صحيح، قد يبدو الأمر للوهلة الأولى غريباً أن يكتب الإنسان عن عناية الدولة السعودية بكتاب الله عزَّ و جلَّ وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، واهتمامها بهما، ورعايتها لهما، مع أنهما يشكلان الركيزتين الأساسيتين، بل قل الركيزتين الوحيدتين لدستورها الذي تسير على هديه، وإليه تحتكم في شؤون حياتها كلها، لا فرق عندها أمام هذا الدستور العظيم بين ملك وأمير، أو بين وزير وخفير، أو بين مواطن ومقيم؛ فالكل فيها سواسية أمام شرع الله.

أجل، قد يبدو الأمر غريباً إلى حدٍّ ما، أن يكتب الإنسان عن عناية الدولة السعودية بالكتاب والسُّنَّة، مع أنها أُسست بعزم الرجال الصادقين على الإيمان والتقوى، وفق منهج إسلامي سليم، معافىً من الشوائب والدجل والشعوذة، وبعد إنساني عالمي، غايته المنشودة تحقيق الخلافة في الأرض وفق هذا المنهج الإسلامي الصحيح في كل زمان ومكان، كما أراد الله له أن يكون.

فقطعاً كلنا اليوم يدرك جيداً ما كان يعانيه شبه الجزيرة العربية، لاسيَّما منطقة نجد وبلدانها، قبل مجيئ الحكم السعودي، من حروب وفتن وتخلف وسوء حال في جوانبها كلها، السياسية، الاقتصادية، الإدارية والاجتماعية؛ وانغماس الناس في البحث عن لقمة العيش، واستشراء الجهل، وانتشار الأمية، وضعف الدِّين.. فلم يكن أحد ينتظر في بيئة مثل تلك أن يرى أي اهتمام بالكتاب والسُّنَّة.

حتى إذا جاء الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، وأشرق فجر الدولة السعودية الأولى المباركة على يديه عام 1727م، على أساس راسخ، قِوامه شرع الله والتمسك بكتابه عزَّ و جلَّ، والسير على نهجه، والاقتداء بسُنَّة رسوله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في شؤون الحياة كلها، سعياً حثيثاً لتحقيق الخيرية التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتنشد الخير للناس كافة، فكان كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله عليه الصلاة والسلام، هما دستور هذه البلاد الطاهرة الطيبة المباركة منذ بزوغ فجرها الأول.

ولهذا أولى أئمة الدولة السعودية المباركة على تعاقب العصور، عناية فائقة بالقرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الشريفة المطهرة. ولم تكن عنايتهم تلك تقتصر على حث الناس على حفظ القرآن الكريم وفهمه والعمل بموجبه، والتفقه في السُّنَّة، وتيسير السبل كلها التي تمكِّن أفراد المجتمع من هذا الواجب العظيم الذي تصلح به شؤون الدنيا والآخرة، حتى يكون الناس كلهم على بصيرة من أمرهم؛ بل وظفوا معلمين لتعليم أبنائهم وبناتهم ونسائهم والعاملين لديهم، الكتاب والسُّنَّة، مثلما اهتموا هم أنفسهم بحضور الدروس العلمية التي يُدَرَّسُ فيها القرآن الكريم وغيره من العلوم الشرعية؛ بل كان كتاب الله حاضراً في كل مجالسهم العامة والخاصة على حدٍّ سواء، ولم يفارقهم أبداً حتى أثناء الغزوات ورحلات الحج التي كانت تستغرق وقتاً طويلاً. وأكثر من هذا: كانوا يتحرون في غزواتهم ورحلاتهم تلك، صاحب الصوت الحسن ليتلو عليهم القرآن، فيخشعون ويتأثرون بما يسمعونه من أحكام ومواعظ حتى البكاء.

