الجزائر– زادت تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وانتقاده اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال بالجزائر بتهم المساس بالوحدة الوطنية للجزائر، حدة التوتر الذي تعرفه العلاقات بين البلدين في الأشهر الأخيرة.

وعبرت الجزائر في أول رد رسمي لها عن استنكارها وإدانتها لتصريحات الرئيس الفرنسي لما تمثله من تدخل سافر وغير مقبول في شأن جزائري داخلي.

وقالت الخارجية الجزائرية، في بيان لها، إن "الحكومة الجزائرية اطلعت باستغراب شديد على التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي بشأن الجزائر، والتي تسيء أولا وقبل كل شيء إلى من اعتقد أنه من المناسب الإدلاء بها بهذه الطريقة المتهاونة والخفيفة".

وأضاف البيان "إن ما يقدمه الرئيس الفرنسي زورا وبهتانا كقضية تتعلق بحرية التعبير ليس كذلك بموجب قانون دولة ذات سيادة واستقلال، بل يتعلق الأمر في جوهره بالمساس بالسلامة الإقليمية للبلاد، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الجزائري".

وكان الرئيس الفرنسي  إيمانويل ماكرون، قد قال الاثنين، خلال خطاب أدلى به أمام سفراء فرنسا في الخارج في قصر الإليزيه إن "الجزائر التي نُحب، والتي نشترك معها الكثير من الأبناء والقصص، دخلت في مسار تاريخي لا يشرفها بمنع رجل مريض جدا من العلاج، وهذا يسيء لسمعتها".

إعلان

وأضاف "نحن الذين نحب الشعب الجزائري وتاريخه أطلب بشدة من حكومته الإفراج عن بوعلام صنصال".

ووصف الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في خطاب ألقاه أمام البرلمان في 29 ديسمبر/كانون الأول من السنة المنصرمة، الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال بالمحتال المبعوث من فرنسا، الذي يسعى لتشكيك الجزائريين في وحدة تراب وطنهم.

وانتقد وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، خلال ندوة صحفية، نهاية العام المنصرم، الحملة الإعلامية الفرنسية التي تستهدف الجزائر، مؤكدا أنها تعكس مقاصد غير بناءة اتجاه بلاده، داعيا إلى احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.

البرلمان الجزائري أعرب عن استنكاره الشديد لما وصفها بالتصريحات غير المسؤولة لماكرون (الجزيرة) مطالبة بالاعتذار

وفي أعقاب تصريحات الرئيس الفرنسي، أعرب البرلمان الجزائري عن استنكاره الشديد لما وصفه بالتصريحات غير المسؤولة، والتي تمثل تدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية للجزائر، ومساسًا بسيادتها وكرامتها بشأن قضية قيد النظر وفق القوانين الجزائرية، وقال إن "الأمر محاولة مكشوفة لتشويه صورة الجزائر ومؤسساتها السيادية".

من جانبها، عبرت الأحزاب السياسية الجزائرية عن استنكارها ورفضها لهذه التصريحات لكونها تمثل تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للبلاد واستقلالية قضائها.

وأصدر حزب جبهة التحرير الجزائري بيانًا شديد اللهجة، أعرب فيه عن استنكاره للتصريحات "غير الأخلاقية واللامسؤولة" الصادرة عن رئيس دولة تدّعي احترام القوانين، واعتبرت أن هذه التصريحات تمثل مساسًا بسيادة الجزائر.

من جانبه أكد حزب التجمع الوطني الديمقراطي أن التصريحات تمثل "تدخلاً سافرًا وغير مقبول" في الشؤون الداخلية للجزائر، ومحاولة للتأثير على استقلالية القضاء الجزائري.

بينما وصفتها حركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية، بـ"الاستعلائية المرتبطة بالذهنية الاستعمارية"، وطالبت فرنسا بالاعتذار عن ماضيها الاستعماري وتعويض الجزائر عن الأضرار التي لحقت بها.

إعلان

وذهب حزب حركة البناء الوطني لما أسماه بـ"محاولة ماكرون مخاطبة الشعب الجزائري بعيدا عن مؤسسات دولته" مؤكدا أنها تمثل "محاولة بائسة للمساس باللحمة الوطنية التي هي أساس إفشال أي استهداف لوطننا".

وأكد حزب جبهة القوى الاشتراكية اليساري، في بيان له، أن التصريحات الفرنسية تعكس عجز فرنسا الرسمي عن التخلص من موروثها الاستعماري، وشدد على أن الجزائر ستواصل مسيرتها بكل استقلالية.

