس الجديد، إلى وضع خطة لإعادة رسملة البنوك وإدارة الديون السيادية التي تجاوزت 90 مليار دولار.

 

** التضخم وارتفاع الأسعار

يعيش اللبنانيون تحت وطأة تضخم مفرط، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية بشكل هائل.

 

ووفقا لإحصائيات الأمم المتحدة لعام 2023، يعيش أكثر من 80 بالمئة من السكان تحت خط الفقر وسط تضخم مرتفع تجاوز في بعض المراحل 300 بالمئة، ما أثّر على القوة الشرائية للمواطنين وجعل تأمين الاحتياجات تحديا يوميا.

 

للتعامل مع هذه الأزمة، يحتاج الرئيس عون إلى وضع سياسات اقتصادية عاجلة، مثل تعزيز الأمن الغذائي، وتشجيع الإنتاج المحلي، ودعم الفئات الأكثر ضعفا عبر برامج حماية اجتماعية فعالة.

 

** أزمة الطاقة والبنية التحتية

ويعاني لبنان اليوم عجزا عن تلبية إمدادات السوق المحلية من مشتقات الطاقة إلى جانب الوقود المستخدم في توليد الكهرباء، ما أدى إلى انتعاش السوق السوداء لتوفير الوقود.

 

كما يعد قطاع الطاقة في لبنان من بين الأكثر فشلًا، حيث يعاني المواطنون انقطاع الكهرباء ساعات طويلة يوميا، ويعتمدون على المولدات الخاصة بتكاليف باهظة.

 

وتعود الأزمة إلى عقود من سوء الإدارة والفساد، ما جعل إنتاج الكهرباء مكلفا وغير مستدام.

 

وهنا، يتعين على الرئيس المنتخب وضع خطة شاملة لإصلاح قطاع الكهرباء، تشمل الاستثمار في الطاقة المتجددة، وزيادة كفاءة محطات التوليد، والحد من الهدر التقني، بحسب دراسة سابقة للبنك الدولي.

 

** الدين العام وعجز الموازنة

يُعتبر الدين العام اللبناني من بين الأعلى عالميا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يتجاوز 150 بالمئة بحلول منتصف 2024، فيما تعاني الموازنة العامة عجزا مزمنا نتيجة الإنفاق غير المبرر، والتهرب الضريبي، وضعف الإيرادات.

 

ووفق مسودة إصلاحات كانت قائمة بين لبنان وصندوق النقد الدولي، فإن التحدي هنا يكمن في تنفيذ إصلاحات مالية جذرية تشمل ترشيد الإنفاق الحكومي، وتحسين جباية الضرائب، ومكافحة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وإعادة هيكلة الدين بما يتماشى مع قدرة الاقتصاد على التعافي.

 

** العلاقات مع المجتمع الدولي

لبنان يحتاج بشكل عاجل إلى دعم المجتمع الدولي، سواء من خلال المساعدات الإنسانية أو القروض الميسّرة.

 

ومع ذلك، فإن هذا الدعم مشروط بتنفيذ إصلاحات حقيقية، فقد أعربت الدول المانحة وصندوق النقد الدولي مرارا عن استعدادهم للمساعدة لكن بشرط تطبيق الشفافية ومكافحة الفساد.

 

وهنا، يتعين على الرئيس عون بناء علاقات قوية مع المجتمع الدولي، وإظهار الالتزام الجدي بالإصلاحات المطلوبة لاستعادة ثقة المانحين.

 

** البطالة وهجرة الكفاءات

وارتفعت معدلات البطالة بشكل حاد لتتجاوز 30 بالمئة بحلول مطلع 2024، مع مستويات أعلى بين الشباب. هذا الوضع أدى إلى هجرة جماعية للكفاءات خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والهندسة.

 

كما تأثرت القطاعات الأساسية مثل الصحة والتعليم بشدة نتيجة الأزمة الاقتصادية، بينما تعاني المستشفيات نقصا في التمويل والمعدات الطبية، وتواجه المدارس صعوبة في تأمين رواتب المعلمين وتوفير بيئة تعليمية مناسبة.

