الوسيط العماني في صنعاء أهلاً ومرحباً..ولكن!
تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT
عبدالرحمن الأهنومي
كان من الملزم أن يتم صرف رواتب الموظفين اليمنيين خلال الهدنة الأممية التي انتهت مدتها في شهر أكتوبر من العام الماضي، وكان من الملزم أن يُرفع الحصار عن موانئ الحديدة بشكل كامل وبدون عوائق خلال الهدنة أيضا، وكان المقرر أن يُرفع الحصار عن مطار صنعاء وتنتظم الرحلات منه وإلى كل مطارات الدنيا ويُفتح أمام المسافرين خلال فترة الهدنة التي تمددت لفترتين أو ثلاث، وانتهت، وللأسف لم يلتزم تحالف العدوان لا بالبنود التي تضمنتها الهدنة ونصت عليها، ولا بالمسار التفاوضي الذي فتحت أبوابه الهدنة تلك.
ورغم النكوص والتنصل حتى من بنود الهدنة الإنسانية، تركت القيادة اليمنية في صنعاء الأبواب مفتوحة أمام جهود الوساطة حتى بعد انتهاء الهدنة، وأتاحت الفرص طويلة أمام الوسطاء العمانيين، وأمام تحالف العدوان السعودية بشكل أساسي والإمارات، وأطالت فترة خفض التصعيد أشهر طويلة وإلى اليوم، وفيما كنا ننتظر حدوث تطورات إيجابية خلال كل هذه المدة، وننتظر صرف المرتبات وفتح المطار كاملا والموانئ بدون أي عوائق، وكان المنتظر أن ينجز الوسطاء شيئا إيجابيا أو أن يلتزم التحالف بخطوة واحدة على الأقل صرف المرتبات، إذا بنا نواجه حربا إعلامية ودعائية وتحريضية أطلقها تحالف العدوان عبر ماكينته الدعائية والإعلامية وأبواقه الرخيصة، بهدف استثارة اليمنيين وتثويرهم واستغلال معاناتهم التي تسبب بها، والتي كان ملزماً بكل الاعتبارات أن يعالجها.
لا أقبح من الجرأة في ارتكاب الجريمة، إلا الوقاحة في استغلال وتوظيف آثارها، وهو ما فعله العدوان، وذلك كله يكشف ويفضح نواياه التي بيتها، وفي نفس الوقت يضعنا أمام حقيقة أن هذه الحرب العدوانية بكافة فصولها تشن على اليمنيين بهدف سحقهم واحتلالهم وتركيعهم، فشلت الحرب العسكرية، وخابت بالحصار والتجويع، والمحاولة اليوم بالتضليل والفجور والرقص على جراح اليمنيين ومعاناتهم واستنهاضها وتوجيهها.
دفع تحالف العدوان الشعب اليمني إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وهو لا يريد إنهاء هذه الأزمة، بل توظيفها لتحقيق ما فشل في تحقيقه بالحرب والمعاناة.. ولعل هذه النقطة أوضح دليل على أن الحرب أمريكية صهيونية على اليمن، فمن طبائع حروب أمريكا والصهاينة أن تكتسي بالتضليل والزيف والدجل والتحريض والتهييج والأكاذيب وبالرقص على جثث الضحايا كما نشاهد في حربهم علينا.
جاء خطاب قائد الثورة في ذكرى استشهاد الإمام زيد عليه السلام لينهي هذه المهزلة التي طالت، وما إن أنهى القائد خطابه حتى بدأ الأمريكيون باتصالاتهم وفي اليوم الثاني وصل ليندر كينغ إلى الرياض وتحدث بضرورة الإسراع في حل الملف الإنساني، وهو الذي كان قبل الخطاب بـ24 ساعة يتحدث لصحيفة إماراتية ويقول عن صرف المرتبات بأنها مسألة معقدة، أي لا تنتظروا أيها اليمنيون رواتبكم في الوقت الراهن.. ثم اشتغلت الاتصالات إلى الأشقاء في عمان بأن تحركوا بوساطاتكم بعد توقف طويل، ويوم أمس الأول اتصل وزير الخارجية الأمريكي بنظيره السعودي ليعيد كيل ليندر كينغ، ووصل أمس أيضا وفد الوساطة العمانية إلى صنعاء وما زال حتى اللحظة موجودا.
