"ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق".. موضوع خطبة الجمعة القادمة
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان: "وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ"، وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من الخطبة توعية جمهور المسجد بأهمية التعايش السلمي باعتباره من أهم أسباب استقرار المجتمع.
وزارة الأوقاف تحدد خطبة الجمعة القادمة رئيس هيئة الأوقاف: حماية الوقف وحسن استثماره أولى اهتماماتناوقالت وزارة الأوقاف: إن موضوع الخطبة الأولى موحد على مستوى الجمهورية، وإن موضوع خطبة الجمعة الثانية يستهدف معالجة مفهوم المواطنة، بباقي المحافظات.
النموذج الثاني لموضوع خطبة الجمعة بعنوان:
"وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ"
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، بَدِيعِ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ، وَنُورِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَهَادِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، أَقَامَ الكَوْنَ بِعَظَمَةِ تَجَلِّيه، وَأَنْزَلَ الهُدَى عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَمُرْسَلِيه، وأَشهدُ أنْ لَا إلَهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ علَيهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَهَذِهِ كَلِمَاتٌ نُورَانِيَّةٌ خَرَجَتْ مِنْ لِسَانِ الجَنَابِ المُعَظَّمِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، لِتُعَبِّرَ عَنْ دَعْوَتِهِ الشَّرِيفَةِ إِلَى التَّحَلِّي بِأَسْمَى آيَاتِ الإِحْسَانِ وَالبِشْرِ وَالبِرِّ وَالإِكْرَامِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى: «إِنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ»، وَهَا هُوَ خَيْرُ الخَلْقِ وَحَبِيبُ الحَقِّ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ قَدْ وَسِعَتْ ابْتِسَامَتُهُ الصَّادِقَةُ وَأَخْلَاقُهُ السَّامِيَةُ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا، فِي مَزِيجٍ مُحَمَّدِيٍّ مُدْهِشٍ يَجْعَلُ القُلُوبَ تَأْرِزُ حُبًّا إِلَى حَضْرَتِهِ وَتَسْتَبْشِرُ بِدَعْوَتِه.
فَيَا أَيُّهَا المُحَمَّدِيُّونَ، إِنَّ هَذَا السِّرَّ النَّبَوِيَّ الشَّرِيفَ هُوَ الَّذِي جَذَبَ القُلُوبَ وَالأَرْوَاحَ وَالعُقُولَ، لِيُؤَسِّسَ فَلْسَفَةَ الحُبِّ بَيْنَ البَشَرِ جَمِيعًا، فَاعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّكُمْ لَنْ تَصِلُوا إِلَى القُلُوبِ بِأَمْوَالِكُمْ وَلَا بِعَوَارِضِ دُنْيَاكُمْ، وإِنَّمَا تَسَعُونَ قُلُوبَ البَشَرِ بِالأَخْلَاقِ الَّتِي أَتَمَّ الجَنَابُ الأَنْوَرُ بِنَاءَهَا، وَرَفَعَ قَدْرَهَا، حِينَ قَالَ عَنْ ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ».
فَقِفْ أَيُّهَا العَقْلُ عِنْدَ مُنْتَهَاكَ، وَأَنْتَ تَرَى الأَخْلَاقَ المُحَمَّدِيَّةَ تَسْمُو فَوْقَ السَّمَاءِ بِرًّا وَبِشْرًا وَوَفَاءً وَلُطْفًا، حِينَ تَبْدُو نَوَاجِذُهُ الشَّرِيفَةُ، كَأَنَّ النُّورَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ، لِتَفْتَحَ ابْتِسَامَتُهُ الصَّافِيَةُ وَكَلِمَاتُهُ الطَّيِّبَةُ قُلُوبَ النَّاسِ إِجْلَالًا وَاحْتِرَامًا وَإِقْبَالًا علَىَ هَذَا الدِّينِ القَوِيمِ وَلِهَذا النَّبِيِّ المُصْطَفَى الأَمِينِ الَّذِي كَرَّمَهُ رَبُّهُ بِهَذَا الوَصْفِ المُقَدَّسِ {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
أَيُّهَا المُحَمَّدِيُّ، أَلَمْ يَحْكِ التَّارِيخُ لَكَ عَنِ الرَّسَائِلِ وَالخِطَابَاتِ النَّبَوِيَّةِ لِلْأُمَرَاءِ وَالقَيَاصِرَةِ وَالأَكَاسِرَةِ وَقَدْ جَمَعَتْهَا لُغَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ لُغَةُ الاحْتِرَامِ والتَّفْخِيمِ والبَهَاءِ وَبَذْلِ السَّلَامِ؟! أَلَمْ تَكْتُب الصَّفَحَاتُ عَنْ رُقِيِّ التَّعَامُلِ النَّبَوِيِّ مَعَ وَفْدِ نَجْرَانَ الَّذِي أَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يُصَلُّوا صَلَاتَهُمْ بِمَسْجِدِه الشَّرِيفِ فِي مَشْهَدٍ يُبْهِرُ الدُّنْيَا وَيَأْسِرُ القُلُوب؟!
