يعد مذهب الامام مالك من أشد المذاهب وطأة وقسوة وضراوة على شاربى الخمر فى إثباتها وعقوبتها، فهو يحرمها بجميع أنواعها ومصادرها، قليلها وكثيرها وما أسكر منها وما لم يسكر فى مقابل مرونة مذهب الإمام أبي حنيفة الذى لا يتخذ نفس الموقف المتشدد فصار ما قاله مالك فى تحريم الخمر مضرب الأمثال فى شدة المقت والرفض.
وهكذا كان هجاء الإخوان للسيسى الذى فاق كل الحدود والتوقعات من جماعة تدعى أنها ربانية رسالتها استعادة الأخلاق الحميدة للمجتمع الجاهلى!! بينما واقع الأمر أنها تجاوزت كل الخطوط الحمراء الشرعية والغير شرعية لدرجة أن سلوكها المعيب كان محلاً للتهكم والانتقادات من المنتمين للتيار المتأسلم الذين كانوا يذكرونهم بصحيح الدين وأن المؤمن ليس سباباً أو لعنا وأنّ النبى الكريم وصف المنافق بثلاثة خصال واحدة منها إذا خاصم فجر، فمنذ أن أعلن السيسى انحيازه للشعب فى 30 يونيو لم يسلم هو وعائلته من أحطّ أنواع العنف اللفظى الذى وصل من التدنى إلى قاع الفحش الرخيص الذى يستحى المرء من الإشارة إلى فحواه ومعناه، فكان الأخوة الأتقياء والأخوات الفضليات يرددون هذه العبارات المسيئة والألفاظ الخادشة للحياء بمنتهى الأريحية، بل ويكتبونها على الجدران واللافتات وصفحات التواصل الاجتماعى، بالطبع خرج الصراع من دائرة جعل كلمة الله هى العليا إلى حضيض التشفى والانتقام الشخصى من رجل قضى على أحلام وأوهام الخلافة وأستاذيه العالم، لذا تم إطلاق سيل من الشائعات والافتراءات والبهتان بغية الاستهزاء والتحقير لكسر هيبة ولى الأمر فى نفوس الناس وهذا لو تعلمون عظيم، فقد اتهموه بكل نقيصة وقبيح فى الشرف والأعراض.
اللافت أن الأذرع الإعلامية للإخوان التى تعمل بتوجيهات من أجهزة استخبارات أجنبية لم تستطيع استهداف ذمة الرئيس المالية وعائلته حتى الدرجة الرابعة بالرغم من حجم الأموال الطائلة التى أنفقت فى المشروعات الكبيرة فلم يجدوا شبهة فساد مالى واحدة سواء بتلقى رشاوى أو عمولات أو تخصيص أراضى أو تلاعب فى البورصة أو حتى بادعاء وجود حسابات بنكية فى الخارج أو تحويل أموال كما فعلوا مع مبارك.
ببساطة يستطيع أى معارض لطريقة حكم الرئيس الجدل والطعن فى رؤيتة السياسية أو خططه الاقتصادية أو جدوى مشروعاته العديدة، لكن ذمته المالية ليست محل نقاش وكذلك شرفه العسكرى فلم يتورط مطلقا فى دماء المصريين بل كانت مهمته الاساسية وإنجازه الأعظم هو تجنيب البلاد ويلات الحرب الأهلية، فقد صبر على الممارسات والتصرفات العدوانية للإخوان وحلفائهم وتعامل معها بحكمة وحصافة أثناء انتهاكات الاعتصامات المسلحة فى رابعة والنهضة التى كانت تدعو للفوضى وحرق البلد، حتى عندما اتخذ قرار الحرب الشاملة على الإرهاب فى سيناء كان يستطيع القضاء عليها بسرعة كبيرة إذا تم ضرب معاقل الإرهابيين بالطيران الحربى كما يفعل الآخرون، لكنه كان يرفض بشدة حفاظاً على أرواح المدنيين الأبرياء وتحمل الجيش خسائر بشرية فادحة من الضباط والجنود وتكلفة اقتصادية باهظة.
ينتقد بعض المتحزلقين من النخبة مهارات السيسى الخطابية التى ليست بجودة إلقاء مبارك أو بلاغة وفصاحة السادات أو كاريزما وحماس عبدالناصر، لكن السيسى لا يهتم كثيرا بهذه النقطة الشكلية ويكون تركيزه منصب على أن تصل رسائله إلى من يهمه الأمر من المواطنين البسطاء أو الجهات الخارجية المتورطة فى الشأن المصرى وما أكثرهم، فحديثه الأخير فى الكاتدرائية عن أسباب سقوط الدول فى براثن الفوضى والانهيار، شرح بطريقة مهذبة وغير مباشرة كعادته فى عدم التدخل فى شئون الآخرين أسباب السقوط الدراماتيكى لنظام بشار الأسد الذى غاص هو وأبوه وعمه وأخيه فى دماء شعبهم حتى الثمالة وسرقوا ونهبوا ثروات سوريا بواسطة إمبراطور الاقتصاد، رامى مخلوف، ابن خال الرئيس، تلك هى العوامل الجوهرية التى دفعت شعبه وطائفته للتخلى عنه فهرب فى ظلام الليل كلص خائف فى طائرة محملة بمليارات الدولارات.
توارت تونس عن الأنظار بعدما فشلت تجربتها فى تقديم نموذجا للديمقراطية على الطريقة الأطلسية وتركت شريدة وحيدة تفترسها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، أدرك عندئذ شعبها الواعى حجم المؤامرة الخبيثة، لذا قرر الغرب إخراج المارد الداعشى من القمقم الذى صنع فى أسطنبول بتخطيط إسرائيلى وإشراف أمريكى ومباركة خليجية نكاية فى نظام الملالى فى طهران، وأولئك الجمع يهددون ويتوعدون مصر بمصير سوريا، عليهم أولاً أن يقرأوا التاريخ مرة أخرى فشعبها مؤمن بأن من يحميها ليس الرئيس أو الجيش وإنما الله الحفيظ العليم الذى قال «ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: البورصة السيسي 30 يونيو الأزمات الاقتصادية والاجتماعية
إقرأ أيضاً:
دقائق ملطخة بالدماء.. تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة "بودى" شهيد الغدر بالشرابية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
فى حى الشرابية الشعبي، شمال القاهرة، تحولت بهجة عيد الفطر إلى مأتم مفجع، بعد أن اغتيل الشاب عبد الرحمن أيمن زكي، البالغ من العمر ١٧ عامًا، والمعروف بين جيرانه بـ"بودي"، بطعنة نافذة فى الرقبة أمام أعين المارة، الجريمة المروعة وقعت فى شارع درب السكة بمنطقة عزبة بلال، لتخيم حالة من الحزن والغضب على الحى بأكمله.
لم يكن "بودي"، طالب الصف الثانى الثانوي، يعلم أن محاولته الشجاعة لتهدئة نزاع مسلح بين عائلتين ستكون السبب فى نهايته المأساوية، فشهامته التى دفعه إليها خوفه على سلامة أبناء منطقته، قوبلت بغدر وحشى أزهق روحه البريئة فى لحظة.
بدأت الدقائق الأخيرة فى حياة عبد الرحمن عندما خرج من منزله فى ثالث أيام العيد متوجهًا إلى متجر بقالة قريب لشراء بعض المستلزمات.
والده، الذى قطع إجازة العيد وعاد من عمله، يروى بحسرة: "لقيت عبد الرحمن صاحى وفرحان بلبس العيد.. كان لابس ترينج أسود جديد، بيضحك وبيقولى يا بابا هجيبلكوا تسالى علشان نقعد سوا.. وأخته ندى كانت جاية تزورنا، وكان مبسوط جدًا بالتجمع العائلى فى أجواء العيد".
لكن الفرحة لم تدم طويلًا، فبينما كان "بودي" فى طريقه إلى السوبر ماركت، تصادف مع مشاجرة دامية بين عائلتين بسبب خلافات سابقة، وبدافع من شجاعته، توجه إلى أحد الشباب المتورطين فى الشجار، والذى كان يحمل سلاحًا أبيض وخرطوشًا، قائلًا له: "أنت لسه خارج من السجن وداخل تتخانق تاني؟" وحاول إقناعه بالعدول عن العنف.
