الشيخ حسين حازب : أدعو القوى السياسية أن تعلن السيد عبد الملك الحوثي قائدًا ومرجعيةً لليمن
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
يمانيون../
دعا وزير التعليم العالي السابق والقيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام الشيخ حسين حازب، القوى والأحزابَ السياسية، إلى أن تتخذ موقفًا وتعلن السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- قائدًا ومرجعية لليمن.
وقال الشيخ حازب في حوار لصحيفة “المسيرة”: إن “السيد القائد عبد الملك الحوثي، أثبت بأنه الأفضل على مستوى الأُمَّــة الإسلامية، وليس العربية فقط، وقد ظهر بأنه القائد الحكيم والشجاع، ورجل العفو، والتسامح حتى مع من قاتلوه وظلموه”.
إلى نص الحوار:
– بدايةً كُنتَ قد أشرتَ إلى مآخِذَ لكم حول دور النخب في معركة اليمن المقدَّسة، وتطرقتم إلى أن هناك تقصيرًا إلى حَــدٍّ ما من قبل النخب اليمنية… ما تلك المآخذ شيخ حسين؟
الحقيقة أننا في معركة كبيرة وشاملة، وهي لا تقف عند دور العسكري والمقاتل؛ فالإعلام معركة، والسياسة معركة، وفي الداخل معركة وعي وثقافة، إلى جانب الدور العسكري والأمني الذي يقوم بما عليه على أكمل وجه، جزاهم الله خيرًا.
– تشير إلى دور أكبر يجب أن تقوم به الأحزابُ ونخبُ المفكرين مثلًا؟
في الإعلام حقيقةً لا أجد القياداتِ الحزبية حاضرة.. يجب أن يكون حضورُهم فاعلًا ومؤثرًا في الميدان.
أعضاء المجلس السياسي من أنصار الله، والمؤتمر الشعبي العام، وبقية القوى السياسية والفكرية والأكاديمية يجب أن يتكّلموا، ويقوموا بما عليهم.
كذلك أعضاء الحكومة، ومجالس النواب والشورى وقيادة الدولة، يجب أن يكونوا حاضرين في المعركة الإعلامية ومعركة الوعي، لا أن يظل الدور سلبيًّا، وكأن هذه المعركة لا تخص سوى السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وأنصار الله، رغم أننا كلنا “أنصار الله”.
يُفترَضُ من الجميع بعد إعلان التغيير الجذري أنهم ذهبوا فورًا إلى السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وقالوا له: “قد سمعنا منك ما سمعنا وقد أحسنتَ وأصبتَ ولكن التغيير الجذري يجبُ أن يكونَ في شكلِ الحكم أولًا، ونحن نرى أنك القائد والمرجعية للأُمَّـة اليمنية، ونتشاورُ معك على ما يجب، وما لك علينا، وما لنا عليك… هذا الموضوعُ كانوا مقصِّرين فيه كَثيرًا، والسيد انتظر لهم أحدَ عشَرَ شهرًا، فاضطر أن يبدأ بتغيير الحكومة، وهذا غيرُ كافٍ”.
لماذا لم يكن لهم دورٌ إيجابي، أكثرَ من البيانات؟، يجب أن يكون للقوى السياسية موقف، فما دام قد أثبت هذا القائد أنه الأنسب، لنعلنه شعبًا وقوىً سياسية، وفي المقدمة يعلنها الشريك المؤتمر أن السيد عبدَالملك قائدًا ومرجعيةً لليمن، فالرجل أثبت بأنه الأفضل على مستوى الأُمَّــة الإسلامية، وليس العربية فقط، وقد ظهر بأنه القائد الحكيم والشجاع، ورجل العفو، والتسامح حتى مع من قاتلوه وظلموه.
الجانبُ الثاني أن على تلك النخب النزولَ وإكمال الدور في الساحة والميدان، حَيثُ هناك من يحاول دغدغة الشارع بذرائع المرتبات وترهات بأن اليمن أدخل نفسه في معركة مع “إسرائيل” وأمريكا في حرب نأت دولٌ عربية وإسلامية كبيرة كمصر، والسعوديّة، وتركيا والجزائر بنفسها عنها، وهنا يجب أن يكون لهم دور، حَيثُ تقتضي المعركةُ التحامَ القوى مع بعضها البعض أكثرَ وأكثر مما هو حاصل.
– الميدان والصوت الشعبي ليس بالضرورة أن يعلن انتماءه لفصيل وتيار معين.. فالناس تخرج باسمها لا باسم أحزاب وقوى وهذا كافٍ شيخ حسين؟
هذا صحيح، لكن اليمن تعنينا كلنا، فطالما أنا في الشارع السياسي والثقافي والوسط الشعبي المؤثر يجب أن يكون لي بصمة وأثر؛ فالمعركة واسعة، ويجب أن تجدنا في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي نقوم بأدوارنا وهو دور مقدس يبعث على العزة والفخر، ولا يعني أننا كحزب أَو جماعة دورنا مقتصر في حكومة ومؤسّسات لا في معركة الوعي.. أريد أن أرى غير “أنصار الله” في الإذاعة والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، أريد أن أرى الكل في هذا الدور المدافع عن البلد،بغض النظر عن أية مآخذ هنا أَو هناك، فهذا لا يلغي دوري الوطني، وأخذ نصيبي من الشرف الكبير في هذه المعركة المقدسة، ولا يصح ألا يشترك الجميع في شرف المنازلة، ولذلك على القوى والنخب بالترتيب مع السلطة تشكيل آلية تجعل من الساحة اليمنية ورشة سياسية وفكرية وإعلامية للمواجهة لكل ما يتعرض له اليمن من حملة دولية تستهدف جبهتنا الداخلية.
ما هو حاصلٌ اليوم ليس بقليل، الآن استخدموا ضد اليمن كُـلّ وسائل الحرب النفسية، فيما تُترَكُ الساحة لا يعمَلُ فيها سوى “أنصار الله”.
– مع هذا فَــإنَّ الشعب اليمني ملتحم بقوة في ميادين القتال وهذا هو الأهم؟
صحيح، الشعب ملتحم في ساحات القتال، وهو السند الذي نستند إليه، وخروجه كُـلّ جمعة بهذا الشكل أدهش العدوّ والصديق، لكن لازم أن تؤدي النخب دورها في الميدان، وأن يستحوا من هذا الشعب المجاهد.
نحن نتكلم عمن كبَّرهم الوطن وأشبعهم، فالوطنُ يتعرضُ لحرب كبرى والدفاع عنه واجبٌ وفرض عين على الجميع، فلا يصح الانتظارُ والتفرج على من يعملون في الميدان ويجاهدون الجهاد الحق.
– هذا يتطلب التركيزَ كجبهة ثانية على مسائل الوعي والتوعية والجهاد الثقافي في الميدان بقوة؟
يجب أن نوضح للناس أن معركتنا ليست معركة سياسية ولا معركة دنيا نصيبها، بل هي معركة عقيدة تساندُ مظلومًا يستنجد بنا، وهو يتعرض لظلم تاريخي، وفعل وحشي “إسرائيلي” أمريكي غربي، يُقتل فيه ويُسحل الأبرياء من أهلنا في قطاع غزة، حَيثُ يمارس المجرم احتلالًا وحصارًا غيرَ مسبوق في التاريخ، ولأكثر من أربعة عشر شهرًا مُستمرّة.
وهذا هو سِرُّ توفيقنا ونجاحنا في نصرة إخواننا في فلسطين، فوقوفنا هو واجب ديني، رغم أن لليمن ألفَ عذر، لو تعذر بواحد منها لكفاه أكثر من أية دولة عربية، كمصر أَو السعوديّة أَو سوريا، فنحن تفصلنا عن فلسطين مسافات طويلة، وتفصلنا عنها بلدانٌ ودولٌ، كما أن إمْكَاناتنا صعبة، وقبلها نحن في عدوان وحصار مفروض علينا منذ عشرة أعوام، وهذه الأعذار مناسبة لو فكَّرت اليمن بفكر المصلحة الخَاصَّة، وحسابات السياسة، لكن لأَنَّ مساندتَنا تقوم على أُسُسٍ دينية، ومعتقد وجوب نصرة الأخ المظلوم، فنحن نؤدي هذا الدور كما يجب وسنستمر فيه.
– على مستوى المواقف العربية الإسلامية مما يجري من تحولات، ألا ترى أن هناك خضوعًا لأنظمة عربية كان يجب أن يكون لها دور كبير في مواجهة التغيير الشرق الأوسطي، رغم انتصارات محور المقاومة، وتسطير اليمن اليوم موقفًا متقدمًا ومؤثرًا إلى جانب قوى المقاومة؟
حقيقة أن غزة ورجال غزة أثبتوا أن المقاومة على قلة سلاحها هي عنصر قوة أذلت العدوّ، وخلقت له إحباطًا غير مسبوق رغم استخدام العدوّ كُـلّ إمْكَاناته من السلاح والتكنولوجيا والجانب الاستخباراتي والسموم، وكلّ ما أمكن استخدامه إلى جانب محاولات شق الصف في الداخل الغزاوي.
ألا يدل هذا على أن هذا الكيان رغم كُـلّ تبجحه، أوهن من بيت العنكبوت، وأنهم من ضُربت عليهم الذلة والمسكنة.. هذه الصورة التي صنعتها المقاومة في غزة وفي لبنان، كان يجب أن تكون كافية لكي تدرك أنظمة عربية أن إمْكَاناتها الضخمة وجيوشها الكبيرة تستطيع التغلب على هذا العدوّ، لكن للأسف وأقولها باختصار: إن الله لم يرد لأُولئك العرب أن يكون لهم حظ من ذلك الشرف في مواجهة العدوّ وصنع الانتصار.
