قد تبدو تعليمات السلامة التي يقدمها طاقم الطائرة قبل الإقلاع للكثيرين إجراء روتيني لا يلفت الانتباه، خاصة للمسافرين الذين اعتادوا السفر بالرحلات الجوية. ففي أثناء العرض التوضيحي، تجد الركاب منشغلين بأجهزتهم الإلكترونية، أو يتبادلون الحديث، أو ينغمسون في قراءة المجلات. ولكن خلف هذا الروتين الظاهري المكرر تكمن أهمية بالغة، فهذه التعليمات البسيطة قد تكون الفارق بين الحياة والموت في حالات الطوارئ.

مع تزايد حوادث الطيران خلال الأسابيع الأخيرة، تثار تساؤلات ملحة عن فعالية تعليمات السلامة الجوية في مواجهة الأعطال والحوادث، كيف يمكن لهذه التعليمات أن تكون طوق نجاة يحمي الأرواح؟ وما المخاطر التي قد تنجم عن تجاهلها؟

لماذا يتجاهل الركاب تعليمات السلامة؟

تشير الإحصائيات إلى أن نسبة الركاب الذين ينتبهون بالكامل لتعليمات السلامة المقدمة من طاقم الطائرة متواضعة نسبيا، وقد تتفاوت بناء على عوامل مثل مدى خبرة الركاب بالسفر الجوي وثقافتهم حول أهمية هذه التعليمات. وقد أظهرت دراسة من جامعة ولاية نيويورك بالتعاون مع إدارة الطيران الفدرالية (إف أي أي) أن أقل من 50% من الركاب ينتبهون لتعليمات السلامة أثناء العرض التوضيحي. بعض الركاب يعتبرون التعليمات مكررة وغير ضرورية، خاصة إذا كانوا من المسافرين المخضرمين، وحوالي 30% ينظرون إلى تعليمات السلامة على البطاقات المرفقة بالمقاعد.

إعلان

كما كشف استطلاع أجرته الخطوط الجوية البريطانية بين 2015 و2019 أن 67% من المسافرين اعتبروا تعليمات السلامة معلومات مألوفة ولا تحتاج للمتابعة. هذه السلوكيات قد تبدو غير مؤثرة، لكنها في الواقع تزيد من خطورة الموقف في حالة الطوارئ، خاصة إذا تطلب الأمر استجابة فورية مثل الإخلاء.

وأكدت نتائج دراسة أجراها المجلس الوطني لسلامة النقل (إن تي إس بي)، أن أقل من 20% من الركاب يتابعون تعليمات السلامة التوضيحية بجدية خلال رحلاتهم. وحوالي 40% من الركاب يظنون أن هذه التعليمات ليست ضرورية لأنهم سبق أن سافروا من قبل، مما يجعلهم يتجاهلونها.

الالتزام بتعليمات الطاقم ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو صمام الأمان الحقيقي في الجو (شترستوك) الأرقام تتحدث

يعد ربط حزام الأمان أحد أكثر وسائل الحماية فعالية أثناء الاضطرابات الجوية. فقد كشفت دراسة أجرتها إدارة الطيران الفدرالية أن معظم الإصابات الخطيرة الناتجة عن المطبات الهوائية تحدث بسبب عدم ربط أحزمة الأمان.

وبين عامي 2009 و2018، تم تسجيل 298 إصابة، معظمها بين الركاب الذين لم يلتزموا بهذا الإجراء البسيط.

من ناحية أخرى، تُعد أقنعة الأكسجين من أهم وسائل الحماية عند انخفاض ضغط المقصورة. عند حدوث هذا النوع من الطوارئ، يمكن لنقص الأكسجين أن يؤدي إلى فقدان الوعي خلال 15-30 ثانية فقط. وتعد حادثة رحلة "خطوط هيليوس الجوية 522" عام 2005 مثالا مأساويا على ذلك، حيث أسفر عدم الاستجابة السريعة لاستخدام الأقنعة عن وفاة جميع الركاب البالغ عددهم 121 شخصا.

