عبد المجيد دوسه المحامي

من انبلاج كل صبح، نسمع العجب العجاب.. بالأمس قال قائد الجيش في السودان، بأنهم على استعداد للتفاوض والتوصل الى سلام، لينبري بعده بسويعات فقط، قائد قوات البراء بن مالك الذراع العسكري للكيزان قائلا: ما في ايّ تفاوض! أمر قطعي وحاسم، بالله عليك من يحكم هذا البلد، أعني الولايات الست التي يقال إنها تحت سيطرة الجيش، أهي فعلا تحت سيطرة الجيش أم الامر كله عند كتائب البراء بن مالك.

. أين قائد الجيش الذي صمّ آذاننا بأن له القول الفصل؟ من الذي يسيطر على الجيش، البرهان، القادة الأربعة أم كتائب البراء بن مالك الذي لا يرد له قول؟!
غريب أمر قيادة هذا الجيش الذي انفرط عقده، جيش يحوم حوله العشرات من المليشيات ذات الولاءات والعقائد القتالية المتعددة، وكتائب كيزانية، لا نكاد نعرف مسمياتها.. البنيان المرصوص، البراء بن مالك، كتائب الظل وغيرها كثير!
قلنا من قبل، ان ما يدور بين قادة الجيش وكتائب البراء بن مالك، هو تبادل أدوار تنسجه شياطين الكيزان الانصرافيين الكذبة، وقال آخرون، لا تلوموا هذا الجيش المسلوب ارادته وقراره، أفلم تسمعوا القول الذهبي ان الضرب على الميت حرام! أفأنتم ترون الفيل وتضربون ظله؟
وطالما الأمر أصبح بيد هؤلاء الأبالسة، لن يستقيم عود البلاد، ومهما أكثرنا الحديث، وأسلنا الحبر، نعدد سوءآتهم فلن نستطع عدّها. من يطالع ويتابع الحبر الذي أساله السودانيون، كتّاب المقالات والأعمدة، أصحاب الرأي والفكر، يجد دون عناء أن اجماعهم انعقد حول مسألة واحدة، هي أن الكيزان هم آفة هذه البلاد المسماة بالسودان. قد يقول قائل، وماذا عن أفاعيل الدعم السريع، ليجد الإجابة دون عناء.. ومن صنع هذا البعبع الذي منه يرتعدون اليوم، وببلواه يعيش شعبنا المسكين؟
هما مجرمان اثنين، مع القادة الأربعة الذين هم رديفي المجرمين... نعم هناك قتل وتشريد واغتصاب ولصوصية، أفعال شيطانية، والناس حيارى لا يدرون من يقتل من؟ من يسرق من؟ بل من يغتصب من؟ الكل يرمي بجريرته على الآخر، في بلد ينعق فيه البوم حيثما تلتفت، بلد السبع العجاب! والكل يبكي ليلاه ... ولكن من ليلى هذه التي تذرف حولها الدمع الغزير، دمع اليتامى والأرمل والثكالى خلائف حاملو ألوية النضال، نضال السنين الطوال الذي لم نستطع معه إسكات صوت الشباب الذين يرون في الثأر قيمة، وفي الانتقام مسح لذاك الدمع. بلاد نصب الكيزان فيه أنفسهم إلها لقوم قالوا من قبل إنا لما تدعونا اليه مريب ... ومن حكمتكم وجلون، ومن طريقتكم المثلى كافرون. ولكن نتساءل أفمن الكيزان تشتكون؟ ومن قبل قلنا أن لكل فرعون موسى، وموسى فرعون السودان هو ثورة ديسمبر المجيدة، الثورة التي اعتقد البعض أنها ماتت ولكن يقيننا أن الثورة شيء والقضية شيء آخر، اذ قد تخبو جذوة الثورة حينا ولكن تظل قضيتها باقية شامخة، يحملها الأجيال، أجيال المعسكرات التي اعتقد الكيزان ومن حام حولهم أنها اصبحت في خبر كان، صفق المصفقون بكان وأخواتها ونسوا أن لكان هذه فعل مضارع.. وهكذا كان فعل الذين يدفنون رؤوسهم في رمال الخذلان، رمال التيه والضياع.. رمال الجرف الهاو الذي ينهار بهم يوماً في غياهب الانذال ولو طال المشوار. فصبراً آل السودان، اذ أن موعدكم بر الأمان، يوم تحيا أنشودة (فليعش سواننا علما بين الأمم).
بلد نصب الكيزان فيه أنفسهم إلها لقوم قالوا من قبل، إنا لما تدعونا اليه مريب ... ومن حكمتكم وجلون، ومن طريقتكم المثلى كافرون. ولكن نتساءل أفمن الكيزان تشتكون؟ وثورة ديسمبر المجيدة تؤرق أجفانهم، وفي بهيم ليلها يهجعون، الثورة التي اعتقد البعض أنها ماتت ولكن يقيننا أن الثورة شيء والقضية شيء آخر، اذ قد تخبو جذوة الثورة حينا ولكن تظل قضيتها باقية شامخة، يحملها الأجيال، أجيال المعسكرات التي اعتقد الكيزان ومن حام حولهم أنها اصبحت في خبر كان، صفق المصفقون بكان وأخواتها ونسوا أن لكان هذه فعل مضارع.. وهكذا كان فعل الذين يدفنون رؤوسهم في رمال الخذلان، رمال التيه والضياع.. رمال الجرف الهاو الذي ينهار بهم يوماً أسفل سافلين. فصبراً آل السودان، اذ أن موعدكم بر الأمان، وسوف تشرق دون شك شمس السودان الجديد، وينشد شفع بلادي ولهان فرحا (فليعش سوداننا علما بين الأمم) ، حينها تدفن أعمالهم وأفعالهم القميئة.
نعم نكرر القول (انا لمن عملكم لمن القالين!
عبد المجيد دوسه المحامي
majeedodosa@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: البراء بن مالک التی اعتقد من قبل

