لجنة تحقيق أممية تدخل سوريا لأول مرة منذ 2011
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
تمكنت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة حول سوريا من الوصول إلى البلاد لأول مرة منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011، بعد أن كان الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد يرفض دخولها.
وقال المحقق الأممي المكلف بالنظر في انتهاكات حقوق الإنسان خلال الثورة في سوريا، هاني ميغالي، إن الأسد لم يمنح المحققين الإذن بدخول سوريا قط، لكن السلطات الجديدة فعلت ذلك "على الفور".
وأضاف ميغالي في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية إنه يأمل أن تتمكن اللجنة من إقامة علاقة جيدة مع السلطات الحالية.
وتحقق اللجنة في جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان منذ بداية الاحتجاجات واندلاع الحرب في سوريا عام 2011، وأدّت حتى الآن عملها عن بُعد، وأعدّت لوائح تضم أسماء 4 آلاف شخص يُشتبه في ارتكابهم جرائم خطرة.
وذكر ميغالي أنه زار مراكز احتجاز ومواقع مقابر جماعية في دمشق ومحيطها، وأنه أجرى محادثات في وزارتي العدل والخارجية، موضحا أن اللجنة تريد أن تكون قادرة على زيارة الأماكن التي وثقتها "لإعادة التأكيد على المعلومات" التي تم جمعها وسد الثغرات.
عدم تكرار الماضيواللجنة التي حققت حول جميع الأطراف المنخرطين في النزاع السوري، بما في ذلك المعارضون السابقون الذين وصلوا إلى السلطة الآن، تريد أيضا العمل مع السلطات الحالية "لضمان عدم تكرار الماضي".
وقال ميغالي "لا يمكن لأي طرف من أطراف النزاع في سوريا أن يقول: لقد احترمنا حقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي"، مضيفا "لكننا الآن في مرحلة جديدة، وسيكون من الجيد أن نكون قادرين على القول إنه تم استخلاص الدروس".
وكانت فصائل المعارضة السورية المسلحة قد بسطت في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، سيطرتها على العاصمة دمشق وقبلها على مدن أخرى، منهية بذلك 61 عاما من حكم حزب البعث و53 عاما من سيطرة عائلة الأسد.
إعلانوفي اليوم التالي، أعلن قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع تكليف محمد البشير (رئيس الحكومة التي كانت تدير إدلب منذ سنوات) بتشكيل حكومة جديدة لإدارة مرحلة انتقالية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
ما بعد الزمنية.. مرحلة الإنسانية القادمة
«ما بعد الزمنية».. مصطلح أضعه للمستقبل، وهو مصطلح لم أجد من استعمله في الحقل العربي؛ لا إجرائياً ولا فلسفياً.. بل يندر استعماله لغويا، والمستعمل أحياناً مصطلح «اللازمنية» في الأدب. المقال.. يقدم رؤية عـ«مّا بعد الزمنية»، ليس من حيث المفهوم اللغوي والبناء المنهجي، وإنما يَصِفُ مرحلة قادمة وصفاً إجرائياً؛ وإن بدا أنه ينحو منحىً فلسفياً. بمعنى؛ أننا على مشارف مرحلة تعمل خارج نطاق الزمن المعتاد؛ الذي سارت عليه البشرية منذ إنسانها الأول حتى الآن، وستستمر دهراً لاحقاً.
