العنصرية ودور الإعلام في تأجيجها
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
وتتخذ العنصرية في واقع اليوم -بحسب ما جاء في البرنامج- صورا مختلفة، فتارة تكون عنصرية مذهبية في إطار الدين الواحد، وتارة اتجاه الأقليات الدينية، وقد تكون ضد المهاجرين وضد العمالة الوافدة.
ويرى الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي، أكمل الدين إحسان أوغلو أن العنصرية والكراهية والتمييز والعداوة كلها مرتبطة بظهور الجنس البشري وبالاختلاف والجهل بالآخر الذي ميّز مسيرة البشر.
ويشير إلى أن المجتمعات الإسلامية والعربية تختلف عن المجتمعات الأوروبية والغربية التي عرفت الطبقية والإقطاع، فالقرآن الكريم أشار إلى المساواة بين البشر في قوله عز وجل في سورة الحجرات "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"
كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى".
وفي السياق نفسه، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة، سعيد المصري إن الدعوة الإسلامية نهضت في بداياتها على أكتاف المهمشين، وانتصر الدين الإسلامي لضحايا العنصرية، واستشهد بقوله عزو وجل في سورة الحجرات (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم)
ويلفت المصري في الوقت نفسه إلى وجود صور من التمييز الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي بين فئات مختلفة داخل المجتمع العربي، بحسب الانتماءات القبلية والعرقية وحتى المكانية.
إعلانويؤكد أن العنصرية موجودة في كل الثقافات، لكن معقلها يوجد في المجتمعات الغربية، وجوهرها ينبع من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية داخل المجتمعات.
دور الإعلاموعن دور الإعلام في إذكاء العنصرية، يقول المصري لبرنامج "موازين" إن كل الدراسات والأبحاث التي أجريت حول العنصرية اتفقت على أن الإعلام يلعب دورا كبيرا في ترسيخ العنصرية وتجددها وإعادة إنتاجها طول الوقت، وفي تنمية التعصب وصور التطرف ومظاهر الازدراء.
ويرى أنه لا توجد ضوابط لضبط الممارسات العنصرية، فالإعلام العربي مثلا يتحرك وفق ضوابط سياسية، وهناك محرمات لا ينبغي له أن يخوض فيها، ولكنه يخوض بحرية في الأمور الثقافية والاجتماعية، والمواد الإعلامية التي يتم إنتاجها في القنوات العربية تتضمن غالبا مظاهر التعصب والتطرف وما ينمّي الكراهية في المجتمع، كما يوضح أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة.
وحول النظرة للمهاجرين في الدول الغربية، يقول إحسان أوغلو إن الأمر اختلف بين الماضي والحاضر، مشيرا إلى أن المهاجرين اليوم يتعرضون للكراهية والعداوة وللاستغلال السياسي من قبل الأحزاب اليمينية في فرنسا وفي المجر وفي غيرهما من الدول الأوروبية.
8/1/2025-|آخر تحديث: 8/1/202510:00 م (توقيت مكة)المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
الأدب المسرحي ضد العنصرية.. وفاة كاسر محرمات جنوب أفريقيا أتول فيوغارد
توفي الكاتب المسرحي الجنوب أفريقي أتول فيوغارد عن عمر ناهز 92 عاما، تاركا وراءه إرثا أدبيا ومسرحيا شكّل علامة فارقة في النضال ضد نظام الفصل العنصري.
ونعت بلدية مدينة كيب تاون -الأحد- هذا المسرحي البارز الذي واجه محرمات النظام العنصري من خلال أعماله الجريئة التي جمعت ممثلين من البيض والسود على خشبة المسرح، متحديا بذلك القوانين الجائرة التي حاولت فرض التفرقة العنصرية في جميع نواحي الحياة.
وفي بيان لها، أشادت بلدية كيب تاون بإسهامات فيوغارد، مؤكدة أن "كل من تأثر بفنه سيبقى يحمل إرثه الإبداعي"، لافتة إلى أنه "اشتهر بمواقفه الثابتة ضد نظام الفصل العنصري".