 

فيما يُعتبر الفساد من أبرز أسباب الانهيار الاقتصادي في لبنان، فالمؤسسات العامة تعاني سوء الإدارة، والمحسوبية ما يعرقل تنفيذ أي إصلاحات جدية.

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: المجتمع الدولی

إقرأ أيضاً:

5 تحديات صعبة أمام حكومة الشرع في سوريا.. ما هي؟

أدّى وزراء الحكومة الانتقالية السورية القسَم في قصر الشعب بدمشق في 29 مارس/ آذار الفائت، بعد مضي نحو أربعة أشهر من إسقاط نظام الأسد، وأظهرت السير الذاتية تمتّع معظم الوزراء بخبرات وكفاءات مناسبة للحقائب التي كلّفوا بها، ويحمل إعلان الحكومة الانتقالية التكنوقراطية دلالات سياسية مهمة، فهي تعكس من جهة استقرار السلطة المركزية في دمشق، ومن جهة أخرى، تعكس التنوع السوري الديني والقومي والسياسي إلى حد كبير، وإن لم يكن مثاليًا.

والأهم أنها تعكس التوجهات العامة للرئيس أحمد الشرع في الاستجابة لمتطلبات المرحلة القادمة والتحديات التي تواجهها البلاد، والرئيس نفسه على وجه الخصوص.

وفي 7 أبريل/ نيسان الجاري عقدت الحكومة أوّل اجتماع لها، الذي حدد فيه الرئيس الخطوط العامة لعمل الحكومة، متمثلة في: التعافي الاقتصادي، وإصلاح مؤسسات الدولة، وإعادة الإعمار والسلم الأهلي، وهي ملفات تشير بوضوح إلى أن سوريا على مفترق طرق وعرة، وسيكون للمسار الذي تسلكه الحكومة من خلالها أثر بالغ على استقرار سوريا، وشكل نظام الحكم في المرحلة الدائمة بعد خمس سنوات، أي ما ستكون عليه سوريا الجديدة.

الصياغة المجملة للملفات في اجتماع الحكومة هي تحديات داخلية، إلا أن ثمة تحديات إستراتيجية خارجية للدولة السورية، لم يتم الإفصاح عنها في التقرير الرسمي عن الاجتماع، لكن يمكن إدراكها بيسر.

إعلان

ويمكن القول إن الحكومة الانتقالية أمام مجموعة من التحديات، يمكن تلخيصها في خمسة تحديات رئيسية:

التهديد الإسرائيلي

في اليوم التالي لسقوط نظام الأسد، ودخول المعارضة دمشق، أي 9 ديسمبر/ كانون الأول، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أمرًا بعمليات عسكرية شاملة في سوريا تستهدف ضمان ألا يشكل انتصار المعارضة تهديدًا لأمنها، وأن يتم إضعاف القدرات العسكرية للدولة السورية إلى أقصى الحدود، بحيث تعجز عن بناء جيش جديد، يمكن أن يشكل تهديدًا مستقبليًا وإستراتيجيًا، واستغلال الفرصة التي قد لا تتكرر لفرض وقائع جديدة والتمدد في الأراضي السورية؛ بهدف السيطرة على المنطقة العازلة، والسيطرة على المناطق الإستراتيجية مثل قمة جبل الشيخ.

كما قصفت إسرائيل منظومات الأسلحة الثقيلة الإستراتيجية في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك شبكات الدفاع الجوي وأنظمة الصواريخ، ومنشآت الدفاع الساحلية، وبدأت عمليات برية في عمق الأراضي السورية على الفور.

مع الوقت تبلورت أهداف سياسية إستراتيجية إسرائيلية، أيضًا متمثلة في إضعاف الحكومة المركزية، وجعلها غير قادرة على بناء دولة موحدة وقوية قدر الإمكان، دون أن يؤدي إلى انهيارها، عبر دعم الأقليات، وإقامة اتصال مع مجتمعاتها وقادتها لإقامة حكم ذاتي، وأيضًا في الضغط على تركيا وإعاقة نفوذها في سوريا وتموضعها العسكري الذي يشكل التهديد الأكبر للأهداف الإسرائيلية.