– ذلك الشرف تصدرت له اليمن، حَيثُ هي اليوم تؤدِّي الدورَ الذي يعبر عن موقف الأُمَّــة العربية والإسلامية المكبوتة؟
صحيح، لو رأينا ما حصل في غزة وتساءلنا: ما علاقة اليهود بالأمريكيين والغرب لوجدنا، أن ما أتى بهم هي مصالحهم؛ فقد أتوا بقضهم وقضيضهم تعصُّبًا للصليب والصهيونية، ونحن معنيون اليوم بأن نقود الإسلام كله ضد الكفر كله، فهي معركة عقيدة وجهاد، أمر بها الله ورسوله، واليمن وقيادته الشجاعة قد تصدروا الموقف، وهذا هو الشرف العظيم الذي شرّف اللهُ به اليمن.
ولأن الأعداء لم يرفعوا يدَهم عن غزة التي تباد على مرأى ومسمع، فنحن سنستمرُّ والموقف الذي رأيناه منذ عام، وحتى يومنا هذا سنرى أفضل منه هذا العام، والدليل أنه بعد أن أَدَّى حزب الله دوره الإسلامي والعروبي الصحيح كان لا بدَّ أن يقف لأخذ نفَس واستراحة محارب، فيما اليمن والسيد عبدالملك الحوثي تصدر الموقف، حَيثُ شعر أن هذه المسؤولية هي مسؤوليته هو لا غيره، فتضاعف استهداف العدوّ، وواجهنا حاملات الطائرات التي يحكم الأمريكان بها العالم منذ سبعين سنة، وهزمناها؛ ولهذا أنا على يقين أن ما سيسطِّره اليمن هذا العام سيكون أفضل مما كان العام الماضي بإذن الله.
– مع هذا التاريخ الجهادي الكبير الذي تصنعه اليمن.. ألا ترى أن أدوات تحالف العدوان من المرتزِقة اليمنيين تؤكّـد اليوم مستوى أعلى من الانحطاط ارتقت فيه صراحة من عمالة خفية للأمريكيين، ومشروع الشرق المتخفي إلى عمالة صريحة لـ “إسرائيل” وأجندة “إسرائيل” والصهيونية في المنطقة؟
هذا ما نراه فعلًا، موقفُ المرتزِقة بالوقوف مع العدوّ هو موقف العمالة والجبن والخسة، وهم اليوم يعصون الله، والأكيد أن موقفهم اليوم لن يكون أفضل من موقفهم في سبع سنين كان فيه العدوان علينا في أشده، وكما تفضَّلت فقد تحوَّلوا من أدوات لمحمد بن سلمان وابن زايد ليرتقوا إلى أدوات لبايدن والنتن ياهو ثم ترامب وإلى جانبه نتنياهو، وبالتالي فَــإنَّ حربنا معهم إذَا ما فُرضت علينا ستكون أقدسَ من حربنا السابقة؛ فقد كنا من قبلُ بمُجَـرّد أن يوقفوا القتالَ نوقف، حَيثُ كنا ما نزالُ نرى فيها حربَ إخوة، وإن كان الأمريكان في الخفاء يقودونها، أما الآن فالأمر مختلفٌ والعدوّ ظاهر، فأصبح ذلك المرتزِقُ يقف مع اليهود لقتالنا فيما الله عز وجل قد أكّـد في كتابه العزيز أن اليهود هم أعداءُ الإسلام، والأمّة بأكملها، وأن من يقف معهم ليس من أُمَّـة الإسلام في شيء، بل قرنه اللهُ بهم حين قال: “وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنَّهُ مِنْهُمْ”.
وعلى الرغم مما يفعلُه المرتزِقة من المجاهَرة بتولي العدوّ، فلن يكونوا أفضلَ مما مضى من سنوات العدوان على عكسنا تمامًا، فنحن أفضل بكثير بفضل الله؛ فمنذ بدأت الهُدنة واليمن تعمل بجدٍّ، وإن كانت الطلقة توقفت، فالصناعة والتدريب والتعبئة لم تتوقف، حَيثُ أعلنت صنعاء قبل أَيَّـام استكمال الجهوزية للقوات المعدة لأية مواجهة قادمة؛ لهذا نقول للمرتزِقة: ابحثوا عن المال وترزَّقوا من العدوّ لكن ظلوا بعيدين عنا، ويكفيكم أنكم ستعيشون الذل والمهانة والعار طوال حياتكم، وأن أولادكم سيلاحقهم عار خيانتكم، وفيما العدوّ يحتقركم ويتعامل معكم كأتباع، فَــإنَّه يحترم صنعاء وقادتها ونظامها ويعرف قدرَهم ومكانتَهم التي وضعوا أنفسهم عاليًا فيها.
وأنا أقسمُ لكم أيها المرتزِقة سواءٌ أكنتم في مأرب أَو في المخاء أَو محافظات الجنوب، أَو في القاهرة أَو أبو ظبي أَو أنقرة إن العدوّ الأمريكي والصهيوني أصبح منحني الرأس، وقد فرضنا احترامنا عليه، وعلى غيره على عكسكم تمامًا، وقد آثرتم التكسب والخيانة والعمالة.
صنعاء مفتوحة لمن أراد السلام، واعتذَرَ من الوطن، ومن يريد أن يرجع له عقله.. أما “قادمون يا صنعاء”، فالجواب ليس عندي بل عند رجال الرجال في الجبهات، وهي أبعد عنكم من عين الشمس.
– قبل عامين كان لكم حديث عن ضرورة معالجة مِلف المرتبات؟
أنا طرحتُ على حكومة الإنقاذ الوطني السابقة قضية المرتبات، وقلت: إن الدولة لا تستطيع دفع المرتبات كاملة، ولا يصح ألا يعطى الموظف جزءًا من راتبه، والحكومة الآن لم تقصّر في إيجاد حلول جزئية لمِلف المرتبات ضمن آلية استثنائية، وهي تسير في طريق صحيح، حَيثُ إن هذا إنجازٌ لنظام صنعاء، وعليها الإسراع في تنفيذه؛ فالموظف ينتظر هذا، ومقابل هذا الإنجاز هناك أخطاءٌ وعراقيلُ في بعض المحافظات يجب تجاوُزُها وحلها.
– مثل ماذا؟
مثلًا في محافظة مأرب، هناك جمارك لكنها غير محدّدة السلع التي يمكن أن يؤخذ عليها جمارك، يعني يكون معي ثلاث دبات غاز يطلبون مني جمارك، ثلاثة أكياس طحين يطلبون عليها جمارك، هذا غير منطقي وهي أمورٌ بسيطة لكن يجب معالجتها.
في جانب آخر، هناك أمورٌ على الحكومة العمل بها تتعلق بالاستماع لنقد الناس وملاحظاتهم فهي مهمة، نحن في وزارة التعليم العالي سابقًا كان لدينا مكتب للشكاوى، نستمع للناس وننصت لهم، فما كان من شكاواهم وملاحظاتهم صحيحًا نأخذ به ونصحِّح على ضوئه، وما كان غير صحيح نرد عليه، ولو استوجب ذلك الاحتكامَ إلى القضاء، بالتالي يجب أن نسمعَ لما يقوله الناس.
الحاضنة لدينا يجب ضبطُها والاهتمام بها ولا ندعُها فرصةً يستغلها المرتزِقة، يجب أن نُعِينَ سماحة السيد، ولا نترك كُـلّ شيء عليه، سواء على مستوى المحافظين، وعلى مستوى الوزراء والشخصيات، قضية أن كُـلّ شيء على السيد لا يصح، فهو في معركة أكبر وأهم.
وللنصح أقول: “من أراد أن يحكم اليمن عليه أن يراعي ثقافة اليمن وتنوعها، ومن أراد أن يغيِّر شيئًا، فهذا يكون بالقُدوة وليس بشيء آخر، حتى الدوراتُ الثقافية أنا أرجو أن يعاد النظرُ فيها فمن يأتي لهذه الدورات لا يستمعوا لها كما يجب، وحضورهم لها فقط؛ لأَنَّهم دعوا إليها، والمفترَضُ أن يبحثَ عنها الناس، لا أن تبحَثَ هي عنهم”.
ما نراه اليوم من حِراكٍ على مستوى الداخل اليمني مبشِّرٌ بالخير، وهو ما كنا نحلم به، ومع أن شهادتي مجروحة؛ كوني وزيرًا سابقًا فَــإنَّ الترتيبات التي تتم تنبئُ عن التجهيز والإعداد لدولة حقيقية.. ما يتم اليوم من عمل غير سهل، وهو عمل كبير لو نظرنا إلى الجانب العسكري، فما تم إنجازه هو بجهد رجال اليمن، وليس من أية دولة أُخرى، صحيح أن هناك تعاونًا مع بعض الدول، لكن الإنجاز هو إنجاز يمني، فالزراعة تعيشُ تغيُّرًا حقيقيًّا وهو واضح، وعلى هذا قِس.
– على طريق البناء المنشود في القادم، وكوزير سابق: هل تتفق مع رأي أن هناك قوانين تعيق عملية الإصلاح والتغيير في البلد، وهذا سمعته قبلُ في أكثر من مناسبة؟
هذا صحيح، فالقوانين التي نسير عليها اليوم بعضها فُصِّلَ على مقاس أشخاص لكنه ليس حُجَّـة.
وثورة ٢١ سبتمبر لم تلغِ القوانين بالبيان رقم واحد، وهي معيق فعلي، وهذا يحتاج الإصلاح والتصحيح، على سبيل المثال “قانون المالية العامة رقم ٨”، وَ”قانون الخدمة المدنية رقم ١٩ للعام ٩٠م”.. هذه القوانين إن لم يتم تصحيحُها فالبلاد ستذهبُ في طريق غير قويم.
يكفي أن هذا القوانين تعيقُ لك القروضَ والمساعدات والخطط، حَيثُ يظل المسؤولُ طوالَ العام، يعمل على الورق، وقد قلت هذا الكلام أَيَّـام حكومة علي مجوَّر وليس اليوم، وهي قوانين فساد وإعاقة.
واليوم حكومة التغيير أمامها عمل كبير، وكلّ وزير مسؤول بذاته، حَيثُ أتيحت له حرية العمل ليتحمل مسؤولياته، وأنا متفائل إلى حَــدٍّ بعيد بأن اليمن سيكون له مستقبل زاهر، وما إن تحط الحربُ أوزارَها فلن نحتاج لوقت طويل، حتى نرى دولة كبيرة ومزدهرة.
