رؤية علمية لبناء سوريا جديدة.. حوار مع العالم علاء الدين السبيعي
تاريخ النشر: 9th, January 2025 GMT
في مثل هذا الوقت قبل 20 عاما، بدأت رحلة العالم السوري الدكتور علاء الدين السبيعي في الاغتراب، حيث انطلق في مسيرة أكاديمية وعملية شملت السعودية وكندا، قبل أن يستقر في الولايات المتحدة الأميركية.
ورغم مرور مدة طويلة تعادل نصف عمره تقريبا، فإن قلبه بقي متعلقا بسوريا التي لم تذق طعم الفرح إلا مع الخلاص من نظام عائلة الأسد، الذي جثم على صدرها لأكثر من 60 عاما.
وبعد أن شارك السبيعي جموع السوريين فرحتهم العارمة، أبى أن تجرفه المشاعر بعيدا عن التفكير في مستقبل سوريا، الدولة التي تركها النظام السابق بلا دعائم حقيقية، فأطلق مبادرة ملهمة تهدف إلى لمّ شمل النخب العلمية السورية في الخارج.
وتسعى المبادرة لتكوين تجمع سوري يكون نواة لهيئة استشارية تقدم توصيات وإسهامات إسعافية وأفكارا إستراتيجية لدعم التعليم العالي والبحث العلمي والتقدم الصناعي في سوريا، من أجل بناء مستقبل أفضل للبلاد التي تمر بمرحلة انتقالية معقدة. ثم دمج السبيعي مبادرته بمبادرة تشكلت حديثا أيضا باسم "سوريا المستقبل" من أجل توحيد الجهود.
ويتسلح السبيعي في هذه المبادرة بخبرات تشكلت في مختلف المناصب الأكاديمية والصناعية التي تقلدها، وصولا لعمله الحالي مديرَ بحوثٍ وتطوير في شركة "باسف" في الولايات المتحدة الأميركية، والتي تعد من كبرى الشركات الكيميائية عالميا، إلى جانب سجل حافل بالإنجازات والجوائز العديدة، إذ لديه ما يزيد عن 50 براءة اختراع في مختلف دول العالم، وأكثر من 20 بحثا منشورا في كبرى المجلات العلمية، ومنها مجلة نيتشر الشهيرة.
إعلانوتميز السبيعي أيضا خلال مسيرته المهنية بفوزه بجائزة "المتميزين الـ12" لعام 2021، التي تمنحها الجمعية الكيميائية الأميركية لأهم 12 من العلماء الشباب (تحت سن 40 عاما) على مستوى العالم كل عام، ليصبح بذلك أول عالم عربي يحصل على هذا التقدير الرفيع.
وفي حوارنا معه عبر تطبيق "غوغل ميت"، تحدثنا عن رؤيته لمستقبل سوريا في ظل التحديات الحالية، وكيف يمكن لهذه المبادرة أن تسهم في إعادة إعمار البلاد وتطوير قطاعاتها الحيوية. فإلى نص الحوار:
الدكتور علاء الدين السبيعي أثناء مشاركته في أحد المؤتمرات العلمية (السبيعي)هل الوضع في سوريا الآن يدعو للقلق أم للفرح؟
مقارنة بما كان عليه الحال سابقا يدعو الوضع للفرح. بالنسبة لنا نحن السوريين، لن يكون هناك شيء أسوأ مما عشناه مع النظام السابق. بالطبع، الأوضاع لن تستقر بين عشية وضحاها، وستكون هناك عقبات ناتجة عن ضعف الاستقرار السياسي والأمني، بالإضافة إلى بعض الاختلافات في وجهات النظر. قد يكون هناك انقسامات شعبية بسيطة ناتجة عن وجود قطاع من الشعب غير راضٍ عن الإدارة الجديدة بسبب مخاوف من تاريخها الأيديولوجي، لكن عموما غالبية الشعب ملتفة حاليا حول القيادة الجديدة وداعمة لها ومتفائلة بأن القادم سيكون أفضل.
ما الذي تستند إليه في هذه الرؤية المتفائلة؟هي ليست رؤية متفائلة بقدر ما هي واقعية، فالتاريخ يخبرنا أن الأمر سيستغرق بضع سنوات حتى نحصل على دستور جديد، فتوحيد مختلف الأطياف والأعراق داخل سوريا ليس سهلا، فنحن بلد متنوع للغاية، ولن يكون من السهل كتابة دستور يُرضي الجميع، وستكون هناك خلافات، ولا شك في أننا سنشهد مشكلات سياسية وأمنية، كما نرى بالفعل بعض المشكلات الأمنية في مناطق تحت سيطرة فلول النظام السابق، وأخرى لا تزال خارج سيطرة الإدارة الحالية.
إعلانلكن المطمئن لي والذي يبدو واضحا من أداء الإدارة حتى الآن هو محاولتها استيعاب الجميع والتعامل بحكمة ومن دون عنف، وهذا يساعد جدا على توحيد الرؤى والجهود من أجل مستقبل أفضل لسوريا، وأكرر مجددا، مهما ساءت الأمور، فلن تكون أسوأ مما عشناه في ظل النظام السابق.
ما أولويات مبادرتكم خلال هذه المرحلة؟نعمل حاليا على الجوانب التنظيمية ووضع القوانين الداخلية المتعلقة بالمبادرة، وجنبا إلى جنب ننظم غرفا تخصصية في مختلف المجالات لمناقشة المشكلات الموجودة في الداخل السوري وما يمكننا المساهمة به من حلول، ونسعى أيضا إلى تسجيل المبادرة رسميا في بعض الدول كجمعية أهلية غير هادفة للربح، وسنحدد أهدافنا بشكل واضح كمبادرة إنسانية فقط لدعم جهود الدولة السورية والقطاع الخاص في إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة، والمساعدة في حل مشكلات الطاقة والصحة والتعليم والبحث العلمي.
وماذا يمكن لمبادرتكم تقديمه في المرحلة الراهنة؟كما قلت لك سابقا، رغم أن لدينا أفكارا وخططا لمشاريع فعلية على الأرض، فإن دورنا استشاري بشكل كبير، ونصيحتنا للإدارة الحاكمة هي العمل حاليا على مرحلة "الحلول الإسعافية"، وفي هذه المرحلة، يتم تقييم الوضع الراهن وتحديد الأولويات المتعلقة بأهم الجوانب الإسعافية التي تحتاجها الدولة، وهي السكن والصحة والغذاء.
وتعتمد هذه المرحلة على تقييم شامل لأعداد وأوضاع المهجرين في الخيام، ومقدار البنية التحتية المدمرة، وحجم وتوزيع البنى السكنية المتضررة، ووضع القطاع الصحي والخدمي الحالي. وبناء على هذا التقييم، نضع خطة إسعافية لإيجاد حلول سريعة خلال سنة أو سنتين لرفع كفاءة القطاع الصحي، وإعادة الإعمار الجزئي، وتطوير البنى التحتية بما يكفي لإعادة المهجرين في الداخل والخارج، خصوصا الذين يعيشون في الخيام ومراكز اللجوء المؤقتة.
إعلان وماذا بعد تجاوز هذه المرحلة؟(متنهدا بعمق) بعد المرحلة الإسعافية تأتي مرحلة التطوير، وهي مرتبطة بتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي، وتبدأ هذه المرحلة بإنشاء وزارة للتخطيط تعمل على ربط جميع الوزارات وتنسيق العمل بينها وفق الخطط الموضوعة.
وتضع وزارة التخطيط رؤية بعيدة المدى تمتد لعشرات السنين، مثل رؤية 2040 أو 2050، وفقا لتطلعات القيادة السياسية والشعبية، وتشمل هذه الخطط جميع القطاعات مثل الخطة الاقتصادية المعتمدة على تشجيع الاستثمارات والسياحة، وإنشاء عملة محلية ودعمها لكسب ثقة الداخل بها، وغيرها من الجوانب الاقتصادية.
