ترامب وغرينلاند: صفقة القرن أم حلم صعب المنال؟
تاريخ النشر: 9th, January 2025 GMT
تشهد جزيرة غرينلاند، أكبر جزيرة في العالم، تزايدا ملحوظا في التنافس الدولي، حيث أصبحت محورا استراتيجيا للقوى العالمية بفعل التغيرات المناخية المتسارعة.
يصف علماء المناخ غرينلاند بأنها "باب الثلاجة المفتوح لعالم يزداد دفئا". هذه الجزيرة النائية والمجمدة، التي لا تزال معظمها تحتفظ بنقائها الطبيعي، تؤدي دورا حاسما في تشكيل الطقس اليومي الذي يؤثر على حياة مليارات البشر، إلى جانب كونها عاملا رئيسيا في مسار التغيرات المناخية التي تعيد تشكيل ملامح كوكب الأرض.
ويقول البروفيسور جيوف دابيلكو، أستاذ الأمن والبيئة في جامعة أوهايو، إن "غرينلاند باتت نقطة التقاء حاسمة للتغير المناخي والموارد النادرة والصراعات الجيوسياسية وطرق التجارة المستحدثة".
وقد أثار الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، جدلاً واسعاً عندما أبدى، خلال فترة رئاسته الأولى، رغبته في شراء هذه الجزيرة شبه المستقلة والتابعة للدنمارك، عضو حلف الناتو المؤسس وحليف واشنطن التاريخي.
يشار إلى أنّ جزيرة غرينلاند تُعَدُّ منطقة ذات حكم شبه ذاتي كما أنها تضمّ قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة، ويبلغ عدد سكانها 57 ألف نسمة.
ثروات باطنية وأهمية استراتيجية تجعل منها مطمع القوى العظمىيمكن اعتبار غرينلاند كأنها "باب ثلاجة مفتوح" أو منظم حرارة لعالم دافئ، وهي تقع في منطقة تسخن أربع مرات أسرع من بقية الكرة الأرضية، كما يقول عالم المناخ ديفيد هولندا من جامعة نيويورك، إذ تحتوي على معادن نادرة قيّمة تحتاجها الاتصالات، بالإضافة إلى اليورانيوم ومليارات البراميل غير المستغلة من النفط وكميات هائلة من الغاز الطبيعي التي كانت غير متاحة ولكنها أصبحت أقل صعوبة للوصول إليها.
لكن أكثر من النفط أو الغاز أو المعادن، هناك الجليد، كمية "هائلة"، كما وصفها عالم المناخ إريك ريجنوت من جامعة كاليفورنيا، إيرفين. إذا ذاب هذا الجليد، فإنه سيعيد تشكيل السواحل في جميع أنحاء العالم وقد يغير أنماط الطقس بشكل دراماتيكي لدرجة أن التهديد كان أساس فيلم كارثي هوليوودي.
تمتلك غرينلاند كمية كافية من الجليد تجعل ارتفاع مستوى البحار يصل إلى 7.4 متر إذا ذاب بالكامل. وجدت دراسة أجريت في عام 2022 أن ما يقرب من قدم واحدة من هذا الجليد هو ما يسمى "جليد الزومبي"، المحكوم عليه بالذوبان بغض النظر عن ما يحدث.
منذ عام 1992، فقدت غرينلاند حوالي 182 مليار طن (169 مليار طن متري) من الجليد كل عام، مع وصول الخسائر إلى 489 مليار طن سنويًا (444 مليار طن متري) في عام 2019.
ستكون غرينلاند "نقطة تركيز رئيسية" خلال القرن الحادي والعشرين بسبب تأثير ذوبان صفائحها الجليدية على مستويات البحار، كما قال مارك سيريز، مدير المركز الوطني لبيانات الثلوج والجليد في بولدر، كولورادو. وأضاف: "من المحتمل أن تصبح مساهمتها أكبر في المستقبل".
مخاطر بيئية غير مسبوقةكشفت الأرقام أن غرينلاند فقدت منذ عام 1992 نحو 182 مليار طن من الجليد سنوياً، وارتفع هذا المعدل إلى 489 مليار طن في عام 2019. وتشير الدراسات إلى أن ذوبان الغطاء الجليدي بالكامل قد يرفع مستوى سطح البحر بنحو 7.4 متر.
ويقول مارك سيريز، مدير المركز الوطني للثلوج والجليد في بولدر بولاية كولورادو، إن غرينلاند "ستكون محور اهتمام رئيسي" خلال القرن الحادي والعشرين بسبب تأثير ذوبان جليدها على مستويات البحار.
هل هناك عوامل مناخية أخرى تلعب دورًا؟تعمل غرينلاند أيضًا كمحرك ومفتاح تشغيل وإيقاف تيار محيطي رئيسي يؤثر على مناخ الأرض بطرق عديدة، بما في ذلك نشاط الأعاصير والعواصف الشتوية. يُعرف هذا التيار باسم "الدورة المائية الأطلسية العمودية" نظام أموك (AMOC)، وهو يتباطأ بسبب المزيد من المياه العذبة التي تتجه إلى المحيط نتيجة ذوبان الجليد في غرينلاند.
