الحرب العبثية والكسب الحضاري للكيزان !!
تاريخ النشر: 9th, January 2025 GMT
كتب الأستاذ الدكتور "احمد محمد احمد الجلي" مقالاً في صحيفة سودانايل الاليكترونية الغراء بعنوان (ليس دفاعا عن الكيزان ولكن إحقاقاً للحق وكشفاً للزيف) يرد فيه على كاتب آخر..والمقال طويل من تسع صفحات حوَت ست آلاف وأربعمائة وتسع عشرة كلمة.
وقد رأينا في مقاله هذا (والحق يقال) دفاعاً مبطّناً عن الكيزان وعن الشيخ حسن الترابي "عليه الرحمة"، عن طريق التغاضي البيّن عمّا فعلوه بالسودان.
فما تزال دماء أهلنا تسيل وجموعهم تتشرّد في المهاجر (بفضل الكيزان)..وأبناؤنا وبناتنا وأطفالنا وشبابنا ليسوا فقط خارج منازلهم ومدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم؛ إنما أصبحوا جميعاً لقمة سائغة في فاه المجهول بين الجوع والضياع والمهانة..هم وأمهاتهم اللواتي يتعرّضن لما هو أسوأ من كل ذلك..!
لا يمكن يا استأذنا إعفاء الترابي عن أفاعيل الكيزان..فقد كان الرجل كما تعلم بمثابة الحاكم الفعلي مطلق اليد في (عشرية الإنقاذ الأولى) التي تمت فيها اكبر استباحة لكل ما هو قانون وعُرف أو شرف وفضيلة؛ وتمت فيها أسوأ مجزرة لأكثر من ثلاثمائة رجل وامرأة تم تشريدهم من وظائفهم لاعتبارات سياسية بلا وازع من دين أو إنصاف، وبغير مراجعة أو مساءلة أو مقاضاة، ودون اعتبار للوائح الخدمة وتقاليد التوظيف..أو مخافة الله في حياة أسرهم (ومَنْ يعولون)..!
جرى ذلك تنفيذاً لإجراءات (محرقة التمكين) التي لم تراع (إلاً ولا ذمّة) في إقصاء أهل المعرفة وشحن دولاب الدولة بالمناصرين والأنساب والأقارب والأصحاب والنكرات من غير مؤهل أو استحقاق...!
هذا عدا ما شهدته البلاد من مذابح وإعدامات جائرة لأسباب سياسية، أو بسبب احتجاجات سلمية، أو لحيازة أوراق نقدية من حر مال أصحابها..ولن نتحدث عن مخازي بيوت الأشباح والتعذيب الوحشي وانتهاك أعراض النساء والرجال داخلها ودفن المحتجزين تحت الزنازين..ولا تقل لنا أن الترابي لم يكن يعلم بوجود بيوت الأشباح..أو أنه يجهل ما يدور فيها...!
أما طاحونة الفساد التي دارت في تلك العشرية فتلك حكاية عقابيلها عند علّام الغيوب..إذ أن الحديث عنها يبدو في قساوة نحت الصخر بالأسنان أو اقتلاع العيون من محاجرها وسحقها بين أحجار الرحى..!
يعز علينا يا استأذنا إعفاء الشيخ الترابي من هذا الحصاد الدامي المرير وإخلاء مسؤوليته عن كل هذا الذي جرى من الكيزان، الذين تقول انك لا تدافع عنهم..ثم تكيل الثناء على عرّابهم الذي أتى بهم كما ذكرت أنت ورعى تنظيماتهم خطوة بخطوة، وترأس سلطتهم حتى عام 1999. وكانت هذه العشر سنوات هي الأسوأ بين أعوام الإنقاذ الجدباء وسلطة الكيزان الباطشة..رغم أن كل سنواتها كانت من شاكلة السوء (الذي لا يدانيه سوء) في أسوأ نماذج الفساد والاستبداد التي تهدف إلى تخريب البنيان وتدمير المرافق ونشر الجهالة وإطفاء المصابيح واستعباد الأحرار وسحق البشر..!
لقد عبّر الشيخ حسن الترابي عن تأييده ورضاه عن النظام الذي أنشأه بالانقلاب على الحُكم المدني الذي تم بتدبيره من خلال تلك الحركة التمويهية المخادعة بإرسال المخلوع إلى القصر وذهاب الترابي إلى السجن..وقال الترابي عن المخلوع انه هبة السماء لآهل السودان..!
هذا تاريخ قريب شهده الناس..وليس تاريخاً من أيام اسبرطه وطرواده وهيلانه وغزوات الهكسوس..!
لقد رأينا ما حدث من مشروع الكيزان الحضاري..!