كما نددت منظمات وطنية جزائرية على غرار المنظمة الوطنية لأبناء المجاهدين والمنظمة الوطنية للصحفيين الجزائريين، بما وصفته بـ"الحقد الممنهج" من طرف اللوبيات الفرنسية، وطالبت فرنسا بالاعتذار عن جرائمها النووية في الجزائر.

منعطف خطير

وقال الإعلامي والمحلل السياسي، عبد النور تومي، إن تصريحات الرئيس الفرنسي قد تزيد التوتر القائم في العلاقات الجزائرية-الفرنسية، مما يدفع هذه العلاقات إلى منعطف خطير قد يُكلِّف فرنسا الكثير. بعكس ما يظن تيار اليمين المتطرف والإعلام المتطرف في فرنسا، فإن هذا التصعيد قد تكون له تداعيات خطيرة.

وأشار تومي في حديثه مع الجزيرة نت، إلى أن العلاقات الثنائية بين الجزائر وباريس لم تكن يومًا طبيعية، ولن تكون كذلك، لكونها كانت معقدة ومركبة في غالب الأحيان، خاصة بعد تصريح الرئيس الفرنسي "غير المسؤول".

ويرى أن الجزائر بدأت تتعامل بجدية مع هذا الملف، خاصة بعد بيان الخارجية الجزائرية الذي كان شديد اللهجة وقويًا جدًا. البيان أكد أن الجزائر دولة ذات سيادة، ثابتة في مواقفها، وترفض تمامًا هذه الاستفزازات التي يمارسها الرئيس ماكرون وحتى وزير خارجيته.

وأكد أن الوضع الحالي قد يدفع صناع القرار في الجزائر إلى اتخاذ قرارات حاسمة بخصوص العلاقة مع فرنسا. مشيرا إلى أن الحديث عن قطيعة كاملة يبدو صعبًا، إلا أن استمرار باريس في تصريحاتها غير المسؤولة واستفزازاتها للجزائر قد يؤدي إلى مواقف صارمة من الجانب الجزائري.

إعلان

ويرى أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة الجلفة، عبد الرحمن بن شريط، أن مخاطبة الرئيس الفرنسي الشعب الجزائري بعيدا عن مؤسسات دولته في خطابه، تعتبر محاولة مكشوفة ومفضوحة لتحريك الشارع الجزائري ضد سلطته، بهدف خلق فجوة أو تصدع بين القيادة والشعب.

وقال بن شريط في حديثه للجزيرة نت، إن الوضعية الصعبة التي يعيشها النظام الفرنسي حاليًا من تراجع ملحوظ على مستويات متعددة، إضافة إلى أزمات اقتصادية واجتماعية متزايدة دفعته لمحاولة تصدير هذه الأزمات للجزائر وتشويه صورتها قصد دفع الأنظار عن الوضع الداخلي المتأزم في فرنسا.

واعتبر أن ردة فعل الجزائريين على تصريحات ماكرون، سواء من الشعب الجزائري أو الأحزاب السياسية، تمثل وعيًا وإدراكًا كبيرين لخطورة هذه المرحلة. كما تعكس تمسك الجزائريين بوطنهم ودفاعهم عنه في هذه المرحلة الحاسمة.

تأثير اللوبي المتطرف

واعتبر بن شريط أن رئيس فرنسا الحالي أصبح مجرد دمية أو أداة في أيدي اللوبي الصهيوني الفرنسي، الذي يسيطر على العديد من المؤسسات الحساسة في فرنسا، بما في ذلك وزارة الخارجية.

من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسة والقانون الدولي، إسماعيل خلف الله، إن توتر العلاقات بين الجانبين الفرنسي والجزائري راجع لتأثير تيار اليمين المتطرف بطريقة أو بأخرى، على السياسة التي يتبناها ماكرون في بناء العلاقات بين الجزائر وباريس، خصوصًا فيما يتعلق بمعالجة ملف الذاكرة.

وأكد خلف الله في حديثه للجزيرة نت، أن أطراف هذا التيار المتطرف المعروفة بتحالفها مع التيار الصهيوني، حاولت تسميم وتعكير العلاقات، ووضعت عقبات أمام بناء علاقات متينة بين البلدين. وحولتها إلى علاقة متوترة.

واعتبر أن ملف الذاكرة هو الملف الذي يُثقِل العلاقة بين الجزائر وباريس، وهو جوهر هذا الخلاف خاصة في ظل عدم ثبات الرئيس الفرنسي على مبادئه السابقة في التعامل معه، سواء عندما كان مرشحا خلال سنة  2017 أو بعد انتخاب عبد المجيد تبون رئيسًا في ولايته الأولى، حين بدا أن هناك تقاربًا واضحًا، فحتى تصريحاته حينها حملت إيحاءات بأن هناك تفاهمًا بين الرجلين لمعالجة هذا الملف بشكل مشترك.