أَيُّهَا النَّبِيلُ، اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الحَالَ الشَّرِيفَ هُوَ بَابُ هِدَايَةِ الخَلْقِ، وَمِفْتَاحُ الإِقْبَالِ عَلَى الحَقَّ، فَحَبِيبُكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ هُوَ مَنْ أَبْهَرَ الدُّنْيَا بِأُصُولِ التَّعَامُلِ مَعَ النَّاسِ عَلَى اخْتِلَافِ عَقَائِدِهِمْ، وَهَذَا تِلْمِيذُهُ النَّجِيبُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُعَدِّدُ مَحَاسِنَ الإِسْلَامِ وَمَفاخِرَهُ وَمَنَاقِبَهُ لِلنَّجَاشِيِّ فِي مَشْهَدٍ عَجِيبٍ، وَحِوَارٍ مَهِيبٍ دَرَسَ جَعْفَرُ أَدَواتِهِ، وَعَرَفَ كَيْفَ يُخَاطِبُ الأَدَبُ النَّبَوِيُّ قُلُوبَ المُلُوكِ لِيَسَعَهَا بِبَسْطِ الوَجْهِ وَحُسْنِ الخُلُقِ، حِينَ قَالَ لِلنَّجَاشِيِّ: «أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ المَيْتَةَ، وَنَأْتِي الفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيئُ الجِوَارَ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَحْنُ نَعْبُدُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالكَفِّ عَنِ المَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالِ اليَتِيمِ، وَقَذْفِ المُحْصَنَاتِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ»، فَمَا كَانَ مِنَ النَّجَاشِيِّ إِلَّا أَنِ انْفَتَحَ قَلْبُهُ، وَاسْتَبْشَرَ وَجْهُهُ وَوِجْدَانُهُ بِهَذَا الدِّينِ العَظِيمِ، فَبَكَى حِينَ تَذَكَّرَ أَخْلَاقَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى بَابَ بِرٍّ وَوَفَاءٍ وَحَنَانٍ وَرَحْمَةٍ وَعِلْمٍ، وَجَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى آيَةً فِي العَطَاءِ وَالتَّسَامُحِ وَالسَّلَامِ؛ لِيَنْطَلِقَ لِسَانُهُ قَائِلًا: «إنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشكَاةٍ وَاحِدَة».
أَيُّهَا السَّادَةُ، لَقَدِ اسْتَقَى الشَّعْبُ المِصْرِيُّ هَذِهِ الأَنْوَارَ المُحَمَّدِيَّةَ وَتِلْكَ العَظَمَةَ المُصْطَفَوِيَّةَ، فَكَانَتِ اللُّحْمَةُ الوَطَنِيَّةُ حَاضِرَةً بِكُلِّ رُبُوعِ المَحْرُوسَةِ، وَكَانَ احْتِرَامُ شُرَكَاءِ الوَطَنِ مَنْهَجًا مَرْسُومًا، فَأَصْبَحَ الشَّعْبُ المَصْرِيُّ نَسِيجَ وَحْدِهِ بِجَمِيعِ طَوَائِفِهِ تَعَايُشًا وَتَكَامُلًا، تَغْمُرُهُ السَّكِينَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ، مَجْبُورًا مَسْتُورًا مَنْصُورًا.
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ شَرِيعَتَنَا الغَرَّاءَ تُفِيضُ الخَيْرَ عَلَى الجَمِيعِ، شِعَارُهَا إِكْرَامُ الخَلْقِ وَإِيصَالُ الرَّحْمَةِ إِلَيْهِمْ عَلَى اخْتِلَافِ عَقَائِدِهِمْ وَمَشَارِبِهِمْ وَأَفْكَارِهِمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَانْظُرُوا إِلَى المُعَامَلَاتِ، بَيْعًا وَشِرَاءً، عَدْلًا وَقِسْطًا، وَزَوَاجًا مُبَارَكًا وَحُسْنَ جِوَارٍ، فِي إِطَارٍ مَتِينٍ مِنَ الإِرْشَادِ الإِلَهِيِّ الَّذيِ يَجْمَعُ النَّاسَ جَمِيعًا تَحْتَ مِظَلَّةِ المُوَاطَنَةِ الَّتِي تَجْمَعُ وَلَا تُفَرِّقُ، يَقُولُ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ}.