رغم الاستفزازات المتعددة والمتعمدة عمل الشرع على ضبط النفس حتى في التصريحات، ولجأ إلى القنوات الرسمية عبر الدول العربية للجم الاندفاعة الإسرائيلية، وخلال الأشهر الأربعة التي سبقت تشكيل الحكومة الانتقالية لم تنجح إسرائيل في تحقيق تفدم كبير في أهدافها السياسية، لكنها لعبت دورًا مؤثرًا في الحيلولة دون استقرار الجنوب، وتعزيز الخلاف بين السويداء، والسلطة المركزية بدمشق.

إعلان

تسعى تركيا لإقامة قواعد عسكرية كبيرة في سوريا تحقق من خلالها عدة أهداف: منع عودة تنظيم الدولة، وضمان منع أي عودة للمليشيات الإيرانية، وضمان تنفيذ اتفاق قوات سوريا الديمقراطية مع السلطة المركزية في دمشق، وإنهاء الإدارة الذاتية، والحد من التهديد الإسرائيلي.

ويعتبر مطار ألتياس العسكري في نقطة T4 الإستراتيجي في وسط سوريا مثاليًا – والذي يبعد نحو 220 كيلومترًا عن مرتفعات الجولان، و250 كيلومترًا عن الحدود التركية، و175 كيلومترًا عن الحدود العراقية جنوب سوريا، ويمثل زاوية المثلث الذي كان ينشط فيه تنظيم الدولة- لوجود قاعدة جوية للجيش التركي هناك، أو نشر بطاريات صواريخ أرض- جو، ما سيضطر إسرائيل إلى إنشاء آلية لمنع التصادم مع القوات التركية في سوريا، وهو أمر يحد من حريتها في التصرف في سوريا، وهو ما لا يريده نتنياهو.

ولأن سياسات نتنياهو تجاه النفوذ التركي في سوريا لم تحظَ بدعم أميركي، فقد اضطر إلى التفاوض مع تركيا بوساطة أميركية لمنع التصادم على الأراضي السورية، ما يعني أن الوجود التركي العسكري في سوريا سيزداد، وسيضعف الاندفاعة الإسرائيلية العسكرية ويحد من قدرتها على فرض وقائع مستدامة على الأرض، وتركيا تشكل ضامنًا إقليميًا لاستقرار سوريا، ومنع عودة الخطر الإيراني، وعودة الإرهاب وتنظيم الدولة، وهي مصالح إستراتيجية للأمن القومي التركي والإقليمي، وفي الوقت نفسه للأمن القومي الأميركي فضلًًا عن الأوروبي.

تتمتّع دمشق بقدر كبير من الاستقلالية، خلافًا للتقديرات الشائعة، وهذا ما يمنحها قدرة على تحديد خياراتها، وعلى الرغم من الدور التركي الأساسي في مواجهة التهديدات الإسرائيلية في سوريا، فإن السلطات في دمشق يتعين عليها التصرّف عبر القنوات الدبلوماسية، والاستناد إلى حلفائها العرب والغربيين في لجم الاندفاعة الإسرائيلية والتصعيد من جهة، وإيجاد آليات محلية تضعف التدخلات الإسرائيلية الميدانية.

إعلان

ففي الوقت الذي تتجنب فيه القوات الحكومية التي لا تزال في طور التشكل الانجرار إلى صدام مباشر مع القوات الإسرائيلية؛ لحرمان إسرائيل من استخدام فائض القوة، وفرض وقائع جديدة، فإن هذا التحدي يتطلب إستراتيجية طويلة الأمد تعتمد على تعزيز قدرة السكان في الجنوب على المقاومة المسلحة.