لكن نصيحة "بودي" قوبلت بغضب هستيري، الشاب، الذى تبين لاحقًا أنه يحمل نفس اسم المجنى عليه الأول، "عبد الرحمن أشرف سعد" وكذا يكاد يتفق فى نفس اسم شهرته "بودا"، ولكن شتان الفارق بين الاثنين.
فالمتهم صاحب السجل الإجرامى الحافل ثار فى وجه المجنى عليه "بودي" ووجه إليه وابلًا من الشتائم، ثم أطلق عليه خرطوشًا، لكن لسوء حظ الضحية، كانت الطلقات قد نفدت بالفعل بسبب كثرة إطلاق النار فى المشاجرة.
عندها، أصر المتهم على إحضار "سنجة" وباغته بطعنة قاطعة فى الرقبة، ليسقط "بودي" على الفور غارقًا فى دمائه وسط صرخات المارة الذين شاهدوا الجريمة المروعة.
المتهم له سجل اجراميلم يكن المتهم "بودا" غريبًا على أهالى الشرابية، فهو معروف بسجله الإجرامى المليء بالسوابق، وكان مصدر قلق دائم للكثيرين، إحدى الجارات، التى فضلت عدم ذكر اسمها خوفًا من بطشه، أكدت: "إحنا اشتكينا منه كذا مرة.. بس محدش كان بيعمل حاجة.. كل مرة يطلع من السجن ويرجع أسوأ من الأول".
صور "الملاك" بملابس العيد تشعل الحزن على السوشيال ميدياانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى صور مؤثرة للضحية عبد الرحمن، يرتدى فيها الترينج الأسود الذى كان يرتديه فى آخر لحظات حياته، مبتسمًا ببراءة لم يكن يعلم أنها ستكون الأخيرة.
دموع الأم المصدومة ورجاء الأب المكلوم.
فى مسرح الجريمة، حيث بدأت تتكشف ملابسات الواقعة التى هزت الرأى العام، كانت دموع الندم والحسرة هى اللغة السائدة، والدة عبد الرحمن لم تستطع النطق أو الحركة من هول الصدمة، لم تتمكن سوى من تكرار سؤال واحد يمزق القلوب: "لماذا قتل ولدي؟ إنه كان طفلًا صغيرًا".
أما الأب، الذى بدا عليه الإعياء والقهر، تحدث بصوت خافت: "كان ابنى البكري، وبرغم صغر سنه كان يعولنى أنا وأمه وإخوته الصغار، كان ظهرى وعكازى فى الحياة، لماذا حرمونى منه؟ لم أشبع منه، ولم أكن أتوقع يومًا ما أن أراه غارقًا فى دمائه، إنه كان ملاكًا بين البشر".
وختم حديثه برجاء ملح: "أريد القصاص، وأنا واثق فى عدالة القضاء المصري. أطالب بأقصى عقوبة للمتهم الذى سلب منى أعز ما أملك".
حلم العيدية المبتور ووداع بنظرة أخيرة
الشقيقة الصغرى لعبد الرحمن روت بقلب دامٍ كيف كان شقيقها يستعد لفرحة العيد، حيث أحضر أوراقًا نقدية جديدة ليوزعها كعيدية على الأطفال، لكن القاتل لم يمهله ليحقق هذه الفرحة.
وأشارت إلى طيبة قلبه وحبه للآخرين، قائلة إنها تتذكر نظرته الأخيرة إلى السماء وابتسامته وتقبيله لهم جميعًا، وكأنه كان يشعر بنهاية قريبة، عندما سألته: "إيه؟ أنت مسافر ولا إيه؟ ده أنت رايح تجيب عيش من ع الناصية وجاي"، ابتسم وقال لها: "خدى بالك من نفسك" لم تكن تعلم أنها كانت وصيته الأخيرة.
بعد وقت قصير، وصلهم خبر إصابته ونقله إلى المستشفى، لكن سرعان ما تحولت الطمأنينة إلى فزع وحزن عندما رأوا جسده الغارق فى الدماء على سرير المستشفى، وروحه قد صعدت إلى بارئها.
وختمت حديثها بالبكاء: "عايزة حق أخويا من اللى قتله، أخويا كان ملاك بين البشر".