عربي21:
2025-03-14@17:51:39 GMT

تطهير القارة الأفريقية من بقايا الاستعمار الفرنسي

تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT

انضمت كل من السنغال وساحل العاج للدول الأفريقية التي قطعت عهودا على نفسها أن تمسح من بلادها آثار الوجود الفرنسي، سياسيا وعسكريا وأمنيا وثقافيا. فقد أعلن رئيس ساحل العاج، الحسن وترا، في خطابه للأمة ليلة رأس السنة، أن بلاده ستسترد القواعد العسكرية التي تستخدمها القوات الفرنسية، والتي طلب منها أن تغادر البلاد خلال شهر يناير الحالي.



أما الرئيس السنغالي، بشير جمعة ديوماي فاي الذي بدأ دورته الأولى في أبريل 2024، فقد أعلن أن القوات الفرنسية ستغادر البلاد تماما مع نهاية هذا العام. والروابط بين السنغال وفرنسا تعود إلى أكثر من ثلاثة قرون، فقد كانت السنغال أقدم مستعمرة فرنسية في أفريقيا السوداء، واستمرت الروابط بين البلدين متينة بعد استقلال السنغال عام 1960، وظلت الفرنسية اللغة الرسمية للبلاد، والعلاقات السياسية والتجارية والعسكرية متواصلة.

تعززت العلاقات الأمنية بين البلدان الأفريقية وفرنسا في فترة صعود الحركات الإسلامية المتطرفة مثل، بوكو حرام في نيجيريا والشباب في الصومال وتنظيم «القاعدة في بلدان المغرب العربي» والجماعات الإسلامية المحلية في مالي وتشاد وغيرها. فانتشرت القواعد الفرنسية في كثير من دول الساحل وغرب ووسط أفريقيا.

وأصبحت القوات الفرنسية تتدخل في شؤون البلاد الداخلية، وتحاول خلع من تشاء وتنصيب من تشاء، لكن تلك القوات لم تتدخل ومجازر رواندا تحصد مئات الألوف عام 1994. لقد انطلقت حملات طرد القوات الفرنسية من تشاد، أقرب حلفاء فرنسا في القارة، ثم مالي، فبوركينا فاسو فالنيجر وصولا إلى ساحل العاج وأخيرا السنغال. وبهذا تكون فرنسا قد خسرت 70 في المئة من وجودها في القارة الأفريقية، ولم يبق الآن إلا 1500 جندي في جيبوتي، و350 جنديا في غابون.

موجة التحرر من بقايا الاستعمار الفرنسي بشكل خاص، والغربي بشكل عام شملت انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من تجمع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (ECOWAS) وقريبا ستنسحب من التجمع السنغال وساحل العاج. فالمجموعة الاقتصادية التي تقودها نيجيريا تعتبر قريبة جدا من الدول الاستعمارية.

إننا نشهد ربيعا أفريقيا ضد بقايا الوجود الاستعماري الفرنسي والغربي، الذي سيطر على كثير من دول القارة ونهب مواردها واستعبد شعوبها وفرض لغته عليها وظل يعاملها بطريقة فوقية استعلائية شوفينية. ولم يسلم من ذلك نجوم الرياضة الأشهر، الذين يشكلون غالبية الفريق الفرنسي. فنجومه الأفارقة لا يسلمون من الإهانات العنصرية إذا ما تعرض الفريق الوطني للخسارة.

أما علاقات فرنسا بكبرى مستعمراتها السابقة، الجزائر، فهي الأسوأ، ربما منذ الاستقلال. لقد تعاملت الجزائر مع فرنسا بما تستحق من إهانة، وسحبت سفيرها من فرنسا في يوليو الماضي على خلفية الاعتراف بمغربية الصحراء، كما ألغى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رحلته التي كانت مقررة إلى فرنسا.

وكان آخر لطمة وجهتها الجزائر لفرنسا عندما توحدت جميع أطياف الشعب الجزائري رافضة تصريحات الرئيس أيمانويل ماكرون حول اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، عندما تجرأ الرئيس الفرنسي بالحديث عن قيام الجزائر بتلطيخ شرفها، بسبب هذا الاعتقال ومنعه من العلاج وهو أمر غير صحيح أصلا، فقد نقل إلى المستشفى. لقد نصب ماكرون نفسه هنا أستاذا في الأخلاق والتاريخ فيقول: «نحن الذين نحب الشعب الجزائري وتاريخه. أحث حكومته على إطلاق سراح بوعلام صنصال». ولا نعرف متى كان ماكرون يحب الجزائر وتايخ الجزائر التي سددت ضربة قاضية لفرنسا وهيبتها ودورها وتأثيرها بعد أن أنهت 132 سنة من الاستعمار.

