كثيرون منا عندما يسمعون اسم "الكربون" يخطر ببالهم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي يسعى صناع القرار إلى تقليلها، أو تتبادر لأذهانهم تقنيات احتجاز الكربون التي يعمل الباحثون والعلماء لتطويرها وزيادة فعاليتها.

لكن ربما لا يخطر ببالنا أن هناك أنواعا من الكربون صار العلماء والباحثون يسعون إلى ابتكارها، وهي أنواع يمكن وصفها بأنها "صديقة للبيئة".

وللتعرف على تلك الأنواع حاورت الجزيرة نت الدكتور أحمد إبراهيم الباحث بجامعة كوين في بلفاست بأيرلندا الشمالية، في تخصص الكيمياء والهندسة الكيميائية.

تخرج الدكتور إبراهيم من جامعة جنوب الوادي (بمحافظة قنا في صعيد مصر) عام 2006، وحصل على الماجستير من نفس الجامعة عام 2013، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة كوين عام 2017، واحتفل أحمد مؤخرا مع جامعته بوصوله إلى البحث رقم 100، تلك البحوث التي تتركز جميعها في إيجاد حلول صديقة للبيئة من المصادر المتاحة فيها.

الكربون النشط

الكربون النشط هو نوع من الكربون الذي يتمتع بمساحة سطح مسامية كبيرة جدا، يمكن أن يتم تحضيرها من عدة مصادر، نباتية أو حيوانية أو حتى من الوقود الأحفوري مثل الفحم، لكن العالم كله يتجه الآن إلى إنتاجها من مصادر نباتية، خاصة من المخلفات أو البواقي الزراعية.

يستخدم الكربون النشط في عدة أمور، منها مرشحات المياه في المنازل، ويستخدم أيضا كـ "عوامل حفازة" في صناعات عديدة، كما يمكن أن يستخدم في إنتاج الطاقة، وأيضا في الحد من تغير المناخ.

وعلى الرغم من اكتشاف الكربون النشط منذ أكثر من 100 عام، فقد كان التحدي دائما في إنتاجه بتكلفة أقل، ومن البواقي الزراعية.

في عام 2017 كان الدكتور أحمد إبراهيم في زيارة لمركز الطاقة في بلفاست، وأبلغوه أن لديهم مشكلة في نبات اسمه "حشيشة الفيل"، عند حرقها لاستخدامها وقودا تتسبب في تلف المحرقة لأن نسبة السيليكات بها عالية، وهي مشكلة موجودة في جميع النباتات ذات نفس الخصيصة، ومن ثم بدأ التفكير في إيجاد حل بديل عن الحرق.

عمل الفريق البحثي الذي يعمل مع الدكتور أحمد إبراهيم على تحويل حشيشة الفيل إلى كربون نشط يستخدم في تنقية المياه في المحطات، ووصلت كفاءته إلى 88% في إزالة الملوثات، خاصة ملوثات المعادن الثقيلة ،التي كانت تمثل مشكلة كبيرة لمحطات معالجة المياه. وقد نشر الفريق ورقة بحثية بهذه النتائج.

كما تم إنتاج الكربون النشط من قبل الفريق البحثي من أنواع أخرى من النفايات، منها نفايات الشعير، ومن قشور البطاطس، ومن مخلفات تقليم الأشجار كالفروع والجذوع وغيرها، كونها جميعا من المخلفات الموجودة بكثرة في بريطانيا.

ولدى سؤال الدكتور أحمد إبراهيم عن أفضل المخلفات الزراعية في إنتاج الكربون النشط، قال إن المقارنة تكون بناء على مساحة السطح التي يعطيها كل منها في الكربون النشط، فكلما كانت تلك المساحة أكبر، كان أفضل، لأنها تعطي له قدرة أكبر على امتصاص الملوثات من المياه. وشبه ذلك بالإسفنج الذي يمتص الماء كلما كانت فتحاته السطحية أكثر، ومن هذه المقارنة كانت أفضل النتائج هي تلك التي أعطتها حشيشة الفيل حيث أعطت مساحة سطح بلغت 1388 مترا مربعا لكل غرام، أما مخلفات الشعير فأعطت مساحة سطح 800 متر لكل غرام.

أنابيب الكربون النانوية

كان النوع الثاني من الكربون الذي استخدم فيه فريق الدكتور أحمد إبراهيم حشيشة الفيل لإنتاجه، هو ما يعرف بأنابيب الكربون النانوية، وهو نوع أغلى وأنقى، يمكن أن يستخدم في صناعة الحواسيب، وأشباه الموصلات، والبطاريات وغير ذلك، وهي أقوى من الفولاذ.