ولأجل هذا النهوض سنحتاج لقاعدة تعليم راسخة ومتطورة، ويمكننا أن نلحظ أن الدول التي نهضت بعد الحروب، نهضت بالعلم والتعليم، وأنا على يقين أن التضحيات والدماء التي أريقت؛ مِن أجلِ يمن عزيز لن تذهب سدى، ومن سيقود هذه النهضة سيضع في حسابه عظمة تلك التضحيات، حَيثُ اليمن المنتِج، والشعب الحي النَّشِط، والجغرافية الغنية، ويكفي أن اليمنَ سيشهدُ توافُدًا لا سابقَ له من العالم، ليتعرفوا على هذا البلد الذي صمد هذا الصمودَ الأُسطوري، والذي داخَ من فعلِه الأعداء.
حاوره ابراهيم العنسي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: یجب أن یکون فی المیدان أنصار الله عبد الملک السید عبد على مستوى فی معرکة إلى جانب أن هناک ف ــإن لا یصح موقف ا
إقرأ أيضاً:
نص كلمة قائد الثورة حول تطورات العدوان على غزة والمستجدات الإقليمية والدولية
الثورة نت/..
نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول آخر تطورات العدوان على غزة والمستجدات الإقليمية والدولية 12 شوال 1446هـ / 10 أبريل 2025م.
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
كلمتنا عن تطورات العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ولاسيَّما بعد أن استأنف عدوانه الشامل على قطاع غَزَّة ناكثاً بالاتِّفاق، مع ما هو عليه من استمرار في جرائمه في الضِّفَّة الغربية وفي القدس، ومساعيه المستمرّة ضد الشعب الفلسطيني؛ بهدف أن يحقِّق مآربه وأهدافه العدوانية في تهجيرهم، وتصفية القضية الفلسطينية.
نحن حرصنا- وبتوفيقٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- إلى أن نتحرَّك في جبهة الإسناد اليمنية، منذ بداية النكث من قبل العدو الإسرائيلي لاتِّفاق وقف العدوان على قطاع غَزَّة، عندما قام بإجرائه الظالم، الذي هو نكثٌ بالاتِّفاق، وهو من جهةٌ أخرى عدوانٌ ظالم، يتنكَّر لكل الحقوق المعترف بها للشعوب، حينما قام بمنع دخول الغذاء والدواء إلى قطاع غَزَّة، واستمر في هذه الخطوة الإجرامية العدوانية الظالمة إلى الآن، ثم في منتصف شهر رمضان، أو ما بعد ذلك، عاد أيضاً إلى استئناف عدوانه الشامل، بالإبادة الجماعية، والقتل للشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة، كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً، بكل وحشيةٍ وإجرام، وهو مستمرٌّ في ذلك إلى الآن.
العدو الإسرائيلي اتَّجه إلى النكث بالاتِّفاق بتشجيعٍ أمريكي، ودعمٍ أمريكيٍ مفتوح، وتبنٍ أمريكيٍ لما يقوم به العدو الإسرائيلي، بالرغم من أن الأمريكي هو ضمينٌ على العدو الإسرائيلي، في تنفيذ ما عليه فيما يتعلق بالاتِّفاق، فلا هو أوفى بالتزاماته في المرحلة الأولى من الاتِّفاق، ولا هو دخل في تنفيذ المرحلة الثانية من الاتِّفاق، واستكمال ما يتعلق بها من مفاوضات، من خلال الوسطاء المعروفين (القطريين، والمصريين)؛ وإنما اتَّجه بكل عدوانية إلى الاستهداف الشامل، والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة، والمأساة كبيرة، والمظلومية عظيمةٌ جداً للشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، وفي قطاع غَزَّة بما هو أكثر.
بعد العدوان الإسرائيلي بالإبادة الجماعية على مدى خمسة عشر شهراً، والتدمير الشامل لقطاع غَزَّة، واستهداف كل مقومات الحياة في القطاع، كان الشعب الفلسطيني بعد أن بدأ الاتِّفاق، وتنفيذ الاتِّفاق، قد حظي بشيءٍ يسيرٍ جداً من الهدوء واستقرار الوضع، وفي حالة نسبية؛ لأن الوضع صعب أساساً، كل شيءٍ مُدَمَّر، لا يزال الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني تحت الأنقاض، وتحت الركام، ولا يزال الوضع صعباً جداً، لا مأوى للسكن، اتَّجه أبناء الشعب الفلسطيني في القطاع إلى السكن في أطلال منازلهم المُدَمَّرة، وفي ركام بيوتهم المستهدفة أصلاً، التي دُمِّرَت بشكلٍ كامل، والقليل منهم حصل على الخيام ليستفيد منها، البعض منهم لا يزالون في العراء، وفي حالة صعبة للغاية، ومع ذلك يعود العدو الإسرائيلي من جديد، لإلحاق مأساةٍ مُرَكَّبَة على تلك المأساة الحاصلة أصلاً، لإضافة مأساةٍ كبيرةٍ من جديد، مأساة على مأساة.
وهذه المظلومية الرهيبة جداً، والمعاناة الكبيرة، التي اجتمع فيها:
التجويع: الذي كان لفترات طويلة.
ومنع الدواء: وهناك معاناة كبيرة جداً فيما يتعلق بالجانب الصحي.
إضافةً إلى القتل: من خلال الغارات الجوية التي هي مستمرّة، بالأمس في منزلٍ واحد في حي الشجاعية استشهد (خمسة وثلاثين شهيداً) حسب المصادر الطبية، ونحو (خمسين مصاباً)، هذا العدد الكبير في منزل واحد فقط، وفي جريمة واحدة، الاستهداف حتى اليوم كذلك للشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة في الخيام بالغارات الجوية؛ استهداف مستمرّ بالقصف المدفعي، وبإطلاق النار من الآليات العسكرية.
فهناك معاناة كبيرة جداً: القتل من الجو، والبر، والبحر، وكذلك التجويع الشديد جداً.
والمعاناة الكبيرة فيما يتعلق بالمأوى.
فيما يتعلق بمياه الشرب: هناك معاناة كبيرة جداً.
والتفاصيل تظهر في وسائل الإعلام، والمشاهد للمأساة وللمظلومية الكبيرة للشعب الفلسطيني، يمكن لأي مهتم بمتابعتها أن يشاهد الصور والمشاهد المأساوية التي تفوق أي تعبيرٍ وأي وصف، المشاهد الموثَّقة بالفيديو، التي يشاهدها الإنسان، هي ما تكشف للإنسان حجم هذه المظلومية، وفي المقابل حجم الإجرام الصهيوني الأمريكي والإسرائيلي.
ولـذلك تتضاعف المسؤولية على الجميع في مقابل تَعَنُّت العدو الإسرائيلي، الذي بات من الواضح أنه لا يهمه مسألة الأسرى، أصبح واضحاً حتى لدى الكثير من الإسرائيليين أن [المجرم نتنياهو]، وزمرته المجرمة، التي هي الأشد إجراماً على مستوى العالم، أنهم لا يهمهم مسألة الأسرى؛ لأن الاتِّفاق كان كفيلاً بأن يحقِّق هذا الهدف، بدون الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، وقتل أطفاله ونسائه، والتدمير الشامل لقطاع غَزَّة، والذي تضمَّنه الاتِّفاق شيءٌ منطقيٌ، وهو في الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني:
مسألة تبادل للأسرى.
ومسألة وقف العدوان، وإنهاء التجويع على قطاع غَزَّة؛ من أجل أن يتهيأ أيضاً إعادة الإعمار للقطاع.
ولكنَّ العدو الإسرائيلي لا يريد ذلك، وما يطرحه هو طرحٌ عدوانيٌ، يُعَبِّر عن الطغيان، والإجرام، والوحشية، والصَّلَف، والتَّعَنُّت بكل وضوح؛ فهو يُهَدِّد بالتصعيد إن لم يتسلم الأسرى بدون صفقة تبادل، وبدون وقفٍ للعدوان، وبدون إنهاءٍ للتجويع، بمعنى: أنه يريد أن ينتزع الأسرى، الذين هم ورقة ضغط عليه، وعلى الداخل بالنسبة لكيانه المجرم الغاصب، وفي نفس الوقت يريد أن يستمر في العدوان، أن يستمر في التجويع، أن يستمر في القتل، دون تَوَقُّف.
إذاً ما الفائدة من إطلاقهم، إذا كان سيستمر- لو تم إطلاقهم- في العدوان، وفي التجويع، وفي الحصار، وفي الاختطاف لأبناء الشعب الفلسطيني، الذين يمارس معهم أبشع أنواع التعذيب في السجون، وينتهك الكرامات والأعراض، وهناك وفيات بشكلٍ مستمرّ.
قضية الأسرى بالنسبة للشعب الفلسطيني هي قضية أساسية، لا يمكن أن يتنازل عنها؛ بالنظر إلى أن الأسرى منه والمختطفين هم أعداد كبيرة (بالآلاف)، وبالنظر إلى أنهم يعانون أشد المعاناة في السجون الإسرائيلية من التعذيب، الذي ينتج عنه شهداء باستمرار، بعد كل فترة يتم الإعلان عن شهيد، ثم هكذا عن شهيدٍ آخر، كذلك ما يظهر من حالات التعذيب البشعة جداً، أمرٌ لا يمكن التغاضي عنه، ولا التجاهل له.
العدو الإسرائيلي يسعى لانتزاع هذه الورقة من (حركة حماس)، وفي نفس الوقت يُصِرّ على أن يستمر في عدوانه، في قتله، وهو طامعٌ أن يحقِّق هدفه- الذي هو هدف خطير جداً- بالتهجير للشعب الفلسطيني من قطاع غَزَّة، ولو تم له ذلك، لانتقل إلى خطوة التهجير بالكامل من الضِّفَّة الغربية، التي يواصل فيها كل أنواع الاعتداءات:
من قتلٍ بشكلٍ يومي.
من اقتحامٍ للمنازل والبيوت.
من اختطافٍ لأبناء الشعب الفلسطيني.
وكذلك من تجريف وتدمير.