وقد ظهرت بوادر هذه المقاومة الشعبية في 3 أبريل/ نيسان الجاري في بلدة كويا جنوب درعا ضد التوغل الإسرائيلي، واستثمار تصاعد الغضب الشعبي، ومع الوقت ستصبح المقاومة منظمة من تلقاء نفسها، وهو أمر لا ترغب به إسرائيل على الأرجح، التي لا تريد تكرار تجربتها في لبنان.

قد يكون الهدف الإسرائيلي من العمليات العسكرية والوقائع التي فرضتها هو تقوية شروطها في اتفاقية سلام مع سوريا قد تكون في المستقبل، للحفاظ على الجولان، وعلى قواعد عسكرية متقدمة، وفي مقدمتها التلال الإستراتيجية وقمة جبل الشيخ.

في حين كانت مفاوضات السلام في الماضي جميعها تدور حول حدود الانسحاب الإسرائيلي من الجولان إلى بحيرة طبريا، لكنّ اتفاقًا محتملًا مثل هذا في المستقبل ليس من مشاغل دمشق في الوقت الراهن، الأولوية هي لوضع حد للتهديد الإسرائيلي.

نزع السلاح وبناء الجيش

بسقوط النظام انهار جيش الأسد، واختفى تمامًا، ترك المجندون أسلحتهم وهرب الضباط الذين قادوا العمليات، إما إلى قراهم في الساحل، أو خارج الحدود. وقوات عمليات ردع العدوان شُكلت من أكثر من 80 فصيلًا من قوات المعارضة المختلفة، والتي تختلف أيديولوجيًا مع هيئة تحرير الشام، ولكن معركة ردع العدوان وحدتها.

شكلت هذه الفصائل بطبيعة الحال ضمانًا لعدم وجود فراغ بعد انهيار الجيش، وسهلت مشاركتها في العمليات التفاهم لإدماجها في الجيش الجديد الذي يسعى الشرع أن يكون جيشًا احترافيًا يلغي التجنيد الإجباري، ويمنع تكرار الماضي، ويمكنه من تشكيل حماية حقيقية للدولة، وهو توجّه يلقى تأييدًا شعبيًا كبيرًا.

إعلان

لكن المشكلة أن إعادة بناء جيش احترافي تتطلب وقتًا، وحيث إنه يجب عدم تكرار الماضي، فإن إعادة إدماج الضباط السابقين في الجيش أضحت مستبعدة تمامًا، ولكن ثمة حاجة إلى كفاءات وخبرات جديدة لبناء الجيش، ليست متوفرة في الخبرات السورية، لذلك تمَّ تأخير إدماج المنشقين الذين لعبوا دورًا في فترات سابقة في الجيش الجديد.

وإضافة إلى ذلك يتطلب بناء الجيش وقتًا طويلًا نسبيًا، وأظهرت أحداث مارس/ آذار المؤسفة في الساحل عقب حركة التمرد التي قام بها فلول من النظام السابق مدى حاجة الجيش إلى التسريع في إدماج عناصر الفصائل في الجيش، وتدريبها وفق أسس جديدة تضمن انضباطها وتحركها وفق قواعد محددة، وأيضًا مدى الحاجة إلى نزع السلاح من السكان والسيطرة على السلاح المتبقي في أيدي الفلول، فقد أدّت سنوات الحرب الطويلة إلى انتشار السلاح بين السكان على نطاق واسع.

لإنجاز ذلك على نحو يضمن مستقبلًا مستقرًا في سوريا، تحتاج الحكومة الانتقالية للاستعانة بخبرات من الدول الحليفة، وبشكل خاص الدول الأوروبية، وتركيا، ودول الخليج، وكندا، سواء في التدريب أو في بناء الجيش وقدراته العسكرية، وفي كل الأحوال ستلعب تركيا الدور الرئيس في كل ذلك.

بناء جيش وطني يتطلب وجود قانون ينظّم عمله، وهو ما لم يصدر حتى الآن نظرًا لعدم تشكيل مجلس تشريعي مخوّل بذلك. ويُفترض أن يعكس هذا الجيش التنوّع السكاني في البلاد بشكل عادل، مع سنّ مواد قانونية تضمن حياديته واستقلاله عن التجاذبات السياسية الداخلية، ومنع تكرار التجارب السابقة التي تسببت في عسكرة السياسة أو تسييس المؤسسة العسكرية. وتدور في الأوساط السياسية والمدنية نقاشات حول طبيعة العقيدة العسكرية التي يفترض أن يحملها الجيش الجديد، ومدى توافقها مع مفاهيم الدولة الوطنية الحديثة وأدوار الجيوش المحترفة.

