يمانيون../
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، فرضت اليمن حصارا بحريا على الكيان، من دون خشية من التبعات. واستطاعت اليمن أن تغير مفاهيم الصراع البحري مع أقوى الدول البحرية وفي المقدمة أمريكا وتفشل تحالفاتها وقوة ردعها، بل وصلت التداعيات إلى خروج ميناء أم الرشراش عن الخدمة، وتأخر سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار …الخ داخل كيان العدو الإسرائيلي.

وفي موازاة الموقف اليمني وما فرضه من تداعيات وتأثيرات، كان المعول على تركيا تلك “الدولة الإسلامية” الكبيرة أن يكون لها دور حاسم في هذا السياق، وقد تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مواقف حادة تجاه “إسرائيل”، معلنًا بشكل متكرر أن تركيا قد قطعت العلاقات التجارية والدبلوماسية مع “العدو الإسرائيلي”، وأنها ستظل دائمًا مع فلسطين “حتى النهاية”. لكن إذا نظرنا إلى الحقائق على الأرض، سنجد أن التصريحات الرسمية التركية تتناقض بشكل صارخ مع الواقع، إذ تشير المعلومات الملاحية إلى استمرار حركة الشحن بين تركيا و”إسرائيل”، بل وتزايدت في فترات إعلان أنقرة قطع العلاقات التجارية ما بين مايو وديسمبر ٢٠٢٤.

أردوغان لم يتوقف عن تكرار موقفه المؤيد لفلسطين في المحافل الدولية، واعتبر أن “التاريخ سيحاكم من يقفون إلى جانب إسرائيل ويصمتون إزاء الظلم الحاصل في غزة”. لكن بينما كانت هذه الكلمات تملأ الصحف والمواقع الإخبارية، كان الواقع التجاري بين تركيا و”إسرائيل” يسير في اتجاه مغاير. بين 3 مايو و7 ديسمبر 2024، الفترة التي أعلنت فيها تركيا قطع العلاقات مع “إسرائيل”، تم تنفيذ أكثر من 340 رحلة شحن بين تركيا والموانئ الإسرائيلية، ما يعكس حجم التجارة المستمر بين الجانبين رغم التصريحات النارية التي تدعي العكس. كيف يمكن تفسير هذه الخطوة؟ هل أصبحت التجارة أولوية تفوق المبادئ السياسية والإنسانية والدينية؟.

تناقض السياسة التركية

الأرقام تتحدث عن نفسها: 108 سفن وصلت من تركيا إلى موانئ حيفا وأسدود، محملة بشحنات متنوعة تشمل النفط، الكيماويات، المركبات، والمواد الأساسية. هذا النشاط التجاري الذي استمر بشكل ملحوظ خلال الفترة التي أعلنت خلالها تركيا قطع العلاقات مع “إسرائيل” يعكس تباينًا واضحًا بين الأقوال والأفعال. فإذا كانت أنقرة قد قررت بالفعل أن “تقف مع فلسطين حتى النهاية”، فلماذا لا تترجم هذه المواقف إلى أفعال حقيقية على الأرض، بدءًا بوقف التبادل التجاري مع “إسرائيل”؟ لا يبدو أن هذا التناقض مجرد خطأ، بل يبدو أنه سياسة غير واضحة، وفي بعض الأحيان غير متسقة مع التصريحات الكبرى التي تخرج من أنقرة.

مصر: دورها في تسهيل التحركات التجارية التركية-الإسرائيلية

إلى جانب تركيا، هناك مصر التي كان من المفترض أن تكون الحليف الأبرز في هذه القضية. فبينما تعلن تركيا عن دعمها لفلسطين، نجد أن العلاقات التجارية بين تركيا و”إسرائيل” لا تزال مستمرة عبر الموانئ المصرية، وبشكل خاص عبر البحر الأبيض المتوسط. هذا التحول في مسارات الشحن بعد تعطيل ميناء أم الرشراش “إيلات” في البحر الأحمر يسلط الضوء على دور مصر في تسهيل حركة الشحن هذه. ماذا عن مواقف مصر؟ هل يبرر هذا التساهل التجاري مع “إسرائيل” باسم “الواقع الجيوسياسي”؟ وهل يعتبر هذا الموقف مساعدة فعّالة لفلسطين، أم مجرد تماهي مع الوضع الراهن؟

إن مواقف مصر تجاه “إسرائيل” رغم علاقاتها السياسية المعقدة معها لا تبدو متسقة مع المبادئ التي يفترض أن تدافع عنها في سعيها لتحسين وضع القضية الفلسطينية. فإذا كانت تركيا، رغم تصريحاتها العلنية، تواصل تجارتها مع “إسرائيل” عبر مصر، فإن ذلك يطرح تساؤلات حول جدوى هذه التصريحات في ظل استمرار هذه الأنشطة التجارية.

تركيا: من “التحالف الإنساني” إلى “الصفقات الاقتصادية”

من المؤسف أن تركيا، التي تتحدث دائمًا عن ضرورة زيادة الضغط الدبلوماسي على “إسرائيل”، تظل تستفيد اقتصاديًا من التجارة معها في ظل هذه الظروف. كان من المتوقع أن تتخذ أنقرة خطوات عملية أكثر في هذا الشأن، بدلاً من الاكتفاء بالتنظير والتهديدات السياسية. هل يعقل أن تكون المصالح الاقتصادية بهذا الحجم هي العامل الأكثر تأثيرًا في السياسة التركية، على حساب المواقف المبدئية؟ أما مصر، التي تقع على مقربة من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فإنها أيضًا تتحمل جزءًا من المسؤولية. ففي الوقت الذي تتحدث فيه عن دورها في دعم القضية الفلسطينية، لا يمكن تجاهل دورها كحلقة وصل بين تركيا و”إسرائيل” عبر موانئها. مصر كانت قادرة على إغلاق هذه الثغرة التي تسمح بحركة التجارة بين الطرفين. لكن للأسف، يبدو أن المصالح الاقتصادية والتجارية كانت تفوق الاعتبارات السياسية والإنسانية في هذا السياق.

