لقد حظيت المرأة في سلطنة عُمان بالرعاية السامية منذ فجر النهضة الحديثة في كافة الميادين، حتى أصبحت اليوم تتبوَّأ العديد من المناصب والرُتب في القطاعات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها من المجالات التي أظهرت خلالها الكفاءة والقدرة على تولي المهام والتفوُّق بُغية المشاركة الفاعلة في التنمية الوطنية، ولعل إسهامها في المسؤولية المجتمعية، وقدرتها على التواصل مع أفراد مجتمعها ومعرفة احتياجاته من ناحية، وإمكاناتها المهنية ومهاراتها القيادية من ناحية أخرى، جعلتها قادرة على تولي العديد من المسؤوليات في مؤسسات المجتمع المدني ليس فقط في جمعيات المرأة والطفل المنتشرة في المحافظات كلها، بل أيضا في عضويات الجمعيات المهنية وترؤس العديد منها.
إن المرأة في سلطنة عُمان كانت من بين أوائل النساء المشاركات على المستوى السياسي في المنطقة، سواء في المجالس القيادية أو البرلمانية أو التمثيل الخارجي والمناصب الدبلوماسية، وهذا يعكس التمكين الذي حظيت به خلال مراحل النهضة الحديثة وحتى اليوم؛ حيث جعلت الرؤية الوطنية عمان 2040 تمكين المرأة ورفاه الأسرة غاية من أهم غاياتها التي تسعى إلى تحقيقها، فما حقَّقته المرأة في عُمان خلال السنوات الماضية ينم عن حرص الدولة والمجتمع على إشراكها في التنمية والبناء المجتمعي جنبا إلى جنب مع الرجل؛ فهما ذراعا تحقيق الأهداف الوطنية، فكل منهما له قدراته وإمكاناته التي تدعم إنتاجه وعطاءه وإسهامه الوطني الفاعل.
ولأن المرأة مسهمة فاعلة على المستوى المجتمعي، تجعل من الأهداف الوطنية حافزا للمشاركة الإيجابية، فإننا ونحن على مشارف حدث وطني مهم متمثِّل في انتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة العاشرة 2023، فإنه من الضروري تشجيع المرأة ودعم قدراتها وحفزها على المشاركة؛ ذلك لأن هذه المشاركة تقوم على الدعم المجتمعي وتعزيز الدور الفاعل للمرأة، فعلى الرغم من تلك الإمكانات التي تتمتَّع بها المرأة في عُمان، إلاَّ أن الأرقام التي أُعلن عنها بشأن القائمة النهائية للمترشحين للعضوية، كشفت عن 843 مرشحًا بينهم 32 امرأة، وهي أرقام تُظهر تراجعا بسيطا عن أعداد المترشحات في الدورة الانتخابية التاسعة للمجلس، والتي كان عدد مرشحيها 637 بينهم 40 امرأة، فهذا التراجع يحتاج إلى دراسة وتحليل؛ فمع تقدُّم المرأة في مجالات عدة، إلاَّ أن الفجوة بين المرأة والرجل في المشاركة السياسية ما زالت قائمة، ولكي نسهم في سد هذه الفجوة علينا تشجيع المرأة ودعمها للمشاركة البرلمانية، لما لها من أهمية ليس فقط على المستوى المحلي بل والمستوى الدولي أيضا. إن المشاركة البرلمانية للمرأة يجب أن تكشف عن قدراتها الفاعلة في تعزيز حضورها السياسي خاصة على المستوى البرلماني، فالأمر هنا لا يتعلَّق بـ (الجندرية) فالمرأة والرجل متساويان في العطاء والعمل، إلاَّ أن مشاركة المرأة تُعدُّ تمكينا لها وتحقيقا للأهداف الوطنية؛ خاصة مع ما تتميَّز به المجالس البرلمانية من تأثير مجتمعي وقدرة على مناقشة التشريعات والقضايا التنموية التي تُعنى بالرؤى والبرامج الوطنية ، والتي تتكامل فيها آراء المرأة وخبراتها مع ما يقدمه الرجل من خبرات وعطاء.