وكذلك من عمليات التهجير، التي هي بشكلٍ من الواضح أنه مدروس، ويهدف إلى التهجير بشكلٍ تدريجي:
ما يفعله في (مخيم جنين)، وفي (طولكرم).
والآن انتقل إلى (مخيم بلاطة) بنفس المنهجية الإجرامية، التي يسعى من خلالها إلى التدمير الواسع، وإلى التهجير القسري للآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، يسلك نفس المسلك في (مخيم بلاطة)، ما عمله في (جنين)، وما عمله في (طولكرم).
ثم ما أقدم عليه فيما يتعلق بإغلاق (مدارس الأونروا) في القدس، وحرمان الشعب الفلسطيني في القدس من التعليم.
إقدامه على هذه الخطوة هو في إطار سياسته العدائية، التي تكشف بكل وضوح، وكانت ولا تزال- في كل المراحل الماضية- تُقَدِّم الشواهد اليومية على أنه:
لا يريد السلام.
لا يريد التسوية السياسية.
لا يريد أن يقبل بأي حلول منصفة أو عادلة.
وأن اتِّجاهه هو عدواني.
وأنه يسعى على الدوام لتصفية القضية الفلسطينية بشكلٍ كامل، في كل ما يتعلق بها، هو حاول أن ينهي تماماً مسألة الحديث عن حق العودة، بالنسبة لأبناء الشعب الفلسطيني الذين هم في الخارج، في الشتات، ويتَّجه- فيما بعد ذلك- إلى محاولة تهجير من بقي منهم في فلسطين، ومساراته واضحة في هذا الاتِّجاه.
وعندما أصبح الأمريكي يتبنى بالمكشوف مسألة التهجير للشعب الفلسطيني، ويُكَرِّرها [ترامب] حتى في هذا الأسبوع، يُكَرِّر حديثه عن التهجير للشعب الفلسطيني من قطاع غَزَّة، ويقول كلمةً سخيفةً في هذا السياق: [أنه يريد أن يخرجهم من غَزَّة، وأن يحوِّلها إلى أرض يسمِّيها بأرض الحُرِّيَّة]، أي حُرِّيَّة مع تهجير أهلها، واحتلالها، والسيطرة عليها؟! هذا اغتصاب، وليس تحريراً، اغتصاب ظالم، إجرامي، وبلطجة بالمكشوف.
فهذا الاتِّجاه الظالم، الوحشي، الإجرامي، الذي يحظى بتبنٍ أمريكي، وشراكةٍ أمريكية، ودعمٍ أمريكيٍ مفتوح، من الواضح أنه لابدَّ من التَّصّدِّي له، ومن مواجهته، وأن ما يقوم به إخوتنا المجاهدون في فلسطين في قطاع غَزَّة، ومن منهم يتحرَّك في الضِّفَّة أيضاً، من جهادٍ في سبيل الله تعالىٍ، من تصدٍّ للعدو، من عمليات بطولية جهادية، هو الموقف الصحيح الذي لابدَّ منه، في مواجهة الطغيان، والعدوان، والإجرام الإسرائيلي، وأمام هذه الأهداف التي يتحرَّك العدو الإسرائيلي للوصول إليها، فهو يسعى بكل وضوح لإنهاء القضية الفلسطينية بشكلٍ تام.
الإخوة المجاهدون يقومون بدورٍ عظيم، في التَّصّدِّي للعدو الإسرائيلي، ولولا جهادهم، وثباتهم، وما منحهم الله من رعايةٍ ومعونة، لكان العدو الإسرائيلي- بالفعل- قد أكمل تحقيق هذه الأهداف، لكان قد قام بعملية التهجير للشعب الفلسطيني من قطاع غَزَّة، ثم يتلو ذلك الضِّفَّة… وهكذا، ولكان اتَّجه إلى خطواته الأخرى، المتعلقة أيضاً بالمسجد الأقصى، الذي هو مُقَدَّس من أهم مُقَدَّسات المسلمين، هو- بالنسبة للعدو الإسرائيلي- يهدف إلى تحقيق هذه الأهداف؛ لأنها أهداف أساسية بالنسبة له، أهداف أساسية في مخططاته، في معتقداته، في ثقافته، في استراتيجيته، في كل ما يتعلق به أصلاً، في نشاطه الإعلامي والدعائي، في سياساته… هو يعمل من أجلها، وبكل وضوح؛ فما يقوم به الإخوة المجاهدون- الذين نسأل الله لهم العون، والنصر، والتأييد، والتثبيت- في قطاع غَزَّة، من عملياتٍ جهاديةٍ بطولية، وما قاموا به في كل المراحل، ومن ذلك (عملية طوفان الأقصى)، هو اتِّجاهٌ ضروريٌ، هو مسؤولية، وهو الخيار الوحيد، الذي يمكن أن يحافظ على هذا الحق، وأن تجدي معه أي خيارات أخرى، عندما يكون هناك ثبات، وجهاد، واستبسال؛ يصبح بالإمكان الضغط على العدو الإسرائيلي، وإفشال مؤامراته، وتحقيق نتائج ومكاسب للقضية الفلسطينية؛ لكن في إطار التَّمَسُّك بالثوابت، وفي إطار الموقف العملي الجهادي، الذي يضغط على العدو الإسرائيلي.
ولـذلك من واجب كل الأُمَّة أن تُسْنِد الشعب الفلسطيني، وأن تدعم مجاهديه، الذين يؤدُّون مهامهم الجهادية بثباتٍ عظيم، ثباتٍ منقطع النظير، حتى في هذا الأسبوع: يُنَفِّذون عمليات بالقصف الصاروخي، بعد كل الذي قد عمله العدو الإسرائيلي من قتل وتدمير، وبعد كل ما قد قدَّموه من شهداء، وتضحيات كبيرة، وبالرغم من كل الظروف الصعبة جداً، لا يزالون إلى الآن يُنَفِّذون عمليات بالقصف الصاروخي، ويتصدُّون بكل بطولة في الميدان لمحاولات العدو الإسرائيلي في التَّوَغُّل البري.
هذا الثبات العظيم، وهذه العمليات، تدل على جدوائية وإمكانية الموقف الجهادي، وأنه جديرٌ بأن يحظى بالمعونة، والمساندة، والتأييد، وأنه الخيار الصحيح المجدي، الذي يمكن- برعايةٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبتأييدٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- أن يحقِّق النتائج، وأي خيارات أخرى هي خيارات فاشلة:
خيار التسوية: خيار فاشل، ساقط.
خيار الاستسلام: لن يفيد شيئاً أبداً، ولا يمكن أن يدفع لا شرّاً، ولا خطراً، ولا ضُرّاً، ولا يقدِّم أي شيء للأُمَّة: لا للشعب الفلسطيني، ولا للشعوب المجاورة لفلسطين، ولا لبقية الأُمَّة.
الخيار الصحيح هو: خيار الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
العدو الإسرائيلي- ومعه الأمريكي، الذي هو شريكٌ في الإجرام، وشريكٌ في النكث بالاتِّفاقات التي هو ضمينٌ عليها- مستمرٌّ أيضاً في اعتداءاته على لبنان، ومتنكِّر للاتِّفاق الواضح، ببنوده الواضحة، والتزاماته الواضحة، يتنكَّر لها، ويستمر في الغارات، والاعتداءات، والقتل، والتدمير، يستمر في الاحتلال لمراكز في داخل الأراضي اللبنانية، والآن أصبح الموقف الأمريكي أكثر تَنَكُّراً من أي مرحلةٍ مضت تجاه الالتزامات، التي هي التزامات عليه كضمين، وعلى العدو الإسرائيلي كطرف، التزامات واضحة، أصبح العدو الإسرائيلي يُصَعِّد من اعتداءاته، وينكث بالاتِّفاق:
يُنَفِّذ غارات حتى في الضاحية (في ضاحية بيروت الجنوبية).
يُنَفِّذ غارات في أماكن متفرِّقة.
يقتل ويستهدف بعمليات الاغتيال إخوتنا المجاهدين حتى من (حركة حماس)، من (حزب الله)، يقتل على الانتماء، يعني: ليست المسألة أنه يتعامل مع خروقات، أو إشكالات، أو مع مخاوف مُعَيَّنة، هو يستهدف شخصاً؛ لأنه من (حزب الله)، يستهدف مواطنين في الجنوب اللبناني، يستهدف أشخاصاً؛ لأنهم من (حركة حماس)، يعني: بعيداً عن مسألة الاشتباك على الأرض، أو إشكاليات تتعلق بالموقف على الأرض؛ فهو يتَّجه إلى تصعيد أكبر.
يستبيح الأجواء اللبنانية بشكلٍ مستمرّ، ولا يتوقَّف عن ذلك.
الأمريكي يأتي ليقول: [إن حزب الله سرطان يجب اجتثاثه]، من هو السرطان الذي يجب اجتثاثه؟ هو العدو الإسرائيلي، ومعه الأمريكي الذي يُمَثِّل شرّاً على هذه المنطقة وعلى كل شعوبها، بل يُهَدِّد الأمن والسلم العالمي.
العدو الإسرائيلي، بكل وحشيته، وعدوانيته، وإجرامه، بما قتله من آلاف الأطفال والنساء، بالآلاف، آلاف الأطفال، وآلاف النساء، وما يرتكبه من إبادة جماعية، وما يستهدف به شعوب هذه المنطقة، من قتل، واحتلال للأرض، وانتهاك للعرض، هو الذي يُقَدِّمه الأمريكي على أنه النموذج المثالي، ثم يُوَصِّف أصحاب الحق، الذين يتحرَّكون بحق، ويستندون إلى الحق في موقفهم، الذين هم يدافعون عن النفس والأرض والعرض، وهم أصحاب الحق الواضح الثابت، الذي لا شك فيه، والموقف الحق، الذين يدافعون عن أنفسهم، وعن أعراضهم، والذين يتحرَّكون أيضاً بالقيم، القيم الأخلاقية، والإنسانية، والدينية، يطلق عليهم مثل هذه التوصيفات، التي هي توصيفات تنطبق على العدو الإسرائيلي، فهو السرطان الذي يجب اجتثاثه، هو (الغدة السرطانية)، الذي سمَّاه الإمام الخميني “رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ” بـ(الغدة السرطانية)، التي يجب استئصالها، وإذا لم تُستأصل؛ انتشر شرُّها، وترعرعت بشرِّها وفسادها في بقية هذا الجسم، الذي هي غريبةٌ عليه، من هو الغريب في هذه المنطقة، الذي جاء ليحتل، ولينتهك الحرمات، وليقتل، وليدمِّر، وليُهَدِّد هذه المنطقة بكلها في أمنها واستقرارها؟ هو العدو الإسرائيلي، والذي يتبناه، ويتبنى كل جرائمه، ويدعمه بشكلٍ مفتوح، ويُقَدِّم له الحماية؛ ليفعل ما يشاء ويريد من تلك الجرائم، ولينتهك السيادة لهذه البلدان، هو الأمريكي.
