أقوال العلماء في بيان المراد بمصرف "في سبيل الله" من مصارف الزكاة
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية إن الزكاة ركن من أركان الإسلام، ونظم الشرع الشريف كيفية أدائها بتحديد مصارفها في قوله تعالى: ﴿إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].
وبحسب الشريعة فإن كفاية الفقراء والمساكين هو أفضل ما تصرف فيه الزكاة؛ إذ أنهم في صدارة مصارف الزكاة الثمانية للتأكيد على أولويتهم في استحقاقها، وأن الأصل فيها كفايتهم وإقامة حياتهم ومعاشهم؛ إسكانًا وإطعامًا وتعليمًا وعلاجًا وتزويجًا، وخصَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفقراء بالذكر في حديث إرسال معاذ رضي الله عنه إلى اليمن: «فَإن هم أَطاعُوا لَكَ بذلكَ فأَخبِرهم أَنَّ اللهَ قد فَرَضَ عليهم صَدَقةً تُؤخَذُ مِن أَغنِيائِهم فتُرَدُّ على فُقَرائِهم» متفق عليه.
وقد توسَّع كثير من العلماء في مفهوم هذا المصرف؛ فجعلوه مجالًا لصرف الزكاة عند الحاجة في كل القُرَب وسبل الخير ومصالح الناس العامة؛ أخذًا بظاهر اللفظ في قوله تعالى: ﴿وَفِي سَبِيلِ اللهِ﴾، وهو ما عليه فتوى دار الإفتاء المصرية منذ عهد فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم رحمه الله تعالى.
ومِن نصوص الفقهاء في ذلك:
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 45، ط. دار الكتب العلمية): [وأما قوله تعالى: ﴿وَفِى سَبِيلِ اللهِ﴾ فعبارة عن جميع القُرَب؛ فيدخل فيه كل مَن سعى في طاعة الله وسبيل الخـيرات إذا كان محتاجًا] اهـ.
وقال الإمام الفخر الرازي الشافعي في تفسيره "مفاتيح الغيب" (16/ 87، ط. دار إحياء التراث العربي): [واعلم أن ظاهر اللفظ في قوله: ﴿وَفِى سَبِيلِ اللهِ﴾ لا يوجب القصر على كل الغزاة؛ فلهذا المعنى نقل القَفَّال في "تفسيره" عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد؛ لأن قوله ﴿وَفِى سَبِيلِ اللهِ﴾ عامٌّ في الكل] اهـ.
وقد ذهب إلى هذا الشيخ محمد رشيد رضا فقال في تفسير "المنار" (10/ 435-436، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب) عند تفسير آية المصارف ما نصه: [التحقيق أن سبيل الله هنا: مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد، ثم قال: ﴿وَفِى سَبِيلِ اللهِ﴾ وهو يشمل سائر المصالح الشرعية العامة التي هي ملاك أمر الدين والدولة. وأولاها وأولها بالتقديم الاستعداد للحرب، لشراء السلاح، وأغذية الجند، وأدوات النقل، وتجهيز الغزاة، وتقدم مثله عن محمد بن عبد الحكم، ولكن الذي يجهز به الغازي يعود بعد الحرب إلى بيت المال إن كان مما يبقى كالسلاح والخيل وغير ذلك؛ لأنه لا يملكه دائمًا بصفة الغزو التي قامت به، بل يستعمله في سبيل الله، ويبقى بعد زوال تلك الصفة عنه في سبيل الله... ويدخل في عمومه إنشاء المستشفيات العسكرية، وكذا الخيرية العامة، وإشراع الطرق وتعبيدها، ومد الخطوط الحديدية العسكرية لا التجارية، ومنها بناء البوارج المدرعة والمناطيد والمطارات الحربية والحصون والخنادق، ومن أهم ما يُنفق في سبيل الله في زماننا هذا إعداد الدعاة إلى الإسلام، وإرسالهم إلى بلاد الكفار من قِبل جمعيات منظمة تمدهم بالمال الكافي كما يفعله الكفار في تبشير دينهم] اهـ.
وذهب إلى ذلك أيضًا العلامة شيخ الإسلام محمود شلتوت في كتابه "الإسلام عقيدة وشريعة" (ص: 104-105، ط. دار الشروق) حيث فسَّر سبيل الله بأنه: [المصالح العامة التي لا ملك فيها لأحد، والتي لا يختص بالانتفاع بها أحد، فملكها لله، ومنفعتها لخلق الله، وأولاها وأحقها: التكوين الحربي الذي ترد به الأمة البغي، وتحفظ الكرامة، ويشمل العدد والعُدَّة على أحدث المخترعات البشرية، ويشمل المستشفيات عسكرية ومدنية، ويشمل تعبيد الطرق، ومد الخطوط الحديدية، وغير ذلك، مما يعرفه أهل الحرب والميدان. ويشمل الإعداد القوي الناضج لدعاة إسلاميين يُظهرون جمال الإسلام وسماحته، ويفسرون حكمته، ويبلغون أحكامه، ويتعقبون مهاجمة الخصوم لمبادئه بما يرد كيدهم إلى نحورهم، وكذلك يشمل العمل على دوام الوسائل التي يستمر بها حفظة القرآن الذين تواتر ويتواتر بهم نقله كما أنزل، من عهد وحيه إلى اليوم، وإلى يوم الدين إن شاء الله] اهـ.