إن إيقاف تشغيل نظام أموك AMOC هو نقطة تحول مخيفة في المناخ قد تؤدي إلى تجميد طويل الأمد لأوروبا وأجزاء من أمريكا الشمالية، وهو سيناريو تم تصويره في فيلم "اليوم التالي" (The Day After Tomorrow) عام 2004.
قالت عالمة المناخ جينيفر فرانسيس من مركز وودويل لأبحاث المناخ: "إذا تباطأ هذا النظام الحالي بشكل كبير أو حتى انهار تمامًا، كما نعلم أنه حدث في الماضي، ستتغير أنماط درجات الحرارة وهطول الأمطار حول العالم بشكل جذري".
وأضافت: "ستتعطل الزراعة، وستنهار النظم البيئية، وستصبح الأجواء 'العادية' شيئًا من الماضي".
كما تتغير ألوان غرينلاند مع ذوبان الجليد، حيث تنتقل من الأبيض الذي يعكس ضوء الشمس والحرارة والطاقة بعيدًا عن الكوكب إلى الأزرق والأخضر للمحيط والأرض الذي يمتص المزيد من الطاقة.
تلعب غرينلاند دورًا في التجميد الدراماتيكي الذي يعيشه ثلثا الولايات المتحدة حاليًا، وفي عام 2012، ساعدت أنماط الطقس فوق غرينلاند في توجيه العاصفة الكبرى ساندي نحو نيويورك ونيوجيرسي، وفقًا لخبير الطقس الشتوي يهودا كوهين من شركة الأبحاث الجوية والبيئية الخاصة.
لماذا تعتبر موقع غرينلاند مهمًا جدًا؟نظرًا لأنها تمتد عبر الدائرة القطبية الشمالية بين الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا، تعتبر غرينلاند من الناحية الجيوسياسية مهمّة جدّا وتمثّل رهانا، فهي تراقبها الولايات المتحدة ودول أخرى منذ أكثر من 150 عامًا. وتزداد قيمتها مع فتح القطب الشمالي أكثر أمام الشحن والتجارة.
Relatedلرد أطماع ترامب: رئيس وزراء غرينلاند يدفع باتجاه الاستقلال عن الدنماركترامب يتوعد بجحيم في الشرق الأوسط ويعلن عن خطط لضم غرينلاند وتغيير اسم خليج المكسيك لـ "خليج أمريكا"مجدداً.. غرينلاند ترفض عرض ترامب وتؤكد: "أرضنا ليست للبيع"لا تأخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار الشكل الفريد للجزيرة المغطاة بالجليد التي تحتوي على بعض من أقدم الصخور على وجه الأرض. قال هولندا: "أراها جميلة بشكل جنوني، إنه أمر مدهش أن تكون هناك".
وأضاف: "قطع جليدية بحجم مبنى إمباير ستيت تتساقط فقط عن المنحدرات وتسقط في المحيط. وأيضًا الحياة البرية الجميلة، فكل الفقمات والحيتان القاتلة تراها هناك. إنه مشهد يأسر الأنفاس".
المصادر الإضافية • أب
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية دراسة: جزيرة غرينلاند المتجمدة تسجل أعلى درجات حرارة منذ ألف عام شاهد: دببة قطبية منعزلة في غرينلاند تتكيف بمهارة مع تغير المناخ الغطاء الجليدي في غرينلاند فقد 4700 مليار طن خلال عقدين دونالد ترامبأزمة المناخالدنماركالمصدر: euronews
كلمات دلالية: لبنان سوريا المملكة المتحدة فرنسا كوارث طبيعية أبو محمد الجولاني لبنان سوريا المملكة المتحدة فرنسا كوارث طبيعية أبو محمد الجولاني دونالد ترامب أزمة المناخ الدنمارك لبنان كوارث طبيعية سوريا المملكة المتحدة فرنسا أبو محمد الجولاني حرائق غابات دونالد ترامب شرطة الصين زلزال ضحايا التبت یعرض الآن Next فی غرینلاند ملیار طن فی عام
إقرأ أيضاً:
انتخابات حاسمة في غرينلاند على وقع أطماع ترامب
واصل سكان غرينلاند التصويت في انتخابات تشريعية قد تفرز جدولا زمنيا للاستقلال الكلي عن الدانمارك، في استحقاق طغت عليه تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي بلغ إصراره ضم الجزيرة القطبية الشمالية حد التهديد.
وحاول ترامب -الواثق من أنه سيتمكن من وضع يده على الجزيرة الإستراتيجية "بطريقة أو بأخرى"- التأثير على المسار الانتخابي، مثيرا الدهشة والرفض، وفي حالات نادرة الحماسة بين سكانها الـ57 ألفا.