ويعد الإخلاء السريع للطائرة في حالات الطوارئ أيضا عاملا حاسما في إنقاذ الأرواح. وفقا لمعايير المنظمة الدولية للطيران المدني (آي سي أي أو)، يجب أن يتم الإخلاء في غضون 90 ثانية.

وفي حادثة رحلة الخطوط الجوية البريطانية 2276 عام 2015، تمكن الطاقم من إجلاء 170 راكبا بأمان في أقل من 90 ثانية، مما حال دون وقوع أي وفيات. بالمقابل، في حادثة رحلة إيروفلوت 1492 عام 2019، تسبب تأخير الإخلاء بسبب حمل الركاب لحقائبهم في وفاة 41 شخصا.

درس ياباني

في الثاني من يناير/كانون الثاني 2024، اشتعلت النيران في الطائرة "إيرباص 350-أي" التابعة للخطوط الجوية اليابانية في مطار هانيدا الدولي بطوكيو أثناء اصطدامها بطائرة خفر السواحل الياباني "داش 8".

عند مشاهدة لقطات اصطدام طائرة الخطوط الجوية اليابانية يبدو الأمر وكأنه معجزة أن أحدا خرج سالما من الحادث. ومع ذلك، وبينما كانت المأساة كبيرة بفقدان 5 من أفراد الطاقم الستة على متن طائرة خفر السواحل الياباني "داش 8″، نجا جميع الركاب الـ 379 وأفراد الطاقم على متن الطائرة الأخرى.

إعلان

يشير الخبراء إلى أن الإخلاء الناجح يعود إلى مزيج من معايير السلامة الحديثة الصارمة لدى شركة الخطوط الجوية اليابانية.

يقول غراهام بريثوايت، أستاذ السلامة والتحقيق في الحوادث بجامعة كرانفيلد في المملكة المتحدة لشبكة سي إن إن "مما رأيته في اللقطات، شعرت بالدهشة والارتياح لخروج الجميع".

وأضاف: "هذا الاصطدام كان شديدا للغاية، لكن بالنظر إلى ما أعلمه عن هذه الشركة الجوية، وجهودها الكبيرة في التدريب والسلامة، فإن الأداء الجيد للطاقم لم يكن مفاجئا".

الخلفية التاريخية

يرجع الفضل في هذه الاستعدادات إلى حادث كارثي وقع قبل ما يقارب 40 عاما. ففي 12 أغسطس/آب 1985، تحطمت طائرة الخطوط الجوية اليابانية الرحلة 123، مما أدى إلى مقتل 520 شخصا من أصل 524 كانوا على متنها، بسبب عطل في الإصلاح الذي أجرته شركة بوينغ على ذيل الطائرة. وحتى اليوم، يعد هذا الحادث الأكثر دموية لطائرة واحدة في تاريخ الطيران.

في عام 2005، أدركت الشركة أن العديد من الموظفين الجدد انضموا إلى العمل دون معرفة بهذا الحادث الكارثي. لذلك، افتتحت مساحة في مقرها الرئيسي تعرض أجزاء من الحطام وقصص الطاقم والركاب لتذكير الموظفين بقيمة السلامة.

وقال بريثوايت: "الشعور السائد كان أن هناك أشخاصا يعملون لدينا لا يعرفون ما الذي يعنيه وقوع حادث. أرادوا أن يفهم الجميع مدى الجهد المطلوب للحفاظ على السلامة".

وقد تم تصنيف الخطوط الجوية اليابانية كواحدة من بين أكثر 25 شركة طيران أمانا في العالم، وفقا لموقع إير لاين رايتنغز.

كيف تضمن شركات الطيران سلامة الركاب؟

تتبع شركات الطيران منظومة متكاملة لضمان سلامة الركاب من لحظة صعودهم إلى الطائرة وحتى هبوطهم بسلام. البداية تكون بفحوصات ما قبل الرحلة، حيث يقوم المهندسون بفحص شامل للطائرة يشمل المحركات، معدات الهبوط، والأنظمة الإلكترونية الحيوية.

يتم قياس كميات الوقود بدقة لضمان التوازن، كما يُشرف الطيارون على فحص الطائرة خارجيا للتأكد من سلامتها.