أجل، لقد تميز أئمة هذه الدولة السعودية المباركة على مر العصور عن سائر حكام العالم باهتمامهم بكتاب الله عزَّ و جلَّ وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وشدَّة حرصهم على تعليمه وتعلمه والعمل به، وقد انعكس هذا جلياً على اهتمامهم بالعلماء، وإكرامهم لهم ودعمهم ومساعدتهم بكل ما يمكنهم من التفقه في الدِّين، خاصة أولئك الذين يتفرغون لطلب العلم وحفظ القرآن الكريم. ومن ناحية أخرى، حرصوا على الذهاب إلى أولئك العلماء في بيوتهم ومساجدهم التي يقيمون فيها حلقات تحفيظ القرآن، تقديراً لهم وتحفيزاً لأفراد المجتمع لكي يعرفوا للعلماء قدرهم، ومن ثم يقبلوا على تلقي العلم على يديهم.، ليس هذا فحسب، بل طلب أئمة الدولة السعودية على تعاقب عصورها العلم وتفقهوا فيه؛ أذكر منهم هنا على سبيل المثال، الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، الذي كان عالماً جمع بين الحديث والتفسير والفقه والتوحيد، فشارك العلماء في الأبحاث العلمية، مع انشغاله بشؤون الحكم وتدبير أمر الرعية، بل قيل إن ابنه عبد الله بزَّ حتى العلماء أنفسهم في الفقه.

وهكذا استمر الحال بالاهتمام بكتاب الله عزَّ و جلَّ وسُنَّة رسوله عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم، في الدولة السعودية الثانية، لأنهما يشكلان الأساس المتين الذي أسست عليه، فكانت قصور أئمتها عامرة بالقرآن والمجالس العلمية. وكان الإمام تركي بن عبد الله ابن الإمام محمد بن سعود، صاحب السيف الأجرب، مؤسس الدولة السعودية الثانية، يخرج يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، لا يشغله عن ذلك شاغل مهما كان، فيجتمع بالناس ليتدارسوا القرآن والتفسير، وكذلك فعل ابنه الإمام فيصل.
والحقيقة، لم يقتصر اهتمام أئمة الدولة السعودية على تعاقب عصورها، على حفظ كتاب الله وفهم السُّنَّة النبوية الشريفة، بل تعداه إلى الغاية العظيمة المنشودة، التي تتمثل في فهم المعاني والمقاصد، والعمل به ليصبح نظاماً أساسياً يوجه دفَّة حياة المجتمع كله.

وهكذا استمر هذا الاهتمام الجاد، وتلك العناية الكبيرة بالكتاب والسُّنَّة والعمل بهما خلال الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية؛ حتى إذا جاء الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، وأشرق فجر الدولة السعودية الثالثة التي نتفيأ اليوم ظلالها الوارفة، سار على نهج أجداده وآبائه الكرام البررة، ليقينه التام أنه لا عزَّة لمسلم إلا في التمسك بكتاب الله وسُنَّة رسوله قولاً صادقاً، يؤيده العمل المخلص. فكان أول قرار اتخذه، أن جعل دستور بلاده هو كتاب الله عزَّ و جلَّ وسُنَّة رسوله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، التزاماً بالتمسك بالأساس الراسخ الذي قامت عليه دولة أجداده وآبائه منذ بزوغ فجرها الأول، استمراراً لتلك الرسالة السامية العظيمة في خدمة دِين الله، التي من أجلها أُسست هذه الدولة الطاهرة الطيبة المباركة؛ بعد أن لمَّ المؤسس شعثها، ووحد قلوب أبنائها، قبل توحيد جغرافيتها، كما يؤكد دوماً قائد قافلة خيرنا القاصدة في هذا العهد المشرق الزاهر، خادم الحرمين الشريفين، سيدي الوالد المكرم، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.

فعمرت مجالسه العامة والخاصة بتدارس كتاب الله وسّنَّة رسوله، إضافة إلى العلوم الشرعية؛ بل كان الملك عبد العزيز يبكي ويطول بكاؤه عند سماعه تلاوة القرآن، حتى يبكي من حوله. ولم يكن كتاب الله يفارقه أبداً حتى في حروبه من أجل توحيد البلاد التي استمرت ثلاثة عقود، بل كان خير معين له وموجه. كما كان برنامجه اليومي يشتمل على ساعة قبل صلاة الفجر، يصلي فيها ما شاء ويتلو القرآن ثم يدعو ربَّه بالتوفيق والسداد وصلاح البلاد والعباد. كما حرص كسلفه الصالحين، على تعليم أبنائه ونسائه والعاملين لديه، كتاب الله، وحثهم على حفظه بشتى السبل. وكان يؤكد على القائمين على تعليم أبنائه كتاب الله: (أريد أن يفهم أبنائي معنى ما يقرؤونه من القرآن، ليكون ذلك أدعى إلى العمل، فالعلم بلا عمل، لا فائدة منه).