إعلان

وأشار إلى أن قضية الكاتب بوعلام صنصال ليست سوى قضية مفتعلة يُراد من خلالها إثارة الخلاف وإعطائه أبعادًا كبرى. مشيرا إلى أن تصريحات ماكرون المتناقضة تمثل أخطاء جسيمة، سواء في تعاطيه مع ملف العلاقات الجزائرية-الفرنسية أو حتى في معالجة المسائل الداخلية في فرنسا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات تصریحات الرئیس الفرنسی فی الشؤون الداخلیة الشعب الجزائری بوعلام صنصال أن الجزائر فی فرنسا رئیس ا إلى أن

إقرأ أيضاً:

الرئيس السيسى: اتفقت مع الرئيس الأنجولى على ضرورة تعزيز التعاون

استقبل السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم في قصر الاتحادية، الرئيس جواو لورينسو، رئيس جمهورية أنجولا، الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، حيث جرت مراسم الاستقبال الرسمية التي شملت استعراض حرس الشرف وعزف السلامين الوطنيين.

وفي تصريح للسفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أكد أن اللقاء شهد جلسة مباحثات مغلقة تلتها جلسة موسعة بمشاركة وفدي البلدين، حيث تناولت المباحثات سبل تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، لا سيما في المجالات الاقتصادية، التجارية، والاستثمارية. 

عاجل - الرئيس السيسي يستقبل رئيس أنجولا ويبحثان دعم التعاون الثنائي وتعزيز دور الاتحاد الأفريقي

كما ناقش الجانبان آليات دعم الاتحاد الأفريقي وتعزيز التكامل القاري، بالإضافة إلى الجهود المبذولة للحفاظ على السلم والأمن في القارة الأفريقية.

توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين

شهد الرئيسان عقب المباحثات توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين مصر وأنجولا، والتي تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا، الإسكان، والاتصالات.

الرئيس السيسي: "العلاقات المصرية الأنجولية تاريخية"

وفي مؤتمر صحفي عقب اللقاء، استهل الرئيس السيسي كلمته قائلًا: "يسعدني أن أرحب بفخامة الرئيس جواو لورينسو في زيارته الكريمة إلى بلده الثاني مصر"، مؤكدًا أن الزيارة تأتي في إطار العلاقات التاريخية الراسخة بين مصر وأنجولا، التي تعود جذورها إلى الستينيات من القرن الماضي.

 وأضاف أن البلدين سيحتفلان في نوفمبر المقبل بمرور 50 عامًا على إقامة العلاقات بين البلدين.

وأكد الرئيس السيسي أن الجلسة الثنائية كانت مثمرة وبناءة، حيث عكست تطابقًا في الرؤى والإرادة السياسية المشتركة بين البلدين لرفع مستوى العلاقات الثنائية إلى آفاق أرحب، مشيرًا إلى الاتفاق على تعزيز التعاون في المجالات السياسية، الاقتصادية، والاستثمارية، والعمل على تكثيف الجهود المشتركة لدفع هذه العلاقات إلى الأمام بوتيرة أسرع.

تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية

تعد هذه الزيارة خطوة هامة نحو تعزيز التعاون بين البلدين، مع التركيز على زيادة الاستثمارات المشتركة وتعزيز التعاون في العديد من القطاعات الحيوية، بما يعود بالنفع على الشعبين المصري والأنجولي.

مقالات مشابهة

  • جزائريون يطالبون بالرد بالمثل على تقليص مساحة سفارة بلادهم في فرنسا
  • وزير خارجية غانا: تعاون “جزائري-غاني” في مجال الدفاع والإعفاء من التأشيرة لهذه الفئة
  • إلغاء مذكرة توقيف الرئيس البوليفي السابق إيفو موراليس
  • الرئيس البوليفي السابق يرحب بإلغاء مذكرة التوقيف الصادرة بحقه
  • الكونغو الديمقراطية توجه صفعة قوية للنظام الجزائري وتعلن دعمها سيادة المغرب وتكذيب إعترافها بالبوليساريو
  • تكريم فريق العمل المشارك فى تنظيم زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون لجامعة القاهرة
  • الرئيس السيسى: اتفقت مع الرئيس الأنجولى على ضرورة تعزيز التعاون
  • ماذا يحدث بين الجزائر ودول الساحل؟
  • بنجامين ستورا يحمّل ريتايو مسؤولية توتر العلاقات مع الجزائر وتصاعد الإسلاموفوبيا
  • بنجامين ستورا يحمل ريتايو مسؤولية توتر العلاقات مع الجزائر وتصاعد الإسلاموفوبيا