والرئيس الفرنسي ماكرون اعترف بمغربية الصحراء في مخالفة للقانون الدولي. ولا ننسى أنه في لحظة تجلٍ عالية من العنصرية، ادعى أن الجزائر لم تكن موجودة قبل الاستعمار الفرنسي، وهو ما يذكرنا بالضبط بالسردية الصهيونية حول عدم وجود شعب فلسطيني. ومن غرائب مواقف الماكرونية أنه ينتقد اعتقال صنصال ويتراجع عن قرار الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية باعتقال مجرم الحرب نتنياهو. لقد أحسنت الجزائر صنعا أن قررت أن تكون اللغة الإنكليزية اللغة الثانية في البلاد، وأثني هنا على خطابات السفير الجزائري في الأمم المتحدة، عمار بن جامع، التي يلقيها إما بالعربية أو الإنكليزية مع أنه يتكلم الفرنسية بطلاقة تامة.

ملء الفراغ في أفريقيا
لقد حاول الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أن يفتح الجبهة الأفريقية، فقام بعدد كبير من الزيارات لدول القارة، وأنشأ قاعدة جوية في النيجر وقاعدة عسكرية في جيبوتي. أما القاعدة الجوية في النيجر، فقد تم سحب القوات منها بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2023، لكن القاعدة البحرية في جيبوتي ما زالت قائمة بحجة مراقبة القرصنة في البحر الأحمر، والآن تقوم بمرافقة السفن التجارية تحسبا لهجمات الحوثيين.

أما الجهات التي تحاول أن تملأ الفراغ الذي تركته فرنسا فهي ثلاث: روسيا، للأمن والعسكر، والصين للتجارة وتركيا للتنمية والتعاون. وكل من هذه الدول الثلاث نجحت في مجالها. فروسيا نشرت الآن وحدات الفاغنر والخبراء العسكريين في كل الدول التي انسحبت منها فرنسا. أما الصين فقد أصبحت الشريك التجاري الثاني للقارة بعد الاتحاد الأوروبي، حيث بلغت التجارة نحو 220 مليار دولار.

أما تركيا فقد دخلت منافسا قويا في القارة تقيم المشاريع وتقدم المساعدات والمعونات وتفتح السفارات، حيث ارتفع عدد السفارات التركية من 12 سفارة عام 2002 إلى 44 سفارة وقنصلية عام 2022. وارتفعت السفارات الأفريقية في أنقرة من 10 عام 2008 إلى 37 عام 2021.

وتعتبر تركيا رابع دولة في العالم في حجم التمثيل الدبلوماسي في القارة بعد الولايات المتحدة والصين وفرنسا. كما أنشأت تركيا «قمة الشراكة الأفريقية ـ التركية» عام 2008 والتي تعقد مؤتمرا دوريا على مستوى القمة. وبين عام 2008 و2023 زار الرئيس رجب طيب أردوغان 30 دولة أفريقية. وارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا من 3 مليارات عام 2003 إلى 26 مليارا عام 2021. في إثيوبيا وحدها يوجد نحو 200 شركة تركية تشغل ما يزيد عن 30 ألف مواطن. وتصل الخطوط الجوية التركية إلى 55 مدينة في أفريقيا، وقد تكون الوحيدة التي تربط مقديشيو بالعالم الخارجي.
مثلث الخراب

تعمل فرنسا بالتنسيق مع دول عربية على توسيع دائرة المطبعين العرب مع الكيان الصهيوني والتي ساهمت أو سهلت أو أغرت أو رشت دولا عربية للانضمام إلى قطار التطبيع. وتعمل الآن على خلق مصاعب للجزائر لأنها عصية على التطبيع بعد أن نجحت مع هذه الدول من خلق صعوبات داخلية لكل من تونس وليبيا والسودان واليمن. وتعمل فرنسا الآن على جر موريتانيا بعيدا عن الجزائر وتقربها من مثلث التطبيع مقابل إغراءات مالية واستثمارية. كما تعمل فرنسا الآن على جرّ لبنان إلى موقع جديد مهادن مع الكيان الصهيوني.

وسنرى أن دور فرنسا في سوريا، إذا تمكنت الدولتان من لعب دور حقيقي في الشأن السوري، لن يكون إلا لصالح التطبيع والتخلي عن أراضيها المحتلة. لكن العنجهية والعنصرية والتاريخ الاستعماري الأسود لهذه الدولة التي ما زالت تعتقد أنها عظمى، سيجلب لها مزيدا من الكراهية وستطرد من بقية الدول العربية والشرق أوسطية كما طردت من القارة السوداء، وذلك اليوم ليس ببعيد.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السنغال ساحل العاج أفريقيا فرنسا ماكرون فرنسا أفريقيا السنغال ساحل العاج ماكرون سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوات الفرنسیة فی القارة فرنسا فی

إقرأ أيضاً:

فرنسا تعتزم تسليم الجزائر قائمة بأسماء جزائريين تريد طردهم

قالت 3 مصادر حكومية فرنسية اليوم الخميس إن قائمة بأسماء الجزائريين الذين ترغب باريس بإبعادهم إلى وطنهم سترسل هذا الأسبوع إلى السلطات الجزائرية، متحدثة عن أقل من 100 شخص.

وقال أحد هذه المصادر لوكالة الصحافة الفرنسية إن القائمة سترسل "اليوم أو غدا، في الأيام المقبلة"، في حين ذكر مصدر آخر "أن الأمر وشيك"، وأفاد المصدر الثالث بأن القائمة سترسل "هذا الأسبوع".

وذكر أحد المصادر الحكومية الثلاثة أن "أقل من 100 شخص" على هذه القائمة، وقال مصدر ثان إن القائمة تضم "عشرات" الأسماء وإنها "لائحة أولى" على أن تليها قوائم أخرى لاحقا.

وأدى رفض الجزائر استقبال مواطنين يقيمون بصورة غير نظامية في فرنسا التي رحّلتهم إلى وطنهم، وبينهم منفذ هجوم أوقع قتيلا في 22 فبراير/شباط في مولوز (شرق فرنسا)، إلى توتر العلاقات بين البلدين والتي تدهورت أساسا منذ اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في يوليو/تموز 2024.

وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال جلسة الحكومة الأسبوع الماضي أنه "لا توجد رغبة في التصعيد، لكن رفض استقبال الجزائريين انتهاك مباشر للاتفاقات التي أبرمناها مع الجزائر".

وقال الثلاثاء إن باريس تريد عودة العلاقات الجيدة مع الجزائر كما تريد "بالطبع" معالجة التوترات مع هذا "البلد الجار، لكن بوضوح ومن دون أي ضعف".

إعلان

وأضاف أنه في هذا السياق قررت باريس أن تحيل إلى السلطات الجزائرية "قائمة بأسماء الجزائريين الذين عليهم مغادرة الأراضي الفرنسية.. نأمل أن تطّلع السلطات الجزائرية على هذه القائمة وتبادر لفتح مرحلة جديدة في علاقاتنا ستسمح لنا بتسوية خلافاتنا وبدء تعاون إستراتيجي محتمل".

وفي نهاية فبراير/شباط هدّد رئيس الوزراء فرانسوا بايرو "بإلغاء" اتفاقية عام 1968 التي تمنح وضعا خاصا للجزائريين في فرنسا على صعيد العمل والإقامة إذا لم تستردّ الجزائر خلال 6 أسابيع مواطنيها الذين هم في وضع غير نظامي.

وسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى التهدئة معلنا أنه "يؤيد إعادة التفاوض بهذا الاتفاق وليس الإلغاء".

وتشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية توترا غير مسبوق منذ الصيف الماضي، وسحبت الجزائر سفيرها من باريس على خلفية تبنّي فرنسا مقترح الحكم الذاتي المغربي لحل قضية الصحراء الغربية.

وزادت حدة التوتر أكثر بعد أن أوقفت السلطات الجزائرية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي الكاتب الجزائري الحاصل على الجنسية الفرنسية بوعلام صنصال، ووجهت محكمة جزائرية تهما لصنصال بموجب المادة 87 من قانون العقوبات الجزائري تتعلق "بالمساس بالوحدة الوطنية وتهديدها".

كما تفاقمت الأزمة بين البلدين بعد أن ألقت السلطات الفرنسية القبض على مؤثرين جزائريين اتهمتهم باريس بالدعوة إلى أعمال عنف على الأراضي الفرنسية والجزائرية عبر مقاطع فيديو على تطبيق "تيك توك".

مقالات مشابهة

  • مسجد إيفري كوركورون الكبير.. أحد معالم التراث الثقافي الوطني الفرنسي
  • فرنسا ترسل “قائمة المطرودين” إلى الجزائر
  • حرب خفية في أفريقيا.. كيف تنافس روسيا فرنسا على السيطرة؟
  • فرنسا تعتزم تسليم الجزائر قائمة بأسماء جزائريين تريد طردهم
  • وزير الداخلية الفرنسي: النظام الجزائري لا يحترم شعبه وشرعنا رسمياً في منع المسؤولين الجزائريين من دخول فرنسا
  • عنف الاستعمار بالجزائر.. فرنسا استخدمت التعذيب والحرق والأسلحة الكيميائية
  • إنفانتينو للأفارقة : عليكم مواصلة العمل والمغرب نموذج لتطور كرة القدم في القارة الأفريقية
  • لقجع: انتخابات الكاف رسخت الحضور القوي و المحترم للمغرب داخل القارة الأفريقية
  • وزارة الصحة تبحث سبل التعاون مع وفد من ‏الخارجية الفرنسية ووكالة “خبرة فرنسا”
  • وزير الخارجية الفرنسي يؤكد رغبة باريس في تهدئة العلاقات مع الجزائر