في دراسة جديدة نشرت في دورية "بي إن إيه إس"، أجرى فريق بحثي تجربة فريدة من نوعها لمقارنة الأداء الجماعي بين البشر والنمل في مهمة تتطلب التعاون لنقل حمولة كبيرة ذات حواف تمثل عوائق عبر متاهة ضيقة. النتائج المفاجئة التي توصلت إليها الدراسة تلقي الضوء على الفوارق بين الإدراك الفردي والجماعي، وتكشف عن مزايا وعيوب التعاون في اتخاذ القرارات الجماعية.

بدأت الدراسة بمحاكاة مشكلة كلاسيكية تُعرف باسم "تحريك البيانو"، وهي تحدٍّ شائع في مجالات التخطيط الحركي والروبوتات، حيث يتطلب الأمر تحريك جسم كبير وغريب الشكل عبر ممرات ضيقة ومعقدة.

وعلى سبيل المثال، إذا قمت بالانتقال إلى شقة جديدة وأردت نقل طاولة أو أريكة أو سرير، فإنك بصعوبة تتمكن من تحريك تلك القطع بين غرفة وأخرى، وقد تخطئ أكثر من مرة فتضطر للعودة إلى الخلف وتضع القطع بشكل مختلف.

وفي تجاربهم، قام الباحثون ببناء مشكلة شبيهة في نسختين، الأولى كبيرة تسمح للبشر بنقل قطعة ما، والثانية صغيرة ومتكافئة هندسيا معها، وتستخدم لاختبار النمل.

ولتحفيز النمل على المشاركة في التجربة، تم وضع الحمولة داخل كيس يحتوي على طعام، مما جعل النمل يعتقد أن الحمولة عبارة عن طعام يجب نقله إلى المستعمرة. أما بالنسبة للبشر، فقد طُلب منهم ببساطة تحريك الحمولة من نقطة البداية إلى النهاية عبر المتاهة.

لتحفيز النمل على المشاركة في التجربة، تم وضع الحمولة داخل كيس يحتوي على طعام (مواقع التواصل الاجتماعي) الإدراك الجماعي مقابل الإدراك الفردي

سلطت الدراسة الضوء على مفهوم "الإدراك الجماعي"، وهو القدرة على اتخاذ القرارات الجماعية بطريقة تتفوق على الإدراك الفردي. ويشير الإدراك الجماعي إلى السمات المعرفية التي لا توجد في فرد واحد ولكنها تظهر عندما يتجمع عدد من الأفراد المتواصلين معا.

إعلان

في الدراسة، عندما يوحد النمل قواه لحمل الحمولة الكبيرة معا، يتأثر كل منهم بتصرفات الآخرين ويحاول الاصطفاف مع المجموعة. هذا يمنح المجموعة ذاكرة قصيرة الأمد تسمح لها بالاستمرار في اتجاه حركتها. وهذه الذاكرة قوية إلى الحد الذي لا يرتبك فيه النمل حتى عندما يصطدم بالجدار في المتاهة الضيقة، وفي هذا السياق كانت إحدى النتائج البارزة في الدراسة الأداء المتفوق لمجموعات النمل مقارنة بالبشر في المهمة ذاتها.

ولأنها بسيطة، فإن النمل الفردي لا يحاول فهم "هندسة المتاهة"، كل ما يفهمه هو أنه يتعين عليه حمل حمولة كبيرة معا. وهكذا فإن كل النمل متفق ومتعاون في حمل الحمولة معا، وعلى النقيض، فإن تعقيد البشر هو ما صعّب تعاونه. فعلى عكس النمل، يدخل كل شخص اللغز محاولا فهمه وحاملا أفكارا مختلفة حول تسلسل الحركات المطلوبة لتحريكه.

والمثير للانتباه أنه حينما قيدت الدراسة التواصل بين أفراد المجموعات البشرية (عبر منعهم من التواصل الشفهي) لمحاكاة التواصل المحدود الذي يتم بين النمل، بدا أن الناس يضعون الإجماع فوق كل اعتبار آخر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

لمن تألف الروح؟

 

محفوظ بن راشد الشبلي

mahfoodh97739677@gmail.com

 

يُحدثني زميل بأن روحه ينتابها الفرح والسرور والسعادة عند رؤيته لشخص ما وتألف له روحه عن سائر البشر؛ بل وودها تقضي جميع أوقاتها معه وبرفقته وكأن به سحر غريب بينه وبين روحه، فسألته هل به شيء من التوافق والترابط الفكري معك فقال لا غير أنه بلا إرادة تشدني إليه جوارحي.

بينما هناك شخص آخر حدثني بأن جوارحه كلها منذُ سنين متعلقة بشخص ما، وكلما تقرب له بوده وعاطفته لا يعير مشاعره أي اهتمام مهما حاول شرح شعوره تجاهه، ويقول بأنه يبقى أسيره مهما كانت ردة فعله وعدم اكتراثه لمشاعره الجيّاشة تجاهه وهو بالمقابل بلا بوادر تلوح في الأُفق منه كي يرق قلبه له ويلين عليه.

إذن.. الأمر هنا يحتاج لوقفة تأمّل كونه خارج استطاعة الإنسان ومقدرته، بل ويبقى الإنسان منزوع الإرادة كي يستطيع التحكّم بمشاعره تجاه الغير، نعم المغريات كثيرة وبالمقابل المنفّرات كذلك كثيرة والدوافع مختلفة ولكن تبقى هناك دوافع تُحرك المشاعر تجاه الغير من عدمها، ورُبما يستطيع البعض قتل مشاعره إن وجدها في المسار المسدود والبعض لا يستطيع ذلك، فالمشاعر تبقى مشاعر وهي خارج إرادة البشر والتحكم بها يبقى فوق طاقتهم.

