لماذا لم يعد معظم النازحين واللاجئين السوريين رغم سقوط الأسد؟
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
شمال سوريا- بعد شهر على سقوط نظام الأسد في سوريا لا تزال عودة اللاجئين السوريين من الدولة المجاورة تركيا والنازحين داخليا تبدو خجولة وأدنى من سقف التوقعات، إذ تحكم هذه العودة عوامل اقتصادية وأمنية في الدرجة الأولى تتعلق بالسكن والخدمات والتعليم والاستقرار الأمني.
وتسود حالة من عدم اليقين لدى مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين السوريين بشأن جدوى العودة الحالية، ولا سيما أن نسبة كبيرة منهم ممن فقدوا منازلهم في الحرب التي أنهكت سوريا على مدار 14 عاما، كما يشكل تأمين الدخل التحدي الأبرز لتأمين المصاريف اليومية.
وداخل إحدى مقاهي غازي عنتاب جنوبي تركيا يجادل اللاجئ السوري حسام دروبي صديقه محمد بأن العودة إلى البلاد في الوقت الحالي ليست مناسبة، بسبب الانقطاع المستمر للماء والكهرباء وعدم استقرار الوضع المعيشي والأمني.
ويقول دروبي متحدثا للجزيرة نت إن "من المبكر العودة إلى سوريا، والأفضل على الأقل الانتظار 6 أشهر إلى عام حتى تتضح الأمور وتعود الخدمات وتتمكن الحكومة الجديدة من العمل على كافة الأصعدة خدمة للأهالي".
وأضاف أن المخاوف التي تنتابه من العودة هي فقدان منزله في مدينة حلب شمالي سوريا جراء القصف الذي طالها خلال عام 2016، مشيرا إلى أن برميلا متفجرا سقط على البناء وأصبح مدمرا بشكل شبه كامل ويحتاج إلى إعادة إعمار.
إعلانولفت دروبي إلى أنه غير قادر على استئجار منزل في حلب في حال عودته، مؤكدا أن أسعار الإيجارات في المدينة تضاعفت بشكل غير مسبوق منذ سقوط نظام الأسد وبدء عودة الأهالي من نازحين ولاجئين إليها للاستقرار، ومنهم من محافظات وبلدات سورية أخرى.
وغير بعيد عن مدينة غازي عنتاب وعلى الطرف المقابل في الشمال السوري تبدو مخيمات النازحين السوريين دون تغييرات بحجم حدث سقوط الأسد، إذ تبدو حالة انعدام الاحتياجات الأساسية من وقود التدفئة والغذاء المناسب مستمرة وتشكل تحديا لا يعرف حلا.
ويجبر استمرار حالة الدمار وفقدان الخدمات في معظم مدن وبلدات أرياف إدلب وحلب وحماة شمالي سوريا -والتي ينحدر منها النازحون القاطنون في المخيمات- الآلاف على البقاء في الخيام الباردة.
ووفق فريق "منسقو استجابة سوريا"، عاد نحو 52 ألفا من النازحين في المخيمات بالشمال السوري إلى مناطقهم الأصلية منذ سقوط نظام الأسد من أصل قرابة مليوني نازح.
ويؤكد النازح المنحدر من معرة النعمان بريف إدلب أحمد السعيد أن منزله في المدينة غير صالح للسكن على الإطلاق، مشيرا إلى أن أغلبية الأهالي لم يرجعوا للسكن فيها رغم توقف الحرب وسقوط نظام بشار الأسد.
ويقول السعيد في حديث للجزيرة نت إن البعض يستغرب من بقاء الأهالي في الخيام هنا، لكنها تبقى أحلى الأمرّين وأفضل من العيش في منازل مدمرة بلا جدران وسقوف، عدا عن انعدام الخدمات من ماء وكهرباء وأسواق.
أما النازحة من مدينة عندان في ريف حلب آمنة درغام والمقيمة في مدينة إدلب فتحدثت عن أن مسقط رأسها أشبه بمدينة أشباح، فقد اعتصر قلبها الألم لدى زيارتها أخيرا لمشاهدة منزلها، بسبب مناظر الدمار وحجم السرقات التي تعرضت لها المدينة.
