يعود السوريون اليوم إلى ديارهم المدمرة التي صارت رَسما بعد عين، فيعجز القلب أمام صراع لحظتين حيّتين تتناوبان عليه، أيسعد بتحرر البلاد ونجاة العباد أم يأسى على ما خلفته السنون العجاف من دمار هائل نال من الشجر والحجر على حد سواء؟!

ويقف السوريون على مفترق الأمل، وكل طريق يودي إلى تفاؤل بغد جديد أجمل وأبهى، لكن الطريق يبدو طويلاً، وتبدو معالمه وعرة، فملامح الغصب والسلب والتدمير والتهجير التي غطت المكان أينما ولّيتَ النظر مُجلّلة بالحزن على أطلال تروي مآسي الناس وحكايات الدمار.

هنا كنا وكانوا، لم يبق سوى أطلال تحكي قصص الوجع السوري، وإن أعادوا لنا المدن والطرقات القديمة فمن يعيد لنا خطانا وذكرياتنا؟ وإن عدنا وإن عادت الأماكن وعُمّرت وأُهِلت، ألن نستحضر قول محمود درويش بعد أن تفرّق الأحبة في أصقاع الأرض:

"وإن أعادوا لك المقاهي القديمة فمن يعيد لك الرفاق؟"

إننا نحن السوريين اليوم في رغبتنا العارمة وسعينا الحثيث نحو رؤية ما تبقى من آثار منازلنا المنهوبة المدمرة في بلادنا التي حُرّم ترابها على أقدام الحق دهرا من الزمن؛ نتمثل قول أبي الطيب المتنبي:

بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها

وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه

الوقوف على الأطلال في العصر الجاهلي كان جزءا أصيلاً من حياة الشاعر وبيئته (رويترز) وقوف على الأطلال واستحضار الذكريات

إنّ الوقوف على الأطلال تقليد شعري أصيل في بنية القصيدة العربية منذ العصر الجاهلي، حافظ عليه الشعراء حتى مراحل متقدّمة، إلى أن قصرت أنفاس الشعراء وصاروا يدخلون إلى الموضوع الرئيسي من دون مقدمات شعرية تمهد للموضوع أو تهيئ السامع والقارئ للغرض الشعري الذي نظمت القصيدة من أجله.

إعلان

كما كان الوقوف على الأطلال في العصر الجاهلي جزءا أصيلاً من حياة الشاعر وبيئته، يعاينها بحواسه كلها، ويعيش تفاصيلها وتتجلى معانيها في جزء أو أجزاء من حياته. ولأنها معجونة بمشاعره، ممزوجة بأفكاره ووجوده تصل إلينا كلماته في لوحاته الشعرية التي يقف فيها ليصف الأطلال التي عاش فيها محملة بعبير الحنين ومثقلة بلوعة البين والفراق.

تعكس مقدمات الوقوف على الأطلال في الشعر ولا سيما الجاهلي منه فلسفة الشاعر ونظرته تجاه علاقة الإنسان بالمكان، فكيف به إذا ما كان المكان صحراء مجدبة تفرض على المرء رحيلاً بين الحين والآخر بحثا عن الماء والكلأ في كثير من الأحيان، وسعيا وراء السلام والأمان في أحايين أخرى، فلا يلبث المرء يشعر بالاستقرار والألفة وتنشأ بينه وبين المكان الذي يقيم فيه مشاعر وجدانية حتى يتعيّن عليه الرحيل مجددا!

وللمكان تجلّيات ودلالات خاصة به في النسيج الفني للقصيدة الشعرية، وقد عرّف جاستون باشلار المكان الفني بقوله إنه "المكان الذي يمكننا الإمساك به. وهذا المكان الذي ينجذب نحو الخيال لا يمكن أن يبقى مكانا لا مباليا ذا أبعاد هندسية وحسب"، لاسيّما حين يختلط المكان بجغرافية الشاعر وتاريخه وماضيه وذكرياته، أو حين يمتزج بحاضره وحضارته وتجربته الأثيرة، فيغدو عندئذ رمزًا لبقعة من كيانه الداخلي، الأمر الذي يدفعنا لقراءة المكان في أي نص أدبيّ قراءة بأبعاد متعددة؛ ثقافية وتفسيرية تأويلية.