كما تشمل الخطة الصناعية التي تعتمد على دعم الصناعة التحويلية المحلية (بالقوانين والعلاقات الدولية اللازمة) وجذب الشركات الخارجية في الصناعات الثقيلة لفتح فروع صناعات ثقيلة وتكنولوجيا متطورة من أجل تطوير كوادر وطنية وجذب الخبرات السورية من الخارج على المدى الطويل.
أما خطة تطوير التعليم والبحث العلمي، فهي تعتمد على تطوير المناهج التعليمية والكادر التدريسي وتطوير البنية التحتية للمختبرات العلمية ودعم البحث العلمي والنشر العلمي والانفتاح على العالم، مما يساهم في رفع تصنيف الجامعات وترتيبها وبناء الثقة بالمؤسسات التعليمية في الداخل والخارج، وهذا بدوره يساهم في تطوير كوادر وطنية قادرة على قيادة تطور صناعي في الدولة عن طريق الشركات الناشئة والعمل في الشركات المحلية وفروع الشركات العالمية.
ويساهم بناء الثقة بالمؤسسات التعليمية أيضا في ربط القطاع الخاص بالجامعات وتوفير مصادر إضافية لدعم البحث العلمي من القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية، مما يساهم في ربط البحث العلمي أيضا بسوق العمل وبحاجة الدولة في المجال الصناعي.
وهناك جوانب أخرى تتعلق بالتخطيط من بينها تطوير القطاع الزراعي، وهذا بدوره يساهم بشكل رئيسي في إنشاء سلة غذائية وطنية تقلل من الحاجة للتصدير وتساهم في تشغيل يد عاملة وتقليل البطالة، وكذلك يساهم في تطوير الجانب الاقتصادي بشكل كبير، خصوصا أن سوريا من الدول التي لديها إمكانيات كبيرة في القطاع الزراعي.
إعلانبعد مرحلة التطوير، تكون وزارة التخطيط مسؤولة على العمل مع كل الوزارات الأخرى لتنسيق العمل بين الوزارات وتوجيهها بما يتناسب مع الخطط الإستراتيجية ومراقبة أداء الوزارات وعملها وفقا لهذه الخطط.
علاء الدين السبيعي يستعد للدخول إلى المختبر للإشراف على إحدى التجارب العلمية (السبيعي) بصفتك خبيرا كيميائيا، ما أبرز الخدمات التي يمكنك تقديمها للدولة السورية؟لدي خبرات واسعة في المجال الأكاديمي، بالإضافة إلى العمل في الصناعات الكيميائية، والبحث والتطوير، ويمكنني تقديم الاستشارات المتعلقة بتوجيه المختبرات نحو البحوث ذات الأهمية، والمساهمة في تطوير البنية التحتية للمختبرات.
وكذلك يمكن أن أساهم بخطط تطوير المناهج وطرق التدريس وتأهيل الكادر التدريسي، وكذلك إعادة هيكلة الجامعات وأنظمتها الداخلية واختيار الكوادر بها. يمكن أن أساهم أيضا في قوانين حماية الملكية الفكرية وتفعيلها بشكل كبير لأنها ستكون أساسية لطمأنة المستثمرين والمخترعين وتساهم في تشجيع الشركات الناشئة التي تشكل عماد الاقتصاد بالمستقبل.