أما على نطاق المجتمع، فقد أنشأ المؤسس مدارس تحفيظ القرآن، كما انتظمت حِلَق التحفيظ مساجد البلاد في مدنها وقراها وهجرها كلها، واختار لها أفضل المعلمين وأكثرهم كفاءة، ودعمهم بكل ما من شأنه مساعدتهم في مهمتهم، ولم يكتفِ بهذا، بل رصد جوائز قيمة للحفظة، وشرَّفهم بحضور احتفالاتهم وتسليمهم الجوائز بنفسه، اهتماماً بتعليم كتاب الله، وتشجيعاً لهم ودعماً معنوياً كان يراه ضرورياً لإنجاز هذه المهمة العظيمة، حتى مع كثرة مشاغله بأمور الحكم.

وامتدت جهود الملك عبد العزيز وعنايته بكتاب الله، لطباعته وتزويد الحرمين الشريفين ومساجد البلاد به، وإدخاله إلى بيوت السعوديين كلها حيثما كانوا، وتقديمه هدية للحجاج والمعتمرين، وأي هدية أفضل من كلام الله وأشرف؟!.
وبجانب هذا كله، اهتم المؤسس بطباعة الكتب العلمية ونشرها وترجمتها إلى بعض اللغات، سعياً إلى نشر الإسلام على أوسع نطاق ممكن.. وهكذا استمر الاهتمام بكتاب الله عزَّ و جلَّ والعناية به في مختلف عهود أبنائه الذين تعاقبوا على قيادة مسيرة قافلة خيرنا القاصدة: الملك سعود، الملك فيصل، الملك خالد والملك فهد الذي تم في عهده إنشاء (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) بالمدينة المنورة، الذي يعد حتى اليوم أضخم مؤسسة في العالم تعنى بطباعة كتاب الله، بل شرَّف نفسه بلقب (خادم الحرمين الشريفين) الذي أصبح لقباً رسمياً لملك المملكة العربية السعودية.

وهكذا كان كل خلف يضع مزيداً من اللبنات على بنيان السلف، وصولاً إلى هذا العهد المشرق الزاهر، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، سيدي الوالد المكرم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أشبه الناس بعبد العزيز، خَلْقاً وخُلْقاً، كما أجمع كثير ممن تشرَّف بالكتابة عن مقامه السامي الكريم أو تحدث. وأضيف اليوم مفارقات عجيبة، أُذَكِّر الناس بها في ما يتعلق بالقواسم المشتركة بين المؤسس وابنه الملك سلمان:
• كان ميلاد خادم الحرمين الشريفين، سيدي الوالد المكرم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في اليوم الخامس من شهر شوال عام 1354ه؛ وهو اليوم نفسه الذي استرد فيه والده الملك عبد العزيز آل سعود الرياض من عام 1319ه.
• أكمل الملك سلمان حفظ القرآن الكريم وهو في ربيعه الحادي عشر، وهي السن نفسها التي أكمل فيها المؤسس حفظ كتاب الله.

• من جهة أخرى، ترتيب الملك سلمان هو الخامس والعشرون في تسلسل أبناء المؤسس حسب تاريخ ميلادهم، وهذا العدد (25) هو من مضاعفات العدد (5) الذي يوافق يوم استعادة المؤسس للرياض، ويوم ميلاد الملك سلمان.
• ومثل المؤسس، كتاب الله لم يفارق الملك سلمان أبداً في حل أو سفر؛ وقد رأيته أكثر من مرة يتلو القرآن حتى وهو متنقلاً بالسيارة. ولا يترك ورده اليومي أبداً مهما كانت مشاغله، كما أكد ابنه البار، أخي العزيز صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، رئيس مجلس الوزراء، ولي العهد القوي بالله الأمين.
فلا غرو إذاً أبداً أن يعد مقام خادم الحرمين الشريفين السامي الكريم، الملك سلمان، امتداداً طبيعياً لوالد الجميع المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود.

أقول حتى إذا وصلنا إلى هذا العهد المشرق الزاهر، نجد أن النشاطات التي تتعلق بالاهتمام بكتاب الله وسُنَّة رسوله، تفوق الوصف والحصر، من مدارس تحفيظ القرآن، إلى الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن، كما تضاعفت طاقة (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) بالمدينة المنورة إلى مئات ملايين النسخ سنوياً، وتوزيعها بمختلف الإصدارات والروايات، وترجمته إلى نحو عشرين لغة، وطباعته بلغة برايل، حتى ينعم من حرموا نعمة البصر، بتلاوة كتاب الله وحفظه.

ومن ناحية أخرى تضاعفت ميزانية دعم الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن، بل خصص مقامه السامي الكريم دعماً سنوياً لها من حسابه الخاص، وتعددت مسابقات الحفظة، من مسابقة الملك عبد العزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم، إلى مسابقة الأمير سلطان الدولية للعسكريين، ثم مسابقة الملك سلمان المحلية، فمسابقة ابنه الأمير سلطان لذوي الهمم؛ كما يعد إنشاء (مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود للحديث النبوي الشريف) خدمة عظيمة للسُّنّة ولكتاب الله أيضاً. ويكفي الملك سلمان قائدنا إلى المعالي الهمام فخراً، حصوله على مسابقة دبي الدولية للقرآن الكريم لعام 1438ه، اعترافاً بدوره الكبير في رعاية كتاب الله والاهتمام به، وخدمة الحرمين الشريفين، وكل ما له صلة بالخير والإنسانية؛ هذا غير ذلك العدد الكبير من الألقاب والأوسمة والنياشين وشهادات الدكتوراة الفخرية التي منحت له تقديراً لاهتمامه بالأعمال الخيرية والإنسانية وتشجيعها ودعمها بسخاء من لا يخشى فقراً.

وعلى كل حال، الحديث في هذا الجانب العظيم يكاد لا ينتهي، غير أنني أكتفي هنا بتأكيد دولتنا الطيبة المباركة على اهتمامها بكتاب الله ورعايته، وحرصها الشديد على تمثله في شؤون حياتها كلها، إنها جعلته مع سُنَّة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، دستور حياتها إلى الأبد إن شاء الله، ونصَّت على ذلك صراحة، بل بكل فخر واعتزاز، في المادة السابعة من نظامها الأساسي للحكم: (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة).

والحقيقة، لا أجد أفضل ما يمكن أن أختم به حديثي هذا غير ما أكده الملك سلمان: (دولتنا الرشيدة في هذا العصر، بذلت وما زالت تبذل في خدمة القرآن الكريم، كل ما تستطيع. فعنيت به وشجعت على تلاوته وحفظه والعمل بأحكامه، وأقامت له أضخم منشأة طباعة في العالم، ودعمت الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في كل المناطق، فجزا الله قادة هذه البلاد خير الجزاء، لقاء رعايتهم لكتاب الله، رعاية تليق بمكانته في قلوب المسلمين)، ثم رؤية مقامه السامي الكريم أن أعظم خدمة تقوم بها بلادنا هي تشرفها بخدمة كتاب الله وسُنَّة رسوله، وخدمة الحرمين الشريفين؛ ثم ينسب بتواضعه الجم الفضل، بعد الله المنعم الوهاب، إلى شعبه كله، إذ يقول مخاطباً إيَّاهم: (أكبر خدمة أن يأتي الحاج والمعتمر وهو آمن مطمئن في بلادنا من أدناها إلى أقصاها، فهذا أهم شيء.. وأنتم عنَّا كلنا في بلاد الحرمين الشريفين، فكلنا نخدم الحرمين، ولست أنا وحدي.. كل الشعب السعودي).
فالحمد لله الذي خصَّنا بأطهر البقاع وأشرفها وأعظمها وأحبها إلى رسوله. وجعل منَّا آخر رسله للناس كافة، وقيَّض لنا قيادة حكيمة رشيدة مخلصة وفيَّة، تحب لنا الخير وتدفع عنَّا الشر، وتعمل ليل نهار من أجل سعادتنا وتنمية بلادنا وازدهارها ورفعتها.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: خادم الحرمین الشریفین حفظ القرآن الکریم علیه أفضل الصلاة الملک عبد العزیز الدولة السعودیة المبارکة على ة رسوله علیه محمد بن ما کان