إقرأ أيضاً:

بعد التقدم الميداني… ما خيارات الجيش السوداني؟

تقف العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة بايدن على البرهان عقبة كؤود بين الطرفين وقد تدفع الرجل نحو الاتجاه إلى روسيا بخطوات أكثر جدية

أماني الطويل/ كاتبة وباحثة

ملخص
إن الخيارات السياسية للجيش في المرحلة المقبلة هي الأعقد، وربما تكون هذه الخيارات هي المؤشر الحقيقي الذي يمكن أن يبلور اتجاهات المستقبل للسودان من حيث استمرار الاحتقانات السياسية، أو القدرة علي بلورة معادلة استقرار سياسي يسمح بتقدم تنموي

تغيرت الموازين العسكرية الميدانية لمصلحة الجيش السوداني في عمليات متصاعدة بدأت قبل ثلاثة أشهر، وتحققت فعلياً تقديرات قادة الجيش خلال هذا التوقيت في شأن إمكانية تغيير الأوضاع على الأرض لصالحهم على حساب قوات "الدعم السريع". وأسهم في هذه الحال الجديدة بصورة رئيسة طبيعة الممارسات التي أقدمت عليها قوات "الدعم السريع" على الأرض، إذ اتسع حجم الانتهاكات ضد الأهالي المدنيين، وضُربت البنى التحتية لصيقة الصلة بحياة الناس كالماء والكهرباء حتى ينزحوا من أراضيهم، بما شكله كل ذلك من تهديد لصورة الجيش القومي وتقزيم له.

النتائج المباشرة لهذه الممارسات من جانب قوات "الدعم السريع" والمتضمنة اغتصاب النساء كان التفافاً شعبياً حول الجيش السوداني باعتباره منقذاً، وكذلك قبولاً دولياً وإقليمياً أوسع للجيش وطبيعة أطروحاته، وذلك على رغم العقوبات الأميركية التي أقرت من جانب وزارة الخزانة الأميركية التي حرصت فيها على أن تكون ضد الطرفين المتحاربين بالتوازي حتى وصلت إلى رموز القوتين، الفريق عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو قائد "الدعم السريع".

لا تفاوض

وفي أجواء النصر هذه يحرص قائد الجيش على الإعلان في كل مدينة يدخلها منتصراً أنه "لا تفاوض"، وأن خياراته متبلورة في اتجاه القضاء على قوات "الدعم السريع". وهذا الإعلان المتكرر دوماً من جانب الفريق عبدالفتاح البرهان يقود إلى طرح بعض التساؤلات في شأن الخيارات القادمة للجيش على المستويين العسكري والسياسي، ومدى القدرة على تحقيق هذه الخيارات في ضوء معطيات معقدة على المستويين الداخلي والخارجي.

