نعترف بأننا أخطأنا حينما اعتقدنا أنّ الاحتلال الصهيوني سيسارع إلى تلبية طلب الولايات المتحدة الأمريكية، السّماح لها بتزويد الأمن الفلسطيني بمعدّات عسكرية متطوّرة للقضاء على المقاومة في جنين؛ فهاهي إذاعة جيش الاحتلال تفاجئنا بخبر رفض حكومة نتنياهو منح بندقية واحدة لشرطة دايتون الفلسطينية، بالرغم من أنّ المهمة القذرة التي تقوم بها في جنين تصبّ في مصلحة الكيان بالدرجة الأولى!
وبقدر ما فاجأنا هذا الخبر الغريب، فقد أثلج صدورنا أيضا؛ لأنّه أكّد مرة أخرى أنّ ما تقوم به السلطة الفلسطينية من مطاردات مستمرّة ومخزية للمقاومة، بهدف نيل رضا الاحتلال، هو مجرّد جهود عبثية لن تحقّق بها هذا الهدف المقيت، وفي الوقت ذاته ستزيد من عزلتها الداخلية وسخط شعبها عليها، كحال ذلك الابن الذي سرق مال أبيه ليقدّمه للّصوص، فلا اللصوص قدّروا “عمله”، ولا والده صفح عنه.
وبهذا الرفض، أثبت الاحتلال أنّه لا يثق في السّلطة الفلسطينية في الضّفة الغربية، كما أنّه لا يريد أن يسند لها أيّ دور في غزة بعد نهاية الحرب، برغم كلّ ما قدّمته له من “خدمات أمنية” منذ اتّفاق أوسلو 1993 إلى اليوم، في إطار ما يسمّى “التنسيق الأمني” بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وجيش الاحتلال، والذي أسفر طيلة 31 سنة، عن تحجيم المقاومة في الضّفة بسبب مطاردة عناصرها، واغتيال المئات منهم، أو القبض عليهم وإلقائهم في سجون السلطة، أو التبليغ عنهم للاحتلال لاغتيالهم أو اعتقالهم… وما يحدث منذ أزيد من شهر في جنين هو جزء من هذه المطاردات المستمرّة للمقاومة خدمة للاحتلال، ومع ذلك، فقد وجّه الاحتلال صفعة قوية لهذه السّلطة برفض تزويدها بالسّلاح، تأكيدا لعدم ثقته بها ورفضه إسناد أيّ دور لها في المستقبل!
ويذكّرنا هذا بما قام به الكيان الصهيوني منذ أواخر 2020 إلى الآن مع الإمارات العربية المتحدة؛ إذ هرولت الإمارات وطبّعت علاقاتها معه مقابل “شروط”، ومنها تجميد ضمّ الضّفة الغربيّة، والحصول على طائرات “آف 35” الأمريكية، لكنّ الاحتلال أشهر الضوء الأحمر في وجه “حليفه” الجديد، ومنع إلى حدّ الساعة حصوله على هذه الطائرات المتطوّرة، كما أنّه يستعدّ لرفع التجميد عن ضمّ الضفة والشروع في السنة الجديدة في ضمّها فعليّا كما صرّح نتنياهو وأكثر من وزير صهيوني، وبذلك تكون الإمارات قد انبطحت مجّانا.
أمّا الكيان الصهيوني، فسيبقى ينظر إليها بعيون الرّيبة ولا يثق فيها، ولو بالغت في تطبيع علاقاتها معه، وتآمرت معه ضدّ المقاومة في غزّة، وروّجت لبدعة “الديانة الإبراهيمية” المزعومة لإضفاء غطاء ديني زائف على هذه الخيانة المدوّية للقضية الفلسطينية.