إعلان إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي

خزينة فارغة وبلد مدمّر، نصف مدنه الكبرى تمت تسويتها بالأرض، والبنية التحتية متهالكة أو مدمرة تمامًا، الكهرباء والطاقة في وضع سيئ للغاية، نحو 90% من السكان تحت خط الفقر، وأكثر من مليون ونصف المليون في المخيمات بدون مأوى، وفوق كل ذلك عقوبات اقتصادية شديدة ومرهقة على البنك المركزي، وعلى قطاعات مختلفة تمنع وصول الأموال والمساعدات إلى الحكومة في دمشق.

وعلى الرغم من وجود رغبة كبيرة عربية وأوروبية لتقديم المساعدات، فإن العقوبات الأميركية، وبشكل خاص قانون قيصر، تعيق كل ذلك، وفشلت جميع المساعي حتى الآن في دفع الإدارة الأميركية في رفع العقوبات وفك الحظر عن "السويفت كود" للبنك المركزي.

وبالرغم من أن المحاولات مستمرة، فإنه لا تلوح في الأفق مؤشرات على رفع هذه العقوبات، فإدارة ترامب تتبنى على ما يبدو تطلعات إسرائيل في إبقاء الدولة السورية الجديدة ضعيفة، وغير قادرة على إعادة بناء قدراتها، وبشكل خاص العسكرية، لكنها في الوقت نفسها لا تريد أن يؤدي ذلك إلى عدم استقرار الدولة، لأن ذلك يشكل خطرًا على الشرق الأوسط برمته والأمن العالمي.

ومع ذلك، فإن استمرار العقوبات على المدى الطويل قد يُفضي إلى تداعيات غير مقصودة، من بينها دفع دمشق إلى تبني سياسات لا تنسجم مع التوجهات الأميركية في المنطقة. وقد يسهم هذا المسار في تعزيز حالة عدم الاستقرار الإقليمي، وخلق مناخ قد تستغله بعض القوى أو التنظيمات المتطرفة للظهور مجددًا.

تعي الحكومة الانتقالية في دمشق مخاطر أن تبقى العقوبات مستمرة، ومع يبدو أن لا خيار لها سوى بناء إستراتيجية تكيف مع العقوبات وبناء الدولة على أساس أنها مستمرة، خصوصًا أنها في محيط إقليمي متحمس لها ومستعد لاحتضانها، ويسعى لنجاحها لمصلحة أمن واستقرار المنطقة، ويعزز ذلك حرص الإدارة المتكرر والحقيقي بالإعلان عن أن سوريا بلد يريد السلام، ولا يريد أن يكون مصدر إزعاج وتصدير للأزمات في المنطقة والعالم.

إعلان الأمن والاستقرار

رافق انهيار الجيش، انهيار واختفاء أجهزة الأمن، وبالنظر للدور الذي لعبته الأجهزة الأمنية في المجازر الوحشية، وعمليات القمع والإخفاء القسري للسكان فقد كان ثمة إجماع بضرورة إعادة بناء الأجهزة الأمنية، وتشكيل جهاز أمن يضمن الأمن ويمنع تكرار الماضي.

وعلى هذا الأساس تم حل جهاز الأمن الداخلي (الشرطة) أيضًا، وتم الاعتماد على جهاز الأمن العام الذي شُكل في إدلب كنواة لإعادة بناء جهاز الأمن الوطني وملء الفراغ الأمني الذي شكله انهيار النظام.