فالأمريكي ليس في المستوى الذي يمكنه أن يوصِّف الآخرين بالأوصاف السيئة؛ لأنه هو في سلوكه، وعدوانيته، ومعه العدو الإسرائيلي، من تنطبق عليهم كل مواصفات الشر، والإجرام، والطغيان، والعدوان، والظلم، والباطل، بشكلٍ واقعي، وبتطابقٍ تام؛ أمَّا أن يوصِّف الآخرين، فليس هو في مقام أن يطلق الأحكام على الآخرين.
الإسرائيلي أيضاً فيما يرتكبه في سوريا من جرائم مستمرة، بالقتل، بالغارات الجوية، بالتدمير لقدرات الشعب السوري، بالاحتلال والتَّوَغُّل في الأرض، هو أيضاً يثبت لكل أُمَّتنا، ولكل الشعوب في هذه المنطقة، أنَّه عدوانيٌ، يتحرَّك وفق أطماعه، ووفق مخططه الصهيوني، ولا يراعي أي اعتبارٍ مهما كان، لا يعطي اعتباراً لمسألة أن يأتي من يقابله بتوجهٍ غير عدائي، ويؤكِّد أنه لا يعاديه، وأنه لا يريد معه أي مشاكل، وأنه يريد السلام معه، وأنه يريد التطبيع معه، وأنَّه وأنَّه… مهما كان حجم التودد، ومهما كان مستوى التنازلات، لا تجدي شيئاً مع العدو الإسرائيلي؛ لأنه بالأساس يتحرَّك- كما قلنا- من أجل أطماعه، من أجل مخططه الصهيوني، من أجل أهدافه التي يتحرَّك على أساسها، منذ البداية، منذ يومه الأول، منذ بدأ احتلاله لفلسطين، ولديه مخطط معلن، صريح وواضح، هو: المخطط الصهيوني.
العدو الإسرائيلي في عدوانه آنذاك في عام 56 ميلادي على مصر، قال رئيس وزرائه آنذاك المجرم في الكنيست: [أنَّ الدافع الحقيقي لذلك العدوان هو: العودة إلى الحدود التوراتية]، هم يفترون على التوراة، أنه يريد تحقيق ذلك، يعني: مخططهم الصهيوني [إسرائيل الكبرى]، وعبَّر بذلك، وقاموا كلهم، قاموا للتصفيق له قياماً، وارتاحوا لذلك.
العدو الإسرائيلي يشتغل وفق مخططه الصهيوني؛ لذلك بالرغم من الحالة المعروفة في سوريا، التي هي حالة- فعلاً- لا تحمل أي عداء للعدو الإسرائيلي، ولا تريد معه أي مشاكل، وهي تريد أن تكون على علاقة إيجابية معه، وأن يكون هناك تفاهم فيما بينها وبينه، لكن العدو الإسرائيلي لا يلتفت إلى ذلك، وليس مستعداً أبداً أن يقابل هذه الحالة بإيجابية، وأن يعيد لهم (مرتفعات الجولان)؛ بل احتل المزيد، وصَنَّف- كما شرحنا في الكلمات الماضية- صَنَّف مناطق شاسعة من سوريا في إطار تصنيفاته الباطلة، التي لا تُخَوِّله لا شرعاً، ولا قانوناً… ولا بأي اعتبار، أن يسيطر على بلدان الآخرين، تحت عنوان: [هذه منطقة عازلة، هذه منطقة أمنية، وهذه منطقة تحت عنوان آخر]، كل تلك التصنيفات هو يمنح نفسه بها أن يسيطر على بلدان الآخرين، وحقوق الآخرين، وأرض الآخرين بكل باطل، وبكل وقاحة، وبكل عدوانية.
هو يحاول أيضاً أن يضغط على التركي، فيما يتعلق بمستوى النفوذ التركي، والحضور التركي العسكري في سوريا، العدو الإسرائيلي حتى في هذه المسألة هو يضغط على تركيا؛ لأنه يريد أن يكون له- هو الإسرائيلي- الحصة الأوفر، هو يريد- أصلاً- أن يستفيد من سوريا لتحقيق هدفه بالوصول إلى (نهر الفرات)، وهو يستبيح أيضاً أجواءها بكلها، وبدأ من خلال انتهاكه للأجواء السورية بشكلٍ كامل، واستباحته لها بشكلٍ كامل، بدأ أيضاً يتعدَّى ذلك إلى انتهاك سيادة العراق، والاختراق بالطيران الإسرائيلي لأجواء العراق، وفي نفس الوقت ماذا يعمل الأمريكي؟ الأمريكي يمنع الجيش العراقي من أن يُفَعِّل منظومات الدفاع الجوي، في الاستهداف للطيران الإسرائيلي الحربي، عندما يخترق الأجواء العراقية، يعني: يفرض معادلة الاستباحة.
وهكذا يريد الأمريكي مع كل شعوب المنطقة بكلها، أن يفرض عليها معادلة واحدة، هي: الاستباحة، أن تكون هذه الشعوب، وهذه البلدان، مستباحة الدم، والعرض، والمال، والثروة، والسيادة، لصالح العدو الإسرائيلي، وخاضعةً له بالكامل، العدو الإسرائيلي ومعه الأمريكي يريدون ذلك، يريدون فرض هذه المعادلة.
هذا من الاستفزاز الكبير جداً، أن يُمنع الجيش العراقي من تفعيل منظومات الدفاع الجوي، حينما يخترق العدو الإسرائيلي أجواء العراق بطيرانه، وشيئاً فشيئاً سيكرِّر العدو الإسرائيلي مثل هذا الاختراق، ثم يوسِّع من مستوى نشاطه؛ لأنها السياسة الإسرائيلية، التي تستخدم أسلوب الترويض مع العرب؛ لأنهم يتقبَّلون حالة الترويض، وجرَّبها العدو الإسرائيلي معهم كأسلوب ناجح، شيئاً فشيئاً يصبح المحظور، الذي ينبغي استنكاره، ومنعه تماماً من اللحظة الأولى، يصبح مقبولاً في مستوى مُعَيَّن، ثم في مستوى أكبر وأخطر، ثم وصولاً إلى مستويات خطيرة جداً؛ حتى تصبح أجواء العراق في يومٍ من الأيام مستباحة بشكلٍ كامل، وبدون أي تردُّد، وبالمقدار الذي يريده العدو الإسرائيلي.
فالعدو الإسرائيلي يعمل ما يعمله في سوريا، وفي هذا درس كبير جداً، بالرغم من أنَّ الطرف السوري، فيما يتعلق بالجماعات المسيطرة على سوريا، تتوسط بالتركي، وتتوسط بالأمريكي، وتستجدي الأمريكي استجداءً، أن يعمل على تفاهمات ما بينها وبين العدو الإسرائيلي، تتوسط أيضاً بالسعودي في هذا السياق نفسه، تتوسط بمن هبَّ ودبَّ؛ ليحاولوا أن يدفعوا بالعدو الإسرائيلي أن يدخل في تفاهمات معها، وأن يتوقَّف عمَّا يفعله؛ حتى لا يحتل المزيد من الأراضي، وأن يتوقَّف عما يقوم به من غارات… وغير ذلك، ولكنه لم يتوقَّف عن ذلك؛ فهو يتحرَّك بهذا المستوى، ولا يعطي اعتباراً لأحد.
مشكلــة العــرب: أنهم لم ينظروا إلى العدو الإسرائيلي ليعرفوه كيف هو، وماذا يفكر به، وماذا يخطط له، وماذا يريد، يتعاملون مع الأحداث كأحداث جزئية، دون حتى السياق الذي وردت فيه، ولا ينظرون إلى العدو هو، من هو هذا العدو:
لا من خلال القرآن الكريم، مع أنَّ الله قد كشفه في القرآن الكريم، في الحديث الواسع جداً عن اليهود، عن عدائهم لهذه الأُمَّة، عن مخططاتهم، عمَّا يريدونه بهذه الأُمَّة، عن خطورة التفريط في المسؤولية الدينية والإيمانية في التصدِّي لشرِّهم، وإجرامهم، وفسادهم، وظلمهم، وطغيانهم، وما يمكن أن يترتب على ذلك.
ولا من خلال الأحداث نفسها.
ولا من خلال القراءة لواقع العدو: ما هو مخططه؟ ما هي ثقافته؟ كيف هي مناهجه التعليمية؟ ماذا يربِّي عليه أجياله…
ولا من أي اعتبار أبداً.
يتجاهلون كل شيء، ويتعاملون مع الأحداث بنظرة محدودة، ثم دائماً يؤكِّدون في بياناتهم، التي هي الشيء الوحيد الذي يصدر عنهم رسمياً، فيما يتعلق بمعظم الأنظمة، بيانات، فيها تأكيد على تمسُّكهم- حسب ما يقولون- بخيار السلام، وخيارات التسوية، وخيارات المبادرة العربية، التي رُفِضَت أساساً، بالرغم من كل ما قدمته من تنازلات، رُفِضَت من يومها الأول، ولم يقبل بها العدو الإسرائيلي أصلاً.
