واشنطن والنظام السورى الجديد
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
قلنا سابقًا، ونعيد هنا التأكيد من جديد على أن ما جرى فى سوريا من أحداث لم يكن بسبب تفاعلات داخلية تعكس صراعًا على السلطة بين فرقاء سوريين.. نظام ديكتاتورى ومعارضة ترفع راية الوطنية للتخلص من هذا النظام، وإنما يعكس حقيقة أن سوريا ليست سوى ساحة لصراع قوى دولية مختلفة انتهى لصالح جبهة دون الأخرى. وأهمية هذه الرؤية أو هذا الطرح تتمثل فى استحقاقات هذا الوضع وتأثيره ليس على مستقبل الوضع فى سوريا فقط، وإنما على مستقبل الوضع فى المنطقة ككل فى ضوء محورية الدولة السورية ومركزية وضعها فى المنطقة.
فى ظل هذا الطرح تحظى واشنطن أو الدور الأمريكى بشكل عام بأهمية كبيرة فى ضوء حقيقة أنه من الصعب أن يتم ترتيب أى أوضاع فى المنطقة بعيدًا عن أعينها أو دون الضوء الأخضر منها. ورغم أن سقوط بشار الأسد ربما لم يكن فى بؤرة الاهتمام الأمريكى إلا أن القضاء على النفوذ الإيرانى باعتبار دمشق حتى ما قبل لحظة انتصار المعارضة السورية كانت تمثل امتدادًا لذلك النفوذ، فضلًا عن احتواء الدور الروسى هناك .. نقول إن ذلك كان يمثل أولوية للسياسة الأمريكية هناك.
على خلفية هذه الفرضية، أشرنا ولم نستبعد انغماسًا أمريكيًا فى تحريك الأمور فى سوريا فى السكة التى تمضى فى هذا الاتجاه على النحو الذى آلت اليه الأمور هناك الشهر الماضى. ورغم ما فى هذا الطرح من مصادمة لمشاعر السوريين الذين فرحوا بسقوط نظام الأسد إلا أنها الحقيقة التى لا مناص منها.
تفاصيل ما جرى وآليات الوصول إليه ربما تبقى طى السرية إلى حين، ولن تتكشف بين يوم وليلة غير أن المؤشرات تتوالى وتتكشف لتعزز الفرضية التى نشير إليها ومنها الموقف الأمريكى المبدئى من تولى نظام جديد فى دمشق ويقوم على الترحيب الحذر ويعكسه اتجاه إدارة بايدن إلى تخفيف القيود على المساعدات الإنسانية لسوريا.
وإذا كان من المبالغة تحميل هذه الخطوة دلالات أكثر من اللازم إلا أنها فى الجوهر تشير الى موقف أمريكى مرن ومتجاوب مع ما جرى وهو ما يعززه إعلان واشنطن أنها تدرس رفع هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية إذا أظهرت الجماعة أنها ستحكم سوريا بطريقة شاملة ومسئولة، بل وإلغاء الولايات المتحدة للمكافأة المرصودة للقبض على القائد العام للإدارة الجديدة فى سوريا أحمد الشرع والبالغة قيمتها 10 ملايين دولار، التى عرضتها واشنطن سابقًا مقابل الحصول على معلومات عنه.
بالطبع من غير المنتظر أن تقدم واشنطن على تغيير جذرى وكامل فى موقفها من النظام الجديد فى سوريا، ومن المؤكد أنها ستواصل حذرها لكن من المؤكد أنها ستعمل على دعمه بشكل تدريجى. ومن اللافت هنا أن يأتى الحديث عن تمويل الزيادة الكبيرة فى أجور موظفى القطاع العام فى سوريا والتى تعهدت بها الإدارة الجديدة هناك على لسان دبلوماسى ومسئول أمريكى كشف عن اعتزام قطر المساعدة فى ذلك الأمر، وهو ما لن يتم سوى بتنسيق بين الإدارتين الأمريكية والقطرية.
المشكلة أنه إذا كانت واشنطن تعرف جيدًا ما تريده من الإدارة الجديدة فى سوريا، وتعرف سبل تنفيذ ذلك، أن قادة سوريا الجدد يبدون كمن يمشى على جسر من الشوك، فما بين تحقيق المصالحة الوطنية وتطلعات المواطن السورى وما بين التجاوب مع رغبات الإدارة الأمريكية والتى تعكس فى جانب منها رغبات إسرائيلية تبدو أى خطوة على طريق المستقبل ملغمة وقد تنفجر فى وجههم فى أى لحظة، ولعله على هذه الخلفية يأى تأكيدنا على أن الأوضاع فى سوريا ستظل على صفيح ساخن إلى أمد- للأسف- غير معلوم!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: تأملات د مصطفى عبدالرازق ا التأكيد المنطقة فى سوریا
إقرأ أيضاً:
الوجود الأمريكي في سوريا: تصريحات بالانسحاب وتعزيز للانتشار العسكري.. ماذا يحدث؟
بغداد اليوم - بغداد
في ظل التطورات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، عاد الجدل حول مستقبل الوجود الأمريكي في سوريا إلى الواجهة، خاصة بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تحدث فيها عن إمكانية سحب القوات الأمريكية من هناك خلال الأشهر القليلة المقبلة.