لقد منحت السياسة الحكيمة المرأة حق المشاركة في الترشُّح والانتخاب في مجلس الشورى، والتي يجب أن يواكبها وعي مجتمعي بأهمية هذه المشاركة من ناحية، وإيمان بقدرة المرأة على تولِّي هذه المسؤولية من ناحية أخرى، كما أثبتت التجربة في الدورات البرلمانية الماضية نجاح المرأة حتى وإن كان لها مقعد أو اثنان، إلاَّ أنها كانت قادرة على إيصال رسالة المجلس وأهدافه جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل، فهما شركاء نجاح وتنمية.
ولأن الانتخاب فعل مجتمعي قائم على مجموعة من الأسس التي يراها أفراد المجتمع في المُرشح، فإن التحدي الذي يمكن أن تواجهه المرأة ضمن مشاركتها البرلمانية يكمن في محورين أساسيين؛ أحدهما إيمان المرأة بنفسها وقدراتها، ويترتَّب عليه جاهزيتها لخوض هذه التجربة المهمة، وإمكاناتها التخطيطية والتنفيذية من أجل تحقيق الهدف الذي تصبو إليه، وهي إمكانات لابد من دراستها والعمل على تنميتها قبل فترة كافية من الترشُّح. أما ثانيهما فهو إيمان المجتمع بقدرة المرأة على المنافسة وإمكاناتها التي تمكِّنها من المشاركة وبالتالي دعمها للوصول إلى عضوية المجلس.
إن الدعم الذي نرجوه للمرأة هنا ليس المقصود منه دعما جندريا باعتبارها امرأة بل دعما قائما على مؤهلاتها وقدرتها على المنافسة، وتقديم نفسها كونها مترشحة كفوءة، ذات إمكانات تؤهلها للفوز على منافسيها؛ فالانتخاب أساسه المنافسة الشريفة وقدرات المترشحين وإمكانات تمثيلهم للمجتمع بما يليق به وبما يطمحه وما يحقِّق أهدافه، وعلينا جميعا أن لا نتجاوز هذه القاعدة الأساسية، لذلك على المرأة - إن أرادت الوصول إلى العضوية - أن تعتمد التخطيط الجيد والدعاية الواعية، لكي تكون أهلا للثقة والمصداقية، وأن تقدِّم نفسها باعتبارها منافسة مكافئة لغيرها نساء أو رجالا.
وعلى الرغم من أننا نؤمن بإمكانات المرأة في عُمان ووعيها وقدراتها، غير أن الدعم المجتمعي مهم في مرحلة التأهيل والمساندة للاستعداد للانتخابات؛ لذا فإن دور جمعيات المرأة يجب أن يظهر خلال هذه المرحلة من خلال دعم المترشحات وتدريبهن على أساليب الدعاية واستراتيجياتها، وأساليبها، وكيفية إعداد البرامج الانتخابية وغيرها من المهارات من ناحية، وتوعية المجتمع بأهمية الموضوعية وأسس الانتخاب النزيه القائم على انتخاب الأجدر والأكثر قدرة على المشاركة الإيجابية الفاعلة من ناحية أخرى؛ فجمعيات المرأة لها دور فاعل في الوصول إلى مختلف شرائح المجتمع وبالتالي فإنها تُسِهم في تعزيز دور الأفراد، وتقدِّم الدعم والمساندة للمرأة في هذه المرحلة المهمة.
يستعرض المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين للعام 2023، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، تطوُّر التكافؤ بين الجنسين من خلال أربعة أبعاد رئيسة هي: (المشاركة والفرص الاقتصادية، والتحصيل العلمي، والصحة والبقاء على قيد الحياة، والتمكين السياسي)، وبعيدا عن مناقشة الأبعاد الثلاثة الأولى، فإن عُمان تأتي في المرتبة 139 بين 146 دولة على مستوى العالم، ليتم تصنيفها من بين البلدان الأقل تمثيلا للمرأة في البرلمان؛ فقد جاء تمثيلها بنسبة (2.4%)؛ حيث تأتي بعد جزر المالديف (4.8%)، وقطر (6.6%)، ونيجيريا (3.7%) - حسب ما ورد في التقرير -.
