هل سلم لبنان القرضاوي للإمارات لاعتبارات سياسية أم قانونية؟
تاريخ النشر: 9th, January 2025 GMT
أثار قرار تسليم لبنان الشاعر المصري التركي عبد الرحمن القرضاوي للإمارات وسرعة تنفيذه جدلا واسعا حول أسباب هذا القرار وما إذا كان تم لأسباب سياسية أم وفقا لأسس قانونية سليمة.
وكان مجلس الوزراء اللبناني وافق على ترحيل القرضاوي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقام بذلك الأربعاء، وذلك بعد طلب رسمي إماراتي بتهمة التحريض عليها.
وعلى الرغم من المطالبات الحقوقية بعدم ترحيله وتسليمه للإمارات، إلا أن الحكومة اللبنانية تجاهلت هذه المطالبات، علما أن حقوقيين قدموا أدلة على أنه قد يتعرض للتعذيب هناك.
"ابتزاز اقتصادي"
وأثار التسليم السريع للقرضاوي الجدل والاستغراب، كونه تم سريعا دون منح محاميه الوقت الكافي للطعن ضد قرار الترحيل، والذي كان قد قدم طلبا لوقف تنفيذ قرار مجلس الوزراء بترحيل الأخير إلى الإمارات أمام قاضي الأمور المستعجلة، كما أنه بدأ بتقديم طعن بمجلس شورى الدولة، إلا أن الحكومة نفذت قرار الترحيل بشكل مستعجل.
الباحث في العلاقات الدولية بكر البدور يرى أن "الترحيل بهذه السرعة تم لعدة أسباب، أولا، رغبة ميقاتي بالتصرف قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، ونستدل على ذلك بقفز الحكومة اللبنانية على كثير من الإجراءات القانونية وتجاوزها".
وتابع البدور في حديث خاص لـ"عربي21"، "وأما السبب الثاني، فهو عدم رغبة ميقاتي بإتاحة فرصة أمام المتعاطفين مع القرضاوي في لبنان وغيرها للقيام بفعاليات واحتجاجات وضغوطات قد تحول دون تسليمه وهذا ينسجم مع الاستنتاج الأول".
ويعتقد أن "الظروف العامة في لبنان وخاصة الاقتصادية تجعل رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي عرضة للابتزاز والترغيب والترهيب، خاصة اذا كان الطرف المقابل دولة خليجية والكل يتذكر أزمة وزير الإعلام اللبناني السابق".
وأما السبب الأخير، وفقا للبدور، "فهو الرغبة المصرية أو على الأقل عدم الممانعة المصرية من التسليم خاصة وأن القرضاوي مصري الجنسية، وربما كانت مصر ستطلب تسليمه لها اذا لم يُسلم للإمارات".
وحول ما إذا كان التسليم تم لاعتبارات سياسية، قال البدور، "في عالم السياسة كل شيء متوقع، وبالتالي في العلاقات الدولية يتم الموازنة بين الدول الضاغطة حسب نفوذها والمصلحة معها، ودول الخليج لها نفوذ كبير في لبنان".
"مأزق سياسي وقانوني"
من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، إبراهيم حيدر، إن "عبدالرحمن القرضاوي كان يدخل إلى لبنان في فترات سابقة ولم يتم توقيفه، فجاء توقيفه مؤخرا بطريقة مفاجئة، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وبالتالي وضع لبنان نفسه أمام مأزق، نظرا لمطالبة دول عدة بتسليم القرضاوي لها، وأخرى طالبت بإطلاق سراحه".
وفي حديثه لـ"عربي21"، يرى حيدر أنه "ليس بالضرورة أن تكون هناك خلفيات سياسية للموضوع، ولكن بالتأكيد توقيف عبد الرحمن القرضاوي جاء في لحظة تقاطع معينة مرتبطة بالتطورات التي حدثت في المنطقة ومنها سوريا، وبالتالي وجد لبنان بعملية الاعتقال هذه نفسه في مأزق".
ولفت إلى أن "عملية الخروج من هذا المأزق كانت عملية صعبة، وبالتالي السلطة في النهاية قررت تسليمه للإمارات، بالطبع لا أدري ما هي الاعتبارات والخلفيات لقرار التسليم، حيث لم تقدم الحكومة تفاصيل حول هذا القرار، ولكن يبدو أن القرار أُتخذ كنوع من تسوية معينة بعدم تسليمه لمصر وفي ذات الوقت عدم إطلاق سراحه".
وحول ما هي التسوية التي يعتقد أنه تمت، قال حيدر "أعني أنها تسوية تجاه العلاقات مع الدول سوءا التي طالبت بتسليمه أو التي طالبت بإطلاق سراحه".
وأضاف، "النقطة الأساسية التي يجب الإشارة إليها بصرف عن النظر عن الموقف السياسي من عبد الرحمن القرضاوي، مجرد اعتقاله كانت لحظة تقاطع معين أدى إلى إرباك داخل السلطة اللبنانية ذاتها".
ويكمل، "بالتالي قرار تسليمه للإمارات وبما يحيط حوله ربما يكون نتج عن نوع من الاتصالات قد تحدث بين الإمارات من جهة وقطر وتركيا من جهة أخرى، وبالتالي ربما على هذا الأساس صدر قرار التسليم".
وحول ما إذا كان قرار الاعتقال لاعتبارات سياسية أم لا، قال حيدر، "يعني بالتأكيد أي عملية اعتقال لها اعتبارات سياسية، بصرف النظر عن الشق القضائي في الموضوع أو الاتهامات الموجهة للقرضاوي".
وتابع، "لكن اعتقد أن مجرد القول بأن عبد الرحمن القرضاوي كان يدخل إلى بيروت ولم يتم اعتقاله سابقا، يعني ذلك أنه بمجرد اعتقاله تدخل هنا الاعتبارات السياسية، أيضا تدخل هنا تقاطعات معينة في لحظة التغيير الذي حدث في سوريا وبالمنطقة ككل".
وخلص بالقول، "أعتقد أن لبنان بمجرد اعتقاله للقرضاوي أدخل نفسه في مأزق معين أمام مجموعة من الدول، بعضها يطالب بتسليمه لها، وبعضها الأخر يطالب بإطلاق سراحه، وبالمحصلة هناك اعتبارات سياسية للاعتقال ولقرار التسليم، وبالتالي هنا يبرز تساؤل حول ما إذا كان لدى لبنان معلومات حول أن تسليمه يُشكل تسوية ما لاتصالات لاحقة قد تحصل بين دول معينة وبالتالي تحل ملف القرضاوي".
"ترحيل غير قانوني"
وفور حدوث الترحيل والتسليم للإمارات طالب حقوقيون وكتاب ونشطاء بمقاضاة الحكومة اللبنانية، بسبب القرار الذي اعتبروه أنه غير قانوني وجائر.
ودعا الحقوقيين لمحاكمة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، خاصة أنهم يتوقعون أن الحكومة الإماراتية ستقوم بتعذيب الشاعر عبد الرحمن القرضاوي.
كذلك، أثارت سرعة إنجاز قرار الترحيل تساؤلات حول قانونيته، خاصة أن القرضاوي لا يحمل الجنسية الإماراتية وأن الترحيل تم على عجل، أيضا تثير مطالبات النشطاء بمقاضاة لبنان تساؤلات حول إمكانية ذلك قانونيا.
الخبير في القانون الدولي إسماعيل خلف الله، أكد أن "تسليم الشاعر عبد الرحمن القرضاوي للإمارات هو تسليم باطل، لأسباب عديدة، أولا، هو لا يحمل الجنسية الإماراتية، ثانيا هو غير ملاحق سابقا وليس عليه أحكام قضائية في الإمارات، ولهذا كان تسليمه لها أمر مُستغرب خاصة أن الأسس القانونية لهذا القرار غير متوفرة".