إعلانوتشير درغام في حديث للجزيرة نت إلى أن المدينة شأنها شأن معظم المدن والبلدات السورية تحتاج إلى جهود جبارة بهدف إعادة الإعمار والحياة إليها، الأمر الذي يشجع السكان على العودة والاستقرار مجددا، مؤكدة أن أحدا لن يعود للسكن في هذا الظرف المأساوي.
وتواجه الإدارة الجديدة في سوريا أعباء كبرى تتمثل في تسيير أعمال الحكومة وبسط الأمن وإعادة هيكلة الجيش مع دمج الفصائل المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة، فضلا عن تحديات تأمين الطاقة والمياه وأجور العاملين.
ويرى المحلل الاقتصادي عبد السلام العمر أن من المبكر الحديث عن عملية إعادة الإعمار في سوريا، قبل أن تتمكن الإدارة الجديدة من حسم ملفات أكثر أهمية وآنية تتعلق بإنهاء أي وجود لفلول النظام البائد التي قد تعكر صفو البلاد والحكم.
ويقول العمر في حديث للجزيرة نت إن ما تتجه إليه الإدارة الجديدة في سوريا والحكومة هو حل مشكلة الطاقة والمياه واستقرار سعر الصرف، باعتبارها احتياجات أساسية يومية للسكان لا يمكن أن تنتظر أو أن يتم استبدالها.
وأشار إلى أن عملية إعادة الإعمار تحتاج إلى دعم أممي وعربي قد يرتبط برفع قريب للعقوبات الدولية عن سوريا، مما يفسح المجال للشركات وأصحاب رؤوس الأموال بالدخول إلى السوق السورية وبدء مرحلة جديدة في بناء بلد أنهكته الحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات إعادة الإعمار للجزیرة نت سقوط نظام فی سوریا إلى أن
إقرأ أيضاً:
بعد سقوط الأسد..السوريون عالقون في مخيمات النزوح بسبب الدمار الواسع في مناطقهم
بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، ظنّ مهدي الشايش أنه سيعود سريعاً إلى قريته في وسط سوريا، لكنه وجد منزله غير قابل للسكن، على غرار عشرات الآلاف من قاطني المخيمات الذين دمرت الحرب ممتلكاتهم.
وفي غرفة متواضعة مبنية من حجارة الطوب في مخيم أطمة، أحد أكبر مخيمات النازحين وأكثرها اكتظاظاً في شمال غرب سوريا، يقول الشايش 40 عاماً: "فرحتنا بسقوط النظام لا توصف.. لكنها لم تكتمل".ويوضح الأب لأربعة أطفال والنازح منذ 2012 من التريمسة في محافظة حماة "عندما وصلنا الى القرية شعرنا بخيبة أمل"، مضيفاً "كان منزلنا عبارة عن جنة مصغرة عندما كنا نقطن فيه".
ويؤكد الشايش أن المنزل "تعرّض لقذائف" وتضرّر "ولم يعد قابلاً للسكن" بعد أعوام من تركه مهجوراً، لكنه غير قادر لكنه غير قادر على تحمّل كلفة ترميمه حالياً. ويتابع "سعدنا برؤية أقربائنا الذين كانوا يقطنون ضمن نفوذ النظام السابق، لكننا عدنا إلى هنا. فلا مسكن هناك يتسع لكل أشقائي".
في المخيم المترامي على مساحة واسعة قرب الحدود التركية، يقطن عشرات الآلاف من النازحين في غرف متجاورة مبنية من الطوب، تنتشر عليها ألواح الطاقة الشمسية، ويتصاعد منها دخان مدافئ تعمل دون توقف في ظل انخفاض الحرارة وتساقط المطر.
وأحيا سقوط الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) آمال ملايين النازحين واللاجئين بالعودة إلى سوريا، لكن ما خلفته سنوات الحرب الطويلة من دمار طال الوحدات السكنية، والبنى التحتية، والممتلكات، يجعل العودة صعبة على المدى القريب، قبل بدء إعادة الإعمار.
وتعوّل السلطة الانتقالية في دمشق على دعم الدول العربيةخاصة الخليجية، لإعادة بناء البلاد ومعالجة تداعيات النزاع المدمّر الذي امتدّ 13 عاماً.
قرب مدفأة تعمل على المازوت وسط غرفة الجلوس، يقول الشايش بعدما تصفح صوراً على هاتفه: "كنت متزوجاً حين غادرت القرية مع أشقائي الخمسة الأصغر مني، وهم الآن تزوجوا جميعاً".