في النهاية، سيحكم التاريخ على هذه المواقف، وقد يجد في تباين التصريحات والأفعال سمة بارزة للسياسة التركية تحديدا في هذه المرحلة. إذا كانت تركيا ومصر تسعيان فعلاً للوقوف إلى جانب فلسطين، فلماذا تستمران في تسهيل حركة التجارة مع العدو الإسرائيلي؟ هل هذه الدول قادرة على اتخاذ مواقف أكثر حزماً، أم أن الحسابات الاقتصادية تتغلب على المبادئ السياسية والدينية؟

في ظل هذه المعطيات، قد يتساءل الكثيرون: إذا كانت تركيا ومصر غير قادرتين على اتخاذ خطوات حقيقية، فكيف يمكن أن نتوقع تغييرًا حقيقيًا في الوضع الفلسطيني؟.

موقع أنصار الله . تحليل | علي ظافر

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: بین ترکیا و إسرائیل

إقرأ أيضاً:

الصين ردا على تهديدات ترامب: سنتخذ ما يلزم

قالت وزارة الخارجية الصينية اليوم الثلاثاء إن بكين ستتخذ الإجراءات اللازمة ردا على أحدث تهديدات أمريكية بفرض رسوم جمركية.

وذكر المتحدث باسم الوزارة لين جيان في إفادة صحفية دورية أن الصين ستستمر في اتخاذ إجراءات حازمة وقوية لحماية حقها المشروع في التنمية.

وأضاف أن الصين "ستقاتل حتى النهاية" إذا أصرت الولايات المتحدة على شن حرب تجارية وحرب رسوم جمركية.

ويأتي هذا الرد الصيني بعد ساعات من تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات إلى الولايات المتحدة من ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى أكثر من 100 بالمئة غدا الأربعاء ردا على قرار بكين فرض رسوم "مضادة" لأخرى أعلن عنها ترامب الأسبوع الماضي.


وتعهدت الصين بعدم الرضوخ "لابتزاز" الولايات المتحدة في وقت انعدمت فيه اليوم الثلاثاء مؤشرات على انحسار حرب تجارية عالمية أشعلتها الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حتى مع استقرار أسواق الأسهم المضطربة.

وفي بيان آخر، قالت وزارة التجارة الصينية إن "تهديد الجانب الأمريكي بتصعيد الرسوم الجمركية ضد الصين هو خطأ فوق خطأ، ويكشف مرة أخرى عن طبيعة ابتزاز الجانب الأمريكي".

وأضافت "إذا أصرت الولايات المتحدة على مسارها، فإن الصين ستقاتل حتى النهاية".

واقترح الاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية مضادة ردا على رسوم ترامب الذي شملت عشرات الدول وتسببت في انخفاض الأسواق المالية وعززت توقعات بانزلاق الاقتصاد العالمي نحو الركود.

واستعادت أسواق الأسهم توازنها بعض الشيء بعد مرور أيام قليلة كانت وطأتها شديدة على المستثمرين، مما دفع بعض قادة الأعمال ومنهم مقربون إلى ترامب، إلى حث الرئيس على التراجع عن قراراته.

فيما ارتفع المؤشر نيكي الياباني ستة بالمئة اليوم الثلاثاء، متعافيا من أدنى مستوى في عام ونصف العام الذي سجله في الجلسة الماضية بعد أن اتفق ترامب ورئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا على بدء محادثات تجارية.

وصعدت أسهم الشركات الصينية الكبرى واحدا بالمئة لتعوض بعض الخسائر التي تجاوزت سبعة بالمئة في تعاملات أمس الاثنين. وزاد مؤشر هونج كونج نحو اثنين بالمئة بعد أن عانى من أسوأ يوم منذ عام 1997 نتيجة لما وصفه زعيم المركز التجاري بالتعريفات الجمركية "القاسية".

وقال ترامب إن الرسوم الجمركية -التي تبلغ 10 بالمئة كحد أدنى على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة مع نسب تستهدف اقتصادات بعينها تصل إلى 50 بالمئة- من شأنها أن تساعد الولايات المتحدة على استعادة قاعدتها الصناعية التي يقول إنها تراجعت بفعل تحرير التجارة لعقود.

مقالات مشابهة

  • وزير الدفاع الأمريكي: إيران هي التي تقرر إن كانت القاذفات B-2 رسالة موجهة لها
  • شاهد .. القيادات التي يستهدفها ترامب في اليمن
  • وعينها على “الكعكعة السورية”.. تركيا تنفي وجود علاقات لها مع إسرائيل
  • لكل مسعف قصة.. قافلة رفح التي قتلتها إسرائيل بدم بارد
  • بعد إشادة ترامب بأردوغان.. مصدر: أمريكا قادرة على منع التصعيد بين إسرائيل وتركيا في سوريا
  • هل تندلع حرب بين إسرائيل وتركيا؟
  • باحثة: إسرائيل تحاصر البشر والحجر وتدمر الحياة في وطننا فلسطين
  • الصين ردا على تهديدات ترامب: سنتخذ ما يلزم
  • هل أخرجت إسرائيل تركيا من سوريا؟
  • مسؤول سابق في الموساد: إسرائيل وتركيا على مسار صدام مباشر في سوريا