وقد فتحت مراكز الاقتراع أبوابها في الساعة التاسعة صباحا بالتوقيت المحلي (11 صباحا بتوقيت غرينيتش)، على أن تغلق في الساعة العاشرة بتوقيت غرينتش، ومن
المتوقع أن تعلن النتائج الأولية بداية من مساء اليوم والنتائج النهائية غدا الأربعاء بين الساعة 01:00 و03:00 بعد الظهر بتوقيت غرينتش.
وقال رئيس وزراء غرينلاند المنتهية ولايته ميوت إيغده، زعيم حزب "إنويت أتاكاتيجيت" اليساري البيئي، إن "بلادنا في عين العاصفة". وأوضح في مقطع فيديو على فيسبوك "العالم الخارجي يراقبنا عن كثب، وقد رأينا مؤخرا إلى أي مدى يحاولون التأثير على بلدنا".
وتركزت الحملة الانتخابية على مسائل الصحة والتعليم والاقتصاد ومستقبل العلاقات مع الدانمارك التي لا تزال رغم الحكم الذاتي الممنوح للمستعمرة السابقة منذ العام 1979، تمسك بالقرار في المسائل السيادية مثل الخارجية والدفاع.
ويشكو سكان غرينلاند -الذين تشكل عرقية الإنويت حوالي 90% منهم- من معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية من جانب السلطة المركزية الدانماركية المتهمة بقمع ثقافتهم وإجراء عمليات تعقيم قسرية وانتزاع أطفال من عائلاتهم.
إعلانوتعزز هذا الشعور بعد أن بث التلفزيون الدانماركي العام مؤخرا فيلما وثائقيا -تعرّض لانتقادات دفعت إلى سحبه في نهاية المطاف- يزعم أن الدانمارك حققت أرباحا هائلة من استغلال منجم للكريوليت في الجزيرة، رغم أنه يُصوَّر في كثير من الأحيان على أنه عبء مالي.
وعلى غرار الأغلبية الساحقة من السكان، تنادي كل الأحزاب الرئيسية بالاستقلال عن الدانمارك، لكن مواقفها تتباين حيال الجدول الزمني اللازم اعتماده لبلوغ هذا المطلب.
وترغب جهات في غرينلاند بالاستقلال بأسرع وقت، بينها حزب "ناليراك" المعارض الرئيسي، فيما تربط جهات أخرى هذا الجدول بالتقدم الاقتصادي في غرينلاند، مثل المكونين في الائتلاف المنتهية ولايته "إنويت أتاكاتيجيت" و"سيوموت" (ديمقراطيون اشتراكيون).
وتعتمد غرينلاند التي يغطي الجليد 80% من مساحة أراضيها، في اقتصادها على الصيد الذي تمثل المنتجات المرتبطة به القسم الأكبر من صادراتها، وعلى المساعدات السنوية التي تناهز 580 مليون دولار من كوبنهاغن، أي ما نسبته 20% من الناتج الإجمالي المحلي.
ويرى أنصار الاستقلال الأكثر حماسة أن غرينلاند قادرة على التقدم ذاتيا بفضل مواردها المعدنية، خصوصا المعادن النادرة التي تشكل ضرورة أساسية للتحول البيئي، لكن قطاع التعدين لا يزال في مراحل غير متقدمة ويعاني من ارتفاع التكلفة.
مطامع ترامبوبعد أن طرح شراء غرينلاند خلال ولايته الأولى، في فكرة قوبلت برفض شديد من سلطات الدانمارك وغرينلاند، عاود ترامب خلال الأشهر الأخيرة التأكيد على رغبته في وضع اليد، وبالقوة إن لزم، على المنطقة التي يعتبرها مهمة للأمن الأميركي في مواجهة روسيا والصين.
ووعد ترامب مجددا عبر شبكته الاجتماعية "تروث سوشيال" بالأمن والازدهار لمواطني غرينلاند الذين يرغبون في "أن يكونوا جزءا من أعظم أمة في العالم". وبحسب استطلاع للرأي نُشر في يناير/كانون الثاني الماضي، يرفض نحو 85% من سكان غرينلاند هذا الاحتمال.
إعلانوتعتبر غرينلاند جزءا من الكومنولث الدانماركي، ورئيسها الرسمي هو ملك الدانمارك فريديريك العاشر، بموجب قانون الحكم الذاتي الذي دخل حيز التنفيذ في 21 يونيو/حزيران 2009، والذي حل قانون عام 1979 المعمول به كأساس دستوري لموقف الجزيرة داخل مملكة الدانمارك.
وقد صدر قانون الحكم الذاتي في أعقاب استفتاء بالجزيرة القطبية الشمالية في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، وصوت لصالحه 75.5% من الناخبين، ويتمثل هدفه الأساسي بنقل المسؤولية والسلطة من السلطات الدانماركية إلى غرينلاند في المناطق التي يسمح الدستور بتنفيذها، مع التأكيد على التوازن بين الحقوق والالتزامات.
ويحق للجزيرة إعلان الاستقلال، إذ يعترف قانون الحكم الذاتي بغرينلاند كشعب أو أمة يحق لها تقرير المصير، ويضمن أن أي تحرك نحو الاستقلال سيكون قرارا ديمقراطيا من قبل شعب غرينلاند.