بهذا لا يستطيع الشخص ابتلاع ما ذكره الأستاذ الكاتب عن كسب الترابي السياسي في السودان وقال عنه ما يلي:
(للترابي كسبه السياسي الذي تجاوز السودان وأصبح مصدر إشعاع في مختلف إنحاء العالم الإسلامي، ولا ينكره إلا حاقد حاسد أو جاهل) والشيخ الترابي (واحد من أهم الشخصيات السودانية التي لعبت دوراً مفصلياً في تاريخ السودان الحديث وتوجهه الفكري والحضاري)
نحن يهمنا ما حدث هنا في السودان من هذا التوجه الحضاري ..!
ثم يقول الأستاذ الدكتور:
(في السياسة السودانية وضع الترابي بصمات واضحة في إدارة دفة الحكم مشاركاً فيه أو معارضاً خلال الخمسة عقود الماضية)
ويقول :
(نشأت ونمت تحت رعاية الشيخ الترابي عدة واجهات: الحركة الإسلامية، وجبهة الميثاق الإسلامي، والجبهة القومية الإسلامية، والمؤتمر الوطني، والمؤتمر الشعبي. وقد تبنت تلك المكوّنات أفكاراً متطورة في دعم الديمقراطية)..!
ويضيف:
(كانت تلك الحركات الأكثر تقدماً بين رصيفاتها في التأصيل للديمقراطية..وكان ذلك انعكاساً لأفكار الترابي التي تميّزت ليس فقط بتقبله للديمقراطية كوسيلة للحكم بل إصراره على الديمقراطية كأداة للتشريع الإسلامي)..!
هذا لا يمكن ابتلاعه..!
شريعة الإنقاذ بالديمقراطية..؟! أم بالنبوت والكهنوت والنهبوت والطوارئ والقهر وأجهزة الأمن والسياط والتجسس والتلصص وتكميم الأفواه وجلد النساء في الطرقات ومصادرة المال الحلال..في حين تئن خزانة "نائب المرشد" باليوروهات والبنكنوت وباقة العملات الحرة..!
هل هي الشريعة التي أقر المخلوع بعد عشرين عاماً بأنها كانت (شريعة مدغمسة)..؟!
هذا لا يمكن ابتلاعه..!
الأستاذ الدكتور من مؤيدي استمرار الحرب وينفي أنها حرب عبثية ويقول عن مناهضي الحرب إنهم:
(شلة المخذلين والمثبطين الذين ينظرون إلى الحرب بأنها حرب عبثية بين جنرالين يسعيا للسلطة، ومن ثم رفعت تلك الفئة شعار لا للحرب لإيقافها، وغاب عنهم عمداً أو جهالة أن الحرب حقيقة صراع بين فئة تمرّدت على الجيش وخططت للقيام بانقلاب على الدولة وتغيير تركيبتها)..!
لم يقل الأستاذ الدكتور من هو الذي جاء بهذه الفئة المتمردة وسبّح بحمدها وأغدق عليها النياشين والمراتب العسكرية العليا والمواقع الإستراتيجية وهدد بقتل كل من ينادي بحلها وتسريحها..!
هل نذكر لك القوى السياسية والمدنية التي ترفض استمرار الحرب.؟!.أم أن هناك من يرى أن 12 مليون من أبناء الوطن المشرّدين..وعشرات الملايين من المواطنين الذين يموت أبناؤهم وبناتهم وكبارهم وأطفالهم أيضاً من مؤيدي استمرار هذه الحرب التي يرفض الأستاذ الدكتور أن يقول الناس إنها (حرب عبثية)..!
حكمة الله..حتى البرهان يقول إنها حرب عبثية..!
الكيزان (أنصار الديمقراطية) هم الذين قاموا مرة أخرى بالانقلاب على الحُكم المدني ثم أشعلوا هذه الحرب الفاجرة التي أهلكت الحرث والنسل..!
والحُكم طبعاً للقارئ في ما إذا كان مقال الأستاذ الدكتور دفاعاً عن الكيزان أو غير ذلك..!
وفي كل الأحوال: (اللهم لا ترفع للكيزان راية ولا تحقق لهم غاية واجعلهم للعالمين عِبرة وآية)..إنك تعالى قريب مجيب..!
مرتضى الغالي
murtadamore@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الأستاذ الدکتور حرب عبثیة
إقرأ أيضاً:
بيان لسفيرة الولايات المتحدة: الطرفان المتحاربان يتحملان مسؤولية أعمال العنف والمعاناة التي تشهدها السودان ويفتقران إلى الشرعية لحكم السودان
حدد وزير الخارجية أنتوني بلينكن اليوم قيام عناصر من قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها بارتكاب إبادة جماعية في السودان، وأتى ذلك بعد مراجعة متأنية للوقائع وتحليل قانوني شامل.