ربط حزام الأمان هو أحد أكثر وسائل الحماية فعالية أثناء الاضطرابات الجوية (شترستوك)

وأثناء الرحلة، تعتمد الطائرات الحديثة على أنظمة ملاحة متطورة والطيار الآلي لمراقبة السرعة والاتجاه والارتفاع. هذه الأنظمة تساعد الطيارين في اتخاذ القرارات الصائبة وتجنب الأحوال الجوية السيئة التي قد تؤدي إلى اضطرابات جوية.

إعلان

في حالات الطوارئ، يتم تدريب الطاقم بشكل مكثف للتعامل مع أي موقف. سواء كانت إسعافات أولية، إطفاء الحرائق، أو إخلاء الطائرة، إذ يضمن التدريب المكثف أن الطاقم على استعداد للتصرف بسرعة وكفاءة.

الطائرات أيضا مزودة بمعدات حديثة مثل كواشف الدخان وطفايات الحريق وأقنعة الأكسجين. وعند الهبوط، يتم التحقق من معدات الهبوط والتواصل المستمر مع أبراج المراقبة لضمان أن المدرجات خالية وآمنة.

تعليمات قد تنقذ حياتك

من لحظة الصعود إلى الطائرة وحتى الهبوط، تعمل شركات الطيران على تطبيق منظومة دقيقة من الإجراءات لضمان سلامتك. والالتزام بتعليمات الطاقم ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو صمام الأمان الحقيقي في الجو. في المرة القادمة التي تسافر فيها، تذكر أن الانتباه لهذه التعليمات البسيطة قد يكون السبب في إنقاذ حياتك وحياة من حولك.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الخطوط الجویة الیابانیة تعلیمات السلامة هذه التعلیمات من الرکاب

إقرأ أيضاً:

هل تنقذ مفاوضات الدوحة شبح عودة حرب الإبادة إلى قطاع غزة؟

تشهد العاصمة القطرية الدوحة جولة جديدة من المحادثات حول استمرارية اتفاق وقف إطلاق النار "الهش" في قطاع غزة، وإمكانية عقد صفقة تبادل للأسرى ضمن المرحلة الثانية من الاتفاق، مقابل إنهاء الحرب وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع.

وتأتي هذه الجولة الجديدة على وقع خروقات متصاعدة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وقصفه لتجمعات المواطنين، ما أسفر عن شهداء وجرحى، إضافة إلى عدم التزامه بجدول الانسحاب الخاص بمحور "فيلادلفيا" جنوب مدينة رفح.

وبعد تأخير وتلكؤ، قرر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إرسال فريق من المفاوضات الإسرائيليين اليوم الاثنين، على الدوحة، لإجراء جولة جديدة من الحادثات.

وذكر بيان صادر عن مكتب نتنياهو، أن "قرار إرسال الوفد جاء استجابة لدعوة الوسطاء بدعم من الولايات المتحدة"، فيما لم يتم الكشف عن صلاحيات الوفد، الذي لم يشمل رئيس فريق التفاوض ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر.

مفاوضات المرحلة الثانية
بدورها، أكدت حركة حماس التزامها الكامل باتفاق وقف إطلاق النار، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، معربة عن استعدادها للشروع فورا بمفاوضات المرحلة الثانية.



ولفتت إلى أن الاحتلال يواصل "الانقلاب" على الاتفاق، ويرفض البدء بالمرحلة الثانية، ما يكشف نواياه في التهرب والمماطلة، مضيفة أن "نتنياهو يعرقل تنفيذ الاتفاق لأسباب شخصية وحزبية محضة، وآخر ما يهمه الإفراج عن الأسرى، ومشاعر عائلاتهم".

وتابعت: "الاتفاق تم برعاية الوسطاء وشهد عليه العالم، ما يستوجب إلزام الاحتلال بتنفيذه باعتباره المسار الوحيد لاستعادة الأسرى"، مؤكدة رفضها "محاولات الضغط على حماس، في حين يُترك الاحتلال دون مساءلة رغم تنصله من التزاماته".