والمكان وفقًا لرؤية النقاد المحدثين هو "الحيّز الإنساني الحاوي على قدر من العادات والتقاليد والصيغ الفكرية، إضافة إلى الزمن الذي يشكل بُعدا حقيقيا في مقياس التحول لوظيفة المكان نتيجة دينامية النظرة الاجتماعية لواقع الحياة المتغير باستمرار".

للتمييز بين "الفضاء والحيز" ذكر في كتاب "السبع معلقات" أنه في العادة نطلق المكان على كل حيز جغرافي معروف، والحيز على الأحياز الخيالية والخرافية والأسطورية (الجزيرة) هل تعرف ما معنى أن يعيش المرء في قارورة عطر؟

انظر إلى توصيف الشاعر الدمشقي نزار قباني لبيته حين شبّهه بقارورة العطر:

"هل تعرفون معنى أن يسكن الإنسان في قارورة عطر؟ بيتنا كان تلك القارورة، إنني لا أحاول رشوتكم بتشبيه بليغ، ولكن ثقوا أنني بهذا التشبيه لا أظلم قارورة العطر، وإنما أظلم دارنا، والذين سكنوا دمشق وتغلغلوا في حاراتها وزواريبها الضيقة يعرفون كيف تفتح لهم الجنة ذراعيها من حيث لا ينتظرون".

يُشار إلى المكان في الشعر بالفضاء والحيّز، وللتمييز بينهما جاء في كتاب عبد الملك مرتاض (السبع المعلقات.. قراءة أنثروبولوجية سيميائية): "نميز المكان عن الفضاء، كما نميز الفضاء من الحيز، كما نميز الحيز من المجال، كما نميز المجال من المحل، فنطلق في العادة المكان على كل حيز جغرافي معروف، على حين أننا نطلق الحيز على الأحياز الخيالية والخرافية والأسطورية".

إعلان

وعلى الرغم من اختلاف المسمّيات التي اعتمدتها الترجمات المتعددة، فالمقصود بالمكان الحيّز الجغرافي الحسيّ الذي ضمّ الشاعر لحظة اختباره للتجربة الأثيرة التي نسجها في قالب شعري ذاكرًا فيها أبعاد المكان النفسية والعاطفية وآثاره الحية الباقية في كيانه، مما دفعه إلى ذكره أو جعله رمزًا وربط الذكرى أو الحدث به؛ ويُقصد به أيضا الفسحة الفضائية المحلّقة في خيال الشاعر، والمستقرة في بنائه الفني حاملة معها عبث التجربة الشعرية.

إن المكان أشبه بهمزة الوصل بين الشاعر ونصّه، وهو حاضرٌ حقيقةً أو بظلاله الوارفة في ثنايا تجربته الواقعية التي يترجمها بشعره وينقلها إلينا لتحمل عبق التعلّق بالمكان وذكرياته وحيثياته كلها، وهذا ما رأينا أثره في تشخيص المكان ومحادثته وسؤاله في الشعر الجاهلي، فهو الحيز الذي ترتبط به طقوس الحياة اليومية بما فيها من تجارب خاصة وعصيّة على العبور من دون أثر في النفس والمكان، وهو الحامل الحقيقي لوعي الشاعر وعالمه الداخلي.

يعبر نزال قباني عن هذه الفكرة ومدى تعلّقه ببيته وانجذابه للتفاصيل التي حددت معايير جمال المكان في نفسه فيقول:

"ضمن نطاق هذا الحزام الأخضر ولدت وحبوت ونطقت كلماتي الأولى. كان اصطدامي بالجمال قدرا يوميا؛ كنت إذا تعثرت أتعثر بجناح حمامة، وإذا سقطت أسقط على حضن وردة، هذا البيت الدمشقي الجميل استحوذ على كل مشاعري وأفقدني شهية الخروج إلى الزقاق".