هناك علماء سوريون منتشرون بالجامعات الأوروبية والأميركية، ألا ترى ذلك شهادة للنظام التعليمي والبحثي السوري؟ أم إن الأمر يتعلق بالقدرات الفردية لهؤلاء العلماء؟الأمر يتعلق بالقدرات الفردية، فبحكم خبرتي في المجالات العلمية عموما، وفي الكيمياء خصوصا، وضع الطالب السوري سيئ للغاية، يكفي أن تعرف أن العلوم تدرس كلها باللغة العربية حتى المصطلحات العلمية الإنجليزية يتم تعريبها بالكامل، والمناهج قديمة ولم تتغير منذ 40 عاما، والنتيجة أن الطالب السوري يتخرج من الجامعة دون أي قدرة على الكتابة أو التواصل باللغة الإنجليزية ودون العلم بمعظم التجهيزات الكيميائية الحديثة، ولا حتى بالمجلات العلمية بمجاله، مما يعيقه عن التواصل مع العالم الخارجي ويجعله معزولاً عن العالم تلقائيا.
إعلانالمؤسسة التعليمية بسوريا بحاجة لإعادة هيلكة بالكامل على جميع المستويات وفق أسس وأطر حديثة ومتطورة، وهذا يشمل كل شيء تقريبا: مناهج وطرق التدريس والبنية التحتية للتعليم بما يشمل المختبرات وتقنيات التعليم ومستوى الكادر التدريسي الذي لم يتغير منذ عشرات السنين والغياب الكامل لأي اشتراكات بالمجلات العلمية ومحركات البحث العلمي، بالإضافة إلى الضعف الشديد بالمكتبات التي تحتوي على المراجع العلمية وغيرها من المجالات، فنحن نحتاج إلى جهود كبيرة وعمل كبير في كل هذه الجوانب وغيرها.
بوصفه عالما قادما من خلفية كيميائية، ألا تساورك مخاوف من أن الإدارة الحاكمة قد تمنع استيعاب العلم ودوره في نهضة المجتمع؟لا أشعر بالقلق، والسبب هو أن تجربتهم في إدلب مشجعة للغاية، فإدلب، لمن لا يعرف، هي واحدة من أكثر المناطق السورية التي يغلب عليها الطابع المحافظ، ومع ذلك شهدت المنطقة خلال 8 سنوات من سيطرة فصائل المعارضة عليها تطورا كبيرا في البنية التحتية واهتماما بالجوانب الاقتصادية، حتى إن اقتصاد إدلب كان أقوى من المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، كما شهدت نهضة علمية يشهد لها الداخل السوري تمثلت في بناء جامعات تدرس مختلف التخصصات. هناك اهتمام واضح للإدارة الجديدة بالنهضة العلمية والدعوة للكوادر السورية بالخارج للمساهمة في سوريا المستقبل.
كل ذلك خلال 8 سنوات؟!(بنبرة متحمسة) نعم، وستتفاجأ أيضًا عندما تعلم أن هناك اهتماما كبيرا بالتكنولوجيا حتى إن خدمة "واي فاي" كانت متاحة في الشوارع، ونتيجة لهذا التطور، أصبحت إدلب، بعد انهيار نظام الأسد، مقصدا للسوريين الباحثين عن منتجات بجودة أفضل وأسعار أقل.
كانت هناك كذلك رسائل مطمئنة تمثلت في التواصل مع الخبرات في الخارج للاستفادة من رؤيتهم في التخطيط لمستقبل سوريا، وسمعنا منهم أفكارا متطورة لتحسين البنية التحتية مثل تدشين خط قطار سريع يصل بين جميع المحافظات، ومشروعات في الطاقة، وأفكار لتنسيق العمل بين الوزارات لتحقيق أهداف بعيدة المدى.