العدو الإسرائيلي هو يستبيح هذه الأُمَّة، يستبيح الشعوب الأخرى، يعتبرها مباحةً لهم، وفي نفس الوقت مع ذلك يحمل عداءً شديداً لهذه الأُمَّة، التي يعتبرها مباحةً له، مباحةً في الإبادة والقتل، يستبيح قتل الأطفال، والكبار والصغار، والنساء والرجال… والكل، وفي نفس الوقت يحمل حقداً شديداً، عداءً شديداً، بيَّن الله مستوى حقدهم، عندما قال: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82]، عندما قال عنهم كذلك: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران:119]، أي عدوٍ لك، أي خصم لك، يَعُضّ أنامله عليك من الغيظ، في خلواته وجلساته السِّرِّيَّة، وهو يتآمر عليك؟! هم إلى هذا الحد من مستوى الحقد الشديد مع الاستباحة التامة.
{لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}[آل عمران:75]؛ ولـذلك هم ينظرون نظرة احتقار، هم لا يعتبرون هذه الأُمَّة لا رجالها، ولا نساءها، ولا قادتها، ولا حكوماتها، ولا مثقفيها، لا يعتبرونهم بشراً حقيقيين؛ وإنما أشباه بشر، وأشكال بشر، وإلَّا فهم يعتبرونهم ويصنِّفونهم في تصنيفاتهم ببقية الحيوانات، ولا يحترمونهم حتى كالحيوانات الأخرى.
لديهم نصوص فيما حرَّفوه من الكتب، التي يسمُّونها بـ[كتب العهد القديم]، ولديهم [التلمود] أيضاً، الذي هو مليءٌ أيضاً بالشحن، الذي هو شحن قائم على الازدراء للآخرين، الاحتقار لإنسانية الآخرين، وعدم الاعتراف بها أصلاً، وكذلك التحريض للآخرين، حتى من يواليهم، الله قال: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران:119]، هم في نظرتهم إلى من يواليهم، ماذا يقولون؟ لديهم هذه النظرة، التي تعبِّر عن: أنَّ هؤلاء ليسوا بشراً؛ إنما حيوانات تُستغل.
في [التلمود] نفسه عبارة: [الأمميون هم الحمير، الذين خلقهم الله ليركبهم اليهود، وكل ما نَفِقَ منهم حمار، ركبنا حماراً آخر]، هذا نص من نصوصهم، كم معهم من النصوص التي كلها احتقار وازدراء، ونصوص أخرى استباحة صريحة، هذا ينطبق على من؟! على من يواليهم، هم يعتبرون من يواليهم أنه مجرَّد حمار، يركبونه، يستغلونه، حتى ينفق، يعني: يهلك، يموت، يستغلونه أسوأ حالات الاستغلال، ويمكن أن يقضوا عليه هم، في أي مرحلة يرون أن ذلك يُمَثِّل مصلحةً لهم، ثم يبحثوا عن حمار آخر، هم بهذه النظرة من الازدراء حتى تجاه الذين يوالونهم.
أمام هذا الطغيان، والإجرام، والتَّعَنُّت، والوحشية، والمشاهد المأساوية الرهيبة، التي تأتي يومياً في فلسطين: في قطاع غَزَّة، في الضِّفَّة… في سائر أنحاء فلسطين، في غَزَّة بشكل كبير جداً، مأساة رهيبة، إبادة جماعية، تجويع شديد جداً، ومعاناة لا مثيل لها، هناك مسؤولية على الجميع في التَّحَرُّك الجاد، في التَّحَرُّك الفاعل، ويجب- فعلاً- التذكير بهذه المسؤولية، التذكير بهذه المسؤولية بشكلٍ يومي، بشكلٍ مستمر، بشكلٍ مكثف.
هناك مسؤولية على المستوى العالمي، مسؤولية إنسانية، بدأت بعض المظاهرات تخرج في بعض الدول، لابدَّ من تكثيف المظاهرات، لابدَّ من تكثيف النشاط الإعلامي، والأنشطة المتنوعة، حتى على مستوى النشاط الجامعي، وإن كان هناك سعي في الغرب من جهة الأنظمة لمنع الأنشطة الشعبية، والأنشطة الجامعية، لكن لابدَّ أن يكون هناك نشاط كبير.
في هذا السياق، نأمل من الجاليات اليمنية، وبقية الجاليات العربية والإسلامية، وكذلك العرب والمسلمون، الذين هم مقيمون في الدول الغربية، أن يتحرَّكوا، وأن يستنهضوا كل من بقي له ضميرٌ إنساني؛ ليتحرَّك معهم، هذه قضية إنسانية، يجب أن يكون الصوت الإنساني العالمي حاضراً لمساندة الشعب الفلسطيني بشكلٍ مكثف، بمستوى حجم هذه المأساة، والمعاناة، والمظلومية الكبيرة.
هناك مسؤولية كبيرة على المسلمين جميعاً، والعرب في المقدِّمة، في أن يتحرَّكوا بِجِدِّيَّة، باهتمامٍ كبير، التفريط في هذه المسؤولية له عواقب خطيرة عليهم، هذا بحد ذاته يُشَجِّع العدو عليهم، يرى فيهم أُمَّةً ميتة، أُمَّةً مستسلمة، أُمَّةً أفلست من قيمها الإنسانية، وقيمها الأخلاقية، وفي نفس الوقت لم تعد تأبه حتى بأمنها القومي، ولا بمصالحها الحقيقية، تفرِّط في كلِّ شيء، ولم يبق لديها اهتمام لا من منطلق الحفاظ على دين، ولا دنيا؛ ولا دنيا، ولا آخرة، يرى فيها أُمَّة تخلَّت عن كل شيء.
ولـذلك ينبغي أن يكون هناك تذكير، وأن يسهم في عملية التذكير بهذه المسؤولية، كل من بقي لديه إحساس بإيمان، بدين، بإنسانية، بأخلاق، بقيم، بهوية وانتماء، أن يحاول أن يذكِّر بهذه المسؤولية، وأن يكون هناك استنهاض مستمر، مع الحالة اليومية من الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، والمأساة المتكررة، والمأساة التي قد بلغت إلى مستوى رهيب جداً، لا يجوز أبداً التعامل معها بملل، ولا التعامل معها بفتور، ولا بتجاهل، يجب أن يكون هناك استنهاض على كل المستويات، وتجاه التَّحَرُّك الشامل:
التَّحَرُّك الإعلامي، وبوسع كثيرٍ من أبناء الأُمَّة أن يفعلوا ذلك، وفي الوسط الإعلامي نفسه، هناك مجال واسع للتحرُّك لخدمة هذه القضية، هذه المظلومية.
وعلى المستوى الثقافي والفكري.
وعلى مستوى الخطاب الديني والمساجد… وعلى كل المستويات.
في تفعيل المقاطعة على نطاقٍ واسع، ولاسيَّما في الشعوب التي لديها إقبال على المشتروات الأمريكية، على البضائع والمنتجات الأمريكية والإسرائيلية، يجب أن يكون هناك نشاط كبير للمقاطعة… على كل المستويات.
الدعم بالمظاهرات، بالخروج الشعبي، في كل الدول التي يمكن أن يتهيأ فيها ذلك.
فيمــا يتعلـق ببلدنـــا: جبهة الإسناد اليمنية تحرَّكت- كما قلنا- منذ البداية، ولم نتوانَ- بفضل الله وتوفيقه- عن هذا التَّحَرُّك، الذي هو مسؤولية دينية، وإنسانية، وأخلاقية:
شعبنا العزيز خرج أيضاً خروجاً مليونياً عظيماً في شهر رمضان المبارك، في (ذكرى غزوة بدرٍ الكبرى)، وفي (يوم القدس العالمي).
الأنشطة التثقيفية، وكذلك أنشطة التعبئة: هي مستمرة، وإن شاء الله ما بعد شهر رمضان ومن الآن تتصاعد كل الأنشطة؛ لتكون في مستوى عالٍ جداً.
فيما يتعلَّق بالإسناد العسكري: العمليات مستمرة، سواءً فيما كان منها عمليات بالقصف الصاروخي، وبالمسيَّرات، إلى فلسطين المحتلة ضد العدو الإسرائيلي، أو في منع الملاحة الإسرائيلية في (البحر الأحمر، وخليج عدن، والبحر العربي).
المسارات العسكرية مسارات قوية، وفعَّالة، وبحمد الله تعالى هناك نجاح تام في منع الملاحة الإسرائيلية، يعني: العدو الإسرائيلي توقَّف تماماً، وصل إلى يأس في أنَّ بإمكانه الملاحة عبر البحر الأحمر، ميناء [إيلات] لا يزال مهجوراً، ولم يعد بإمكانية العدو الإسرائيلي أن يستفيد منه، وهذا نصرٌ عظيم.
لفاعلية الموقف اليمني، ولأنه بهذا المستوى المتكامل: عسكرياً، وشعبياً، وبكل المستويات، ورسمياً… وفي كل المجالات، لفاعلية هذا الموقف، يحاول العدو الأمريكي أن يضغط بكل ما يستطيع؛ للتأثير على مستوى هذا الموقف؛ ولـذلك شنَّ عدوانه وتصعيده في جولة جديدة من العدوان على بلدنا، ويحاول أن يُكَثِّف في عدوانه، وأن يضغط باستهداف الأعيان المدنية.
الأمريكي بالرغم من كل ما قد نفَّذه خلال هذه الفترة، منذ أن استأنف جولته، التي هي جزءٌ من المعركة التي ينفِّذها العدو الإسرائيلي، يعني: الأمريكي والإسرائيلي هما في معركةٍ واحدة: تستهدف الشعب الفلسطيني، تستهدف لبنان، تستهدف سوريا، تستهدف هذه الأُمَّة، وتستهدف بلدنا أيضاً، فالأمريكي هو في نفس المعركة، عمله هو شراكةٌ مع العدو الإسرائيلي، حمايةٌ للعدو الإسرائيلي، إسنادٌ للعدو الإسرائيلي، هو حاول أن يوفِّر الحماية للعدو الإسرائيلي، وأن يمنع عنه هذه العمليات العسكرية التي تأتي من اليمن، والتي هي عمليات مؤثِّرة، العدوان الأمريكي، والتصعيد الأمريكي شاهدٌ على فاعلية الموقف اليمني، ومدى تأثيره على العدو الإسرائيلي؛ لأن له:
تأثير اقتصادي.
