عربي21:
2025-04-18@01:20:17 GMT

تطهير القارة الأفريقية من بقايا الاستعمار الفرنسي

تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT

انضمت كل من السنغال وساحل العاج للدول الأفريقية التي قطعت عهودا على نفسها أن تمسح من بلادها آثار الوجود الفرنسي، سياسيا وعسكريا وأمنيا وثقافيا. فقد أعلن رئيس ساحل العاج، الحسن وترا، في خطابه للأمة ليلة رأس السنة، أن بلاده ستسترد القواعد العسكرية التي تستخدمها القوات الفرنسية، والتي طلب منها أن تغادر البلاد خلال شهر يناير الحالي.



أما الرئيس السنغالي، بشير جمعة ديوماي فاي الذي بدأ دورته الأولى في أبريل 2024، فقد أعلن أن القوات الفرنسية ستغادر البلاد تماما مع نهاية هذا العام. والروابط بين السنغال وفرنسا تعود إلى أكثر من ثلاثة قرون، فقد كانت السنغال أقدم مستعمرة فرنسية في أفريقيا السوداء، واستمرت الروابط بين البلدين متينة بعد استقلال السنغال عام 1960، وظلت الفرنسية اللغة الرسمية للبلاد، والعلاقات السياسية والتجارية والعسكرية متواصلة.

تعززت العلاقات الأمنية بين البلدان الأفريقية وفرنسا في فترة صعود الحركات الإسلامية المتطرفة مثل، بوكو حرام في نيجيريا والشباب في الصومال وتنظيم «القاعدة في بلدان المغرب العربي» والجماعات الإسلامية المحلية في مالي وتشاد وغيرها. فانتشرت القواعد الفرنسية في كثير من دول الساحل وغرب ووسط أفريقيا.

وأصبحت القوات الفرنسية تتدخل في شؤون البلاد الداخلية، وتحاول خلع من تشاء وتنصيب من تشاء، لكن تلك القوات لم تتدخل ومجازر رواندا تحصد مئات الألوف عام 1994. لقد انطلقت حملات طرد القوات الفرنسية من تشاد، أقرب حلفاء فرنسا في القارة، ثم مالي، فبوركينا فاسو فالنيجر وصولا إلى ساحل العاج وأخيرا السنغال. وبهذا تكون فرنسا قد خسرت 70 في المئة من وجودها في القارة الأفريقية، ولم يبق الآن إلا 1500 جندي في جيبوتي، و350 جنديا في غابون.

موجة التحرر من بقايا الاستعمار الفرنسي بشكل خاص، والغربي بشكل عام شملت انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من تجمع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (ECOWAS) وقريبا ستنسحب من التجمع السنغال وساحل العاج. فالمجموعة الاقتصادية التي تقودها نيجيريا تعتبر قريبة جدا من الدول الاستعمارية.

إننا نشهد ربيعا أفريقيا ضد بقايا الوجود الاستعماري الفرنسي والغربي، الذي سيطر على كثير من دول القارة ونهب مواردها واستعبد شعوبها وفرض لغته عليها وظل يعاملها بطريقة فوقية استعلائية شوفينية. ولم يسلم من ذلك نجوم الرياضة الأشهر، الذين يشكلون غالبية الفريق الفرنسي. فنجومه الأفارقة لا يسلمون من الإهانات العنصرية إذا ما تعرض الفريق الوطني للخسارة.

أما علاقات فرنسا بكبرى مستعمراتها السابقة، الجزائر، فهي الأسوأ، ربما منذ الاستقلال. لقد تعاملت الجزائر مع فرنسا بما تستحق من إهانة، وسحبت سفيرها من فرنسا في يوليو الماضي على خلفية الاعتراف بمغربية الصحراء، كما ألغى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رحلته التي كانت مقررة إلى فرنسا.

وكان آخر لطمة وجهتها الجزائر لفرنسا عندما توحدت جميع أطياف الشعب الجزائري رافضة تصريحات الرئيس أيمانويل ماكرون حول اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، عندما تجرأ الرئيس الفرنسي بالحديث عن قيام الجزائر بتلطيخ شرفها، بسبب هذا الاعتقال ومنعه من العلاج وهو أمر غير صحيح أصلا، فقد نقل إلى المستشفى. لقد نصب ماكرون نفسه هنا أستاذا في الأخلاق والتاريخ فيقول: «نحن الذين نحب الشعب الجزائري وتاريخه. أحث حكومته على إطلاق سراح بوعلام صنصال». ولا نعرف متى كان ماكرون يحب الجزائر وتايخ الجزائر التي سددت ضربة قاضية لفرنسا وهيبتها ودورها وتأثيرها بعد أن أنهت 132 سنة من الاستعمار.