إعلان إلى أي مدى تشعر أن مبادرتكم لإنشاء هيئة استشارية من النخب العلمية السورية في الخارج، لتقديم توصيات وأفكار تخدم سوريا في المستقبل، ستجد صدى وقبولا؟هناك تقبل للمبادرة في الداخل السوري. لكن إجمالا، أستطيع القول إنه بسبب العقوبات وغيرها من الاعتبارات، هناك بعض القيود حاليا تقيّد جوانب التعاون مع الإدارة السورية الحاكمة، ولكن ما نسعى له قريبا هو أن نعمل على مشاريع إسعافية في سوريا للمساهمة بحل بعض المشكلات التي تشكل أولوية للداخل السوري في المستقبل القريب، وأن نكون ليس فقط هيئة استشارية وتخطيطية للإدارة السورية، بل أيضا هيئة استشارية للشركات الخاصة داخل سوريا، لتقديم خدمات مجانية في مجالات الخبرات العلمية لدعم ودراسة المشاريع التي سيتم العمل عليها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات البنیة التحتیة النظام السابق البحث العلمی هذه المرحلة فی الداخل یساهم فی فی سوریا من أجل
إقرأ أيضاً:
سوريا والتحدي الجديد: العرب والأكراد والأتراك والإيرانيون حوار أو صراع
أدى السقوط السريع لنظام بشار الأسد إلى طرح تحديات كبيرة وجديدة على دور سوريا ومستقبلها في المرحلة المقبلة، في ظل التخوف من أن تؤدي الخلافات والصراعات الداخلية والخارجية إلى تحويل سوريا إلى ساحة جديدة من ساحات الحروب المستمرة كما هو الحال في بعض الدول العربية، ورغم أنه لا يمكن لأحد أن يحسم الأفق الذي ستسير عليه الأوضاع في المرحلة المقبلة، فإن الرهان الكبير لدى الكثيرين على أن تشكل التطورات السورية فرصة جديدة من أجل رسم مستقبل أفضل للمشرق وللعالم العربي والإسلامي، بدل أن تكون مدخلا لعودة الصراعات المذهبية والسياسية والإقليمية والدولية.
ومن الواضح أن العوامل المؤثرة في الداخل السوري كثيرة، ومنها عوامل داخلية ورؤية القوى الجديدة لمستقبل سوريا ودورها وكيفية تكوين السلطة الجديدة، ومنها العوامل الخارجية وكيفية تأثير القوى الإقليمية والدولية على الداخل السوري.
وفي ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها سوريا اليوم أعاد بعض الناشطين والمفكرين العرب إلى طرح الرؤية القديمة الجديدة والتي تدعو إلى إقامة حوار عربي- تركي- إيراني- كردي من أجل مواجهة التحديات التي تواجهها سوريا، والتمهيد لعودة التكامل العربي- التركي- الإيراني من أجل منع عودة الصراعات المذهبية والسياسية، ومن أجل التركيز على مواجهة الخطر الأساسي المتمثل بالعدو الإسرائيلي وبالدور الأمريكي الهادف لإقامة شرق أوسط جديد لخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية وتصفية القضية الفلسطينية وتقسيم وتفتيت وتدمير الدول العربية والإسلامية.
العوامل المؤثرة في الداخل السوري كثيرة، ومنها عوامل داخلية ورؤية القوى الجديدة لمستقبل سوريا ودورها وكيفية تكوين السلطة الجديدة، ومنها العوامل الخارجية وكيفية تأثير القوى الإقليمية والدولية على الداخل السوري
ويستعيد هؤلاء المفكرون العرب المشروع الذي طرحه قبل عدة سنوات منتدى التكامل الإقليمي برئاسة المفكر العربي سعد محيو الذي يدعو إلى حوار عربي- تركي- إيراني- كردي والعودة إلى القيم المشرقية المشتركة والتي تستفيد من القيم الدينية والروحية والتجارب الانسانية المشرقية والعالمية. وينطلق هذا المشروع من خلال دراسات عديدة أعدها الأستاذ سعد محيو، وتؤكد أن كلفة الحروب والصراعات في المنطقة أدت إلى خسائر كبرى تصل إلى أكثر من ملايين مليارات الدولار وتدمير عدد من الدول العربية والإسلامية وسقوط ملايين الضحايا، وأن الخيار الوحيد لشعوب المنطقة هو الحوار وقيام دولة المواطنة والديمقراطية والإنسان والتكامل العربي- التركي- الإيراني، ومعالجة المشكلة الكردية من خلال قيام دولة المواطنة.
وقد تبنى هذه الرؤية في السنوات الماضية العديد من المفكرين العرب والإيرانيين والأتراك والأكراد وعدد من مراكز الدراسات والمنتديات العربية والتركية والإيرانية والكردية، وأقيمت عشرات المؤتمرات والندوات واللقاءات من أجل تنفيذ مشروع التكامل بين الدول المنطقة، لكن التطورات التي حصلت بعد معركة طوفان الأقصى والحرب على لبنان أدت إلى تراجع الاهتمام بهذا المشروع.
لكن التطورات المتسارعة في سوريا والدور الكبير الذي لعبته تركيا في التغييرات التي التي حصلت والخوف من أن تؤدي هذه التطورات إلى حصول صراع أو تنافس تركي- إيراني أو صراع بين السلطات الجديدة والأكراد، وكذلك تحويل سوريا إلى ساحة للصراعات الداخلية والإقليمية والدولية يجعل العودة إلى هذا المشروع مطلبا ملحّا، خصوصا أننا شهدنا مؤشرات إيجابية من خلال المواقف التي أعلنها زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان خلال لقائه مع وفد من حزب الشعوب الديمقراطية، وإشادته بالدور التركي ومواقف عدد من المسؤولين الأتراك والدعوة لفتح صفحة جديدة، كذلك لقاء رئيس الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع بوفد من قوات سوريا الديمقراطية من أجل البحث في مستقبل الأكراد في سوريا، يضاف إلى ذلك الاهتمام العربي والإيراني بالتطورات في سوريا والحرص العربي على الاستقرار الداخلي ودعم الحكومة الجديدة.
التطورات المتسارعة في سوريا والتي يمكن أن تنتقل إلى دول أخرى تتطلب الإسراع بإطلاق حوار عربي- تركي- كردي- إيراني؛ لأن هذا الحوار هو البديل عن الصراعات والحروب، ومن المهم إعطاء الفرصة للحكم الجديد في سوريا لتنظيم صفوفه وتقديم كل أشكال الدعم له بدل تحويل سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات ونشر الخلافات السياسية والمذهبية والطائفية
لكن الخوف الأكبر أن تؤدي الخلافات والصراعات حول مستقبل سوريا ودورها في المرحلة المقبلة إلى سبب لتحويل سوريا إلى ساحة جديدة للحروب المتنقلة، وأن تنتقل الصراعات إلى دول أخرى عربية وإسلامية.
من الواضح أن الوضع السوري الجديد دقيق جدا والتحديات الداخلية والخارجية كبيرة، ولا يمكن للإدارة الجديدة في سوريا أن تعالج كل المشكلات دفعة واحدة، خصوصا أن العدو الإسرائيلي استغل ما حصل من أجل السيطرة على المزيد من الأراضي السوري وتدمير القدرات العسكرية السورية، وهناك رهان لدى البعض لنقل المشكلة إلى دول أخرى وتحويل العالم العربي والإسلامي إلى ساحة صراع مجددا؛ يكون المستفيد الوحيد منها العدو الصهيوني المدعوم أمريكيا.
إن التطورات المتسارعة في سوريا والتي يمكن أن تنتقل إلى دول أخرى تتطلب الإسراع بإطلاق حوار عربي- تركي- كردي- إيراني؛ لأن هذا الحوار هو البديل عن الصراعات والحروب، ومن المهم إعطاء الفرصة للحكم الجديد في سوريا لتنظيم صفوفه وتقديم كل أشكال الدعم له بدل تحويل سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات ونشر الخلافات السياسية والمذهبية والطائفية.
فهل يمكن تحويل هذا الزلزال الكبير بعد سقوط نظام بشار الأسد إلى فرصة للتعاون والحوار العربي والإسلامي، أم أننا سنكون أمام حروب جديدة تدفع فيها الشعوب العربية والإسلامية المزيد من التضحيات والخسائر والدمار؟
x.com/kassirkassem