تأثير على المستوى الأمني.
وتأثير على المستوى العسكري.
وتأثير على المستوى الاستراتيجي.
وهذه الحالة حالة مقلقة جداً للأعداء، فالأمريكي بالرغم من كل تصعيده؛ فشل في أن يؤمِّن من جديد الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي، فشل في ذلك، لم ينجح أبداً، لم يتمكن ولن يتمكن- بإذن الله تعالى- من إضعاف القدرات العسكرية، بل يقيناً، وقطعاً، ونطمئن شعبنا العزيز، ونطمئن كل الأحرار من أبناء أُمَّتنا وفي العالم، أنَّه يسهم في تطويرها أكثر فأكثر، والمسار تصاعديٌ في ذلك، وتشهد الأحداث نفسها، والعمليات المستمرة على مدى خمسة عشر شهراً في (معركة طوفان الأقصى)، أنَّ المسار تصاعدي؛ ولـذلك جبهة الإسناد اليمنية، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، هي جبهة فاعلة، بقيت فاعلة، وتبقى فاعلة ومؤثِّرة بشكلٍ تصاعدي بإذن الله تعالى.
الأمريكي لا هو تمكَّن من تأمين الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي، وإعادة تشغيل [إيلات]، أو ميناء أم الرشراش، بالشكل الذي يؤمِّله ويريده العدو الإسرائيلي، كما كان قبل (عملية طوفان الأقصى)، ولا هو أيضاً تمكَّن من إيقاف العمليات الصاروخية، والمسيَّرات إلى فلسطين المحتلة، ولن يتمكن من ذلك بإذن الله تعالى، وفي نفس الوقت لن يُضعِف القدرات العسكرية، بل يسهم في تطويرها أكثر، ولن يُضعِف الوضع العسكري في هذا البلد؛ لأنه وضعٌ متين، يستند إلى أسس إيمانية، وإلى جذور عميقة جداً، جذور شعبية واسعة جداً، وهناك- بحمد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- التفاف شعبي كبير جداً حول هذا الموقف، هذا موقف يعبِّر عن إرادة شعبنا اليمني، لم يُفرض على هذا الشعب، لم يُجبر هذا الشعب على هذا الموقف؛ بل شعبنا العزيز هو- بنفسه- يتطلَّع إلى مواقف أكثر فاعلية ضد العدو الإسرائيلي، وحتى ضد العدو الأمريكي، هو شعبٌ ينطلق من منطلق هويته الإيمانية، وانتمائه الإيماني.
العدوان الأمريكي، والتصعيد الأمريكي- في نفس الوقت- لن يؤثر أبداً على إرادة هذا الشعب، على معنوياته الإيمانية العالية، على توجهه الجهادي القرآني الواعي، الثابت، الذي لا يتزحزح بفعل العدوان والتصعيد.
التصعيد الأمريكي هو يكشف حقد العدو الأمريكي وفشله معاً؛ لأنه اتَّجه إلى استهداف الأعيان المدنية:
يستهدف خزانات المياه، ماذا يعني استهدافه لخزانات المياه (مياه الشرب)؟ كما فعل في الحديدة في الصليف، وفي صعدة… وفي مناطق أخرى، حتى في جزيرة كمران، استهدف فيها خزانات مياه التحلية، وكذلك المعدِّات التي يعتمد عليها، منها: المولدات الكهربائية، التي تستخدم لتحلية المياه، استهدفها الأمريكي، ماذا يعني ذلك؟
استهدف المرافق الصحية.
يستهدف مرافق خدمية أخرى.
يستهدف الأطفال والنساء، باستهدافه للمنازل في الأحياء السكنية، كما فعل في الحديدة مؤخَّراً، وكما فعل في صنعاء، وكما فعل في عِدَّة محافظات.
ماذا يعني ذلك؟ يعني: أنه فاشل، فلأنه فشل في إضعاف القدرات العسكرية، وهو يعترف- عن طريق مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية وفي غيرها- يعترف بفشله في إضعاف القدرات العسكرية، يعترف بفشله في منع العمليات العسكرية، يعترف بفشله في تأمين الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي، والواقع مع الاعترافات يشهد بذلك، الواقع الفعلي والعمليات بنفسها تدل على فشله.
يستخدم في تصعيده قاذفات القنابل، التي تأتي من قاعدة في المحيط الهندي، ويكثِّف من هذا التصعيد، ولكنه مع كل ذلك فاشل، وسيبقى فاشلاً؛ لأنه في موقف البغي، والظلم، والطغيان، والإجرام، وهو يريد أن يفرض على هذه الأُمَّة معادلة الاستباحة، ولن ينجح في ذلك مع شعبنا العزيز، لماذا؟ لأن شعبنا ينطلق من منطلق إيماني؛ ولـذلك روحيته المعنوية عالية جداً، وثباته على موقفه لن يتزحزح أبداً.
يمكن للأمريكي أن يحطِّم بقاذفات القنابل منزلاً، ويرتكب جريمةً لقتل من فيه من الأطفال والنساء، ولكنه بذلك لا يتمكن أبداً من تحطيم الروح المعنوية لشعبنا العزيز؛ لأنها مستمدةٌ من إيمانه بالله، من يقينه وثقته وتوكله على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مستمدةٌ من السكينة، التي يمنحها الله لعباده المؤمنين، {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}[الفتح:4].
شعبنا العزيز لن يتأثَّر لا بالإرجاف والتهويل، مهما حاولت الأبواق الإعلامية، التي ينفخ فيها الشيطان، ينفخ فيها الأمريكي والإسرائيلي، في محاولة للإرجاف والتهويل، شعبنا العزيز بمنطلقه الإيماني، هو على مستوى عالٍ من الوعي، والبصيرة، واليقين، والثقة بالله تعالى، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:173]، النتيجة هي هذه: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}، زادهم إيماناً بكل ما تعنيه الكلمة؛ لأن العدو أثبت- فعلاً- أثبت بشكلٍ واضح مدى فاعلية هذا الموقف الذي تحرَّك فيه شعبنا العزيز، أنَّه موقفٌ فعَّال، موقفٌ عظيم، موقفٌ مؤثِّر بكل ما تعنيه الكلمة؛ ولـذلك لم يتحمله العدو، لم يطقه، ويحاول أن يوقفه، يحاول أن يتخلَّص من هذه الجبهة؛ لأنها جبهة فاعلة، جبهة قوية، جبهة مؤثِّرة، فهو يسعى للخلاص منها، ومع ذلك يفشل، شعبنا العزيز يزداد يقيناً بأهمية هذا الموقف، وأنَّه الموقف الحق، في مقابل ذلك الباطل، الباطل بكل أشكاله.
العدو الإسرائيلي، والعدو الأمريكي، في عدوانهما، وطغيانهما، وإجرامهما، ووحشيتهما، وما يسعيان له: من احتلال، من مصادرة للحقوق، من تدمير لهذه الشعوب، من احتلالٍ لأوطانها، ونهبٍ لثرواتها، وطمسٍ لمعالم دينها، وسيطرةٍ على مقدَّساتها، وتدمير لمقدَّساتها… وسائر بقية الأهداف؛ هما في موقف البغي، والظلم، والباطل، والشر، والفساد، والإجرام؛ هو عقيدة، وخطة، ومنهج، وسياسة، وفكر، وثقافة بالنسبة لهم؛ وهو ممارسة عملية، فهم باطل الباطل؛ وشعبنا في موقف الحق، يفتخر ويتشرَّف بأنَّه في الموقف الحق بكل الاعتبارات: الحق الإنساني، الحق الديني، الحق بمعيار القيم والأخلاق، بمعيار حتى القوانين والمواثيق والأعراف… بكل الاعتبارات، على حقٍّ واضحٍ صريح؛ ولـذلك هو يتشرَّف بأنه في هذا الموقف، الذي يواجه فيه ذلك الباطل، وذلك الشر، وذلك الطغيان، وذلك الإجرام، وذلك الكفر، وتلك الجبهة الشيطانية، التي تتجلَّى فيها كل أحقاد الشيطان، ومساعيه ضد الإنسانية: من إضلال، من إفساد، من إجرام، من ظلمٍ وعدوان.
فشعبنا العزيز هو في إطار موقفه الإيماني، وانتمائه الإيماني، وهو في ميدان المواجهة هذه لا يتأثر أبداً بما يمتلكه الأعداء، ولا بعروضهم، هو يحذو حذو أسلافه الأوائل، في خط الإسلام، ونهج الإسلام العظيم، النماذج الإيمانية الراقية في تاريخ المسلمين، من مثل من قال الله عنهم: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[الأحزاب:22]؛ فلـذلك لا من خلال الإرجاف والتهويل، ولا من خلال أن يعرض العدو ما يمتلكه من إمكانات، أو أن يتظاهر بإمكاناته وتحالفاته، كل هذا لن يؤثِّر على هذا الموقف؛ لأنه موقف يستند إلى الاعتماد على الله، والثقة بالله، والتوكل على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهذه الإرادة الإيمانية، وهذا الوعي، وهذه الروح المعنوية الإيمانية، لا تنكسر أيضاً حتى بالتضحية في سبيل الله؛ لأن التضحية هي جزءٌ من الجهاد، عندما نجاهد في سبيل الله نحن نقدِّم الشهداء، وهذا في كل تاريخ الأنبياء، وفي صدر الإسلام، كانت دائماً تقدَّم الشهداء في كل مسيرة الحق والجهاد في سبيل الله، ولكن {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران:146].
من ميزة الموقف الإيماني: أنَّه قويٌ، صُلبٌ، فولاذيٌ؛ في الإرادة، والثبات، ومستوى الصبر، في مواجهة أعتى التحديات، وأشد المواجهات، وأكبر المواقف، ليس موقفاً هشاً، يتزعزع أمام أي عاصفة، أو أمام أي تحدٍ، أو أمام أي عدو، هو موقفٌ ثابت؛ لأنه يستند إلى الحق، إلى الوعي، إلى البصيرة، إلى الإيمان، الإيمان بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويستند إلى البصيرة في نفس الوقت، يستند إلى البصيرة، البصيرة تجاه ضرورة هذا الموقف، ما هي الخيارات الأخرى؟ ما هي الاتجاهات التي تمثِّل بديلاً عن هذا الاتِّجاه الجهادي، القرآني، الإيماني، الذي هو سبب للرعاية الإلهية، الذي هو سيرٌ في الاتِّجاه الذي وعد الله فيه بأن يكون مع من يتحرَّك فيه؟ البدائل الأخرى هي:
خيارات استسلام، وخيارات خضوع.