البعض في هذا الأمر يسلك طريق عِزّة النفس وعدم تعرضها للمهانة من طرف آخر إن وجد صدود من قِبله تجاهه، ونعم هو شعور محمود وفيه رفعة للنفس وسمو للذات وحشمة للكرامة، ولكن يبقى على حساب المشاعر، وكما قيل عز نفسك عن مهانة الغير حتى ولو كانت مشاعرك هي التي نزّلتك لذلك المستوى وبعزم الإرادة ستتجاوز المرحلة.

لكن السؤال: هل لكل إنسان قوة عزم وإرادة لجعل كل شيء له حدود ولكل معنى له مفهوم ولكل مبتغى له مدلول؛ فالعيش بدون كرامة وتقدير واحترام في قلب من تُحب أفضل منه الموت بكرامة ولو أن تدوس على مشاعرك.

توجد خصلة غير محمودة في بعض البشر، وهي إذلال من يأتي يحمل له الحب ويُقدمه له على طبق من ذهب بتعمُّد إذلاله واحتقاره واستنقاصه، خلاف لو قدَّم هو ذلك الحب للغير، فإنه سيتودد له لكي يقبله منه، أما و إن يأتيه الغير فإن خِصلة الإذلال يمتهنها الكثير من البشر والدلائل كثيرة في هذا المنحى وواضحة ومتعددة وغريبة شكلًا ومضمونًا، وهذا عامل نفسي خطير وغريب يدفع بصاحبه للتعنّت في وجه من أحبه وابتغاه، وقد يخلط البعض صِدق المشاعر التي قُدمت له بسوء ظن منه على أنها غير صادقة ويعتبرها تلاعب بمشاعره وبمفاهيمه فيُكشّر عن أنيابه في وجه صاحبها ويظلمه ويقتل فيه حُبه الذي أتاه يحمله له، ويُحطّمه ورُبما يُدخله في حالة نفسية عصيبة تُحوّله إلى شخص مكسور ومُحطم في داخله ويتحول ذلك الحب المُهدى إلى نقطة انكسار بينهما يصعب جبرها وينتهي بقتل مفهوم الحب وخذلان صاحبه وحامله.

نستخلص من هذا الموضوع أن المشاعر وحدها لا تُبرر بأن يبقى الإنسان ذليلًا ومُهانا في قلب الغير، ولا يمكن كُبتها إذا استباحت المنظور والمفهوم ولكن إرادة الإنسان تبقى هي الرادع الحقيقي والوحيد لها، كما إنه لا خلاف في قبول شخص بغيرك وعدم قبوله بك، فلكلٍ دوافعه وميوله في ما يشده ويبتغيه في الغير حتى لو وجدت أن غيرك أقل منك في بعض مزاياك ولكنك لا تعلم المزايا التي يفوق بها غيرك عليك والتي تبدو مجهولة لديك، ولأن اختيارات البشر لا تجري كما هي في منظورك، لذا عليك القبول بها، فكم من ميزة تفرّد بها الغير وشدّت بها الكثيرين وأنت تفتقر لها، وكم من جانبٍ سيء ظهرتَ به وغيرك خلا منه، وكم من طبعٍ حميد تَطبّع به الغير وافتقرته في طباعك.

هكذا تجري أمور البشر فيما تراه ويعجبها وأخرى تنفر منه، فلا تُبدي في نفسك حسرات إن لم يقبل بك أحدٍ ابتغيته ومالت نفسك وجوارحك تجاهه وفضّل غيرك عليك، ولا تحسد الغير وتغبطه إن استحسنه البشر وفضله عليك وكلًا عند اختياره ومزاجه في ما يراه ويُناسبه، وتآلف الأرواح أحيان يبدو غريبًا وأحيان يفوق الاستيعاب والفهم وأحيان يبدو مخالفًا حتى في السائد والمعروف، فسبحان من جعل للأرواح تقارب من لا شيء كما أنه جعل للتآلف بين القلوب سِمات وغايات لا يعلمها سواه سبحانه.

مقالات مشابهة

  • مفاجأة سارة لعشاق مسلسل القلب الأسود.. التفاصيل
  • محسن سرحان: العمل الخيري يجب أن يعتمد على أسس علمية لقياس أثره الفعلي
  • لمن تألف الروح؟
  • "عُمان المعرفة" تطلق مبادرة لسد الفجوة بين الدراسة الأكاديمية وسوق العمل بالقطاع الصناعي
  • انطلاق "أسبوع الأمن الإلكتروني" بـ"تعليمية جنوب الباطنة" لتعزيز المعرفة بالتهديدات الأمنية الإلكترونية
  • النواب يمنع صاحب العمل من تجاوز شروط العقد الفردي أو الاتفاقية الجماعية
  • الفلورايد في مياه الشرب مرتبط بضعف الإدراك لدى الأطفال
  • مفاجآت علمية جديدة.. لماذا حرم الإسلام أكل الحيوانات المفترسة؟
  • مزايا و ضمانات بعقد العمل الفردي لحماية حقوق العامل.. اعرفها
  • مصر ضمن أفضل 5 وجهات عالمية للسفر الفردي في 2025