والرئيس الفرنسي ماكرون اعترف بمغربية الصحراء في مخالفة للقانون الدولي. ولا ننسى أنه في لحظة تجلٍ عالية من العنصرية، ادعى أن الجزائر لم تكن موجودة قبل الاستعمار الفرنسي، وهو ما يذكرنا بالضبط بالسردية الصهيونية حول عدم وجود شعب فلسطيني. ومن غرائب مواقف الماكرونية أنه ينتقد اعتقال صنصال ويتراجع عن قرار الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية باعتقال مجرم الحرب نتنياهو. لقد أحسنت الجزائر صنعا أن قررت أن تكون اللغة الإنكليزية اللغة الثانية في البلاد، وأثني هنا على خطابات السفير الجزائري في الأمم المتحدة، عمار بن جامع، التي يلقيها إما بالعربية أو الإنكليزية مع أنه يتكلم الفرنسية بطلاقة تامة.

ملء الفراغ في أفريقيا
لقد حاول الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أن يفتح الجبهة الأفريقية، فقام بعدد كبير من الزيارات لدول القارة، وأنشأ قاعدة جوية في النيجر وقاعدة عسكرية في جيبوتي. أما القاعدة الجوية في النيجر، فقد تم سحب القوات منها بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2023، لكن القاعدة البحرية في جيبوتي ما زالت قائمة بحجة مراقبة القرصنة في البحر الأحمر، والآن تقوم بمرافقة السفن التجارية تحسبا لهجمات الحوثيين.

أما الجهات التي تحاول أن تملأ الفراغ الذي تركته فرنسا فهي ثلاث: روسيا، للأمن والعسكر، والصين للتجارة وتركيا للتنمية والتعاون. وكل من هذه الدول الثلاث نجحت في مجالها. فروسيا نشرت الآن وحدات الفاغنر والخبراء العسكريين في كل الدول التي انسحبت منها فرنسا. أما الصين فقد أصبحت الشريك التجاري الثاني للقارة بعد الاتحاد الأوروبي، حيث بلغت التجارة نحو 220 مليار دولار.

أما تركيا فقد دخلت منافسا قويا في القارة تقيم المشاريع وتقدم المساعدات والمعونات وتفتح السفارات، حيث ارتفع عدد السفارات التركية من 12 سفارة عام 2002 إلى 44 سفارة وقنصلية عام 2022. وارتفعت السفارات الأفريقية في أنقرة من 10 عام 2008 إلى 37 عام 2021.

وتعتبر تركيا رابع دولة في العالم في حجم التمثيل الدبلوماسي في القارة بعد الولايات المتحدة والصين وفرنسا. كما أنشأت تركيا «قمة الشراكة الأفريقية ـ التركية» عام 2008 والتي تعقد مؤتمرا دوريا على مستوى القمة. وبين عام 2008 و2023 زار الرئيس رجب طيب أردوغان 30 دولة أفريقية. وارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا من 3 مليارات عام 2003 إلى 26 مليارا عام 2021. في إثيوبيا وحدها يوجد نحو 200 شركة تركية تشغل ما يزيد عن 30 ألف مواطن. وتصل الخطوط الجوية التركية إلى 55 مدينة في أفريقيا، وقد تكون الوحيدة التي تربط مقديشيو بالعالم الخارجي.
مثلث الخراب

تعمل فرنسا بالتنسيق مع دول عربية على توسيع دائرة المطبعين العرب مع الكيان الصهيوني والتي ساهمت أو سهلت أو أغرت أو رشت دولا عربية للانضمام إلى قطار التطبيع. وتعمل الآن على خلق مصاعب للجزائر لأنها عصية على التطبيع بعد أن نجحت مع هذه الدول من خلق صعوبات داخلية لكل من تونس وليبيا والسودان واليمن. وتعمل فرنسا الآن على جر موريتانيا بعيدا عن الجزائر وتقربها من مثلث التطبيع مقابل إغراءات مالية واستثمارية. كما تعمل فرنسا الآن على جرّ لبنان إلى موقع جديد مهادن مع الكيان الصهيوني.

وسنرى أن دور فرنسا في سوريا، إذا تمكنت الدولتان من لعب دور حقيقي في الشأن السوري، لن يكون إلا لصالح التطبيع والتخلي عن أراضيها المحتلة. لكن العنجهية والعنصرية والتاريخ الاستعماري الأسود لهذه الدولة التي ما زالت تعتقد أنها عظمى، سيجلب لها مزيدا من الكراهية وستطرد من بقية الدول العربية والشرق أوسطية كما طردت من القارة السوداء، وذلك اليوم ليس ببعيد.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السنغال ساحل العاج أفريقيا فرنسا ماكرون فرنسا أفريقيا السنغال ساحل العاج ماكرون سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوات الفرنسیة فی القارة فرنسا فی

إقرأ أيضاً:

الرئيس الفرنسي يطالب بضمان وصول فوري للمساعدات إلى غزة ووقف إطلاق النار

دعا الرئيس الفرنسي, إيمانويل ماكرون، إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري، في ظل الإبادة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بدعم أمريكي.