إن أحد جوانب الفجوة في التمكين السياسي التي يعبِّر عنها التقرير يعكسها تمثيل المرأة في المجالس البرلمانية، وهي فجوة لا يمكن سدها أو تقريبها سوى بمنح المرأة الثقة والدعم المجتمعي في الانتخابات القادمة لمجلس الشورى، وتمكين دورها التنموي والتشريعي، فتمثيل المرأة باعتبارها نصف المجتمع ومشاركة فاعلة في التنمية، وقادرة على الإسهام، يجب أن يظهر في ذلك الدعم الذي يقدمه المجتمع، كما يجب أن يعكسه ذلك التنظيم الواعي والصورة المثلى التي تقدمه المرأة المترشحة عن نفسها في منافستها للوصول إلى البرلمان.
إن تكافؤ الفرص الذي أقرَّه النظام الأساسي للدولة، ومبدأ المساواة بين المرأة والرجل، والدعم والتمكين والرعاية التي تحظى بها المرأة في عُمان، تُعد من بين المكاسب الاجتماعية والاقتصادية المهمة التي علينا النظر إليها باعتبارها أُسسا تدفعنا نحو الاستفادة من المعطيات والعمل من أجل تحقيق غايات المجتمع، فكما تفتح القوانين والتشريعات آفاق العمل والفُرص فإن علينا دعم فئات المجتمع كلها حتى نُسهم بشكل إيجابي بتحقيق تلك الغايات الوطنية. فلنكن كلنا وطنا ينبض بقلب واحد.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على المستوى مجلس الشورى من ناحیة التی ت یجب أن
إقرأ أيضاً:
القطريون يبدأون التصويت على تعديلات لدستور دائم للبلاد
بدأ القطريون عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية لسنة 2024، بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، بعد مرسوم أميري أصدره الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لإقرار دستور دائم للدولة.
وفتحت أبواب اللجان، في الساعة السابعة صباح اليوم، بالتوقيت المحلي للدوحة، للتصويت الورقي، داخل قطر وخارجها ويشترط أن للمقترع أن يكون أتم الـ 18 من عمره.
كما أتاحت اللجنة التصويت إلكترونيا عبر أجهزة لوحية، وذلك بالحضور شخصيا في أحد مقار الاستفتاء المعلن عنها التي تنتشر في جميع مناطق الدولة، كما تتضمن الوسائل التصويت "عن بعد" باستخدام تطبيق "مطراش 2" من داخل الدولة وخارجها.
وسيكون التصويت بالاختيار بين "نعم" أو "لا" على النصوص الدستورية المعدلة، على أن تباشر لجان الاستفتاء فرز الأصوات وإحصاءها، لتعلن النتيجة خلال 24 ساعة من انتهاء التصويت.
ومن أهم مشروعات التعديلات التي طرأت على مواد الدستور ما يلي: أصبحت المادة رقم "1" في النص المقترح "قطر دولة عربية مستقلة ذات سيادة، دينها الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي لتشريعاتها، ونظامها ديمقراطي يقوم على الشورى والعدل وسيادة القانون، ولغتها الرسمية هي اللغة العربية، وشعب قطر جزء من الأمة العربية".
بعد أن كانت المادة نفسها "قطر دولة عربية مستقلة ذات سيادة، دينها الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي لتشريعاتها، ونظامها ديمقراطي، ولغتها الرسمية هي اللغة العربية. وشعب قطر جزء من الأمة العربية".
أما المادة رقم "77" فجاء النص المقترح كالتالي "يتألف مجلس الشورى من عدد لا يقل عن 45 عضوا، ويصدر بتعيين الأعضاء قرار أميري"، بعد أن كانت "يتألف مجلس الشورى من 45 عضوا. يتم انتخاب 30 منهم عن طريق الاقتراع العام السري المباشر، ويعين الأمير الأعضاء الـ 15 الآخرين من الوزراء أو غيرهم، وتنتهي عضوية المعينين في مجلس الشورى باستقالتهم أو إعفائهم".