إلا أن التحركات الميدانية تكشف واقعاً مختلفاً، حيث يرى مراقبون أن واشنطن تعمل على تعزيز وجودها العسكري في شمال وشرق سوريا، مما يثير تساؤلات حول مدى جدية هذه التصريحات وأهدافها الفعلية.
مناورة سياسية
في حديث لـ"بغداد اليوم"، اعتبر العضو السابق في لجنة الأمن والدفاع النيابية عباس صروط أن حديث ترامب عن الانسحاب ليس سوى مناورة سياسية تهدف إلى خلق أوراق ضغط جديدة تخدم مصالح البيت الأبيض.
وأكد أن الولايات المتحدة قامت خلال الفترة الماضية بتعزيز قواعدها في سوريا عبر إرسال مئات الجنود ونقل معدات عسكرية ثقيلة ومتوسطة، بالإضافة إلى نشر أنظمة دفاع جوي متطورة.
هذا التصعيد، بحسب صروط، يعكس استراتيجية بعيدة المدى لا يمكن تفسيرها بكونها خطوة مؤقتة، بل تدل على توجه أمريكي لإعادة انتشار قواته في المنطقة مع التركيز على سوريا كمحور أساسي في السياسات المستقبلية.
التقارير الميدانية تشير إلى أن هناك نشاطاً متزايداً للطيران العسكري الأمريكي في الأجواء السورية، مع استمرار تدفق طائرات الشحن التي تحمل تعزيزات عسكرية إلى القواعد الأمريكية.
هذا المشهد يتناقض بشكل واضح مع فكرة الانسحاب القريب التي يروج لها ترامب، الأمر الذي يعزز فرضية أن هذه التصريحات ليست سوى رسائل موجهة لأطراف مختلفة، سواء داخل الولايات المتحدة أو في المنطقة.
مؤشرات لتحالف ودوافع للبقاء
على المستوى السياسي، يشير صروط إلى أن العلاقات بين واشنطن ودمشق قد شهدت تطوراً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، وهو ما قد يفسر تكثيف التحركات العسكرية الأمريكية في عدة مدن ومواقع استراتيجية داخل سوريا.
ورغم حالة العداء الظاهر بين الجانبين، إلا أن بعض المؤشرات توحي بأن هناك قنوات تواصل غير معلنة قد تصل إلى مستوى شبه تحالف، وهو ما يجعل من بقاء القوات الأمريكية في سوريا أمراً يخدم مصالح الطرفين في بعض الجوانب.
من بين الدوافع الرئيسية التي تبقي الولايات المتحدة في سوريا، يبرز ملف النفط والغاز كعنصر محوري. فالسيطرة الأمريكية على العديد من الحقول النفطية تمنح واشنطن نفوذاً اقتصادياً وأداة ضغط في المشهد السوري، إضافة إلى دور هذا الوجود في حماية المصالح الإسرائيلية عبر فرض معادلات أمنية وعسكرية تمنع أي تهديدات إقليمية محتملة. ويرى صروط أن هذه العوامل تجعل من غير المرجح أن تقدم الإدارة الأمريكية على سحب قواتها بشكل كامل في المستقبل القريب، بل إن التحركات الأخيرة قد تشير إلى نية واشنطن في ترسيخ وجودها لسنوات قادمة.
سياسة متقلبة
على الصعيد الإقليمي، فإن استمرار التواجد العسكري الأمريكي في سوريا من شأنه أن يفاقم التوترات، سواء مع القوى الإقليمية الفاعلة أو مع الفصائل المحلية التي تعارض الوجود الأجنبي.
كما أن السياسة الأمريكية المتقلبة في المنطقة قد تؤدي إلى مزيد من الغموض وعدم الاستقرار، خاصة مع تباين التوجهات داخل الإدارة الأمريكية نفسها حول التعامل مع الملف السوري.
في المحصلة، يبدو أن تصريحات ترامب حول الانسحاب من سوريا ليست سوى جزء من لعبة سياسية أوسع تهدف إلى تعزيز أوراق التفاوض الأمريكية، سواء في إطار الصراع السوري أو في سياقات أخرى تتعلق بالمنطقة ككل.
وبينما تظل احتمالية الانسحاب قائمة على المستوى الإعلامي، فإن الحقائق على الأرض تشير إلى أن واشنطن ماضية في تعزيز وجودها العسكري، ما يعني أن المشهد السوري سيظل ساحة مفتوحة لحضور أمريكي طويل الأمد.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات