سواليف:
2025-02-10@00:32:48 GMT

العالم الجديد وإنكار الذات في الزنزانة 54

تاريخ النشر: 9th, January 2025 GMT

#العالم_الجديد و #إنكار_الذات في #الزنزانة 54
#موسى_العدوان

في كتابه ” البحث عن الذات ” يبين الرئيس المصري أنور السادات رحمه الله، معاناته في الزنزانة 54 بسجن ( قرة ميدان ) عام 1946، كما يلي وأقتبس :

” كانت الستة شهور الأخيرة لي في الزنزانة 54 وما زالت أسعد أيام حياتي . . ففيها تعرفت لأول مرة على هذا العالم الجديد .

. عالم إنكار الذات إنكارا تاما، بحيث ذابت في غيرها من الكائنات فاتسعت واتصلت بسيد الكون . . طبعا لم يكن ليحدث هذا قبل أن أخلو إلى نفسي، وأعيش معها وأعرفها . . ومما لا شك فيه أيضا، أن قراءتي قد ساعدتني على اكتشاف هذا العالم الجديد . .

أنا لم أدرس التصوف، ولكن ما وقع بين يدي من أقوال وكتابات المتصوفين وجد صدى في نفسي مثل الكثير من قراءاتي في السجن، فقد عبرت لي عما كنت أشعر به دون أن تصل درجة إدراكي إلى مرحلة الوعي الكامل والتعبير. ولكن لعل المعاناة من أهم العوامل التي قربت بيني وبين العالم الجديد، الذي عرفت فيه السلام الروحي، كما لم أعرفه من قبل. فآلام العظيمة هي التي تبني الإنسان، وتجعله يرى نفسه على حقيقتها . . وهذه الآلام تندرج تحت الكثير من القيم الإنسانية العليا . .

مقالات ذات صلة هذه الحروب لم تنته 2025/01/08

مثلا غدْر الصديق بي، يفوق كل ألم آخر في الحياة . . لأن الصداقة عندي شيء مقدّس . . ولذلك عندما يغدر بي صديق، أحس أن الأرض قد اهتزت تحت قدميّ . . وعندما أقرر الاستغناء عن الصديق لغدره بي، أشعر أن جزءا من كياني قد انسلخ عني . . وأعاني من الآلام ما لا طاقة لبشر يتحمله . . إلى من ألجأ ؟ وما هو السبيل إلى دفن أحزاني ؟

لم يعد هذا حالي بعد أن تعرفت على عالمي الجديد وعشت فيه . . لا وجود لذاتي . . فالوجود الوحيد لذات الكون وللذات العليا. كان هذا العالم الجديد فتحا حقيقيا بالنسبة لي. ففيه عرفت صداقة الله . . هو وحده عز وجل الصديق الذي لا يمكن أن يخونك أو يتخلى عنك . . فهو الذي خلقك وكونك وحمّلك الأمانة وأعطاك من روحه، وهو لا يعرف إلاّ الحب الذي لا حدود له، والخير الذي ليس بعده خير . . وهو يريد للحياة التي خلقها أن تسير شريفة . . قوية . . جميلة . .

بعدما عرفت صداقة الله، تغيرتُ كثيرا، فلم أعد أغضب أبدا إلاّ في الحق، وأصبحت الحياة بالنسبة لي أرحب وأجمل وأوسع، وزادت قدرتي على التحمّل مهما كانت الأمور والمشاكل التي علي أن أتحملها . . وصار أهم هدف لي في الحياة إسعاد الآخرين، وأصبحتْ البسمة على أية شفاه وخفقة الفرحة في قلب أي إنسان تسعدني، كما لو كان قلبي هو الذي يخفق فرحا . .

ولم يعد للانتقام أو الحقد أي مكان في نفسي . . وأصبح إيماني بأن الخير دائما ينتصر جزءا لا يتجزأ من وجداني . . وزاد إحساسي بجمال الحب وهو الإحساس الذي صورته لي نشأتي بالقرية، كرباط يجمع بين الناس في العمل والحياة . . ثم غذته في ّ أمي خلال مراحل حياتي . . إذ كانت رحمها الله معينا لا ينضب للحب . . كان هذا تكوينها الطبيعي . . مجموعة انفعالات حب لا يعرف الحدود . . !

ولذلك فلعلّ أكثر ما عانيت منه في الزنزانة 54، هو شعوري بالفراغ العاطفي . . فلكي يكون الرجل مكتملا لابد أن تكون له رفيقة . . تحبه ويحبها . . هذه فعلا أعظم نعمة في الوجود . . فعندما تمتلئ نفس الإنسان بالحب، يستطيع أن يتم رسالته. وبدون هذه العاطفة . . يعيش إلى أن يبلغ منتهى العمر، وهو يشعر أنه يفتقد شيئا هاما، وأنه مهما حقق فهو لم يكتمل بعد. كان هذا شعوري في جميع مراحل حياتي . . لم أشعر أبدا أن الحب كقيمة إنسانية عليا، قد تغيرت في نظري يوما ما . . بل على العكس . . إذ اكتشفت أن الحب هو المفتاح لكل شيء.

حدث هذا في الزنزانة 54 عندما تجردت من ذاتي، فنعمت بصداقة الله . . وعَمُرَ قلبي بحبه . . وأصبح ظله سبحانه وتعالى يحتويني . . وعندها أدركت أن الحب قانون تستقيم به الحياة وتزدهر وتثمر، وبدونه كل شيء عدم. لقد اكتشفت ذاتي عن طريق الحب . . وعندما أنكرت هذه الذات وأذبتها في ذات الكون . . أصبح الحب الشمولي لمصر . . للكون . . للخالق عز وجل، هو المنطلق الذي مارست منه وما زلت أمارس واجبي في الحياة . . في الشهور الأخيرة من السجن . . بعد خروجي منه . . عندما كنت عضوا في مجلس قيادة الثورة. . والآن وأنا رئيس جمهورية مصر.