وُلد فيوغارد في 11 يونيو/حزيران 1932 ببلدة ميدلبورغ خلال حقبة كان فيها الفصل العنصري سياسة رسمية متجذرة تحرم السود من حقوقهم الأساسية.
وفي عام 1961 قدّم واحدة من أولى مسرحياته الكبرى "عقدة الدم"، والتي تناولت قصة أخوين غير شقيقين، أحدهما أبيض (أدى دوره فيوغارد نفسه)، والآخر أسود، يجتمعان على خشبة المسرح أمام جمهور مختلط، وهو أمر كان يعد سابقة خطيرة في ظل النظام العنصري.
لكن لم يطل الأمر حتى فرضت السلطات حظرا على الفرق المسرحية المختلطة، ومنعت وجود جمهور متنوع الأعراق في المسارح، مما دفع فيوغارد إلى التعاون مع فرقة "سربنت بلايرز" التي ضمت ممثلين سودا -بينهم جون كاني- لتقديم عروض مسرحية تتناول واقع الحياة في جنوب أفريقيا آنذاك.
إعلانومن أشهر مسرحياته "بوسمان ولينا" التي عرضت لأول مرة عام 1969، وتناولت قسوة الحياة التي يعانيها زوجان من السود، وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي عام 2000 من بطولة داني غلوفر وأنجيلا باسيت.
تدور المسرحية حول شخصيتين من عرق مختلط، يعيشان منبوذين يتجولان في أراضٍ طينية بالقرب من نهر، وخلال رحلتهما يحاولان البحث عن جذورهما والمصالحة مع ماضيهما، لكنهما يواجهان صراعات داخلية وخارجية.
ووسط الظلام الذي يلف حياتهما يظهر رجل أسود يحاول سرد قصته، لكن حاجز اللغة يمنعهما من التواصل معه، ويتوفى الرجل الأسود بجانب نارهما، وفي لحظة نادرة وسط الألم واليأس تقرر "لينا" أن تغني وترقص.
كسر القيود المسرحيةمن جانبه، عبّر الممثل المسرحي الجنوب أفريقي جون كاني المعروف بصوته الأجش الذي ميز شخصياته في أفلام "مارفل" و"ديزني" عن حزنه الشديد لفقدان صديقه فيوغارد، مشيرا إلى أنهما تشاركا العمل معا منذ شبابهما.
ولم تكن شراكتهما مجرد تعاون مسرحي، بل كانت تحديا صريحا للنظام العنصري، إذ تجاهل الاثنان القوانين الجائرة، وعقدا تدريباتهما في الخفاء داخل الفصول الدراسية والمرائب هربا من مضايقات الشرطة.
وفي هذا السياق، أشادت صحيفة غارديان البريطانية عام 2012 بشجاعة فيوغارد، واصفة إياه بـ"الأفريكاني العنيد الذي ساعد في كشف وحشية نظام الفصل العنصري وظلمه الأعمى للعالم".
لم يقتصر تأثير فيوغارد على المسرح، بل امتد إلى السينما، إذ سُلطت الأضواء عليه مجددا عام 2006 عندما فاز فيلم "تسوتسي" المقتبس من قصة قصيرة كتبها عام 1961 بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، ليصبح أول فيلم جنوب أفريقي ينال هذا التكريم.
أما مسرحيته "السيد هارولد والصبيان" -التي استلهمها من سيرته الذاتية- فتدور أحداثها في خمسينيات القرن الماضي، وتتناول قضية التحيز العنصري من خلال العلاقة بين مراهق أبيض ورجلين أسودين يعملان لدى عائلته.
إعلان ثيمة المقاومةشكّلت مسرحيات أتول فيوغارد مرآة تعكس معاناة السود في جنوب أفريقيا، إذ تكررت في أعماله ثيمة المقاومة، ولا سيما في مسرحيتيه الشهيرتين "سيزوي بانزي مات"، و"الجزيرة"، واللتين كتبهما بالتعاون مع رفيقيه في النضال المسرحي جون كاني ووينستون نتشونا.