وذكرت أن "لغة الابتزاز والتهديد بالحرب لن تُجدي نفعًا، ولا طريق سوى المفاوضات والالتزام بالاتفاق، وغير ذلك هو تلاعب بمصير الأسرى"، مشددة على أن "استمرار الاحتلال في المماطلة والخداع لن يمنحه غطاءً للتهرب، بل سيزيد من عزلته ويفضح زيف روايته أمام العالم".

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا إنّ "حماس تصر على التزام الاحتلال بتعهداته في المرحلة الأولى، لكنها لا تمانع استمرار الوساطة الأمريكية، خاصة مع وجود تفاهم ضمني على فصل هذه المسألة عن المسار التفاوضي الجديد".

تثبيت وقف إطلاق النار
وأشار القرا في تحليل اطلعت عليه "عربي21"، إلى أن "واشنطن تسعى إلى تثبيت وقف إطلاق النار، ومنع الاحتـلال من إفشال المفاوضات، خاصة بشأن الرهائن الأمريكيين، مع إبقاء الاحتلال في الإطار التفاوضي لتأمين علاقاته الإقليمية، خصوصًا مع الخليج".

وذكر أن "نتنياهو يحاول التوفيق بين ضغوط الداخل ومتطلبات التفاوض، وقد يستغل المحادثات ليصور أي تقدم على أنه "امتداد للمرحلة الأولى"، ما يجنّبه تقديم تنازلات كبيرة.

وحول النتائج المتوقعة من مفاوضات الدوحة، أكد القرا أننا أمام سيناريوهات عدة، الأول يتعلق بتمديد الهدنة وخلق بيئة تفاوضية إيجابية، والثاني مرونة مشروطة من "حماس" ضمن إطار المرحلة الثانية، والثالث تنازلات محسوبة من الاحتلال تحت الضغط الأمريكي، والرابع تحقيق واشنطن أهدافها بتهدئة المنطقة وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الخليج.



وختم قائلا: "التفاوض مستمر بهدوء، وكل طرف يسعى لتحقيق أهدافه دون انهيار المسار، واستمرار وقف إطلاق النار قد يمهّد لاتفاق أوسع لاحقا"، بحسب تقديره.

من جهته، تطرق الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة إلى الحديث عن "مؤشرات إيجابية" بشأن مفاوضات الدوحة، مضيفا أنه "وسط زحام التصريحات والتسريبات، حماس تتحدث عن مؤشرات إيجابية".

ونوه عفيفة في قراءة اطلعت عليها "عربي21" إلى أن القناة الـ15 العبرية تقول إن هناك "تقدما معينا"، بينما صحيفة "هآرتس" العبرية تحذر من "فيض التفاؤل"، رغم أن إشارات التقدم الإيجابية.

ولفت إلى أنه في النهاية قرر نتنياهو إرسال وفده للدوحة، بعدما اكتشف أن قناة المفاوضات بين حماس والأمريكان، يمكن أن تفرض عليه مبادرة جديدة.

وأكد أن "المبعوث الأمريكي ويتكوف يحاول جمع الأطراف تحت سقف واحد، لكن السؤال الباقي: أي من هذه التسريبات ستصمد الأيام القادمة؟".

مقالات مشابهة

  • تقنية جديدة تنقذ آلاف المرضى بضغط الدم.. دون جراحة
  • أوسكار يستدعي حكام القمة لاجتماع طارئ قبل المباراة
  • هل تنقذ مفاوضات الدوحة شبح عودة حرب الإبادة إلى قطاع غزة؟
  • تهديد بوجود قنبلة يعيد طائرة هندية إلى مومباي أثناء توجهها إلى نيويورك
  • حكومة إسرائيل تصدر تعليمات للجيش بالاستعداد لعودة حرب غزة
  • النزاهة تعيد 20 مليار دينار لشركة الخطوط الجوية العراقية
  • المغرب يرخص بنقل الركاب عبر المناطيد
  • النزاهة: إعادة( 19.15)مليار ديناراً لمصلحة الخطوط الجوية العراقية من إحدى الشركات الأهلية
  • الجوية الجزائرية تُوقع شراكة مع CPaT Global لتطوير تدريب الطيارين 
  • مشروبات تنقذ من تجلط الدم