جاء ذلك في اتصال هاتفي أجراه ماكرون مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وفق ما أعلنه في منشور على حسابه الرسمي بمنصة "إكس" (تويتر سابقا). وشدد الرئيس الفرنسي على ضرورة بناء "إطار لمرحلة ما بعد الحرب".

وقال ماكرون: "يجب أن يتيح ذلك التقدم نحو حل سياسي قائم على أساس الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية)، في أفق مؤتمر يونيو/ حزيران المقبل، خدمةً للسلام وأمن الجميع".


وأكد أن "فرنسا تعبّر عن تعبئتها الكاملة من أجل الإفراج عن جميع الرهائن، وعودة وقف إطلاق نار دائم، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري إلى غزة"، قائلا: "نحن بحاجة إلى السلام".

تحدثتُ للتو مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

فرنسا تعبّر عن تعبئتها الكاملة من أجل الإفراج عن جميع الرهائن، وعودة وقف إطلاق نار دائم، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري إلى غزة.… — Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) April 14, 2025
وأشار إلى أن خطوات ما بعد الحرب تشمل "نزع سلاح حركة حماس وإقصاءها، وتحديد نظام حكم ذي مصداقية، وإصلاح السلطة الفلسطينية".

والأربعاء ، أعلن الرئيس الفرنسي، في مقابلة مع قناة "فرانس 5"، أن بلاده قد تعترف بدولة فلسطين خلال الأشهر المقبلة، مشيرا إلى أن ذلك قد يكون خلال مؤتمر دولي حول حل الدولتين في حزيران/ يونيو المقبل.


وقال ماكرون: "يتعين علينا أن نتحرك نحو الاعتراف (بفلسطين)، ويمكننا أن نصل إلى ذلك في الأشهر المقبلة"، مشيرا إلى أنه سيترأس مع السعودية مؤتمرا دوليا حول حل الدولتين في يونيو المقبل.

وعلق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، على الهجوم الذي شنه نجله يائير، ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أكد أن بلاده ستعترف بالدولة الفلسطينية.

وقال نتنياهو في تصريح نقله مكتبه: "لن نقبل المواعظ الأخلاقية لإقامة دولة فلسطينية من شأنها أن تعرّض وجود إسرائيل للخطر، من أولئك الذين يعارضون منح الاستقلال لكورسيكا وكاليدونيا الجديدة، وغينيا الفرنسية وأراض أخرى، والتي لن يعرّض استقلالها فرنسا للخطر، بأيّ شكل من الأشكال".

وشن يائير نتنياهو هجوماً حاداً على ماكرون، رداً على تصريحات الأخير حول إمكانية اعتراف بلاده بدولة فلسطينية "من دون حماس".

وفي منشور على منصة "إكس"، أعاد يائير نشر تغريدة لماكرون، وعلق عليها بكلمات نابية قائلاً: "تباً لك"، موجها دعوات للأقاليم التابعة لفرنسا بالاستقلال عنها.


وقال: "مناطق مثل كالدونيا الجديدة، بولينيزيا الفرنسية، كورسيكا، إقليم الباسك، وغينيا الفرنسية، ندعم استقلالها" واصفا فرنسا بأنها "الإمبريالية الجديدة في غرب أفريقيا".

وكان ماكرون قال في التاسع من الشهر الجاري، إن فرنسا قد تعترف بدولة فلسطين في حزيران/ يونيو المقبل، وذلك بالتزامن مع مؤتمر عن فلسطين، سيُعقد في نيويورك، وتتقاسم رئاسته مع السعودية.

وبدعم أمريكي، ترتكب "إسرائيل"، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة، خلّفت أكثر من 167 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

مقالات مشابهة

  • سفير فرنسا يشارك في المنتدى الليبي الفرنسي للأعمال والتنمية
  • وزير الداخلية الفرنسي يدعو إلى استعمال القوة ضد الجزائر
  • مصر على مشارف ريادة إنتاج وقود الطائرات المستدام على مستوى القارة الأفريقية (تفاصيل)
  • أزمة دبلوماسية جديدة| الجزائر تطرد 12 موظفًا من السفارة الفرنسية .. وباريس تتوعد بالرد
  • عاجل | الرئاسة الفرنسية: قرار بطرد 12 من موظفي الشبكة القنصلية والدبلوماسية الجزائرية في فرنسا
  • توتر دبلوماسي جديد بين باريس والجزائر .. واستدعاء السفير الفرنسي للتشاور
  • شايب: وزير الداخلية الفرنسي يتحمل المسؤولية في هذا الوضع بين الجزائر وفرنسا
  • خلال لقاء بين بوريطة ونظيره الفرنسي..فرنسا تجدد دعمها لمغربية الصحراء
  • الرئيس الفرنسي يطالب بضمان وصول فوري للمساعدات إلى غزة ووقف إطلاق النار
  • وزير الداخلية الفرنسي: ليس لدي أي هوس بالسلطات الجزائرية ولا بالشعب الجزائري