فما هي «ما بعد الزمنية»؟
قبل عقد ونصف كتبت مقالاً فلسفياً بعنوان «الزمن.. وهمٌ لابد منه»، نُشر في ملحق «شرفات» بجريدة «عمان»، ملخص فكرته.. أن الزمن في الواقع الكوني لا وجود له، وإنما هو تواضع بشري لينظموا به حياتهم، وقد أقامه الإنسان على أساس مكاني، فعندما رأى الليل والنهار يتعاقبان؛ جعلهما في وحدة أطلق عليها «اليوم»، ولاحظ أن القمر يكمل دورته ما بين 29-30 من تلك الوحدات «الأيام» فسماها «شهراً»، وجمع دورة الشهور المكونة من 12 شهراً وأطلق عليها «سنة قمرية». ورصد حركة الشمس ووجدها تكرر دورتها كل 365 يوماً، فنعتها بـ«السنة الشمسية». ثم عمد إلى اليوم فقسّمه 24 ساعة، في الساعة 60 دقيقة، وفي الدقيقة 60 ثانية، ثم أخذ يجزئ الثواني أجزاءً دقيقة جداً في الصغر، كما أنه حسب الأزمنة الضخمة بمقياس حركة الأجرام من أمكنتها فاخترع «السنة الضوئية»؛ وهو ما يقطعه الضوء في المكان الكوني خلال مليون سنة أرضية، وتبلغ حوالي 9.5 ترليون كيلو متر. وهذه بعض التقاويم؛ وإلا فهناك تقاويم انقرضت، كانت حساباتها مختلفة عن تقاويمنا.. عدد أيام أشهرها تختلف عن عدد أيام أشهرنا، وسنواتها ليست متساوية مع سنواتنا، مصداقاً لقول الله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً) «العنكبوت:14». إن مدار حساب الزمن قائم على أساس المكان وحركته، فهو غير موجود من دون المكان، ولو ألغيناه من حساباتنا سنجد أنفسنا في «انعدام زمني».
ذكر الله الزمن في القرآن باعتباره مرتكزاً في الدلالة عليه والتفكر في آلائه، وجعله محورياً في أعمال الإنسان؛ فأقسم بالشمس والقمر؛ وهما عمودا الزمن: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا) «الشمس:1-2»، وفي تسخير الأفلاك للإنسان دنيوياً يقول: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) «الأنعام:96»، وفي معيارية الزمن أخروياً يقول: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ) «هود:106». وقد أقام الإنسان مصالحه الدنيوية ومعتقداته الأخروية على الزمن، الذي مرجعه حركة الأفلاك.
الإنسان.. عبر تطور وعيه التراكمي الطويل تمكن من إدراك أهمية الزمن، فتربع على عرش تفكيره منذ أن سواه الله بشراً سوياً وأصبح عاقلاً، وبنى حياته عليه، وتقلب في حسابات الأزمنة، ليس باختلاف التقاويم فحسب، وإنما أيضاً في شعور الناس بالزمن وإنجاز أعمالهم خلاله. بيد أن أكبر صدمة وجهت للزمن المعهود؛ بما في ذلك «الزمنان النيوتني والجاليلي»؛ ما قام به الفيزيائي إلبرت أينشتاين (ت:1955م)، عندما حقق قضية نسبية الزمن، ليس من خلال شعور الإنسان الذي لا يمكن قياسه، ولا من حيث استخدامه في طرائق العلم، وإنما بوضع نظريتَيه النسبية الخاصة والنسبية العامة؛ اللتين تفسران أبعاداً زمنية ومكانية لم تكن معهودة من قبل.
كل ما مضى من مسيرة الإنسان الطويلة مرحلة واحدة؛ هي المرحلة الزمنية، والبشرية الآن مقبلة على مرحلة جذرية في التحوّل، وهي «ما بعد الزمنية»، ولا أقصد أن الإنسان سيتخلى عن الزمن دفعة واحدة.. بل سيظل معتمداً عليه إلى أمد لا بأس به، وبالأحرى؛ لن يتخلى عن مقياس زمني يعتمده في حياته، على الأقل في المدى المنظور. وإنما أقصد أن مقاييسنا الزمنية المعهودة لن تصبح هي مقياس حركتنا في الحياة، وقد تتلاشى بكونها مقياساً.
لنبدأ من أعمالنا القريبة.. لا زالت مؤسسات العمل تعتمد الحضور الزمكاني بكونه أحد مقاييس الوفاء بالالتزام الوظيفي، غير أن تحولاً يحصل في فلسفة العمل، وهو الانتقال من مرحلة إنجاز العمل في بقعة ووقت محددين إلى الإنجاز ذاته بغض النظر عن زمكانه، فجاءت آلية العمل «عن بُعد»، وستجد المؤسسات التي تصر على «جهاز بصمة الحضور» نفسها متخلفة أمام المؤسسات التي تعتمد تقنية «عن بُعد».