لا يعلق اليمنيون آمالاً على أن الأمريكي سيصرف المرتبات وما يقوله بعد الخطاب هو من باب الانحناء لعاصفة التحذيرات التي أطلقها قائد الثورة، سيقوم الأمريكي بحرف الحقيقة من جديد كعادته حين تتهيأ له فرصة نجاة ولو كانت قليلة الأمد، وموقفه واضح “صرف المرتبات شروط مستحيلة وغير مقبولة”، ومسألة معقدة.
أولويات القيادة في صنعاء واضحة، صرف رواتب الموظفين كحق مستحق لكافة الموظفين من الثروات الوطنية الغاز والنفط وعائداته المكدسة في البنك الأهلي السعودي، رفع الحصار عن مطار صنعاء، ورفع القيود عن موانئ الحديدة، وجبر الضرر والتعويضات، تلك خطوة أولى نحو سلام للجميع يمكن للسعودي أن يستثمر في نيوم وللإماراتي أن يستقطب مزيدا من شركات التجارة العالمية إلى دبي حتى لا تذهب إلى نيوم، وفي الحالتين حق الشعب اليمني في سلام كامل وعادل هو حق أصيل لا يمكن لأحد سلبه منه.
يبلي الوسيط العماني بلاء حسنا في جهوده المشكورة، وموقف عمان منذ اليوم الأول كان إيجابيا في الوساطة والموقف تجاه العدوان، والشعب اليمني يثقون في سلطنة عمان ثقة كبيرة، غير أن ما مضى من فترات حصل فيها ذهاب وإياب عماني من صنعاء وإلى مسقط، ولم يتحقق شيء لليمنيين قد قلل من ثقة اليمنيين في حقيقة الأمر، وهذا الكلام نسمعه حتى من عامة اليمنيين يتحدثون به في مجالسهم وأسواقهم ولقاءاتهم، وحتى لا تصبح الوساطة العمانية أنموذجا في إطالة الوقت وفي الوساطة لمجرد الوساطة وليس لأجل الحلول، نعلق الأمل في أن تخرج لقاءات هذه الفترة بحلول تلبي حقوق الشعب اليمني من صرف المرتبات إلى رفع الحصار، وأن نشهد خطوات عملية جادة، وليس على الأشقاء في عمان من حرج بالتأكيد فهم مشكورون يقومون بدور إيجابي كبير إذا لم يلتزم العدوان بما عليه، لكن يمكن للأشقاء أن يقولوها للتحالف بوضوح، لن نذهب ونعود إلا بحلول حقيقية وجادة وعملية، وهذا ليس مفروضا عليهم بالتأكيد وإنما حرصا على مكانة عمان وعلى ثقة اليمنيين كافة بها وبدورها الكريم.