تناولت مسرحية "سيزوي بانزي مات" -التي عُرضت لأول مرة عام 1972- قضايا الهوية والكرامة الإنسانية، حيث تدور حول رجل أسود يجد بطاقة هوية لشخص متوفٍ، ويضطر إلى انتحال هويته للحصول على فرصة عمل، في إدانة واضحة للقوانين العنصرية التي فرضت قيودا مشددة على حركة السود في البلاد.
"صحيح أن نظام الفصل العنصري حصرني، لكنني فخور بالعمل الذي نتج عن ذلك، والذي يحمل اسمي"
أما مسرحية "الجزيرة" -التي استُلهمت من تجربة السجناء السياسيين في جزيرة روبن آيلاند حيث سُجن نيلسون مانديلا- فقد سلطت الضوء على القمع السياسي والمعاناة داخل المعتقلات من خلال قصة رجلين يقضيان حكما بالسجن مع الأشغال الشاقة.
وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية عام 1995 بعد عام من أول انتخابات ديمقراطية غير عنصرية في جنوب أفريقيا قال فيوغارد "صحيح أن نظام الفصل العنصري حصرني، لكنني فخور بالعمل الذي نتج عن ذلك، والذي يحمل اسمي".
وكان هذا الموقف انعكاسا واضحا لإيمانه بدور الأدب والمسرح باعتبارهما وسيلة قوية للمقاومة والتغيير.
إرث مستمر بعد زوال الفصل العنصريلم يتوقف فيوغارد عن استكشاف تداعيات الفصل العنصري حتى بعد انتهائه رسميا في عام 1994، إذ واصل في أعماله المسرحية استعراض إرث هذا النظام في جنوب أفريقيا الجديدة.
وفي مسرحية "الرجل الأول" الصادرة عام 1997 عاد إلى طفولته وتأملاته الشخصية، في حين ناقش في مسرحية "أرض الناس الجميلة" -التي كتبها في العقد الأخير من حياته- التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي واجهتها البلاد بعد التحول الديمقراطي.
إعلانحصد فيوغارد خلال مسيرته الحافلة العديد من الجوائز، كان أبرزها جائزة توني الخاصة عام 2011 عن مجمل أعماله المسرحية -وهي واحدة من أرفع الجوائز المسرحية في العالم- تقديرا لإسهاماته الفريدة في الفن المسرحي.
كما منحته الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون جائزة تقديرية عن إبداعاته السينمائية والمسرحية.
وتأثر أتول فيوغارد بالنسيج القانوني والسياسي لجنوب أفريقيا، كما تأثر بكتاب عالميين مثل جورج أورويل وبرتولت بريخت وآرثر ميلر الذين استخدموا المسرح أداة نقدية لكشف الاستبداد والظلم.
وبفضل جرأته أصبح أحد الأسماء البارزة في حركة "المسرح الاحتجاجي"، والتي ظهرت في جنوب أفريقيا لمواجهة التمييز العنصري من خلال الأعمال الدرامية.
يذكر أن أعمال فيوغارد لم تكن تُعرض بسهولة في جنوب أفريقيا خلال فترة الفصل العنصري، إذ كانت تُمنع أو تُفرض عليها رقابة صارمة، مما اضطره إلى تقديم عروض سرية أو نقل مسرحياته إلى خارج البلاد، حيث لقيت إشادة واسعة في لندن ونيويورك ومدن أخرى.
ووُلد أتول فيوغارد عام 1932 في بلدة ميدلبورغ بجنوب أفريقيا لأب من أصول أيرلندية وفرنسية وأم أفريقية.
ونشأ في بيئة متواضعة بمدينة بورت إليزابيث، حيث التحق بمدارس محلية، قبل أن يدرس الفلسفة والأنثروبولوجيا في جامعة كيب تاون، لكنه تركها دون إكمال دراسته.
قضى فيوغارد فترة من حياته في التدريس، إذ عمل أستاذا مساعدا للكتابة المسرحية والإخراج بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو.
ورغم عودته إلى جنوب أفريقيا بعد انتهاء الفصل العنصري فإنه أعرب عن خيبة أمله من التحديات التي واجهتها البلاد في فترة ما بعد الفصل العنصري، وهي الخيبة التي يشترك فيها معه كثير من أبناء جيله من المناضلين ضد الفصل العنصري.