الكذب بين الحرمة والضرورة وأسباب الوقوع فيه.. علي جمعة يوضح
تاريخ النشر: 9th, January 2025 GMT
أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، أن الكذب يُعد مخالفة صريحة للواقع ولما أراده الله سبحانه وتعالى من خلقه، مشددًا على أن الكذب عن عمد يُعتبر محرّمًا، لأنه افتراء على الله، حيث ينسب الإنسان إلى الله ما لم يرده، بل أراد غيره.
الكذب بين العمد والخطأأوضح جمعة أن الكذب يكون عن عمد، أما الأخطاء الناتجة عن سوء الإدراك، مثل أن يعتقد الإنسان بعدم وجود مال في جيبه بينما يتبين له لاحقًا وجوده، فهي ليست كذبًا لأنها لم تكن متعمدة.
بيّن الدكتور علي جمعة أن الكذب ينشأ غالبًا بسبب دوافع متعددة منها:
1. الخجل: يخجل الإنسان من قول الحقيقة فيلجأ إلى الكذب.
2. الخوف: خوفًا من العقوبة أو من إغضاب الآخرين.
3. المصلحة: يستخدم الكذب لتحقيق مكاسب شخصية.
4. العادة السيئة: البعض يكذب دون سبب واضح، فقط لأنه اعتاد ذلك وأصبح يحب الالتفاف والخداع.
وأشار إلى حديث النبي ﷺ: «لا يزال الرجل يكذب ويكذب حتى يكتب عند الله كذابًا»، ليؤكد أن تكرار الكذب يؤدي إلى تحول الإنسان إلى كذاب عند الله، مما يجعله مبتلى بحب الكذب ومخالفة الحقيقة.
الكذب والإيمانالنبي ﷺ نهى عن الكذب بشدة، حتى قال:
«أيسرق المؤمن؟» قال: «نعم».
«أيزني المؤمن؟» قال: «نعم».
«أيكذب المؤمن؟» قال: «لا».
وأوضح جمعة أن هذا الحديث يعكس ارتباط الصدق بالإيمان، فالكاذب لا يفلح لأن الله لا يوفقه في أعماله، بينما الصدق هو السبيل إلى النجاة، حتى لو ظن الإنسان أن فيه هلاكه.
اختتم الدكتور علي جمعة حديثه بالدعوة إلى الالتزام بالصدق في كل المواقف، مهما كانت الظروف، مشيرًا إلى أن الصدق يحتاج إلى تربية وصبر لتجاوز الخوف والخجل، لأنه السبيل إلى حياة شفافة ومستقيمة ترضي الله وتحقق الطمأنينة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جمعة الكذب النبي علی جمعة أن الکذب
إقرأ أيضاً:
التجديد الدائم للتوبة
وأنت في هذه الحياة تتقاذفك الأهواء والفتن والمحن، وتمر بظروف وأحوال لا يعلمها إلا الله، وقد تخبو شعلة الإيمان في قلبك، وتستحكم قبضتها عليك النفس الأمارة بالسوء، ومن خلفها الشيطان، فيزينان لك الفتن، فتقع في وحل المعصية، إلا أن باب الله الكريم مفتوح لعودتك، وكلما أسرعت بالعودة كما كان السبيل إلى النجاة يسير ومتاح، وقد قال الله تعالى في سورة النور: «وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» فالنداء عام لجميع المؤمنين، للمسارعة للتوبة طلبا للفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.
وإذا أمعنا النظر في التوبة وكيف أنها أول خطوة في العودة إلى الله والإنابة إليه، وهي منعطف التحول من المعصية إلى طريق الطاعة والالتزام بأوامر الله واجتناب نواهيه، لوجدنا أنها ناضحة بدلالات كثيرة وعميقة، فهي إلى كونها ممارسة ذاتية تنبع من القلب، وتوجه خاص وذاتي لله عز وجل، في تجربة شعورية تتسم بالإخلاص لله تبارك وتعالى، وهي استعطاف لرحماته وكرمه ولطفه وغفرانه، ليعيننا أن نكون في صفة بشرية تنحو نحو الكمال، فالكمال النسبي للإنسان والحياة المثالية له هي أن يعيشها كما أراد الله له أن يحياها، فالمولى عز وجل يقول: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ».