العرب هم العرب بالنسبة للصهاينة، والمسلمون هم المسلمون، لا فرق بينهم، ولا ثقة فيهم، ولا في أنظمتهم التي يمكن أن تنهار في ظرف أيام إذا أحجمت جيوشهم عن نصرتها، كما حصل لزيد العابدين، ومبارك، والقذافي، والبشير، والأسد… فهي أنظمة هشّة تستقوي بأمريكا والغرب للبقاء في الحكم، ولا تكترث بإرادة شعوبها، لذلك قد تسقط في أيّ وقت وتصل أسلحتها إلى معارضة معادية للاحتلال، ومن الخطأ أن يسمح ببيع أسلحة أمريكية وغربية متطوّرة لها.
وعندما يقول القادة الجدد في سوريا، إن نظامهم لا يهدّد الكيان، ولن يسمح بانطلاق رصاصة واحدة صوبه من الأراضي السورية، ويلمّح الجولاني إلى أنّ الكيان سيكون بأمان لمدة 50 سنة قادمة، ويردّ وزير الاتصالات الصهيوني شلومو كرعي مقتبسا مقولات دينية “مستقبل أبواب القدس التي تنير دربنا هو أن تصل حتى أبواب دمشق”، وعندما يحرس الأردن حدود الاحتلال عقودا طويلة ويردّ الوزير سموتريتش برفع خريطة لكيانه تبتلع هذا البلد برمّته… حينما يحدث ذلك كلّه، فإنّ هذا يعني باختصار أنّ الاحتلال لا يثق في العرب ولو طبّعوا ووقّعوا معه معاهدات “سلام”، أو انبطحوا، أو حتى انخرطوا في حرب ضدّ المقاومة…
لا شيء من ذلك يحول دون التوسّع على حساب بلدانهم في السّنوات القادمة، لاسيّما إذا استطاع العدوّ سحق المقاومة في غزة والضّفة وتهجير الشعب الفلسطيني وحسم الصراع لصالحه بالقوة، حينذاك سيبدأ تنفيذ مشروع “إسرائيل الكبرى”، ولن تحمي أحدا معاهدة أو اتفاق سلام، أو انبطاح وخنوع وتحويل جيوش إلى حرس حدود للاحتلال، الجميع سيّان في نظر العدوّ الذي لا يثق في أحد من العرب، عملاء صريحين كانوا أو مهادنين أذلّاء، وصدق اللهُ القائل: “ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتّى تتبّع ملّتهم”.
الشروق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال المقاومة غزة سوريا سوريا الاردن لبنان غزة الاحتلال مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاومة فی لا یثق فی
إقرأ أيضاً:
العربي للدراسات: المقاومة الفلسطينية تواجه الضغوط الأمريكية بثبات على مطالبها
أكد الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، المقاومة الفلسطينية تُصر على تحقيق مطالبها، خاصة ما يتعلق بانسحاب إسرائيل من القطاع وحل قضية الأسرى، رغم الضغوط الأمريكية لتسوية الأمر بما يتوافق مع المصلحة الإسرائيلية.
مصطفى بكري يحذر نتنياهو : عدوان إسرائيل ضد غزة منافٍ لكل معايير القيم الدوليةالهجرة السلبية تضرب إسرائيل.. أرقام قياسية تهدد التوازن الديموجرافي لدولة الاحتلال
وبشأن تهديدات ترامب المتكررة بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم، أشار غباشي في مداخلة هاتفية لبرنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم، أن هذه التصريحات تبدو أقرب إلى رسائل تهديدية منها إلى تحركات فعلية. وتساءل: "أي جحيم يقصده ترامب؟" موضحًا أن سوريا ولبنان أصبحا خارج إطار الصراع إلى حد كبير، بينما العراق يشهد شكلاً من التسويات، والعلاقات الأمريكية الأردنية مستقرة بفضل الاتفاقيات العسكرية المشتركة.
واختتم حديثه بأن الشرق الأوسط، رغم تعقيداته، لن يكون سهل الانقياد لمثل هذه التهديدات، مشيرًا إلى أن تصريحات ترامب قد تكون مجرد خطاب سياسي دون تطبيق عملي واضح.