وتابع خلف الله في حديث خاص لـ"عربي21"، "أيضا القضية تمت بشكل سريع، فمن الناحية الإجرائية ما هي الإجراءات التي تتم بهذه السرعة؟ ولهذا برأيي التسليم كان سياسي، وهذه القضية سياسية بامتياز، كذلك القرار يفتقد للأسس القانونية، فهو لم يكن ملاحق قضائيا أو تمت محاكمته في الإمارات منذ فترة طويلة، وإنما التهمة التي وُجهت له كانت حديثة جدا".
وحول الحديث بأن قرار التسليم تم وفقا لاتفاقية الرياض قال خلف الله، "اعتقد أن العمل وفق هذه الاتفاقية يجب ان يستند إلى أسس قانونية، بمعنى أين دور القانون هنا في هذه القضية؟".
وتابع، "هم حاولوا تبرير تسليمه بأنه تم على أساس هذه الاتفاقية، ولكن قرار التسليم يناقض المواثيق القانونية الدولية الموقع عليه لبنان، حيث الأولوية للاتفاقيات الدولية الخاصة بتجريم التعذيب وليس لاتفاقية الرياض".
وأوضح خلف الله أن "إجراءات الترحيل تمت بسرعة ولم تقم على أسس قانونية صحيحة، حيث لم يتم منح الوقت للطعن والاستئناف القانوني على قرار التسليم، كذلك الدولة المُرحل لها هي غير مختصة في الجانب القضائي، لأن الرجل ليس إماراتي، وهو أصلا دخل لبنان بجواز سفره التركي".
وتابع "حتى في حال كان قرار الترحيل قانوني يجب أن يكون إلى تركيا، أو أن يتم محاكمته أمام القضاء اللبناني أو القضاء السوري لأن التهمة الموجهة له كانت بسب أمر فعله بسوريا أو يحاكم أمام القضاء التركي بحكم أنه يحمل الجنسية التركية".
وعن إمكانية أو قانونية مقاضاة الحكومة اللبنانية، قال خلف الله، "أعتقد أنه يمكن للحقوقيين مقاضاة الحكومة اللبنانية، وأيضا اعتقد يمكن أن تشمل المقاضاة شركة الطيران التي نقلته للإمارات، وهناك محاكم نظرت في العديد من القضايا المشابهة لقضية القرضاوي".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية المصري القرضاوي الإمارات مصر الإمارات القرضاوي المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عبد الرحمن القرضاوی الحکومة اللبنانیة ما إذا کان خلف الله حول ما
إقرأ أيضاً:
إغلاق حساب عبد الرحمن القرضاوي على منصة إكس بعد تسليمه إلى الإمارات
تعرض حساب الشاعر المصري التركي عبد الرحمن يوسف القرضاوي على منصة "إكس" (تويتر سابقا) للإغلاق، وذلك بعد صدور قرار من مجلس الوزراء اللبناني بتسليمه إلى الإمارات، وسط خشية على على مصيره.
وعند البحث على اسم القرضاوي على المنصة وعنوان الحساب "@arahmanyusuf" يظهر أنه غير موجود، ولم يعرف إذا ما كان قد تم إغلاقه بشكل متعمد بعد تسليمه أو إغلاقه من قبل المنصة.
???? منذ ساعه ⏳
- منصة ???? تحذف حساب #القرضاوي
????مادري ليه تذكرت جست اعتدال لما شرد وحنا تونا مابدينا ❗️
????#عبدالرحمن_يوسف_القرضاوي pic.twitter.com/3yvcd1hTBY — حسام (@eayoftiger) January 8, 2025
وقالت "هيومن رايتس ووتش"، إن الشاعر عبد الرحمن القرضاوي يواجه بشكل شبه مؤكد محاكمة جائرة وخطرا حقيقيا بالتعرض لانتهاكات أخرى، بما في ذلك التعذيب.
ونقلت عن محمد صبلوح، محامي القرضاوي قوله، إن السلطات اللبنانية اعتقلت القرضاوي في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2024 عند معبر المصنع الحدودي لدى عودته من سوريا، بناء على مذكرة توقيف صادرة بحقه في مصر. قال صبلوح إن طلب توقيف آخر صدر في 30 ديسمبر/ كانون الأول من الإمارات.
وأضاف صبلوح، أن طلب التوقيف الإماراتي سببه منشور على منصات التواصل الاجتماعي للقرضاوي خلال زيارته لسوريا. تحققت هيومن رايتس ووتش من المنشور المقصود، ولم تجد أنه يُشكل أي جريمة مُعترف بها في القانون الدولي.
قال رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش: "ترحيل شاعر تعسفيا إلى الإمارات لمجرد انتقاد سلمي على منصات التواصل الاجتماعي يقوّض بشدة سيادة القانون في لبنان. قرار ترحيل شخص بسبب انتقاد حكومة أخرى يبعث برسالة مفادها أن السلطات اللبنانية ستتساهل مع جميع أشكال الانتهاكات في تملقها لدول الخليج القوية، حتى دون أي دليل على ارتكاب جريمة".
القرضاوي ليس مواطنا إماراتيا، ولم يكن في الإمارات عند ارتكابه أي من الجرائم المتهم بها.
وقال صبلوح إنه استأنف قرار الحكومة بالترحيل أمام "مجلس شورى الدولة"، المحكمة الإدارية الأعلى في لبنان، في الثامن من الشهر الجاري، بعد يوم واحد من إعلان الحكومة قرارها ترحيل القرضاوي. مع ذلك، لم تنتظر الحكومة النظر في الاستئناف.
وتحدث حقوقيان إماراتيان لـ"عربي21" عن قرار مجلس الوزراء اللبناني تسليم الشاعر المصري التركي عبد الرحمن يوسف القرضاوي إلى أبوظبي.
وعبر الحقوقيان حمد الشامسي والأكاديمي إبراهيم آل حرم (معارضان للحكومة الإماراتية)، عن خشيتهما على مصير القرضاوي، والذي من المفترض تسليمه مساء اليوم الأربعاء.
وقال آل حرم إن "قرار تسليم عبد الرحمن القرضاوي للإمارات يعتبر قراراً جائراً، ولا يستند لأي أبجديات الالتزام بالقوانين الدولية، خاصة مع سجل الإمارات في قضايا حقوق الإنسان".
وأضاف أن "هناك مخاوف حقيقية على حياة وسلامة عبد الرحمن القرضاوي"، مذكرا بسوابق مشابهة للإمارات أخفت فيها قسريا من قامت بتسلمهم من دول أخرى.
فيما قال الحقوقي حمد الشامسي إن "قضية عبد الرحمن يوسف القرضاوي مثال صارخ للقمع العابر للحدود، وانتهاك صارخ للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، حيث إنها تُلاحَق الأصوات المعارضة التي عبّرت عن آرائها بحرية في دول أخرى".
وقال لـ"عربي21" إن "الإمارات تمارس سياسات ممنهجة لإسكات النشطاء، خصوصًا أولئك المرتبطين بثورات الربيع العربي، باستخدام المال والنفوذ لإجهاض هذا الطموح الشبابي بأي وسيلة كانت، حتى لو كان ذلك على حساب سمعتها الدولية".
ولفت الشامسي إلى أن السلطات اللبنانية كان عليها التعامل مع هذه القضية بوعي وحذر، بعيدًا عن أي ضغوط أو نفوذ سياسي، والالتزام بالقانون الدولي الذي يضمن حماية الأفراد من الاضطهاد والانتهاكات.