إقرأ أيضاً:

5 سنوات سجن في الأردن ضد ناشط وجه رسالة إلى الملك.. هذا نصّها

قضت محكمة أمن الدولة الأردنية الثلاثاء، بالسجن خمس سنوات ضد الناشط أيمن صندوقة، بعد اعتقاله على إثر رسالة وجهها إلى الملك عبد الله الثاني.

وقال الشيخ سالم الفلاحات، أمين عام حزب الشراكة والإنقاذ (تم حله مؤخرا بقرار من المحكمة الإدارية)، إن أمن الدولة قضت بالسجن 5 سنوات على صندوقة (أحد أعضاء الحزب)، بعدما أدانته بتهمة "التحريض على مناهضة الحكم السياسي".

واعتقل أيمن صندوقة في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2023 بعد أن كتب منشورا على فيسبوك، موجها إلى العاهل الأردني، ينتقد فيه علاقة الأردن بإسرائيل.

وفي 12 شباط/ فبراير، وجه النائب العام لمحكمة أمن الدولة إلى صندوقة تهمة التحريض على مُناهضة نظام الحكم السياسي، بموجب المادة 149 من قانون العقوبات. ونقلته قوات الأمن إلى سجن الطفيلة، على بعد أكثر من 180 كيلومترا خارج عمان.

وتاليا نص الرسالة التي كتبها صندوقة ووجهها إلى الملك عبد الله الثاني:

رسالة مفتوحة إلى الملك عبدالله الثاني ..
نظرا لأنني لا يمكنني لقاؤك، أو حتى إيصال مثل هذه الرسالة لك بشكل خاص، فإنني أكتبها وأرسلها لك عبر هذا الأثير واثقا أنها ستصلك فقط بهذه الصورة... وأرسلها لك إعذارا إلى الله تعالى ثم لئلا يقال أننا كنا شعبا كله جبناء عن قول الحق في وقته ومحله .. كما إنني غير معني بالديباجات والبروتوكولات في خطابك التي اعتاد أن يخاطبك بها الرسميون ...

السلام عليكم ورحمة الله.. وبعد:-
إنك وقد جعلت نفسك متحكما منفردا في كل مفاصل الدولة المدنية منها والعسكرية، فإنك غير معفى أمام الله تعالى ثم أمام الشعب الأردني ومن بعده الأمة كلها من مسؤولياتك الحقيقية تجاه فلسطين وما جرى ويجري فيها فضلا عن مسؤولياتك الأخرى عن كل ما يعانيه الأردنيون منذ أكثر من عقدين ، ولكن الحاضر اليوم هي فلسطين ووجعنا فيها وأملنا في رجالها، وهاك الملخص فلن أطيل:
إن الأردن الذي تحكمه منذ عقود على أطول خط مواجهة مع الاحتلال، ويقطنه أكبر تجمعات الشتات الفلسطيني، وقد أضاعت الأمة الأقصى والقدس والضفة الغربية في وقت كانت فيه كل تلك الأراضي أراض أردنية..

وإنني أراك اليوم - ورغم كل جرائم هذا العدو- أشد تمسكا باتفاقية السلام المزعوم معه من تمسك الأم بولدها ، علما أننا لم نجن من هذه الاتفاقية سيئة الذكر وكل ذيولها من إجراءات التطبيع إلا فقدان الكرامة وضياع الحقوق وانحراف المسار، فاختلت توازناتنا وعلاقاتنا منذ جعلتم العدو صديقا وحليفا ، واخترعتم لنا أعداء جددا ليسوا سوى أعداء أعدائنا ، وأدخلتمونا في حروب واصطفافات لا شأن لنا بها أحيانا، ولا تليق بنا في أحيان أخرى..