أو خيارات ولاء، خيارات من تلك الخيارات التي تحقق لليهود ما يقولونه، عن أنَّ الآخرين [خلقوا حميراً بأشكال بشر ليركبوهم، كلما نفق حمار، ركبوا حماراً آخر].
ليست هذه الخيارات واردة أبداً عند شعبنا العزيز، لا يمكن أن تكون مقبولةً عند أحرار هذا الشعب، الذين انطلقوا بانطلاقة الإيمان، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون:8].
إذا كان هناك من أبناء الأُمَّة، من بعض حُكَّام الأنظمة، وبعض العملاء، وبعض القوى التي قد ترتضي لنفسها خياراً كهذا: أن تحقق لليهود خيار الاستحمار؛ فنحن في اليمن، في يمن الإيمان، الذي قال عنه رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم: ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، لدينا خيار أن نكون أسوداً في مواجهة أولئك الأعداء، أسوداً وليس حميراً كخيار الآخرين، الذين يقبلون بخيار الاستحمار، أن نتحرَّك كمجاهدين في سبيل الله، نحظى برعايةٍ من الله، في إطار وعده الصادق الذي لا يتخلف أبداً: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7]، أن نتحرَّك بِعِزَّة وشرف.
وحينما نقدِّم التضحيات، ونحن في إطار الموقف الذي ارتضاه الله لنا، والذي هو في ميدان عِزَّة وشرف، وموقفٌ نفتخر به، ونعتز به؛ فهي تضحيات في محلِّها، تضحيات مثمرة، ليست كحال من قد يرتضون لأنفسهم خيار الاستباحة: أن يُضربوا ولا يَضرِبون، أن يُقتَلوا ولا يَقتُلون، أن يُدَمَّروا ولا يجيبون، كمثل ما يحصل فعلاً، يعني: ما يحصل في سوريا هو قبول بمعادلة الاستباحة، أن يقتلهم العدو الإسرائيلي دون أي ردة فعل، أن يدمِّر دون أي ردة فعل؛ هنا الخيار مختلف، الخيار قرآني، إيماني، إنساني، خيار الشرف، خيار الإيمان، خيار الرجولة والثبات.
نحن نستند إلى بصيرة القرآن، التي يشهد لها الواقع، ونثق بالله تعالى في هدايته، كما نثق به في وعده، نثق به في وعده بالنصر، حينما نتحرَّك وفق ما هدانا إليه، وفق ما أمرنا به؛ لم يأمرنا بالسكوت، لم يأمرنا بالاستسلام؛ أمرنا بالجهاد، بالقتال في سبيله، بالتَّحَرُّك في سبيله، فنحن نتحرَّك وفق هدايته، بثقةٍ بأن ما هدانا إليه هو الخيار الصحيح، والقرار الصحيح، والاتِّجاه الصحيح، وفي نفس الوقت وثقنا بوعده؛ لأنه وَعَد حينما نتحرَّك على أساس هدايته أن ينصرنا: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم:47]، هو ضمن النصر حينما نتحرَّك على أساس الاستجابة له.
ووعود الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ليست كالمعلبات التي لها تاريخ انتهاء، مؤقتةً بعصر صدر الإسلام، هي وعود سارية المفعول في كل زمانٍ ومكان، ليس لها تاريخ انتهاء، انتهت صلاحيتها في السنة الثانية عشر من الهجرة، أو السنة الخامسة عشر من الهجرة، أو الحادية عشر من الهجرة، أو في القرن الأول، أو القرن الثاني الهجري، أو في قرنٍ من القرون الماضية، وعود الله سارية المفعول في كل زمانٍ ومكان.
وفي مقابل الشر الأمريكي والإسرائيلي، وذلك الطغيان، وذلك الإجرام، وذلك الفساد، وذلك الظلم، جبهة ضلال، كفر، شر، جرائم، مفاسد لا مثيل لها، من يتحرَّك في مواجهة كل ذلك، استجابةً لله، إيماناً بالله، ثقةً بالله، توكلاً على الله، وفق توجيهات الله وتعليماته؛ فليطمئن، ليتحرَّك بثقة، ليتحرَّك باطمئنان، هو الاتِّجاه الصحيح الذي يفيد ويجدي، للدنيا والآخرة، وبكل الحسابات والاعتبارات، البديل عن ذلك هو: القبول بمعادلة الاستباحة.
السياسات الأمريكية هي في حالة تخبُّط، كما أشرنا، وكما هو الحال السائد عالمياً الآن، ماذا يفعل [ترامب] الأحمق؟ حرب تجارية مفتوحة، حرب تجارية ضد أكثر من ستين دولة، في مقدِّمتها: البلدان المتحالفة مع أمريكا، المتعاونة مع أمريكا:
حرب تجارية شملت الأوروبيين، وأدخلتهم في إشكالية كبيرة في وضعهم الاقتصادي والمعيشي.
وحرب تجارية مع الصين، حرب ساخنة جداً، هي الأشد مع أي طرف آخر، هي مع الصين بمستوى أكبر من أيِّ طرفٍ آخر، وستستمر مع الصين إلى مستوى مُعَيَّن، وصل الحال أنَّ الرسوم في التعرفة الجمركية ضد الصين بلغت 125%، يعني: مضاعفة بشكل كبير جداً.
اليابان نفسها، التي كانت على علاقة كبيرة بالأمريكي، دخلت أيضاً في إشكالية كبيرة، ولا زالت مستمرةً فيما يتعلق بموضوع السيارات وغيرها.
يعني: حرب تجارية مفتوحة، وأحياناً يُعَلِّق، وأحياناً ينفِّذ، وأحياناً… قرارات مضطربة؛ أثَّرت حتى على الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير، وأدخلته في حالة من عدم الاستقرار وعدم الاطمئنان، حالة اهتزاز واضطراب وتقلُّب، يقولون في أمريكا- شخصيات سياسية، ومسؤولون أمريكيون- يقولون: [أنه القرار الأغبى في تاريخ أمريكا].
أنت أمام هذه العقلية، أمام هذا الوضع في أمريكا، يعني: جهة لا ينبغي أن يتَّجه العالم للتماهي معها وفق توجّهاتها، هي تتَّجه بسياسة: الابتزاز، الاستغلال، الضغوط، الاحتلال، المصادرة لحقوق الآخرين، الضغط على الوضع العالمي بكله، هي سياسات رعناء، وحمقاء، ارتجالية، مزاجية، مضطربة، ناشئة عن حالة الأطماع الهائلة، وهناك مشاكل في نفس الوقت، في الوضع الأمريكي مشاكل عميقة جداً، لا يمكن حلها بمثل هذه التصرفات، التي هي ابتزاز.
هذا هو درسٌ للعرب، درسٌ مهمٌ للعرب؛ لأن ما حصل حتى للأوروبيين وغيرهم، وستستمر هذه الإشكالية، والوضع المضطرب في الموضوع الاقتصادي والتجاري، مع حتى من لهم صلة بأمريكا أكثر أهمية للأمريكيين من العرب، النظرة إلى العرب هي نظرة احتقار، ازدراء، استغلال… وغير ذلك.
مع كل حال لا ينبغي أن يطغى الانشغال بالحرب التجارية على الاهتمام بالقضية الفلسطينية، بل ينبغي أن تكون حافزاً للاهتمام بها؛ ولـذلك ينبغي تكثيف النشاط في كل الاتِّجاهات عالمياً.
في بلدنا- إن شاء الله- تستأنف كل الأنشطة؛ لتكون في مستوى عالٍ جداً، ومنها: الخروج المليوني الأسبوعي لشعبنا العزيز، هذا هو من أهم الأنشطة الشعبية في دعم القضية الفلسطينية، ولأن الخروج المليوني في اليمن أسبوعياً، على مدى خمسة عشر شهراً، لا مثيل له في أي بلدٍ في العالم، وخروج عظيم، يقدِّم دعماً مهماً لهذه القضية والمظلومية، ويقدِّم صوتاً شعبياً كبيراً بارزاً لا مثيل له في أي بلدٍ آخر في العالم، ونموذج ملهم، مشجِّع، محفِّز، وصوت كبير، وحضور مهم جداً.
ولـذلك نأمل أن يستأنف شعبنا العزيز هذا الحضور في هذا الأسبوع إن شاء الله، وأن يواصل هذا الحضور الواسع جداً، وهو في هذه المرحلة، في مواجهة التصعيد الأمريكي المساند للعدو الإسرائيلي، له أهمية كبيرة جداً، ويترتب عليه- إن شاء الله- نتائج مهمة ومؤثِّرة، وهو جهادٌ في سبيل الله، هذا الحضور المليوني الأسبوعي هو جهادٌ في سبيل الله تعالى، هو- في نفس الوقت- له تأثير كبير، أهمية كبيرة جداً؛ ولـذلك ينبغي الحضور بشكلٍ واسع، وأن يدرك الجميع أهمية ذلك، وفي هذه المرحلة بالذات، لهذا أهمية كبيرة جداً في التعبير عن الثبات على الموقف، جزء مهم من الموقف، وفي هذه المرحلة له أهمية قصوى.
ولـذلك أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني غداً إن شاء الله، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات، وأن يهتفوا من جديد للشعب الفلسطيني، وهو في تلك المأساة، وتلك العزلة، وتلك المعاناة: ((لستم وحدكم، الله معكم، ونحن نخوض هذه المعركة بكل ثبات إلى جانبكم، ونحن في مواجهة العدوان الأمريكي في نفس المعركة، وفي نفس الموقف)).
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُعَجِّلَ بِالنَّصْرِ وَالفَرَجِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيّ المَظْلُوم، وَلِمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء.
وَنَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