سواليف:
2025-01-09@21:22:02 GMT

تأملات قرآنية

تاريخ النشر: 9th, January 2025 GMT

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 22 من سورة الحجر: “وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ”.
هذه الآية هي من الأيات التي تخاطب العقل البشري بقصد اقناعه بوجود الخالق، لذلك جاءت بجملة إعجازات منها ما ينال اهتمامات أهل زمن التنزيل، وهو الإعجاز اللغوي والبياني، في الإتيان بجملة فيها فعل وفاعل ومفعول به في لفظة واحدة (فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ)، ويتجلى جمال البيان في تتالي الصور التي تفصلها فاء التتابع القريب، وتبين آلية نزول الأمطار المبتدئة بالأمر الإلهي “أَرْسَلْنَا”.


ومنها الإعجاز العلمي وهو يستهدف عقول الأزمنة اللاحقة التي ستفهمه عندما يتوصلون الى فهم آلية نزول المطر، وآلية دورة الماء في الطبيعة، أما الإعجاز المعرفي الأكبر والذي سأبينه لاحقا، فهو الكامن في تفسير “وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ”.
لم يتمكن البشر قبل القرن العشرين من اكتشاف أن الغيوم هي عبارة عن قطرات من بخار الماء المتجمد المحصور في طبقة الغلاف الجوي، وكان بإمكان الباحثين أن يختصروا ثلاثة عشر قرنا لو كانوا يصدقون بكتاب الله الذي ذكر هذه الحقيقة: “وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ” [النور:43]، فظلوا يعتقدون أن الغيوم هي كالضباب، وبعد جهد طويل توصلوا الى أن آلية نزول الأمطار هي ذاتها التي بينتها هذه الآية وأخرى غيرها، وهي أن هذه الذرات الدقيقة من الجليد تبقى عالقة على ارتفاع معين بفضل التوازن بين الكثافة التي ترفعها للأعلى والجاذبية الأرضية، فلا تسقط على الأرض، ولا ترتفع خارج الغلاف الجوي وتتبدد في الفضاء، بل تبقى كذلك الى أن تأتي رياح فيها أنوية التلاقح فتتجمع هذه القطرات الدقيقة وتتكاثف وتسقط.
اعتقد بعض البسطاء أن معرفة العلماء بهذه الآلية ستتيح لهم التحكم في سقوط الأمطار، لكنهم لم يعرفوا أن ذلك يحتاج الى رياح ذات مواصفات محددة، وعندما توصلوا الى فهم آلية تكون الرياح أدركوا استحالة القدرات البشرية مهما تقدمت على أن تصنع جبهة هوائية واحدة منها.
عوّل البعض على الإستمطار الصناعي بنشر أنوبة تلاقح مصنعة، مثل يوديد الفضة أو اطلاق البروبان السائل في السحابة، لكن العملية لم تكن اقتصادية، كما أنها تلوث الجو وتخرب التوازنات البيئية.
ومن الإعتقادات الخاطئة التي ظل البشر يعتقدون بها طويلا أن هنالك سنوات ممطرة وأخر قاحلة، لكنهم لم ينتبهوا الى خطئهم إلا بعد أن تمكن العلماء من رصد الهطولات المطرية، فوجدوا أنه لا يمر يوم من غير مطر، وأن كمية الهطولات على الكرة الأرضية ثابتة سنوياً، وإنما تتباين بين منطقة وأخرى، وكان هذا أيضا من الإعجازات العلمية، وذلك في قوله تعالى: “وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا” [الفرقان:50]، و”وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ” [المؤمنون:18]، كما جاء في الحديث الشريف: “ما من عامٍ بأكثرَ مطرًا من عامٍ ، لكنَّ اللهَ يُصَرِّفُه بين خلْقِه” [صحيح].
أما الإعجاز المبهر للعقول الكليلة التي تعتقد أن الإنسان هو موجد العلم وليس الله عز وجل، فتأتي في عبارة: (مَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)، وتعني أنه ليس في قدرة البشر حجزه ومنعه من دورته الطبيعية، فهذه العبارة صادمة قاهرة تثبت أن العلم مصدره الله، وما العقل إلا أداة بحث واستكشاف، وليس مُنشئاً لعلم، فكل ابتكار هو استعمال وتطبيق للقوانين الكونية الصارمة التي وجدها الإنسان تحكم كل شيء، وليس بمقدوره تغيير أية خاصية أو وظيفة لأي منها.
فقد ثبت للعلماء مؤخرا أن الماء هو المادة الوحيدة التي لا يمكن ضغطها، كما أنه الوحيد الذي ينتقل بين الحالات الثلاث: الصلبة والسائلة والغازية بلا تدخل بشري، وكميته لا تنقص ولا يستنفد كباقي المواد التي مخزونها محدود ينقص بالإستعمال، لذلك لم يجعل الله مخزنه مقتصرا على الأرض، بل جعله في دوران دائم: في المحيطات والمياه الجوفية والغلاف الجوي، لذلك جعل تبخر الماء في كل درجات الحرارة، وسقوط الأمطار بمقدار، ولولاها لما عاشت الأشجار في الجبال.
ولأن الماء سر الحياة فلا يوجد أي كائن حي يخلو منه، والإنسان يطغى، لذلك لم يستأمنه الله على تخزينه بل أبقاه بيده..فهو ينزل المطر بمشيئته، ويصرفه بحكمته حيث يشاء.

مقالات ذات صلة العالم الجديد وإنكار الذات في الزنزانة 54 2025/01/09

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: تأملات قرآنية هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

الجيش: تفجير ذخائر غير منفجرة تحت الماء قبالة شاطئ حنوش – البترون

صدر عن قيادة الجيش ـــ مديرية التوجيه البيان الآتي:

"بتاريخ 8 /1 /2025، ما بين الساعة 12.00 والساعة 17.00، ستقوم وحدة من الجيش بتفجير ذخائر غير منفجرة  تحت الماء قبالة شاطئ حنوش – البترون".

 

مقالات مشابهة

  • ما بين التحذير والتبشير.. فسر حلمك بحرف الميم
  • تأملات الأنبا مرقس مطران القوصية في عيد الميلاد
  • ليبيا تستعد لإطلاق أول مسابقة قرآنية وطنية للنساء في الجامعات
  • الجيش: تفجير ذخائر غير منفجرة تحت الماء قبالة شاطئ حنوش – البترون
  • قبل امتحانات نصف العام.. آية قرآنية واحدة تقضي على النسيان ردّدها كثيرًا
  • ترودو معلقاً على اقتراح ترامب ضم كندا إلى الولايات المتحدة: “لا فرصة لذلك على الإطلاق”
  • حكم تأخير الغسل من الجنابة بسبب البرد وهل تلعن الملائكة الجُنب؟ الإفتاء تحسم الجدل
  • بآية قرآنية.. يسرا تهنئ الأخوة الأقباط بعيد الميلاد المجيد
  • في ظل تهديد إسرائيل بحرب في الضفة.. ما السيناريوهات المحتملة لذلك؟