لقد سبق لوالدك الحسين أن فاجأ الجميع باتخاذ مواقف تاريخية واجه فيها الإرادة الصهوأمريكية في محطات بعينها ، وإن تلك المواقف لا تغيب عن الذاكرة لأنها كانت بعكس سياق الأحداث المتوقعة فعلا... ولعلك تذكر كيف غضب رحمه الله عندما امتدت اليد الغادرة لمحاولة اغتيال خالد مشعل في عمان ، فجعل اتفاقية السلام تلك في كفة وحياة المواطن المغدور في كفة ، مما جعل العدو يرضخ ويرسل الترياق للمغدور ويفرج عن الشيخ أحمد ياسين رحمه الله ونقل فورا من سجون الاحتلال إلى المدينة الطبية في عمان لتلقي العلاج.
أفلا تجد أيها الملك أن آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى في فلسطين في أسبوع واحد يستحقون أن تضعهم في كفة مقابل اتفاقية الذل والعار تلك ؟!!

وجيشنا الأردني الذي تعلمنا أنه سمي بالجيش العربي لأنه ليس للأردن بل لكل العرب، متى يا ترى تأمره بالتحرك لاستكمال واجبه المقدس الذي بدأه الأجداد في اللطرون وباب الواد والكرامة؟! فنحن - أيها القائد الأعلى للقوات المسلحة- لم نقبل يوما بتحويل عقيدة جيش كله من أبنائنا المؤمنين الصادقين ليلتف لمقاتلة أعداء لم نعرفهم بعد بينما عدونا التاريخي ما يزال جاثما على جزء عزيز من أرضنا ، ويتربص ببقيتها، ويمتص خيرنا، ويقتل إخواننا ، وجيشنا يرزح في قيود القرار السياسي المكبل بانتظار الإذن من الخارج!!!

إننا لنصاب بالخجل كلما تعلق الناس بأمل تلقي الإسناد للمقاومة الفلسطينية من جهات ليس جيشنا العربي واحدا منها حيث أنهم قد غسلوا أيديهم منه أن ينصر الحق بعدما كبلتموه كل هذه العقود وكاد الناس أن ينسوا وجوده أساسا.. والمسؤولية عليك أنت في ذلك لا سواك، فاتق الله ثم اتق يوما يتركك فيه الكذابون والمصفقون لك بالحق والباطل خوفا من بطشك بأشكاله أو طمعا في عطائك بأشكاله... فالناس لا تثبت أحوالها معك إلى الأبد إن استمر إيلامها ونخزها فيما يعز عليها ..

ألا فتلمس طريق نجاتك في الدنيا والآخرة من نبض شعبك وأمتك ، وقد رفعوا أصواتهم فلا تصم أنت أذنيك إلا عن أولئك الذين اعتدت الاستجابة لهم في الخارج والداخل فأوصلوك وأوصلونا إلى ما نحن فيه اليوم ، فوالله هؤلاء أعداؤك فلا تستمر معهم عدوا لنفسك ، ولا تؤخر عمل اليوم إلى الغد.
أما إن أبيت إلا الانحياز لما اعتدت عليه فأنت وذاك..وربما تصلك رسالتي متأخرا ..
والسلام ..

مقالات مشابهة

  • مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الثامنة التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة لمساعدة الشعب السوري الشقيق
  • ضابط تغيير خلق الله المنهي عنه في القرآن الكريم
  • أسرار الرزق والنجاح.. 10 حقائق عن وعد الله في القرآن الكريم
  • رابط نتيجة مسابقة شيخ الأزهر للقرآن الكريم لعام 2024-2025
  • أنواع هجر القرآن الكريم ومتى يكون المسلم هاجرا لكتاب الله؟ احذر من 7 أمور
  • 5 سنوات سجن في الأردن ضد ناشط وجه رسالة إلى الملك.. هذا نصّها
  • مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية السابعة التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة لمساعدة الشعب السوري
  • سورة الملك المنجية من عذاب القبر.. كيف تحافظ على تلاوتها يوميًا؟
  • “اغاثي الملك سلمان” يختتم مشروع نور السعودية التطوعي لمكافحة العمى في عدن