الفحم الحيوي

وعمل الفريق على إنتاجه من بعض المخلفات الزراعية في مصر مثل حطب القطن والذرة، ونواتج تقليم أشجار الموالح والزيتون ومن جريد النخل من خلال معالجات كيميائية. ويمتاز هذا النوع من الفحم بأن ثبات الكربون فيه ربما يمتد لمئات السنين، ويخرج هذا النوع من الفحم على شكل حبيبات، ويوضع فيما يسمى "مصرف الكربون"، ومن ثم يمكن استخدامه إما في التربة كسماد، وإما في تصنيع ما يسمى بالطوبة الذكية في المباني لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو.

يساعد الفحم الحيوي في امتصاص الكربون ويُستخدم كمخصبات زراعية وفي إنتاج الطوبة الذكية للمباني (شترستوك)

وأنتج الفريق بالفعل عدة أبحاث في هذا المجال، تم تصميمها لتناسب التطبيق على المستوى الصناعي في مصر، وعرض الفريق بعض ما توصلوا إليه العام الماضي في مؤتمر المناخ المنعقد في شرم الشيخ "كوب27″، ويستعدون لعرض نتائج أبحاث أخرى تم التعاون فيها مع قطر والإمارات، خاصة في مجال "الطوبة الذكية"، وذلك بمنسابة مؤتمر المناخ القادم في الإمارات "كوب28".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: من الکربون فی إنتاج

إقرأ أيضاً:

حادثة الإسراء والمعراج وإيمان أبو بكر الصديق

في رحلة اختارها الله لنبيه الكريم تجاوزت حدود الزمان والمكان البشري، لتكون أحد المعجزات التي أراد المشركون التكذيب بها، فدمغهم الرسول الكريم بأدلته الواضحة الجلية بوصفه للمكان الذي جلاه الله أمامه، لتكون نقطة فاصلة في مسألة الإيمان بالله تعالى والإيمان بالغيب، وتجلت حقيقة الإيمان والتصديق المطلق بالرسول الكريم عند المسلمين الذين ما زادتهم هذه الحادثة إلا إيمانا، وأولهم صديقه المقرب أبو بكر الذي سمي بالصديق وأصبح هذا لقبه إلى يوم الدين بسبب تصديقه بهذه الحادثة الفريدة، التي ما زالت ناضحة بالدلالات والإشارات الإيمانية.

فهذه الحادثة تعتبر واحدة من أعظم المعجزات التي حدثت في تاريخ البشرية، ففي ليلة مباركة، انتقل النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحارم في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس، ثم عُرج به إلى السماوات السبع، حيث شهد عجائب خلق الله ورأى الأنبياء في أماكنهم السماوية، وعندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قومه بما حدث، كان الرد من قريش هو التشكيك والرفض.

ولو تأملنا موقف أبو بكر الصديق لهذه الحادثة العظيمة من خلال مكانته في المجتمع ومن خلال قدراته العقلية والمعرفية التي يمتلكها، ومن خلال نظرته إلى حقيقة الإيمان وتدعيم الإيمان بهذه الحادثة من خلال حادثة أعظم، لوجدنا أن شخصية أبو بكر الصديق كانت شخصية اعتبارية في مجتمعها، فد كان تاجرا بارعا، وعندما وقعت رحلة الإسراء المعراج كان أبو بكر الصديق راجعا من رحلة تجارية، كما أنه عالم بأنساب العرب، فعندما أراد حسان بن ثابت أن يهجو قريشا طلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يلجأ إلى أبو بكر الصديق لأنه عالم بأنساب قريش لكي يستل نسب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم، فيهجوهم ولا يلحق هجائه لهم بنسب الرسول الشريف، فعلم الأنساب يحتاج إلى قدرات ربط عقلية، وإلى ذاكرة كبيرة، وإلى معرفة بالأعلام وعلاقاتهم وروابطهم الأسرية، وهذا ما تميز به أبو بكر الصديق رضوان الله عليه، فهو في تصديقه المطلق للرسول صلى الله عليه وسلم ليس تصديقا ساذجا لا يستند إلى رجاحة عقلية ومعرفة فكرية، وإنما هو تصديق يتجاوز العقل إلى فضاء أرحب، وهو الإيمان بالغيب وهو أحد أركان الإيمان التي تشربها أبو بكر الصديق من بداية إيمانه بالله وبرسوله، على خلاف المشركين الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه أخبرهم بأمر يتجاوز النواميس الكونية، ويتجاوز مدركات ومحسوسات العالم المادي، وهم كان هدفهم المعلن ومقصدهم الأصيل ليس الوصول إلى الحقيقة، وإنما التكذيب بكل ما يأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم.

لم يكن تصديق أبو بكر الصديق في حادثة الإسراء والمعراج مجرد قبول عقلي أو منطقي، بل كان تصديقًا نابعًا من قلبه قبل عقله، كان إيمانه قوياً لدرجة أنه لم ينتظر إثباتًا ماديًا لما سمعه، بل قبل الأمر مباشرة من فم النبي صلى الله عليه وسلم، قد يعتقد البعض أن مثل هذه الحادثة العجيبة قد تثير التساؤلات والشكوك، لكن بالنسبة لأبي بكر، كان النبي صلى الله عليه وسلم هو المصداقية بعينها، فالتصديق لم يكن مجرد فعل عقلي، بل كان شهادة على قوة إيمانه.

فالصديق يعلم علم اليقين أن الكون ونواميسه ليس خارجا عن قدرة الله المطلقة التي يستطيع أن يخرق هذه القوانين متى شاء لمن يشاء ومن هنا تنبثق المعجزات للأنبياء والرسل تأكيدا على صدق دعوتهم، وقد دلل أبو بكر الصديق على صدق هذه الحادثة بحادثة أعظم وهي نزول الوحي عليه الصلاة والسلام، فعندما جاء المشركون ليخبروه بما أخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم من رحلة خارقة، لم يكن لديه أدنى تردد في التصديق، فقال كلمته الخالدة: "إن كان قال فقد صدق" مؤكدا بذلك على إيمانه الراسخ بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتف بذلك، بل عزز موقفه بقوله: " إني لأصدقه في ما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة "، في إشارة إلى أن من يؤمن بالوحي لا يمكن أن يشك في قدرة الله على إنفاذ معجزة الإسراء والمعراج.

وأبو بكر الصديق كان ثابتا في موقفه من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم قبل بعثته وبعدها، بينما كان موقف المشركين قبل بعثة الرسول الكريم مختلفا بعد بعثته، فقد أطلقوا عليه قبل البعثة لقب الصادق الأمين، فلك أن تتخيل كيف أن مجتمعا بأسره يلقب رجلا بصفتين عرف بهما ولم يعرف بخلافهما، وقد قالوا له من شدة تصديقهم له: "ما جربنا عليك كذبا" لكنهم كذبوا بدعوته، وكذبوا بكل ما يتصل بها من أحداث عنادا وكبرا وحسدا.

في ضوء هذه الحادثة، يمكن القول إن أبو بكر الصديق لم يكن فقط أول المصدقين، بل كان رائدًا في تقديم مفهوم متكامل للتوازن بين العقل والإيمان، فقد كان مؤمنًا لا يتردد، لكنه أيضا لم يكن غافلا عن منطق الأشياء، بل كان يدرك أن هناك أبعادًا لا يصلها العقل وحده، هذا التوازن يطرح سؤالا إيمانيا معاصرا، وهو كيف يمكن للإنسان اليوم أن يحافظ على إيمانه في عالم يفرض عليه رؤية مادية للأشياء، وموقف أبو بكر الصديق يقدم إجابة واضحة وهي أن الإيمان لا يتناقض مع العقل، لكنه أيضًا لا يخضع له بالكامل، بل يتجاوزه نحو أفق أوسع، حيث يدرك الإنسان أن عجزه عن الفهم لا يعني استحالة الأمر، بل يعني فقط أنه لم يصل إلى مستوى الإدراك الكامل بعد، فلذلك يكمل هذا النقص المعرفي بما يخبره به الله من خلال أنبيائه ورسله للعوالم الغيبية، التي لا يصلها العقل.

هذه النظرة الأوسع والأشمل تجعل المؤمن في حالة يقين وطمأنينة واستقرار وأن كل ما يقع في هذه الأرض من أحداث ومواقف، تقع في ملك الله وقدرته وجبروته، وهي تحت عنايته وتدبيره للأمور، وعلى الإنسان أن يسلم بمواقع القدر، ويستقبل الحوادث بصدر رحب، فيرحب بأقدار الله ويعلم علم اليقين أن العاقبة للمتقين.

مقالات مشابهة

  • الدكتور أحمد عمر هاشم خطيبًا لصلاة الجمعة في افتتاح مسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم
  • أحمد محمد إبراهيم يحصد فضية بطولة الجمهورية للجودو
  • حادثة الإسراء والمعراج وإيمان أبو بكر الصديق
  • الماجستير بإمتياز للباحث عبدالمجيد العلوي في الإدارة والتخطيط التربوي
  • باحث يعلق على الاتصال الهاتفى بين وزير الخارجية المصرى ونظيره الأمريكي
  • على غرار جعفر العمدة.. عصام السقا يقدم دور الصديق الوفي بـ «فهد البطل» رمضان 2025
  • عاجل| مصادر للجزيرة: اجتماع موسع للفصائل العسكرية والثورية برئاسة أحمد الشرع يعقد بعد قليل في قصر الشعب
  • أحمد فهمي يتحدث عن أزمته الصحية وتجربة عملية القلب المفتوح
  • رئيس الوزراء: أتابع تغريدات رجل الأعمال النشط نجيب ساويرس
  • معرض الكتاب 2025.. الصالون الثقافي يحتفي بمئوية الدكتور أحمد عبد الرحيم مصطفى