كما أن شعور الندم الذي يتزامن مع لحظة الانكسار لله تبارك وتعالى تجعل من هذه الحالة نوعا من الالتزام الذاتي أمام النفس ووعدا ضمنيا بعدم الرجوع إلى هذه المعصية، والإقلاع عنها وفرار إلى الله منها، والتجاء إليه، مما يكوّن حساسية عالية تجاه الذنوب والمعاصي، ويجعل المؤمن دائم المراقبة لله تبارك وتعالى، وهو الشعور الذي يجب أن يكون عند المؤمن، فقلبه معلق بين الرجاء والخوف من الله عز وجل.
وعلى الإنسان أن يكون دائم التجديد للتوبة إلى الله عز وجل، وأن يجعل هذا شأنه اليومي، من خلال محاسبة النفس، فسيدنا عمر -رضي الله عنه- يقول: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية» وقد استقى الفاروق رضوان الله عليه هذه المعاني من روح الشريعة وأوامر القرآن الكريم، فالله تعالى يقول في سورة البقرة: «وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»، فالإنسان أعلم بنفسه، وهو حجيجها أمام الله يوم القيامة، فالكيّس العاقل الفطن، من سعى لاكتساب الأجر وقام بتعمير آخرته، وعمل لما بعد هذه الدنيا.
وأبرز أداة لتجديد التوبة، وجعلها فاعلة في حياة المؤمن بدون عناء، هي الاستغفار، هذه الأداة التي تحيي القلب، وتجعله نابضا بذكر الله، وتغسل منه الأوساخ والأدران، وتنقيه وتصقل مرآته، لكي يسهل عليه استقبال النور الإلهي، وقد ضرب الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- مثلا للذي يذكر الله ويستغفر ومن لا يذكر الله فقال: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت» فالغافل يعيش في الظلمات، يتخبطه الشيطان ويزين له المهالك، وتسوقه النفس على هواها، ويعيش في كآبة حالكة، وفي نكد دائم، بينما الذي يذكر الله يجد الله معه ينير طريقه، ويخرجه من الظلمات إلى النور، وبل ويجعل الملائكة تدعو له، وهذا مصداق لقول ربنا عز وجل حينما أمر المؤمنين بالذكر الكثير فقال: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» فثمرة الذكر الكثير أن الله يصلي على المؤمنين، وصلاته عليهم هو إسباغ رحمته عليهم ومدهم بفيوض العطاء، وحفهم بأصناف الخير، وأما صلاة الملائكة عليهم فهو أن يقيض الله ملائكته المكرمين ويجعل شغلهم أن يدعوا ويستغفروا لهؤلاء الذاكرين، فيخرجهم الله من الظلمات إلى النور.
وقد بشرنا الله بأن الملائكة يستغفرون لمن في الأرض، وهذا شرف عظيم، وكرم بالغ من الله عز وجل، بأن يسخر ملائكته، هذه الكائنات النورانية، الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، أن يكون عملهم الاستغفار لمن في الأرض فقال الله عز وجل في سورة الشورى: « تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
ونحن على مشارف شهر الخير والرحمات والبركات، شهر رمضان المبارك، فما أحرانا أن نجدد التوبة إلى الله عز وجل، ونهيئ أنفسنا إلى استقبال الشهر الكريم وقد عدنا إلى الله، وعوّدنا أنفسنا على لزوم الطاعة وهجران المعصية، والالتفات إلى ما يصلح جوهر الإنسان، وليبدأ بذكر الله ويكسب الأجر والثواب فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: « أَيَعْجِزُ أحدُكم ، أن يكسِبَ كُلَّ يومٍ ألفَ حسَنَةٍ ؟ يُسَبِّحُ اللهَ مائَةَ تسبيحَةٍ ؛ فَيَكْتُبُ اللهُ لَهُ بَها ألفَ حسَنَةٍ، ويَحُطُّ عنه بِها ألْفَ خَطِيئَةٍ» وهذا أقل ما يمكن أن يقوم به المؤمن في يومه، فهذا التسبيح لا يأخذ من وقته أكثر من خمس دقائق، ويتحصل على هذا الأجر العظيم، فكيف بمن يجعل لسانه رطبا بذكر الله، فسينال أجرا عظيما يجده في صحيفة أعماله يوم القيامة.