لم يتسنَّ للإنسان السوري أن يقف على الأطلال حقيقة إلا بعد التحرير (رويترز) الوقوف على الأطلال رمز لحب الأوطان والحنين إليها

إن الوقوف على الأطلال رمز لحب الأوطان والتعلق بها والحنين إليها في المفهوم العربي، وهو ظاهرة إنسانية واجتماعية تُعطي الشاعر إحساسًا بهويّته وانتمائه بعيدًا عن فوضى الصراعات الخارجية والداخلية التي يعيشها.

أمّا بناء المكان في القصيدة فإنه على ما فيه من عفوية يُراد به تحريك القدرات الإدراكية والتصورية لدى القارئ، ودفعه نحو الانتقال من المكان المألوف واقعًا بالنسبة له إلى مكان مُتخيَّل بقوة الرؤيا والإحساس، فيغدو تجربة حيّة وفضاء تأويليّا يحث الخيال على التحليق وبناء صور ذهنية تصور الشاعر لحظة وقوفه على الأطلال، مستشعرا ألم الفراق من جهة ومتألما مستلذا باسترجاع ما كان له من ذكريات في هذه الأطلال من جهة أخرى.

إعلان

ألم يقف امرؤ القيس على الأطلال طويلاً؟ ألم يستوقف صحبه ويستبكيهم على ذكريات عاثت في نفسه حزنا واعتصرت قلبه ألما وحنينا؟:

قِفَا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ ومَنزلِ

بِسِقْطِ اللِّوى بينَ الدَّخُول فَحَوملِ

وُقوفًا بها صَحبِي عَلَّي مَطِيَّهُمُ

يَقُولُونَ: لاَ تَهْلِكْ أَسىً وَتَجَمَّلِ

ثم جاء الأعشى الشاعر الجاهلي مستنكرا على نفسه الوقوف على الأطلال والبكاء عليها وقد طعنت سِنّه؛ فقال:

ما بُكاءُ الكَبيرِ بِالأَطلالِ

وَسُؤالي فَهَل تَرُدُّ سُؤالي

وهل تنكر الديار على أبنائها أعمارهم أيها الأعشى؟ ألم تنعم بخفة طفولتهم وأصواتهم وبهجة ضحكاتهم؟ ألم تشهد على لحظات تهجيرهم؟ ألم تعاين مآسيهم؟ أتراها تستنكر بكاءنا ونحيبنا بعد إذ ضيّعتنا السنون وتاهت بنا الطرقات وشتت شملنا ظلم أبناء جلدتنا؟ أتراها تستنكر علينا ملامحنا التي غيرتها بلاد المهجر وتركت آثارها فيها؟ أتراها تفتح الأدرع لاستقبالنا وقد أنهكنا البعد والخذلان كما أنهكها الهجر والدمار؟

البكاء على الأطلال السورية

لم يتسنَّ للإنسان السوري أن يقف على الأطلال حقيقة إلا بعد التحرير، وكان في غُربة ممتدة بين الذات الداخلية والخارجية، بِبعْد دلالي نفسي يعبّر عن غربة المكان في الذات، حيث يشعر بالعبور الدائم بين المكان والجسد حينا، وبين المكان والزمان حينا آخر، فينعكس ذلك على تجربته في بعدها الزمني بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويصبح الانتقال في ثنايا التجربة الإنسانية زمنيا ومكانيا أشبه بالرحيل والاتجاه نحو المجهول في هذا الكون الشاسع في حقيقته، الضيق في نفس الإنسان السوري! ويغدو تذكر الديار واستحضارها بصخبها في الذاكرة أشبه بالعروج إلى سماء الروح الغارقة في أعماق الذات، وكأننا نستحضر ديارنا وأمكنتنا في بلادنا السليبة لأنها تمثل بالنسبة لنا رموز الخَلاص من غربة الرّوح في ديار المهجر والنزوح. ويؤكد ذلك ما قاله الشاعر نادر شاليش حين ذكر الديار وتيقن من استحالة الوقوف عليها في نفسه فأرسل إليها روحه لتسائلها:

أرسلتُ روحي إلى داري تطوف بها

لما خُطانا إليها مالها سُبل

أن تسأل الدار إن كانت تذكّرنا

أم أنها نسيت إذ أهلها رحلوا!