7 كانون الثاني/يناير 2025
بعثة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة
مكتب الصحافة والدبلوماسية العامة
7 كانون الثاني/يناير 2025
حدد وزير الخارجية أنتوني بلينكن اليوم قيام عناصر من قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها بارتكاب إبادة جماعية في السودان، وأتى ذلك بعد مراجعة متأنية للوقائع وتحليل قانوني شامل.
ويبني تحديد وقوع الإبادة هذا على إعلان الوزير بلينكن في شهر كانون الأول/ديسمبر 2023 عن مسؤولية عناصر من قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها عن ارتكاب أعمال تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية. وقد حدد الوزير بلينكن في العام 2023 أيضا مسؤولية عناصر من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية عن ارتكاب جرائم حرب.
وبالإضافة إلى تحديد وقوع الإبادة الذي نعلن عنه اليوم، تم فرض عقوبات على سبع شركات تمتلكها قوات الدعم السريع وتقع مقراتها في الإمارات العربية المتحدة وعلى فرد مسؤول عن شراء أسلحة لقوات الدعم السريع.
لقد تجاهل قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي بشكل متعمد الالتزامات بموجب القانون الإنساني الدولي، وإعلان جدة للعام 2023 والخاص بالالتزام بحماية المدنيين في السودان، ومدونة قواعد السلوك للعام 2024 التي أطلقتها مبادرة “متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح وتحقيق السلام في السودان”.
ينبغي تحقيق المساءلة عن هذه الفظائع، لذا فرضت الولايات المتحدة إلى جانب تحديد وقوع الإبادة عقوبات على حميدتي لدوره المحوري في تأجيج الحرب في السودان. وقد تم أيضا إدراج حميدتي على قوائم العقوبات بموجب المادة 7031(ج) لتورطه في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات اغتصاب جماعية لمدنيين على يد جنود قوات الدعم السريع تحت أمرته.
وفرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (أوفاك) التابع لوزارة الخزانة اليوم عقوبات على حميدتي بموجب الأمر التنفيذي رقم 14098 الخاص بـ “فرض عقوبات على بعض الأشخاص الذين يزعزعون استقرار السودان ويقوضون هدف الانتقال الديمقراطي”، وقد تم فرض العقوبات بسبب قيام قوات الدعم السريع بقتل عشرات الآلاف وتشريد 12 مليون شخص والتسبب بمجاعة واسعة النطاق في مختلف أنحاء السودان.
لا تدعم الولايات المتحدة أيا من طرفي هذه الحرب ولا تشير هذه الإجراءات ضد حميدتي وقوات الدعم السريع إلى أي دعم للقوات المسلحة السودانية أو محاباة لها، فقد وجهت هذه الأخيرة ضربات جوية وهجمات مدفعية ضد المدنيين، وتواصل عرقلة عمليات تسليم إيصال المساعدات الإنسانية. ويتحمل الطرفان المتحاربان مسؤولية أعمال العنف والمعاناة التي تشهدها السودان ويفتقران إلى الشرعية لحكم السودان بشكل سلمي في المستقبل.
كان ينبغي أن يقوم الطرفان المتحاربان بالتخلي عن سلاحهما منذ وقت طويل، وتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية بلا عوائق، والوفاء بالتزاماتهما بموجب القانون الإنساني الدولي، فالشعب السوداني يطالب بالحماية والسلام والعدالة ويستحق الحصول على مطالبه هذه.
لقد دعوت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي منذ اندلاع هذه الحرب إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات لوضع حد لهذه المعاناة التي تفوق التصور، وقمت بالدعوة إلى عقد اجتماعات عديدة ضمن مجلس الأمن الدولي وخارجه، إلا أن ذلك ليس بكاف. وهذه خطوة صغيرة تهدف إلى اتخاذ إجراءات باتجاه مساءلة الطرفين المتحاربين.
الولايات المتحدة هي أكبر جهة مانحة للمساعدات الإنسانية للشعب السوداني، وتبقى ملتزمة بتخفيف معاناة العديد من السودانيين الضعفاء العالقين في هذه الحرب، وهي ملتزمة بمساعدة الشعب السوداني ليكون له صوت ويبني مستقبله بنفسه.
وسنواصل في الأيام المقبلة اتخاذ إجراءات ضد من يقوضون الأمن والاستقرار في السودان واستخدام كافة الأدوات المتاحة لتعزيز السلام والمساءلة والديمقراطية للشعب السوداني.