بيدَ أنه وبالنظر إلى أن تعداد جهاز الأمن العام لا يكفي للانتشار على مساحات شاسعة، فهو لم يكن مهيأً للعمل خارج محافظتي إدلب وحلب، فقد فتح باب الانتساب بشروط تضمن عدم عودة النظام من جديد، وقام بتخريج دفعات كبيرة من المنتسبين لقوات الأمن العام عبر دورات إعداد وتدريب سريعة، ظهرت عيوبها سريعًا في ضعف سيطرتها وفرض النظام بشكل حاسم، وفشلها في بعض الأحيان، ثمة توجه بتعزيز دور المجتمعات المحلية في الأمن بتعيين عناصر الأمن والشرطة من أبناء كل منطقة في منطقتهم، وهذا التوجه قد يخفف من ضغوط الإدارة الحكومية إلا أنه قد يقلل من قدرة عناصر الأمن على فرضه.

وعلى الرغم أيضًا من عدم وجود قانون حتى الآن لتشكيل قوات الأمن التي تم حلها في بيان النصر في 30 ديسمبر/ كانون الأول مع الجيش السابق، فإن الفراغ الأمني لا يتيح مجالًا لانتظار صدور قانون.

ويحظى الأمن العام بقبول شعبي واسع ما يمكّن المشرعين في المرحلة المقبلة من إقرار بنية هيكلية قريبة ومنسجمة مع ما تم إنجازه حتى الآن، ولكن قد يثير أي قانون يتعلق ببناء الأمن العام نقاشًا عامًا فيما يتعلق بدور المجتمعات المحلية في هيكليته.

ولأن الأمن مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاقتصاد فإن بسط الأمن واستعادته في عموم البلاد، يساعد على التعافي وتقليل الخدمات الأساسية، ويشجع على الاستثمار، وتقليل التحديات أمامه، وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتحقيق الاستقرار، وتخفيف نزعات التمرد والمطالب في الحكم الذاتي في الساحل والسويداء، ومحاولات إضعاف الحكم المركزي، وذلك كله يجعل موضوع فرض النظام العام أولوية.

إعلان

يرتبط تحقيق الأمن بالعدالة الانتقالية بشكل جوهري، وتجاهلها لتحقيق الانتقال السياسي سيؤدي على المدى الطويل إلى منع الاستقرار، وسيكون مصدرًا لتوليد موجات عنف محتملة، ولا يمكن التنبؤ بها، فثمة أكثر من مليون قتيل ضحايا للمجازر، وعمليات القتل الجماعي خلال 14 عامًا في الصراع مع الأسد، بالإضافة إلى مئات الآلاف من المغيبين قسريًا، ونحو ثلاثة ملايين معوق، إن تركة بهذا الحجم تستوجب تشكيل هيئة متخصصة بالعدالة الانتقالية على النحو الذي نص عليه الإعلان الدستوري، غير أن تنفيذ محاكمات يتطلب تحقيق الأمن أولًا، وهذا قد يستغرق بعض الوقت، لكن ذلك يجب ألا يجعل الموضوع محل نزاع.

بناء مؤسسات الحكم

الهدف النهائي للحكومة الانتقالية هو تحقيق الانتقال السياسي، ما يعني أنّ عليها أن تعيد بناء مؤسسات الحكم، وكتابة دستور جديد دائم، وتهيئة الظروف، وتحضير البنية التحتية لإجراء انتخابات عامة في نهاية المرحلة الانتقالية التي تمتدّ لخمس سنوات.

ويتطلب ذلك منها، نظريًا، تشجيعًا على المشاركة الواسعة في الحياة السياسية، وسنّ قانون للأحزاب، لكن من الناحية العملية، فإن ظروف عدم الاستقرار قد تدفع الحكومة للحذر من النشاط الحزبي لفترة تبعد الحكومة عن التجاذبات السياسية، لكنها تحافظ على الحريات العامة والأنشطة السياسية. والموازنة بين إبقاء الحريات السياسية محمية وبين الحد من الأنشطة الحزبية دقيقة للغاية.

استعان الشرع بإدارة سياسية كانت شكلت في إدلب قبل سنوات، وتولت الخطاب السياسي أثناء عملية ردع العدوان، وتم توسيعها خلال الأشهر الأخيرة، ومدها إلى معظم المحافظات تقريبًا.

وفي 27 مارس/ آذار أصدر وزير الخارجية قرارًا مثيرًا للجدل يحمل رقم (53) ينص على تشكيل "أمانة عامة للشؤون السياسية"، مهمتها "الإشراف على إدارة الأنشطة والفعاليات السياسية" داخل سوريا، "وتنظيمها"، و"توظيف أصول" حزب البعث والجبهة الوطنية التقدمية وما يتبع لهما من لجان لصالحها.

إعلان

مصدر الجدل يكمن في السيطرة على المجال العام، وفهم الأمر على أنه تشكيل لحزب السلطة وتكرار دور حزب البعث، ولا توجد آلية يحتكم إليها لإبطال القرار الذي يفترض أنه ليس من صلاحيات الوزير المختص بالسياسات الخارجية، وهذا ما يوضّح تحديًا جديدًا في بناء مؤسسات الدولة، فالدولة السورية لديها بيروقراطية قديمة، وأنظمة وتشريعات يجب تجاوزها حتى لا يعاد إنتاج النظام، وإنشاء أنظمة بيروقراطية حديثة تجبر مثل هذا الخلل، وتعزز النزاهة والشفافية.

بيدَ أن المشكلة الرئيسية التي تواجهها الحكومة، هي أنه على الرغم من أن معظم الوزراء يمتلكون خبرات قوية في مجالهم، فإنهم لا يمتلكون خبرات في العمل الحكومي.

تحديات أخرى

لا تنحصر تحديات الحكومة الانتقالية الجديدة في التحديات المذكورة أعلاه، فثمّة الكثير من التحديات الأخرى التي تواجهها، لكنّها أقلّ أهمية، ويمكنها التغلّب عليها، مثل العلاقات مع روسيا، والتمثيل الدبلوماسي، والحفاظ على علاقة متوازنة مع المجتمع الدولي، وترسيخ صورة سوريا كعامل استقرار في المنطقة، وجذب السوريين في المهجر للمساهمة في بناء الدولة، والشراكة مع المجتمع المدني الذي سيلعب دور الوسيط مع التمويل الدولي لإعادة الإعمار، وخلق بيئة استثمارية جاذبة، وتطوير أنظمة التعليم بما يلائم تطلعات البلاد للتنمية، وغيرها.

تعتمد قدرة الحكومة على تجاوز هذه التحديات، على أمرَين:

الأول: بقاء رصيد الشرع الشعبي مرتفعًا بما يجبر عثرات الحكومة ويساعد على مواجهة التحديات الأمنية، ومحاولات التمرّد، وتقسيم البلاد. والثاني: الاستفادة من الشعور العام باستعادة الدولة ورغبة الجميع في المساهمة في بنائها، ويتطلب ذلك العمل على إشراك المجتمع بمختلف مكوناته في بناء الدولة، ومنع حدوث أي قطيعة بين مؤسسات الدولة والمجتمع.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • 5 تحديات صعبة أمام حكومة الشرع في سوريا.. ما هي؟
  • العراق يخطط لإنشاء مدينة اقتصادية متخصصة في الطاقة بميسان
  • اليوم.. وزيرة التخطيط أمام "اقتصادية النواب" 
  • رئيس اتحاد الصحفيين: حزمة إصلاحات نوعية بهدف تعزيز مهنية العمل
  • إقرار مشروع قانون لإصلاح القطاع المصرفي بلبنان
  • اليونان تواجه تحديات اقتصادية وأمنية وسط تحولات عالمية
  • جلسة لمجلس الوزراء لاستكمال البحث في مشروع قانون إصلاح أوضاع المصارف
  • لبنان من بينها.. الجيش الإسرائيلي يكشف ما ينفذه في هذه الدول
  • الرئيس الصيني يخطط لجولة بجنوب شرق آسيا
  • المؤتمر الدولي الثاني للتعليم التكنولوجي يواصل فعالياته بجلسة نوعية تناقش تحديات التوظيف