وفي خطابه بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي عليه السلام، أشار قائد الثورة حفظه الله إلى أن الوقت الكافي أعطي أمام وساطة الأشقاء في عمان، وبالفعل منذ بدء الهدنة حتى انتهائها في أكتوبر من العام 2022، وصولا إلى مرحلة خفض التصعيد الممتدة من أكتوبر وإلى اليوم زار الوسيط العماني صنعاء 6 مرات كان خلالها يلتقي القيادة ويجري مناقشات حول ذات الأولويات الإنسانية الملحة والعاجلة مرتبات- رفع الحصار- الأسرى-، ورغم عدم تنفيذ الطرف الآخر لأي خطوة إيجابية وانتهاجه نهجا عدائيا وتحريضيا وانتقاله إلى الخطة “ب” إسقاط القلعة باستغلال المعاناة، استمرت صنعاء في حالة خفض التصعيد وتعاطت بإيجابية ومرونة وهدوء، وتلك هي الترجمة الفعلية لحديث قائد الثورة عن الوقت الكافي الذي أعطي للأشقاء في عمان، وهو ما يؤكد اليوم أن المرحلة تلك قد حسمت وأننا أمام مرحلة حرجة وحاسمة وحازمة، ما لم يشهد الملف الإنساني تطورات إيجابية من قبل تحالف العدوان فإن حقوق الشعب اليمني ملحة وعاجلة ولا تحتمل التأجيل، ولا تحتمل مدداً أطول، فالناس يموتون تحت شظف المعاناة والحصار وانقطاع المرتبات.. والمرتبات ورفع الحصار عن المطار والموانئ وجبر الأضرار حقوق لا شروط.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: تحالف العدوان الشعب الیمنی صرف المرتبات قائد الثورة فی عمان
إقرأ أيضاً:
نصرالله في قلوب اليمنيين.. زخم ورسائل وفاء تسبق مراسم تشييعه
يمانيون/ تقارير في لحظة مفصلية وفارقة من تاريخ الأمة، وفيما يستعّد أحرار العالم لتشييع سيد شهداء الأمة، السيد حسن نصرالله، أمين عام حزب الله، يفيض وجدان اليمنيين بمشاعر العرفان والوفاء لقائد صدح بالحق بلا هوادة، وظل سيفه مشرعًا في مواجهة الظلم والطغيان.
من مواقع التواصل إلى المنصات الإعلامية، تعج الساحة اليمنية برسائل التقدير والوفاء، في مشهد يعكس حجم الارتباط العاطفي والفكري الذي جمع بين اليمنيين وبين قائد لم يتوان يومًا عن مساندة قضاياهم والتعبير عن موقفه الصلب تجاه عدوان وحصار التحالف الأمريكي، السعودي والإماراتي على اليمن.
لم يكن السيد نصرالله مجرد زعيم سياسي في نظر اليمنيين فحسب، إنما كان رمزًا لمقاومة لا تعرف الخنوع، وصوتًا للمظلومين في زمن اشتد فيه الجور، طوال السنوات الماضية، اسمه حضر في وجدان اليمنيين، إذ خاطبهم في خطاباته، واستنهض فيهم العزيمة، وأثبت أن المقاومة ليست مجرد فكرة، بل عقيدة تمارس على الأرض.
ومع شيوع نبأ موعد تشييعه، تدافعت الكلمات على الألسنة والأنامل، لترسم لوحة من الحزن العميق، لكنها في الوقت ذاته، تبقى لوحة زاخرة بالفخر والإجلال لشخصية سكنت القلوب قبل أن تسكن ذاكرة التاريخ.
كتب الناشطون عبارات تمزج بين الرثاء والوفاء، تصف السيد نصرالله بأنه “القائد الذي لم يساوم والصوت الذي لم يخفت يوما أمام الاستكبار”، فيما عبر آخرون عن خسارتهم لرجل لم يكن لبنانيًا فقط، بل كان عربيًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقائدًا تاريخيًا، حمل هم المستضعفين في كل بقاع الأرض.
وصفه البعض بقامة سامقة في ميادين العزة، وصوت صادح بالحق يوم أُسدل ستار الخذلان، وحين اجتمعت سيوف الغدر على اليمن، كان هو الرمح الذي لم ينكسر، والموقف الذي لم ينحنِ، بقي نبراسًا للأوفياء، ورمزًا خالدًا في سفر المواقف العظيمة.