هل يمكن للديار أن تنسى أهلها؟ هل يمكن لها أن تجيب فتطفئ لهيب نار الشوق المعتمل في الصدور إليها؟ يحضرني ها هنا قول الشاعر الجاهلي لبيد بن أبي ربيعة الذي وقف على الأطلال وخاطبها فأدرك في لحظة توجع أنه يخاطب صُمًّا لا جواب لها؛ إذ قال:

فَوَقَفتُ أَسأَلُها وكيفَ سُؤالُنا   صُمًّا خَوالِدَ ما يُبينُ كَلامُها

أما الشاعر الدمشقي نزار قباني فقد عبّر عن تعلقه بالمكان ورغبته في حمله معه أينما ذهب بأسلوب لطيف قريب إلى النفس، إذ كتب بعد غياب طويل في رسائله الخمس التي أرسلها إلى أمه:

صباح الخير يا حلوة…
مضى عامان يا أمي

على الولد الذي أبحر
برحلته الخرافية
وخبأ في حقائبه صباح بلاده الأخضر
وأنجمها، وأنهرها، وكل شقيقها الأحمر
وخبأ في ملابسه طرابينًا من النعناع والزعتر

ثم يكمل نزار تصوير المكان الذي بقي مشتعلاً في ذاته، حاضرا في دقائقه، مالئا عليه نفسه بشعور الانتماء، متشعبا في وجدانه ممزوجا بأنفاسه، ساكنا في فؤاده؛ إذ يقول:

سلاماتٌ…
إلى بيتٍ سقانا الحب والرحمة
إلى أزهارك البيضاء.. فرحة "ساحة النجمة"
إلى تختي… إلى كتبي.. إلى أطفال حارتنا..
وحيطانٍ ملأناها بفوضى من كتابتنا..
إلى قططٍ كسولاتٍ تنام على مشارقنا
وليلكةٍ معرشةٍ على شباك جارتنا

للمكان منذ القِدم صلة وثيقة بالشّعر والشعراء، فمن العصر الجاهلي حضر المكان في الشعر حضورًا لافتا وأساسيا، وكان له تجليات نفسية ومادية ومعنوية متعددة، وعُدَّ عاملا مُحفّزا لتحريك قريحة الشاعر وحثّه على البوح بمكنونات نفسه في قالب شعري عريق، وذلك بتداعي الذكريات وما تحمله الأمكنة من خواطر ووقائع، وما تثيره من عواطف وأشجان في نفْس الشاعر، فالأمكنة هي الموطن وموئل التعلّق في حين، وهي ملاذ القلب ومدار اللُّقْيَا بالمحبوب في حين، وهي الشاهد على النصر أو الفرح أو الحزن في أحيان أخرى، وكأنها الوعاء الذي يضمّ الأحداث المعجونة بالمشاعر التي تشكّل زوادة الشاعر في رحلته الفينة وهو يبني قصيدته. وها هو نزار قباني يتحدث عن دمشق التي سكنته بقدر ما سكنها، بل أكثر، فيقول ناطقا بلسان حالنا اليوم:

مضى عامان يا أمي
ووجه دمشق عصفورٌ يخربش في جوانحنا
يعض على ستائرنا وينقرنا برفقٍ من أصابعنا..
مضى عامان يا أمي
وليل دمشق
فل دمشق
دور دمشق
تسكن في خواطرنا
مآذنها.. تضيء على مراكبنا
كأن مآذن الأموي قد زرعت بداخلنا
كأن مشاتل التفاح تعبق في ضمائرنا
كأن الضوء والأحجار جاءت كلها معنا!

ولو تساءل سائل عن أهمية المكان في حياة الإنسان لَأجبناه: إن المكان أسبق في وجوده من الوجود الإنساني؛ فقد خلق الله سبحانه وتعالى الأرض وذلَّلها وهيأها لحياة الإنسان، كما أنّ إدراك الإنسان للمكان مختلف عن إدراكه للزمان، فإدراك الزمن غير مباشر، وإنما يتحقق من أفعال الإنسان وعلاقته بالأشياء، غير أن إدراك الإنسان للمكان إدراك مباشر وحسي، ويستمر طوال حياة الإنسان، فيخلق حميمية في العلاقة التي تربط بين الإنسان والمكان.

إعلان

إن المكان ليس محض فضاء يحدّ الإنسان وعوالمه، وليس مساحات ونسبًا رياضية، بل هو فضاء لا محدود من طاقة الشاعر الموجهة نحو الموازنة بين الخيال والحقيقة، فللمكان هُويّة وأثر، وله تأثير في أفعال الإنسان وعواطفه وما يصدر عنه، ولا يمكن تجاوزه أو تعدّيه، وهو سلسلة مستمرة من الأثر والتأثير المتبادل والمتجدد، لاسيما أنه متعلق بحال الشاعر وظروفه وأحداثه وتجاربه، لذا نرى انعكاساته حاضرة بقوة في النسيج اللغوي والبناء الفني في التجارب الشعرية عامة.

وتتجلّى القيمة الشعرية للمكان حين يُشكِّل الشاعر قصيدته مُحمِّلًا إيّاها القِيَم المكانية المتراكبة في نفسه، إذ يُعيد تشكيل المكان الشعري انطلاقًا من أثره في تجربته والحدث الذي تقوم عليه، بأسلوب لا يجعله منعزلًا عن الفكرة والزمن اللذين كانا رافِدَين للحظة التدفق الشعري.

إن علاقة الإنسان بالمكان تُطلق في روح الشاعر أحاسيس لا حدود لها، فيتجلّى ذلك في أنساق نفسية واجتماعية متعددة ومقترنة بثنائية الحضور والغياب، وما يُعوّل عليه من تلك العلاقة هو نجاح الشاعر وقدرته على جعل المكان رمزًا موحيًا، أو بُعدًا ناطقًا، أو كينونة مؤثّرة، وإعادة تشكيله فنيًا من جديد، وتقصّي هيمنته ومدى تأثيره في النسيج الشعري.

إننا اليوم مترعون بالحنين ونحن نعاين أطلال ديارنا وما بقي منها ومنا في صدى الأطلال السورية التي تقف بشموخ لتروي حكايات التدمير والتهجير والإذلال، وينطق عن حالنا لسان الشاعر الأموي ذي الرمة حين قال:

ما هاجَ عَينَيكَ مِنَ الأَطلالِ

المُزمِناتِ بَعدَكَ البَوالي

فَاِنظُر إِلى صَدرِكَ ذا بَلبالِ

صَبابَةً بِالأَزمُنِ الخَوالي

وأيًّا يكن حال أطلالنا السورية اليوم، وإن كان قول عنترة بن شداد يصف حالنا:

أم هل عَرفْتَ الدّارَ بعدَ تَوهّم؟

وكذلك قول زهير بن أبي سلمى حين قال:

فَلَأْيًا عرفتُ الدارَ بعدَ توهّمِ

فإننا لن نحيد عن قول امرئ القيس في خطابها وتحيّتها:

أَلا عِم صَباحًا أَيُّها الطَلَلُ البالي

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات العصر الجاهلی المکان الذی المکان فی فی الشعر ل الشاعر فی نفسه

إقرأ أيضاً:

الشيخ كمال الخطيب يكتب .. بين طواف الحجاج حول الكعبة وطواف الجياع بين ركام غـزة

#سواليف

بين #طواف_الحجاج حول #الكعبة و #طواف_الجياع بين #ركام_غـزة

#الشيخ_كمال_الخطيب
✍️يظنّ بعض الناس أن قيمة الإنسان ومكانته عند ربه سبحانه هي بمقدار ما يحفظ من الآيات والأحاديث والأشعار التي تبهر السامعين. ويظنّ البعض الآخر، أن قيمة الإنسان ومكانته هي بقدرته على الدعاء الطويل الذي فيه سجع حيث تتشابه نهاية الكلمات مع بعضها مما يشير إلى ثروة لغوية يملكها. والحقيقة غير ذلك، فها هو نوح عليه السلام قد دعا ربه سبحانه بثلاث كلمات فقط، لكنها كانت كافية لاستجابة الله تعالى وقد أغرق الكرة الأرضية لما قال: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} آية 10 سورة القمر، فكانت الاستجابة {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍوَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} آية 11-12 سورة القمر. وامتلك سليمان عليه السلام الأرض كلها مشرقها ومغربها ببعض كلمات وقد دعا ربه سبحانه {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي} آية 30 سورة ص، فكانت الاستجابة { فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَوَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} آية 36-37 سورة ص.
✍️فعلاقة الإنسان منا مع الله لا تقوم على أساس فذلكة اللسان ولا الألقاب والشهادات، ولا حتى عبادات يؤديها ليرائي بها الناس ولا يتخلق بأخلاقها، وإنما تقوم على الصدق والإخلاص مع الله تعالى، وفي ذلك قال رسول الله ﷺ: “ربّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، وربّ قائم ليس له من قيامه إلا السهر”. لا بل إن رسول الله ﷺ كان يقول لأصحابه: “حدّثوني عن رجل دخل الجنة لم يصلّ قطّ؟ فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو؟ فيقول: الأصيرم بن عبد الأشهل. قال الحصين: فقلت لمحمود بن لبيد، كيف كان شأن الأصيرم؟ قال: كان يأبى الإسلام على قومه، فلمّا كان يوم أحد وخرج رسول الله ﷺ إلى أُحد وبدا له الإسلام، فأسلم فأخذ سيفه فغدا حتى أتى القوم فدخل في عرض الناس (وسطهم) فقاتل حتى أثبتته الجراح. قال: فبينما رجال بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به فقالوا: والله إن هذا للأصيرم وما جاء؟ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث (الإسلام)، فسألوه ما جاء به؟ قالوا: ما جاء بك يا عمرو أحدبًا على قومك أو رغبة في الإسلام؟ قال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله ورسوله وأسلمت ثم أخذت السيف فغدوت مع رسول الله ﷺ فقاتلت حتى أصابني ما أصابني، قال: ثم لم يلبث أن مات في أيديهم فذكروه لرسول الله ﷺ فقال: إنه لمن أهل الجنة”.
هكذا هو الصدق إذن، فليس الشأن في العبادة، بل إنما في الصدق فيها وإخلاص التوجه والقلب فيها لله رب العالمين.
????الوردة النادرة
يقول الدكتور حسان شمسي باشا في كتابه الجميل -عندما يشرق الصباح-: فقد أضيف الصدق في القرآن لخمسة أشياء:

مُدخل ومُخرج صدق، قال سبحانه: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} آية 80 سورة الإسراء. ولسان صدق، قال سبحانه: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} آية 84 سورة الشعراء. وقدم صدق، قال سبحانه: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} آية 2 سورة يونس. ومقعد صدق {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} آية 55 سورة القمر.
✍️فالصدق مصدر قوة روحية ومعنوية للإنسان، فالمستقيم الصدوق قد لا يصبح مشهورًا أبدًا لكنه يصير محترمًا ومحبوبًا من جميع معارفه.
✍️ وإن أعظم الصادقين والصدّيقين هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وإن الصادقين هم من ذكرهم الله تعالى بعد النبيين في مقامهم عند الله يوم القيامة {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} آية 69 سورة النساء. ولقد سأل رجل تميم الداري رضي الله عنه قائلًا له: “ما صلاتك بالليل؟ فغضب غضبًا شديدًا ثم قال: والله لركعة أصليها في جوف الليل في سرّ أحبّ إليّ من أن أصلي الليل كلّه ثم أقصّه على الناس”. إنه أراد بذلك أن يتمثل قول الله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} آية 5 سورة البينة.
✍️وإن الصدق هو رديف الإخلاص، فالصالحون كان حرصهم شديدًا على أن يبتغوا بأي عمل يعملونه، وجه الله سبحانه. ولقد ذكر ابن عقيل عن العالم الجليل الفيروز آبادي أنه “كان لا يخرج صدقة إلى فقير إلا استحضر النية الخالصة لوجه الله تعالى حتى لا يكون فيها سمعة ولا رياء، وكان لا يتكلم في مسألة من مسائل العلم والفقه إلا قدّم الإستعانة بالله وإخلاص القصد في نصرة الحق، ولا صنّف مسألة إلا بعد أن صلّى لله ركعتين، فلا غرابة أن شاع اسمه واشتهرت تصانيفه فهذه بركات الإخلاص”. ولقد قيل في عبارة رائعة: “لو وضع الصدق على جرح لبرئ” وقيل كذلك: “الإخلاص وردة نادرة لا تنبت في بستان كل الناس”.
????كُل من الخيار ما شئت ولكن…
✍️ كان أحد العلماء العاملين قد علم بوجود خلاف بين جارين حول قطعة أرض، وقد حاول العالم أن يردّ الحق لصاحبه بعد أن تبيّن له بلا ريب ولا شكّ لمن الحق في الأرض، فحكم بذلك لكن الرجل أبى واستكبر ورفض حكم العالم.
بعد مدة وكان الوقت ضحى، وإذا بطارق يطرق باب بيت ذلك العالم، فلما فتح له الباب وإذا به الرجل الذي اغتصب الأرض ورفض الإذعان للحقّ. ظنّ العالم أن الرجل قد راجع نفسه وأن ضميره قد أنّبه وأنه جاء إلى الشيخ ليخبره أنه سيردّ الحقّ لصاحبه، لكن المفاجأة كانت أن الرجل جاء يسأل الشيخ يقول له متلهفًا إنه كان صائمًا صيام نافلة ولكنه أكل خيارة ناسيًا، فهل صيامه صحيح ويستمر به أم أن عليه الإفطار؟ فقال له العالم بكل جرأة ووضوح: كل ما شئت من الخيار ولا حرج عليك، ولا تأكل حقّ جارك وأرجع قطعة الأرض التي اغتصبتها من جارك.
✍️ نعم، ما أكثرهم الذين يشغلون أنفسهم في السنن وهم مفرّطون مقصّرون بالفرائض، ما أكثرهم الذين تشغلهم صغائر الأشياء بينما هم متهاونون بالكبير منها.
✍️يقول الاستاذ الدكتور حسان شمسي باشا: “يقول أخي وصديقي الدكتور مصطفى محمود رحمه الله: سألت نفسي وأنا أطوف بالكعبة، ما بال المسلمين يطوفون الآن في خشوع وتبتّل، فإذا خرجوا تفرّقوا وانقسموا وأصبح كلّ منهم يطوف حول نفسه أو حول اسمه أو حول شيطانه. فهل أراد الله بالطواف أن يكون مجرد حركة معزولة عن السلوك والحياة أم أراد به أن يكون شعيرة دينية هي تكثيف وتلخيص للحياة كلها، بل أراد الله أن تكون حياتنا كلها طوافًا حول مشيئته في كل صغيرة وكبيرة؟”.
✍️وليس أن من يطوفون حول الكعبة يطوفون حول أنفسهم وأسمائهم ومصالحهم بل وحول شيطانهم كما قال المرحوم الدكتور مصطفى محمود، بل إن منهم من يطوفون حول أصنام جديدة هي العائلة وهي الحزب وهي الزعيم الملك أو الرئيس يطيعونه أكثر من طاعة الله ويعظّمونه أكثر مما يعظّمون الله ولسان حالهم يقول ما كان يقول أسلافهم من الطفيليين من شعراء البلاط، كما قال الشاعر ابن هانئ في مدح الحاكم في مصر المعز لدين الله الفاطمي:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنما أنت النبي محمد وكأنما أصحابك الأنصار
✍️ما يحصل الآن في حال أمة الإسلام، أن الشعوب تطوف حول الحكام، وأن الحكام يطوفون حول نتنياهو وترامب لكأنه هو إله هذا الكون يتحكم به اقتصاديًا وسياسيًا عسكريًا.
✍️ إن أمة العرب والإسلام قد تشوّه مفهوم الدين في نفوسهم وكذلك تشوّه مفهوم الطواف حول الكعبة الشريفة، وإلا فلو أن المسلمين أسودهم وأبيضهم، عربهم وعجمهم الذين يطوفون حول الكعبة الشريفة الواحدة بلباس الإحرام الواحد، فلو أنهم اجتمعت كلمتهم ما ذلّوا ولا هانوا، ولحسبت لهم قوى الأرض أيًا كانت ألف حساب، ولما عادوا يسمونهم بشعوب العالم الثالث، ولما أصبحت خيراتهم نهبًا للصوص الأرض كما يفعل بهم العاهر ترامب وهو يفرض عليهم الأتاوات والجزية، فمرة ألزم محمد بن سلمان بدفع 450 مليار في العام 2017 وها هو الآن يفرض عليه دفع مبلغ ألف مليار دولار يحلبها من أموال نفط بلاد الحرمين كما يحلب الفلاح بقرته.
✍️ولقد صدق من قال: “أمة ربها نور وكتابها نور ورسولها نور فكيف تتيه في الظلام”. وقال الآخر: “أمة لها ربّ واحد وكتاب واحد ورسول واحد وقبلة واحدة ما بالها مجزأة مقسمة”. وصدق فيهم قول الشاعر:
وجموع أمتنا بلا وعي تسير إلى الدمار
ما بين عبد لليمين ومن تزندق لليسار
والحق أبلج واضح قد ديس في وضح النهار
✍️وكذلك قال الشاعر الآخر في وصف حال الأمة وزعمائها بعد أن جهلوا حقيقة ومعنى الطواف:
أرى الملايين في الأقطار ليس لهم في عالم اليوم إجلال وإكبار
هانوا على الله لما أصبحوا دولًا وبات يملكهم في الناس سمسار
يا سيد الرسل قد باتت عروبتهم سيفًا يهتك به للدين أستار
إن العروبة بالإسلام عزّتها فإن هوت غيره فلتبكها الدار
✍️جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ يقول له: يا رسول الله أصلي الفروض الخمسة ولا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال رسول الله ﷺ: أفلح إن صدق”. وما كان يصدق على الأعرابي يومها فإنه يصدق على أعراب وزعماء هذا الزمان، أفلحوا إن صدقوا، ولكن ولأنهم غير صادقين، فإنهم لم يفلحوا ولن يفلحوا حتى يرجعوا إلى دينهم.
???? لن يضيّعكم الله يا أطفال غزة
✍️بعد أسبوعين سيبدأ حجاج بيت الله الحرام بالتوافد إلى البقاع الطاهرة المقدسة لأداء مناسك ركن الحج، وإن من أركان الحج طواف الإفاضة حول الكعبة الشريفة.