كنا -نحن البشر- نتنقل بين المسافات البعيدة بأقدامنا وعلى الدواب، ثم على أرماث البحر وجواريه، ثم سيارات البر وقاطراته، ثم على طائرات السماء ونفاثاته، ثم المركبات الفضائية، وكل ذلك؛ شهد قفزات هائلة في اختصار الزمن. أما القادم فلن تكون سرعة الزمن هي محدد الانتقال، وإنما آلية الانتقال وما تقدمه من خدمة وراحة لمستعملها. ولن يكون الزمن أكثر من «طرفة عين».
في المجال الطبي.. كانت تحسب العمليات بالساعات أو الدقائق، أما القادم فلا موضع للزمن في الطب، ستجرى العمليات -تجوزاً- في «لازمن»، وسيكون التقييم على أساس الوسيلة التي تحقق نجاح العملية بطريقة أسهل.. بل سيصبح العلاج ذاته خارج نطاق الزمن، فالمرض سيكشف عنه من خلال الخارطة الجينية قبل أن يتخصّب الجنين بحُيَيْن والده وبييضة والدته.
إن عمر الإنسان لن يخضع للزمن، وحينها لن يكون وارداً السؤال: كم نعيش في الدنيا؟ بل ماذا نريد أن نحقق فيها؛ سواءً على المستوى العلمي أم الاجتماعي أم النفسي أم غيره؟ الموت ذاته.. ستحدده الخارطة الجينية باكراً، وربما الشخص نفسه، في أية لحظة يريد أن يخرج من الحياة.
قد يصعب الآن علينا تصور دخول «مرحلة ما بعد الزمنية»؛ لألفتنا الزمن، إلى حدّ أننا نقيس أعمالنا بأجزاء من الثانية. إذا ذهبنا لإنجاز عمل؛ فإننا نرقب الساعة كل لحظة؛ ماذا أنجزنا؟ وكم مضى من الوقت؟ وكم بقي؟ وإذا راجعنا مؤسسة ما لعمل تأخرت عن إنجازه نثرنا غضبنا في وجه الموظف، واتهمناه بعدم الكفاءة أو اللامبالاة في العمل. إننا نحسب الوقت الذي نقطعه من بلد إلى بلد، ونشطُّ في سرعتنا حتى لا نتأخر دقيقة واحدة، ولو غامرنا بحياتنا. لكن الأمر لم يكن كذلك من قبل، فقد كان في الحقب الماضية انتقال الإنسان يستغرق السنين، وهي المسافة نفسها التي نستغرقها الآن في دقائق معدودة أو ساعات معدودات. فالإنسان القديم.. لم يَدُر في خلده الزمنُ الذي يلح علينا الآن، فكان يتنقل من مكان إلى آخر؛ لابثاً أياماً وشهوراً وسنوات في طريق تنقله، وربما يتزوج وينسل خلال تنقلاته. ثم أخذ يُقلِّص من الزمن بمقدار وعيه وحاجاته لإنجاز أعماله.
هذا شرح مبسّط لحال الإنسان مع الزمن؛ فهو ليس خطاً واحداً ثابتاً، وإنما هو متغيّر بما ينسجم مع تغيرات الحياة. إن التغيّر في الزمن ليس حالة شعورية بالنسبة للإنسان فحسب.. بل هو -قبل ذلك- وضع مادي منعكس على حركته. إن قلتَ: كيف لنا نحن البشر أن نهيئ أوضاعنا للانتقال إلى «مرحلة ما بعد الزمنية» فالتحول -مع صعوبته- مُكلِّف جداً، لأننا نحتاج لإعادة بناء كل جوانب الحياة من «الزمنية» بـ«أدوات ما بعد الزمنية»؟
قلتُ: إن الأمر على ضخامته في التحولات البشرية؛ هيّنٌ في مسارها العام، فالتحول يحصل تدريجياً، ويفرض أدواته وهو مستعد لها، دون أن يشعر بذلك الإنسان. فلو تصورنا حياتنا الرقمية التي نعيشها الآن قبل 30 عاماً؛ لاستعظمنا قدرتنا على التحول، إلا أنه حصل، وجرت الحياة البشرية مجراها بيسر، وهذا ما سيحصل لها في تحولاتها القادمة. فهو قانون عام في حياتها، من الأزل حتى يرث الله الأرض ومن عليها.