وقد ذكر فضيلة الشيخ شلتوت أيضًا في كتابه "الفتاوى" (ص: 119، ط. الأزهر) أن: [هذا مبني على اختيار أن المقصود بكلمة سبيل الله: المصالح العامة، التي ينتفع بها المسلمون كافة، ولا تخص واحدًا بعينه، فتشمل المساجد والمستشفيات ودور التعليم ومصانع الحديد والذخيرة وما إليها، مما يعود نفعه على الجماعة. اهـ. وأحب أن أقرر هنا أن المسألة محل خلاف بين العلماء، ثم ذكر الشيخ ما نقله الرازي في "تفسيره" عن القفال من صرف الصدقات في جميع وجوه الخير..إلى أن قال: وهذا ما أختاره وأطمئن إليه وأفتي به، ولكن مع القيد الذي ذكرناه بالنسبة للمساجد، وهو أن يكون المسجد لا يغني عنه غيره، وإلا كان الصرف إلى غير المسجد أولى وأحق] اهـ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الزكاة مصارف الزكاة زكاة الفقراء أحكام الزكاة فی سبیل الله ف ى س ب یل
إقرأ أيضاً:
فعاليات اليوم الثاني من الأسبوع الثقافي بالفيوم
انطلقت اليوم الإثنين، فعاليات اليوم الثاني من الأسبوع الثقافي الذي تنظمه مديرية أوقاف الفيوم تحت عنوان: "محاسبة النفس.. ماذا قدمت لدينها ودنياها ووطنها".
جاء ذلك برئاسة فضيلة الدكتور محمود الشيمي، وكيل وزارة الأوقاف بالفيوم، تنفيذًا لتوجيهات الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف.
شهدت الفعاليات حضورًا مميزًا من كبار العلماء والأئمة المتميزين، إلى جانب جمع غفير من رواد المساجد بمختلف الإدارات الفرعية بالمحافظة. وركزت اللقاءات على أهمية محاسبة النفس كوسيلة لتحقيق النجاة في الدنيا والآخرة، استنادًا إلى تعاليم الدين الإسلامي وأقوال النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام.
وكيل أوقاف الفيوم يهنئ الإخوة المسيحيين بأعياد الميلاد ويؤكد على روح الوحدة الوطنية وفد تعليم الفيوم يهنئ الأقباط بعيد الميلاد المجيداستعرض العلماء خلال المحاضرات أن محاسبة النفس هي طريق التقوى وزاد المؤمنين، استنادًا إلى قول الله تعالى: "وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ"، مشيرين إلى أن العاقل هو من يحاسب نفسه باستمرار ويعمل لآخرته، حيث قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا".
كما أضاف العلماء أن القرآن الكريم والسنة النبوية شددا على ضرورة محاسبة النفس قبل يوم الحساب، حيث قال سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): "حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوها قبل أن تُوزَنُوا". وأوضحوا أن محاسبة النفس هي الطريق لتزكية الروح والارتقاء بصالح الأخلاق، مستشهدين بقول الله تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا".
رئيس جامعة الفيوم يهنئ البابا تواضروس الثاني بعيد الميلاد المجيد محافظ الفيوم يكرم وكيل وزارة الشباب والرياضة السابق ويهنئ الجديدتطرقت الفعاليات أيضًا إلى توسيع مفهوم محاسبة النفس ليشمل دور الإنسان في خدمة مجتمعه ووطنه. وأكد العلماء أن العاقل هو من يعمر الدنيا بالدين، ويستجيب لنداء الوطن متى احتاج إليه، مشيرين إلى أهمية تقديم العلم النافع والعمل الجاد الذي يعمّق الإسهام الإيجابي في بناء الأوطان وعمارة الكون.
واختتم العلماء اللقاءات بدعوة الحضور إلى دوام محاسبة النفس وتعجيل التوبة الصادقة، مذكرين بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ".
تأتي هذه الفعاليات كجزء من رؤية وزارة الأوقاف لتعزيز الوعي الديني والمجتمعي، وغرس القيم الإيجابية التي تدفع الأفراد نحو محاسبة النفس والإسهام الفعال في نهضة الوطن.