كان في الصف الأدنى من مكتبة أحد الأصدقاء. كتاب لكاتب لم أكن أعرف عنه، اسمه محمد عبدالرحمن حسن. هذا الكتاب المكون من 430 صفحة المعنون بـ «نقد فكر الجنوب (العالمي): مقدمة للانتقال من نقد الحداثة إلى نقد الحضارة»، ما هو إلا مقدمة لمشروعه «من نقد الحداثة إلى نقد الحضارة». محمد عبدالرحمن حسن -كما يخبرنا الغلاف- هو كاتب متعدد التخصصات ومدرس النقد والعلوم الإنسانية بكلية الفنون الجميلة والتصميم بجامعة النيلين في الخرطوم.
يُعالج الكتاب التيارات الفكرية للنتاج الذي يخرج باسم تفكير الجنوب العالمي (global south thinking)، ويحلل وينقد أهم مفكريه. فبينما نتهجأ نحن في كتابات ما بعد الاستعمار، ونعتنق قيم نقض الاستعمار بما يشبه التعصب الديني، يأتي محمد عبدالرحمن حسن ليقول: لكن لحظة، ثمة تباينات هائلة بين تفكير أمم الجنوب، المتوزعين على القارات الثلاث، والذين لا يجمع بينهم سوى التاريخ الاستعماري الثقيل. ما يدلل على انعدام التجانس هذا بكل وضوح هو الاستعلائية التي يتحدث بها بعضهم ضد شعوب جنوبية أخرى (اللاتين على الأفارقة مثلاً)، أو تنافس بعض دول الجنوب على السيطرة على دول أخرى، ويقول إن المصلحة والقوة هي ما يتحكم بعلاقاتها اليوم، بعد أن كان النضال ضد الاستعمار يوحدها. يُنبهنا أيضا إلى أن بعض مفكري الجنوب -ممن أنتجوا نتاجهم في مؤسسات الشمال- وإن كانوا ناقدين للمركزية الأوروبية والإرث الاستعماري، احتفظوا بأساليب تفكير غربية، أو أتوا بخلاصات (بحكم الهجرة) ملائمة لوضعهم، ولا تناسب وضع أشقائهم في الجنوب. لا يفوتنا أن نذكر هنا أن تاريخ المعرفة الغربي لا ينفك يحاول نسب هذا (حتى هذا) المجال له، أو أن يصر على أن له الفضل في نشأة الفكر ما بعد الكولنيالي. ومثل هذه المحاولات كثيرة، كما هو الحال مع دراسات التابع (سأفصل المثال لاحقاً). أمر آخر يعترض عليه محمد عبدالرحمن حسن، وهو وضع «فكر الجنوب العالمي» مقابلاً لفكر الشمال، أي أن يستمد وجوده من التضاد مع فكر الشمال، ما يبقي المخيال الجنوبي أسير الثنائيات التي هي خصيصة فكر السيطرة والهيمنة الغربية (الحضارة مقابل البربرية مثلاً).
تهتم دراسات التابع بأصوات الفئات المهمشة أو التابعة في مجتمعات ما بعد الاستعمار وما بعد الإمبريالية. أُصدرت أول مجلة متخصصة في مواضيع التابع في الهند. إلا أن الغرب يحاول نسب الفضل لمفكري إنجلترا في نشأة هذا المجال، والتشديد على أنها نتاج «النقاشات» التي دارت بين المؤرخين الإنجليز والهنود. «يعني مش معقول!»
يُصر محمد عبدالرحمن حسن (ويا ليت نسمع منه) على أن الفكر الماركسي قاصر؛ لأنه يسعى لتحرير طبقة معينة (العاملة)، ما يجعل منه مشروعًا محدود النطاق. وأن النضال لدى الجنوبي هو نضال من أجل الوجود (مجرد الوجود)، وليس لتحقيق غاية (المزيد من العدالة). يقول: «لم تكن المسألة بالنسبة لمفكري المستعمرات مسألة تأمل في أوضاع المعرفة، وإنما كانت مسألة حفاظ على وجود الجنس البشري، وهذا هو الفرق الرئيسي بين مناظير المستعمرات ومنظور المعرفة الاستعمارية، فبالنسبة إلى أمم الجنوب ومفكريها كانت المعرفة وسيلة لغاية أكبر هي حفظ حياة وكرامة الإنسان، بينما كانت بالنسبة إلى أمم الشمال ومفكريها هي الحفاظ على الأوضاع التي تحقق لها السيطرة على البشر».
يُعيدنا هذا إلى مسألة انهماك المفكر الأوروبي وانشغاله بالتنظير في القضايا عبر تجريدها حتى تفقد أي ربط ممكن بالقضايا الوجودية. حتى «الوجودية» نفسها كمدرسة فلسفية، تُعنى بحالة الإنسان في مجتمع فرداني، وتشترط درجة عالية من الرفاه، يُصبح معها الهم الأول هو معرفة الذات وتعريفها والانشغال بالدوار الذي يبتلى به الفرد من فرط الحرية، دون الانتباه للوجود باعتباره عراكًا ضد محاولات الإمحاء. محاولات الاجتثاث التي نراها اليوم (إلى اليوم) حية أمام أعيننا، لم تقل وحشية، والأيدي التي قطعت في الكونغو القرن الماضي، تُقطع اليوم (هي وباقي الأطراف) في مكان آخر من جسد الجنوب المستلب دون رادع أو مساءلة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: محمد عبدالرحمن حسن ما بعد
إقرأ أيضاً:
كولر يستقر على ضم عبدالرحمن البانوبي من زد
قال الإعلامي خالد الغندور، إن السويسري مارسيل كولر المدير الفني للأهلي، استقر على ضم عبدالرحمن البانوبي جناح نادي زد، لتدعيم صفوف الفريق خلال فترة الإنتقالات الشتوية.
وتابع الغندور خلال برنامجه ستاد المحور:"مارسيل كولر استقر على التعاقد مع عبدالرحمن البانوبي لاعب زد ورفض التعاقد مع زيكو رغم وجود اتجاه داخل لجنة التخطيط بالنادي الأهلي للتعاقد مع اللاعب".
واختتم:"كولر أوصل رغبته للخطيب ومحمد رمضان المدير الرياضي للأهلي ولجنة التخطيط وينتظر ما سيحدث".