وربما تكون أول هذه الأسئلة هي هل يعني الفريق عبدالفتاح البرهان بمقولته الشهيرة بالقضاء على التمرد قدرة عسكرية وسياسية مثلاً على طرد "الدعم السريع" من إقليم دارفور، الذي يسيطر على كل ولاياته عدا عاصمة شمال دافور الفاشر التي تدور حولها معركة مفصلية؟ وإذا كان هذا الخيار ماثلاً في ذهن البرهان فهل يجد سنداً يتيح له ذلك على المستويين العسكري والسياسي؟

وثانياً هل حرص الجيش السوداني على تحرير مناطق وسط السودان والخرطوم مرتبط بصفقات أو ترتيبات سياسية تمهد لانقسام السودان، بمعنى أن تحوز قوات "الدعم السريع" على إقليم دارفور مقابل أن يكون للجيش سيطرة كاملة على شرق ووسط السودان؟ وأخيراً ما صورة الدولة السودانية إذا ما بات نصر الجيش واقعاً معاشاً؟ أي سيطرة عسكرية مطلقة على المناطق التي سبق أن انسحب منها الجيش، خصوصاً في وسط السودان والخرطوم.

وفي ضوء المعطيات العسكرية والسياسية الراهنة، فإنه من الملاحظ أن مخطط الاعتصام بدارفور قد يكون مكوناً في استراتيجيات "الدعم السريع" أكثر منه موجوداً في استراتيجيات الجيش، وذلك طبقاً لمؤشرين، الأول حال الانسحاب أو الفرار التي مارستها قوات "الدعم" أمام قوات الجيش من المناطق الداخلية في المدن، بينما كان الاحتكاك على المحاور الخارجية بين الطرفين، التي جرى فيها اكتشاف القدرات العسكرية المتقدمة للجيش على "الدعم السريع". من ثم كانت نتائج المعارك محسومة لصالحه، وذلك بعد دعم قدراته من قوات المشاة، فضلاً عن قدراته الجوية الممثلة في سلاح الطيران.

أما على المستوى السياسي فإن للجيش حلفاء من دارفور يقاتلون إلى جانبه، فضلاً عن جيوب محسوبة لصالحه ومعادية لـ"الدعم السريع" مثل الشيخ موسى هلال عم حميدتي ومؤسس الجنجويد الأول، وذلك فضلاً عن عدم قبول متوقع من جانب عبدالواحد نور وقبيلة الفور لسيطرة حميدتي على إقليم دارفور، وهو ما يرشح الإقليم لصراعات مسلحة في المستقبل القريب.

المؤشر الثاني لإصرار الجيش على عدم ترك دارفور في أيدي "الدعم السريع" هو استبساله ومن معه في معارك الفاشر، وكذلك وجود دعم إقليمي ودولي ممثلاً في السعودية ومصر ومجلس الأمن في فك الحصار عن الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.

سيناريوهات محتملة

وطبقاً للمسارات العسكرية سالفة الذكر فإنه من المستبعد أن يتوقف الجيش السوداني على تخوم دارفور، لكنه في تقديرنا سيسعى إلى استعادة حامياته هناك التي فقدها، وربما يكون حسم الأمر في الفاشر لمصلحة الجيش مقدمة تحتمل سيناريوهين.

السيناريو الأول استمرار الجيش في التقدم مدعوماً بقدراته التي تطورت، وحاضنة شعبية آخذة في الاتساع نظراً إلى بزوغ أمل عودة السودانيين إلى بيوتهم، أما السيناريو الثاني فهو بدء مجهودات دولية وإقليمية لبحث مستقبل السودان، وليس فقط فكرة التفاوض مع "الدعم السريع".

وفي هذا السياق، تقف العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة بايدن قبل أيام من رحيلها على الفريق البرهان كعقبة كؤود بين الطرفين، وهي العقبة التي قد تدفع الرجل نحو الاتجاه إلى روسيا بخطوات أكثر جدية، ومن هنا قد نتوقع من إدارة ترمب تجميداً لهذه العقوبات ربما بشروط انخراط الجيش وقائده في التفاعل مع المعطيات المطروحة أميركياً في شأن وقف الحرب داخل السودان، وحال مستقبله السياسي وكذلك رغبة واشنطن في عدم إفلات السودان من مظلة النفوذ الأميركي خصوصاً والغربي عموماً، لمصلحة المعسكر الشرقي الممثل في روسيا والصين.

وطبقاً لهذا المشهد، فإن الخيارات السياسية للجيش في المرحلة المقبلة هي الأعقد، وربما تكون هذه الخيارات هي المؤشر الحقيقي الذي يمكن أن يبلور اتجاهات المستقبل للسودان من حيث استمرار الاحتقانات السياسية، أو القدرة علي بلورة معادلة استقرار سياسي يسمح بتقدم تنموي.

وغالب الظن أننا أمام السيناريوهات التالية، الأول الاعتماد على الحاضنة الشعبية الموقتة التي تبلورت للجيش تحت مظلة تزايد المطلب الشعبي في ضمان الأمن الإنساني للسودانيين، وعودة النازحين إلى مواطنهم. وطبقاً لذلك يتم الاستمرار في شيطنة كل القوى السياسية السودانية، والانخراط في مشروع يضمن سيطرة مطلقة على السلطة في السودان، مع الإعلان أنها مرحلة انتقالية، وذلك بالتوازي مع هندسة نوع من الموالاة السياسية للجيش معتمدة على قطاعات منزوعة السياسة.

هذا الخيار طرحه الفريق أول عبدالفتاح البرهان، حين قال إن نائبه ياسر العطا يملك مشروعاً يستبعد القوى السياسية القديمة، ويعتمد على الشباب. وهذا التوجه قد يجد داعمين إقلييمين عطفاً على ما أفرزته الحرب السودانية من انقسامات اجتماعية وقبلية من ناحية. وكذلك وجود حال قبول واسعة لفكرة الحاكم الفرد سواء من الجيش أو غيره، دعمتها إقليمياً حالتا كل من لبنان وسوريا، بعد أن دفع المجتمع الدولي في الحال اللبنانية إلى تولي موقع الرئاسة قائد الجيش. أما في سوريا فجرى قبول ترؤس أحمد الشرع للبلاد دون أية شرعية مؤسسة على حوار أو توافق وطني.

والسيناريو الثاني هو إدراك قادة الجيش أن مشروع تقسيم السودان ماثل وبقوة وتدفع إليه شركات عالمية حالياً، تسعى إلى نهب موارد دارفور خصوصاً الذهب والصمغ الغربي، بما لها من وكلاء محليين يدفعون نحو تكوين حكومة منفى بشعارات سياسية رنانة، فيتكرر بذلك مشهد الكونغو في السودان، التي يُنهب منها معدن الكولتان اللازم لبطاريات أجهزة الاتصال والسيارات، وذلك تحت مظلة صراع مسلح.

هذا الإدراك إذا تحقق في ذهنية قادة الجيش السوداني فربما ينحازون إلى خيارات خلق حال توافق وطني واسع، يضمن الحفاظ على التراب الوطني السوداني ويحقق أمنه القومي بعد أن تهدأ المدافع، مما يتطلب من الجيش في المرحلة المقبلة الوقوف على مسافة واحدة من كل المكونات السياسية السودانية، وعدم إعطاء وزن أعلى لهؤلاء الذين شاركوا في العمليات القتالية طمعاً ربما في إعادة سيطرتهم علي مفاصل الدولة السودانية، وكذلك تحجيم حال الاستقطاب السياسي بين الأطراف السودانية بخطط مدروسة، وأيضاً الدفع نحو حوارات متعددة المستويات في شأن مستقبل السودان.

وعليه، فإن دعم فكرة عقد النسخة الثانية من مؤتمر القوى السياسية السودانية بالقاهرة قد تكون خطوة في هذا الاتجاه، وأحسب أن الحوار حول العلاقات المدنية العسكرية في السودان طبقاً لنتائج هذه الحرب خطوة موازية من حيث الأهمية، التي يمكن أن يكون لها مسار منفصل بين خبراء ومتخصصين مستقلين. وإجمالاً يصنع المنتصرون التاريخ، المهم أن يكون هذا التاريخ صناعة لأمن ممتد واستقرار سياسي وصيانة للدولة من تقسيم يبدو مرئياً.

نقلا عن اندبندنت عربية

   

مقالات مشابهة

  • من المؤكد أن الجيش سوف يحكم السودان، طوال الفترة الانتقالية
  • السودان.. قوات الجيش تقترب من السيطرة على شمال الخرطوم
  • الجيش اللبناني يصدر أوامره بالرد على مصادر النيران التي تطلق من الأراضي السورية
  • بعد التقدم الميداني… ما خيارات الجيش السوداني؟
  • الجيش يواصل تقدمه نحو الخرطوم ويدمج قوات النخبة مع درع السودان
  • الجيش السوداني يحقق مكاسب هائلة في سعيه لاستعادة العاصمة التي مزقتها الحرب
  • بعد التقدم الميداني… ما خيارات الجيش السوداني؟
  • صحفي أوكراني: خسائر الجيش تفوق الأرقام التي أعلنها زيلينسكي
  • إنقاذ سيارة عالقة في الرمال بخميس مشيط .. فيديو
  • ضياء الدين بلال يكتب: القوة الخفية التي هزمت حميدتي (2-2)