لم تكن كلمات، الرثاء مجرد عبارات بروتوكولية، بل خرجت من قلوب أناس رأوا فيه نصيرًا لهم، رجلًا لم يكن صامتًا حين تخلى العالم عنهم، تداولوا خطاباته، واستعادوا مقولاته التي نقشت في ذاكرتهم، وأعادوا نشر صوره التي باتت رمزية للموقف والمبدأ.
رأى كثيرون أن السيد نصرالله لم يكن مجرد شخصية سياسية، وإنما كان مشروعًا متكاملًا من المقاومة والكرامة، عاش مدافعًا عن وطنه وعن الأمة، ومات شامخًا كما عاش، وكان أيقونة للصمود والإرادة، ورمزًا لموقف لا يلين أمام الظلم والاستبداد، ما جعله حاضرًا بقوة في وجدان اليمنيين الذين رأوا فيه حليفًا لقضيتهم وناطقًا باسم المظلومين في كل مكان.
تحولت وسائل ومنصات الإعلام إلى طوفان من الرسائل، ليس للتأبين والحزن بل لشحذ الهمم، ومناسبة لترسيخ القيم التي عاش لأجلها السيد نصرالله، وكأن الأثر الذي تركه لا يزول، بل يمتد ليلهب الحناجر ويملأ القلوب بالثبات، كيف لا؟ وهو القائد الذي نطق بالحق حين صمت الجميع، وفي أشد لحظاته، حين خذله القريب قبل البعيد.
ومع اقتراب موعد مراسم تشييعه، تتدفق رسائل العرفان والوفاء للسيد حسن نصرالله، بتدوينات تعكس حجم التأثر برحيل رجل لم يعرف التراجع، رجل كان صوته كالسيف، وحديثه يقينًا في زمن التردد، صوت الحق الذي دوى حين خفتت الأصوات، وراية العز التي خفقت يوم سقطت المواقف.
من كلمات الرثاء إلى مقاطع الفيديو والصور، ومن الأبيات الشعرية للخطابات المليئة بالعرفان، بدى اليمنيون كأنهم في حالة إجماع على تكريم رجل منحهم الإلهام وأمدهم بالعزم، كان السند الذي لم يتخل، والموقف الذي لم يساوم في زمن الخذلان.
دلالات استمرار الزخم الإعلامي ليس لاستذكار شخصية رحلت، بل بمثابة تجديد للعهد مع مبادئ المقاومة والوفاء لمن وقف إلى جانب الشعوب في أصعب اللحظات، فحين تكسّرت المواقف على صخرة المساومات، بقي نصرالله جبلًا لا تهزه الرياح، فارس المبدأ، وصرخة الأحرار، ونبض القضية الذي لا يخفت.
نخب واسعة من إعلاميين وسياسيين وأكاديميين، عبروا بمشاعر مفعمة بالعزة والإيمان عن مواقف سيد شهداء المقاومة الذي تفرد بثباته يوم تهاوت المواقف، واعتلى صهوة الحق حين ارتمى غيره في وحل الخنوع، فكان مثالًا للقائد الملهم، والمجاهد الاستثنائي على طريق القدس، وسيفًا مسلولا يشق غياهب الخذلان.
وفي خضم المشاعر العميقة، كان واضحًا أن اليمنيين لم يكتبوا فقط عن قائد فقدوه، بل عن رمز تتردد أصداؤه في أروقة التاريخ، ورثوا منه دروس العزة والكرامة، لأن العظماء وإن رحلوا، تخلّد مآثرهم في سفوح المجد، وسيرتهم تتحول إلى شعلة تنير درب الأحرار في كل زمان ومكان.
التفاعل الواسع، يمثل شهادة حيّة على العلاقة العميقة التي ربطت القائد نصر الله بشعب رأى فيه أنموذجًا للصمود والإباء، وكما خلّد التاريخ أسماء العظماء الذين دافعوا عن قضايا الأمة بصدق، يكتب اليمنيون اليوم بمداد الوفاء اسمه الذي سيظل محفورًا في قلوبهم، وحاضرًا في وجدانهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها.