سبيلنا فى الدعوة إلى الله عز وجل هو ما أرشدنا إليه الحق سبحانه، حيث يقول فى كتابه العزيز: «أدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»، ويقول سبحانه: «قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ»، ويقول سبحانه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»، ويقول سبحانه: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ»، ويقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ فى شَىءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شَىءٍ إلَّا شانَهُ»، فالداعية للمدعو كالأب الحانى على أبنائه، ليس بفظ ولا غليظ، مدرك أن رسالته هى النصح والبيان وليس التأنيب ولا العقاب، وقد اشترطوا لإزالة المنكر ألا يكون بمنكر مثله أو أشد منه.
وقد ضرب لنا نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) أعظم المثل فى الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن ذلك ما كان منه (صلى الله عليه وسلم) مع سيدنا معاوية بن الحكم السلمى (رضى الله عنه)، إذ يقول ذلكم الصحابى الجليل: «بَيْنَما أَنَا أُصَلِّى مَعَ رَسُولِ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ الله, فَرَمَانِى الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ؛ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِى، لَكِنِّى سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَبِأَبِى هُوَ وَأُمِّي؛ مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ؛ فوالله: مَا كَهَرَنِى، وَلَا ضَرَبَنِى، وَلَا شَتَمَنِى، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» (صحيح مسلم).
وعَنْ أَنَسٍ بن مالك (رضى الله عنه) قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، قَالَ: وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى مَعَ رَسُولِ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّى أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ الله، قَالَ: «هَلْ حَضَرْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «قَدْ غُفِرَ لَكَ»، وفى رواية قال: «فَإِنَّ الله قَدْ غَفَرَ لَكَ حَدَّكَ، أَوْ قَالَ: «ذَنْبَكَ» (صحيح مسلم).
وفى مدرسته صلى الله عليه وسلم تعلم سبطاه الحسن والحسين رضى الله عنهما أدب الدعوة إلى الله، وعرفا طريقها الصحيح من الحكمة والموعظة الحسنة، إذ تذكر بعض المصادر أنهما رضى الله عنهما وجدا رجلا لا يحسن الوضوء فأرادا تعليمه، ولكنهما كانا حريصين على عدم إحراجه، فاتفقا على حيلة، فقال أحدهما: يا عماه، اختلفت أنا وأخى أينا يحسن الوضوء أفضل من أخيه ونريدك حكمًا بيننا، فتوضأ الحسن فأحسن الوضوء، وتوضأ الحسين فأحسن الوضوء، فقال الرجل كلاكما يحسن الوضوء وأنا الذى لا أحسنه.
رسالتنا أن نيسر على الناس ولا نشق عليهم بما ينفرهم منا أو من دين الله عز وجل، يقول نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّما بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ولَمْ تُبْعَثوا مُعَسِّريْنَ» (مسند أحمد).
فمهمة العلماء هى البلاغ والبيان والتعليم، لا التأنيب ولا التعنيف، أو السخرية من السائل أو المدعو، والحرص الشديد على عدم إحراج السائل أو المستفتى، وحفظ سره وأمانته، وعدم فضحه بسؤاله أو طلبه التوبة، فما دفعه للسؤال إلا خوفه من الله عز وجل، ولنتعلم من سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما لمز أحد الناس المرأة الغامدية التى كان يقام عليها حد الزنا، فقال صلى الله عليه وسلم: «قَدْ تَابَتْ تَوْبةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْن سبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المدِينَةِ لوسعتهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنفْسهَا للَّهِ»؟ (صحيح مسلم).
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: صحيح مسلم أ د محمد مختار جمعة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم صلى الله علیه وسلم ى الله ع ل ی ه الله عز وجل رضى الله
إقرأ أيضاً:
مفهوم الصدقة الجارية ومصارف أنفاق الأموال
كشفت دار الإفتاء المصرية، برئاسة الدكتور نظير عياد مفتي الديار، عن مفهوم الصدقة الجارية، وهى الصدقة المستمرة للأجيال المتعاقبة، لا لجيل واحد، والمتعدية للعديد من الأشخاص، لا لشخص واحد.
وقالت الإفتاء إن من أبواب الصدقة طباعة المصاحف، وكتب العلم النافع، وبناء المساجد، والمدارس، والمستشفيات، والمقابر للمحتاجين، وتوصيل الماء والكهرباء والخدمات للمحرومين، وإقامة جمعيات خدمية وتطوعية للزواج، وحل مشكلات الناس، وتوصيل احتياجاتهم للمسؤولين وما شابه، ممَّا يُحقّق غرض الدوام والتعدية.
مصارف إنفاق أموال الصدقات
روى العلامة البلاذري في "فتوح البلدان" (ص: 131، ط. دار ومكتبة الهلال)، قال: [حدثني هشام بن عمار أنه سمع المشايخ يذكرون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند مقدمه الجابيةَ من أرض دمشق، مر بقوم مُجذَّمين من النصارى، فأمر أن يُعطَوْا من الصدقات، وأن يجري عليهم القوت] اهـ.
وعن جابر بن زيد: أنه سئل عن الصدقة فيمَن توضع؟ فقال: "في أهل المسكنة من المسلمين وأهل ذمتهم"، وقال: "قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم في أهل الذمة من الصدقة والخمس" أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف".
وقال الإمام القرطبي المالكي في "تفسيره" (3/ 338، ط. دار الكتب المصرية): [وقال المهدوي: رخص للمسلمين أن يعطوا المشركين من قراباتهم] اهـ.
فالاختلاف في الدين لا ينبغي أن يكون مانعًا من أسباب الود والرحمة بين الناس؛ لأنه سنة كونية أرادها الله تعالى؛ قال سبحانه: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 99].
وإعطاء الصدقات لغير المسلمين من قبيل التعاون والاستباق في الخير بين الأمم المختلفة في الدين؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [المائدة: 48].
وقال العلامة ابن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 261، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وصحَّ دفع غير الزكاة إلى الذمي واجبًا كان أو تطوعًا؛ كصدقة الفطر، والكفارات، والمنذور؛ لقوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (4/ 195، ط. دار الكتب العلمية): [(و) تحل -أي: صدقة التطوع- لغير المسلم] اهـ بتصرف يسير.