ويضيف "اليوم إذا عدنا الى القرية.. لا منازل لأشقائي الخمسة ولا أرض لنبني عليها، لا نقوى على العودة"، آملاً أن تلحظ إعادة الإعمار مستقبل من تزوجوا خلال النزوح.
وتابع "كما بقينا نأمل أن يسقط النظام، والحمدلله سقط، نأمل أن تساعد الدول الداعمة الناس على إعادة الإعمار والعودة" الى مناطقها.
قبل الإطاحة بالأسد، كان أكثر من 5 ملايين، نصفهم تقريباً نازحون من مناطق أخرى، يقيمون في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في محافظة إدلب ومحيطها. وبعد وصول السلطة الجديدة، لم يغادر منهم إلا قلة.
ويقول نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية ديفيد كاردن، إن "أكثر من 71 ألفاً غادروا المخيمات في شمال غرب سوريا خلال الشهرين الماضيين، لكن هذا لا يزال يعد جزءاً صغيراً مقارنة مع مليونين" موزعين على 1500 مخيم في المنطقة ويحتاجون مساعدات منقذة للحياة".
ويضيف أن "العديد من سكان المخيمات غير قادرين على العودة لأن منازلهم مدمرة أو بسبب غياب الكهرباء والمياه الجارية أو الخدمات الأساسية الأخرى" مع الخشية من "حقول الألغام عند خطوط القتال السابقة".
تشكو مريم عوض عنبري 30 عاماً أم لثلاثة أطفال، عمر أصغرهم 6 أشهر وأكبرهم 6 أعوام، ظروف العيش الصعبة في مخيم أطمة حيث تقيم مع زوجها وعائلتهما منذ 7 أعوام، بعد نزوحهم من كفرنبودة في ريف حماة الشمالي الغربي.
وتقول بعدما أنهت غسل الأطباق بماء بارد، وصغيرها ينام قربها ملفوفاً بغطاء شتوي: "كلنا نود العودة الى منازلنا، لكنها سُوّيت بالأرض وباتت مهدمة".
وتوضح "لا يعني لي شيئا سقوط النظام، لأن حالنا صعبة سواء كان بشار الأسد أو أحمد الشرع" رئيساً للبلاد. لكنها رغم ذلك تأمل أن "تتحسن أمورنا مع استلام رئيس جديد ويصبح الوضع أفضل".
ويلقي الوضع المعيشي بثقله على النازحين المقيمين في المخيمات حيث يعتمد القسم الأكبر منهم على مساعدات انسانية تراجعت وتيرتها منذ العام الماضي، في بلد تعيش الغالبية الساحقة من سكانه تحت خط الفقر بعدما استنزفت سنوات الحرب الاقتصاد ومقدراته.
ويعمل زوج عنبري كعتال في مقابل أجر يومي زهيد بالكاد يكفي لشراء الخبز والمياه.
وتقول: "أتمنى أن يساعدنا العالم من أجل الأطفال الصغار". وتسأل "بيتنا مهدم فأين سنذهب؟"، مشيرة الى أنهم يقيمون في المخيم "رغماً عنا... لا مكان آخر نذهب اليه".
وتوضح "الحياة في المخيم صعبة جداً، وأتمنى من العالم أن ينقذ الناس من هذا الوضع، وأن يأتي أحد ليبني لنا منازلنا ونعود اليها آمنين سالمين".
في المخيم حيث تمر دراجات نارية بين المساكن الصغيرة ويلهو أطفال في الخارج رغم الجو البارد، تدير صباح الجاسر 52 عاماً، مع زوجها محمّد دكاناً صغيراً.
ونزح الزوجان مع أولادهما الأربعة منذ 7 أعوام، من قرية النقير الواقعة في منطقة خان شيخون في إدلب.
وتقول السيدة التي ترتدي عباءة سوداء: "فرحنا لأن النظام سقط وحزنا لأننا وجدنا منازلنا كلها مدمرة وأشجارنا مقطوعة ومحروقة"، وتضيف "أمر يوجع القلب، أين كنا وأين أصبحنا". ورغم ذلك، تعتزم العودة إلى قريتها متى أنهى أولادها عامهم الدراسي، وتقول: "كنا نحلم بالعودة إلى قريتنا، والحمدلله سنعود ونبني خيمة..".