هذا ما يجعلني أدعو دائما إلى الحب . . فهو المظلة التي تحمي الإنسان من كل الأزمات . . كل من عرفه لا يعرف الجدب، بل الانتماء والازدهار . . لأن الحب عطاء، والعطاء دائما يبني . . على عكس الحقد الذي ساد حياتنا في الثمانية عشر عاما الأولى، قبل أن أتولى الرئاسة، فهدم كل ما في طريقه، هدما ما زلنا نعاني من أثاره إلى اليوم “. أنتهى الاقتباس.

* *
التعليق :
في هذا الاقتباس من كتاب أنور السادات ” البحث عن الذات ” نتعرف على مشاعر السجين الإنسانية بعيدا عن تعقيدات السياسة. ففيها يخلو السجين بنفسه، ويتفكر في عظمة الخالق فيتقرب إليه، ويقدّر أهمية الحرية والعدل والصداقة والحب في الحياة.

كان المواطن أنور السادات قد سجن مع غيره من المواطنين، ظلما ودون محاكمة رسمية، بسبب اتهامه بالعلاقة مع الحكومة البريطانية، ومشاركته في اغتيال أمين عثمان، وزير المالية في حكومة النحاس باشا.

ففي الزنزانة 54 أمضى المواطن أنور السادات عامين ونصف، تحررت نفسه من قيود الحياة، وانفتح على عالم جديد، ووصل إلى مرحلة انكار الذات، وتغليب الرحمة والتسامح على الحقد والكراهية، ثم تحول إلى الصداقة ومحبة الله، وتقديس الحب بكل معانيه، والذي من خلاله تستقيم الحياة وتزهر في مختلف المجتمعات المدنية . . !

التاريخ : 9 / 1 / 2025

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: إنكار الذات الزنزانة موسى العدوان العالم الجدید أنور السادات فی الحیاة أن الحب

إقرأ أيضاً:

كيف توزان بين العبادات ومطالب الحياة؟ عالم أزهري يجيب

أكد الدكتور يسري جبر، من علماء الأزهر الشريف، أن النفس البشرية لها متطلبات طبيعية تتطلب التوازن بين العبادة والراحة، ففي حديثه عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لنفسك عليك حقًا"، مشيرا إلى أن هذا الحديث يعكس أهمية تلبية احتياجات النفس من الطعام والراحة، بجانب العبادة.

وأوضح العالم الأزهري، في تصريح له، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحثنا على مراعاة هذا التوازن في حياتنا، حيث أكد أن النفس تحتاج إلى الراحة من خلال النوم والطعام، وأيضًا إلى الترويح عن النفس بممارسة عبادات متنوعة، فالإنسان لا يستطيع الاستمرار في عبادة واحدة دون أن يشعر بالملل، ولذا جاء التنوع في العبادة ليمنح النفس الراحة ويجنبها الإحساس بالملل، فيمكن للإنسان أن يؤدي عبادات متنوعة مثل الصلاة، زيارة الأصدقاء، البر بالوالدين، طلب العلم، والسعي للرزق.

وأشار إلى أن التوازن بين العبادات المختلفة هو الطريق للاستمرارية في العبادة حتى الوفاة، مستشهداً بقوله تعالى: "وَعِبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ"، فالعبادة لا تتوقف في الشباب ثم تنقطع في الشيخوخة.

دعاء ليلة النصف من شعبان.. اعرف حكم الاحتفال بهاحكم مس المصحف والصيام للحائض .. دار الإفتاء تجيب

وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير إلى أن حق النفس على الإنسان هو تلبية احتياجاتها بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، وكذلك حق الأسرة، سواء الزوجة أو الأولاد، فإن لهم حقوقًا على الإنسان في الرعاية والاهتمام، وأداء واجباته تجاههم من نصح ونفقة وتعليم.

وألمح إلى أن البعض قد يظن أن الانشغال بالصلاة والقيام وحده هو ما يجعل الإنسان من أكثر العبادات، ولكنه في الواقع قد يحرمه من عبادة أخرى قد تكون أعظم أجرًا. محذرا من التركيز على نوع واحد من العبادة وترك باقي العبادات التي قد تكون أرفع في الأجر.

وأكد جبر أن النبي صلى الله عليه وسلم رغم كثرة انشغالاته من تلقي الوحي، وقيادة الأمة، والعبادة، والاعتناء بالأحوال الشخصية، كان دائمًا حريصًا على السؤال عن صحابته، وتفقد أحوالهم، ليكون بذلك قدوة في كيف يمكن للمسلم أن يوازن بين حقوق نفسه وحقوق الآخرين دون أن يتخلى عن عبادة الله.

مقالات مشابهة

  • علاج الوسواس القهري الذي يصيب الإنسان.. تخلص منه في الحال
  • العالم بين النظام القديم والنظام الجديد
  • وزارة الداخلية تشارك في مؤتمر “ليب التقني 2025” بمنصات رقمية مبتكرة تعزز منظومة الأمن و جودة الحياة
  • طعام الحياة الأبدية في عظة الأحد للقمص باخوميوس حكيم
  • عيد الحب يغزو شوارع العالم.. كيف هي حال الأسواق في لبنان؟
  • كيف توزان بين العبادات ومطالب الحياة؟ عالم أزهري يجيب
  • بعيد الحب.. تركيا تهدي العالم 75 مليون وردة
  • حسام موافى: شهر رمضان استراحة من مشاغل الحياة للتقرب إلى الله
  • رسميا.. هذا فريق راموس الجديد
  • الذات العربية وإشكالات الواقع