✍️بيقين كما الله تعالى فجّر الماء من تحت قدمي الطفل إسماعيل فرواه بعد عطش بعد أن طافت وسعت أمه وقطعت المسافات بين الصفا والمروة بحثًا عن الماء لطفلها بعد أن نفذ مخزون الماء والغذاء الذي كان معهما، فإنه سبحانه سيروي العطاش من أطفال غزة، وسيطعمهم من جوع، ويؤمنهم من خوف ولن يضيّعهم كما لم يضيّع هاجر وابنها إسماعيل {وَعْدَ ٱللَّهِ لَا يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ}.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. مقالات ذات صلة تحقيق في نسيان جندي إسرائيلي 40 دقيقة بمنطقة داخل غزة 2025/05/02

مقالات مشابهة

  • مصدر أمني بالسويداء لـ سانا: إننا نحذر كل الأطراف التي تحاول المساس بالاتفاق الذي أكد على ضرورة ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، ومدينة السويداء على وجه الخصوص
  • محمد المكي إبراهيم الشاعر الذي يشبه النيل
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. بين طواف الحجاج حول الكعبة وطواف الجياع بين ركام غـزة
  • مفوض حقوق الإنسان: الرعب الذي يتكشف في السودان لا حدود له
  • شريط الأشباح رقم 10 الذي خاضت به أميركا الحرب النفسية مع فيتنام
  • الوزير الشيباني: نُثمّن كذلك جهود وزارة الخارجية السورية وفريقها، والدعم الذي قدمه السفراء العرب وممثلو الاتحاد الأوروبي. نقدر أيضاً دعم أبناء الجالية السورية في الولايات المتحدة وتفاعلهم الوطني الصادق
  • المنارات التي شيدها أول مايو: النقابة وإنسانيتنا الإسلاموعروبية
  • "المعتقلون الأشباح" في روسيا: التحقيقات التي كلفت فيكتوريا روشينا حياتها
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • من هدوء المدينة إلى نار الاشتباكات والطائفية... ما الذي حدث في جرمانا السورية؟