هذا الكتاب المعنون بـ«منهج تجديد الخطاب الدينى» لمؤلفه د. جمال رجب سيدبى أستاذ الفلسفة الإسلامية ونائب رئيس جامعة السويس الصادر عن دار نيوبوك للنشر والتوزيع يعالج قضية شغلت العقل الإسلامى المعاصر، والمثقف بشكل عام، كما يقول المؤلف، وقد سلط الضوء على مصطلح تجديد الخطاب الدينى محاولا تحريره مما أصابه من غبش، وفى علاقته بالدعوة الإسلامية، وأشار المؤلف فيه إلى جدلية العلاقة بين النص والعقل عند علماء أصول الاعتقاد وركز بصفة خاصة على الثوابت والمتغيرات أو القطعى والظنى وأن مجال الظنيات هو الباب الواسع لمفهوم الاجتهاد بأجلى معانيه، وألمح إلى ضوابط الاجتهاد المعاصر.
كما عالجت الدراسة قضية تجديد الخطاب الدينى عند أعلام ومفكرى العرب والإسلام فى العصر الحديث والمعاصر مثل جمال الدين الأفغانى، والشيخ محمد عبده وقاسم أمين خاصة موقفه النقدى من قضية تحرير المرأة، محمد إقبال وموقفه النقدى من الفلسفة والتصوف، بديع الزمان(سعيد النورسي) وموقفه النقدى والتجديدى من الحضارة الغربية، مالك بن نبى وفلسفته الإصلاحية، ولى العهد البريطانى (الأمير تشارلز) وموقفه الإيجابى من الحضارة الإسلامية (نموذج للفكر الغربى المعتدل). ويضيف المؤلف: هذا الكتب نبتت فكرته فى نفسى منذ ما يقرب من عشرين عامًا أو يزيد، وأردت أن أقدم رؤيتى حول هذه القضية بمنهج نقدى تجديدى يعمد إلى الوسطية والاعتدال فى معالجة القضايا والمشكلات أو بالأحرى كانت المرجعية الإسلامية متمثلة فى القرآن والسنة وهما المرجع والأساس فى النظر إلى جل الموضوعات التى قد عالجتها. وقد قسمت الكتاب إلى ثمانية فصول الأول حول إلقاء الضوء على مصطلح تجديد الخطاب الدينى، والثانى يطرح القضية عند مفكرى العصر الحديث، والثالث يطرح قضية تحرير المرأة بين عصر النبوة وقاسم أمين بنظرة نقدية تجديدية. والفصل الرابع قدم رؤية جديدة لأفكار محمد إقبال من خلال كتبه وأشعاره، أما الخامس فبعنوان الإمام بديع الزمان سعيد النورسى وموقفه النقدى التجديدى، وفى الفصل السادس ناقشت أفكار العلامة مالك بن نبى وفلسفته الإصلاحية والتجديدية، والسابع بعنوان الإسلام والآخر، أما الفصل الأخير فهو بعنوان الإسلام والغرب. والدراسة فى مجملها تضع المعالم والضوابط لمنهج تجديد الخطاب الدينى برؤية نقدية جديدة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: من مكتبة اقرأ ونائب رئيس جامعة بشكل عام بصفة خاصة
إقرأ أيضاً:
عبد العزيز الحلو في لقائه مع قناة “الحدث”: خطاب بين الثورة والمأزق
في مقابلة مثيرة للجدل مع قناة "الحدث"، رسم عبد العزيز الحلو، قائد الحركة الشعبية – شمال، ملامح خطابه السياسي الراهن، الذي جاء مشبعًا بأفكار إعادة التأسيس، لكنه لم يخلُ من التناقضات والتحديات الكامنة. وقد تنقل الحلو بين قضايا تتصل بجوهر الدولة السودانية، وتاريخها الدموي، وتحالفاتها الراهنة، وملامح المستقبل الذي يطرحه، وهو ما يستدعي قراءة تحليلية متأنية لمضامين الخطاب ودلالاته.
وثيقة التأسيس: عقد اجتماعي جديد أم مظلة لتحالفات متناقضة؟
يبدأ الحلو بتقديم ما أسماه "وثيقة تأسيس السودان الجديد"، بوصفها عقدًا اجتماعيًا يهدف إلى إعادة تشكيل النظام السياسي. تقوم الوثيقة على ثلاث دعائم رئيسية:
فصل الدين عن الدولة (العلمانية).
توحيد الجيوش عبر دمج المليشيات في جيش قومي مهني.
تطبيق لا مركزية حقيقية تُنهي هيمنة المركز على الأطراف.
غير أن اللافت في الخطاب، هو محاولة الحلو ربط هذه المبادئ الثورية بالتحالف مع قوى ذات سجل دموي، مثل قوات الدعم السريع، التي اعتبرها جزءًا من "الهامش" الموقع على الوثيقة، ما يطرح تساؤلات حول مدى التزام الموقعين الحقيقي بهذه المبادئ.
إدانة الجيش وتبرئة نسبية للدعم السريع
في سرده للتاريخ الدموي للصراع السوداني، وجّه الحلو سهام النقد العنيف للجيش السوداني، وخصّ حقبة التسعينيات باتهامات جسيمة، منها مجازر المساليت في 1992، مذكّرًا بأسماء قيادات عسكرية بارزة مثل محمد عثمان الدابي وعبد الفتاح البرهان.
لكن الأكثر إثارة للجدل، كان قوله إن انتهاكات الدعم السريع تمت "بأوامر من الجيش"، محاولًا تحميل المؤسسة العسكرية كل تبعات جرائم الحرب، بما فيها تلك التي ارتكبتها قوات حميدتي، والتي وثقتها منظمات دولية بشكل مستقل.
وبرغم توقيع الدعم السريع على وثيقة تلزمه بالمحاسبة، فإن تبرير الحلو لتحالفه معها باعتبارها "جزءًا من الهامش المهمش" لا يمحو تورطها العميق في جرائم دارفور وتجنيد الأطفال. فهل هو تحالف تكتيكي لموازنة قوة الجيش، أم مجازفة أخلاقية وسياسية ستكلفه الكثير؟
النقد الجذري للنظام القديم: الكيزان في مرمى النار
أعاد الحلو تعريف الجيش باعتباره الحارس الأخير للنظام القديم، ذي الخلفية الإسلامية، مشيرًا إلى أن الإسلاميين "استخدموا الدين كسلاح لقمع الأطراف". وتحت هذا التوصيف، جاء نقده لحكومة بورتسودان، التي وصفها بأنها:
تتبنى خطابًا تمييزيًا (مثل قانون الوجوه الغربية).
تعيد إنتاج مشروع "مثلث حمدي" الانفصالي.
توظف الدين في الحرب، كما في فتوى عبد الحي يوسف بقتل "ثلث الشعب".
وبذلك، رسم الحلو صورة لحكومة تسعى إلى إعادة إنتاج السودان القديم، في مقابل مشروعه للسودان الجديد القائم على العلمانية واللامركزية.
المستقبل كما يراه الحلو: بين الواقع والطموح
رؤية الحلو لمستقبل السودان ترتكز على تأسيس دولة مدنية علمانية، تعترف بالتعدد الإقليمي والإثني، وتضمن حكمًا لا مركزيًا حقيقيًا. ويقدم نموذج إدارات الحركة الشعبية في النيل الأزرق وجنوب كردفان كمثال على هذا التصور.
لكنه حذر من امتداد الحرب شرقًا نحو بورتسودان ومروي، ما لم تفتح الحكومة الباب أمام حل سلمي، وهي إشارة ضمنية إلى خيار الحرب الشاملة كأداة ضغط سياسي.
نقاط الإشكال: بين خطاب الحقوق وتحالفات الدم
التحالف مع الدعم السريع:
يحاول الحلو أن يلبس الدعم السريع ثوب الضحية، متجاهلًا دوره الأساسي في جرائم دارفور. الخطورة هنا أن التحالفات القائمة على المظلومية المشتركة قد تتحول إلى شراكة في العنف، لا مشروع للتحرر.
المغالطات الرقمية:
القول بمقتل "أربعة ملايين سوداني" على يد الجيش يفتقر للدقة، إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى 300 ألف قتيل في دارفور، ومليوني نازح. استخدام الأرقام بهذا الشكل يُضعف من مصداقية الخطاب حتى لو حمل في طياته كثيرًا من الحقائق التاريخية.
الخطاب الانتقائي:
رغم نبرة العدالة والمحاسبة، لم يقدّم الحلو مراجعة ذاتية لسلوك الحركة الشعبية في مناطق سيطرتها، وسط اتهامات بارتكاب انتهاكات في جبال النوبة. العدالة الانتقائية تُقوّض أي مشروع وطني حقيقي.
السياق الأوسع: الهامش ضد المركز أم تفتيت الدولة؟
يرتكز خطاب الحلو على سردية "الهامش المظلوم" ضد "المركز المتغطرس"، وهو ما يبرر، في نظره، التحالف مع قوى مثل الدعم السريع. لكن هذا المنطق يُهدد بتحويل السودان إلى أرخبيل من المليشيات، لا دولة موحدة.
وإذا نظرنا إلى الخارطة الراهنة:
الدعم السريع يسيطر على أربع ولايات.
الحركة الشعبية تدير منطقتين.
حكومة بورتسودان تمسك بالشرق.
فنحن أمام واقع أقرب إلى تفتيت فعلي للدولة، حتى دون إعلان رسمي للانفصال.
دور المجتمع الدولي: غياب التوازن
اتهم الحلو الأمم المتحدة بالتغاضي عن جرائم الحرب، في إشارة إلى تعاملها المستمر مع الجيش كشريك سياسي. وهو نقد يعكس فجوة بين الخطاب المحلي والدعم الدولي، الذي غالبًا ما يتعامل ببراغماتية تحكمها توازنات القوى لا مبادئ العدالة.
خلاصة: خطاب ثوري في مأزق سياسي
يحاول عبد العزيز الحلو في خطابه أن يقدم نفسه كمحور لمشروع وطني بديل، يتجاوز الإسلام السياسي، والهيمنة المركزية، والانتهاكات الممنهجة. لكن مشروعه يصطدم بتحالفاته الهشة، وخطابه الانتقائي، والمشهد الجغرافي المفكك.
يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لثورة الهامش أن تنجح، إذا ما تبنّت أدوات النظام الذي ثارت عليه؟
zuhair.osman@aol.com