أَيُّهَا النَّبِيلُ، انْتَبِهْ إِلَى وَصْفِ رَبِّ العَالَمِينَ لِمَقَامِ النَّبِيِّ الأَمِينِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، وَلِقَوْلِ الجَنَابِ المُعَظَّمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ لِلنَّاسِ كَافَّةً»، فَالآيَةُ الكَرِيمَةُ وَالحَدِيثُ الشَّرِيفُ يُرَسِّخَانِ لِمُوَاطَنَةٍ حَقِيقِيَّةٍ قِوَامُهَا التَّوَاصُلُ بِالْخَيْرِ وَالتَّعَاوُنُ وَالتَّكَافُلُ بَيْنَ أَبْنَاءِ الوَطَنِ جَمِيعًا، عَلَى مِيثَاقِ الحُقُوقِ وَالوَاجِبَاتِ الَّذِي لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُوَاطِنٍ وَآخَرَ، فِي ظِلِّ وَطَنٍ وَاحِدٍ لَا تُعَكِّرُ صَفْوَهُ شُبْهَةٌ، وَلَا تُؤَرِّقُهُ فِتْنَةٌ.
أَلَا تَعْلَمُ أَيُّهَا النَّبِيلُ أَنَّ المُوَاطَنَةَ أَسَاسُ البِنْيَةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ المُتَمَاسِكَةِ وَالتَّرَابُطِ المُجْتَمَعِيِّ فِي ظِلِّ وَطَنٍ وَاحِدٍ تَجْمَعُنَا شَوَارِعُهُ وَحَارَاتُهُ، وَتَحُوطُنَا أَحْلَامُهُ وَطُمُوحَاتُهُ؟! إِنَّهَا إِيمَانٌ حَقِيقِيٌّ بِالتَّعَدُّدِيَّةِ وَالتَّنَوُّعِ الإِنْسَانِيِّ الَّذِي أَرَادَهُ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ فِي الكَوْنِ، {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}.
فَلْنَنْشُرْ ثَقَافَةَ المُوَاطَنَةِ وَالتَّعَايُشِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الوَطَنِ جَمِيعًا؛ حَتَّى نَنْعَمَ بِالسَّلَامِ وَالأَمَانِ، وَيَفِيضَ الخَيْرُ عَلَى وَطَنِنَا المُبَارَكِ.
اللَّهُمَّ انْشُر السَّلَامَ وَالطُّمَأْنِينَةَ فِي رُبُوع مِصْرِنَا الحَبِيبَةِ
وَأَفِضْ عَلَيْنَا مِنْ كَرَمِكَ وَجُودِكَ وَسَعَةِ رَحْمَتِكَ
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وزارة الأوقاف الأوقاف خطبة الجمعة موضوع خطبة الجمعة المحافظات موضوع خطبة الجمعة وزارة الأوقاف أ خ ل اق الو ط ن الم ح م الخ ل ق ه ا الن ى الله
إقرأ أيضاً:
فلترق كل الدماء ولكن من المستفيد؟
فلترق كل الدماء ولكن من المستفيد؟
عمر البشاري
بالبسابير البارحة أعلن برهان بألا تفاوض إلا باستسلام الدعم السريع… ولا عودة لجدة وأن الفاشر وشندي واحد في حساباته…
في ذات الوقت كان البراؤون وهم كتائب الإسلاميين في مكان ما من امدرمان يحتفلون ويتغنون بأهازيج تردد ضرورة القتال في دار فور وتحرير الفاشر.. ولسان حالهم يقول فلترق كل الدماء..حتي نعود للسلطة ونعد للدين مجده…
وفي ذات الليلة نشرت سودان تربيون مقابلة مع مناوي يظهر فيها امتعاطا من التعديلات في الوثيقة الدستورية التي اجراها برهان مؤخرا ويعترض على أي حكومة تنشأ عنها ويصفها بأنها ستكون مهيضة الجناح لأن الأولوية الآن للحرب وليس الحكم…
قراءة هذا المشهد توحي لك بأنه مكرر وسبق وأن عشناه في حرب الجنوب فماذا كانت النتيجة ؟
إذا كنا نعتبر بالتاريخ بعد سنوات الهوس الديني التي بذل فيها الإسلاميون في الجنوب دمائهم شلالات وانهار بتنظير من الشيخ الترابي وبتحريض من العقيد يونس محمود الذي يقوم بدوره الانصرافي اليوم وساحات الفداء وخزعبلات اسحق أحمد فضل الله حول الغزلان وريحة المسك التي تسد ميديا البلابسة فراغها الآن…ثم انتهى كل ذلك بالمفاصلة الشهيرة واستنكار الترابي لكل تلك الفظاعات التي تمت باسم الدين الى درجة وصف شهداء الأمس بفطائس اليوم كما شاع وانتهي كل ذلك بنيفاشا وحق تقرير المصير وانفصال الجنوب ونحر الطيب مصطفى للثيران السود ابتهاجا بفصل الجنوب واعتلى البشير المنبر في كادقلي ليعلن للناس في العالم أن ( زمن الشريعة المدغمسة قد ولى وجاء عهد التطبيق الصريح للدين…)
وكأني اري كل تلك الصور تمر ببطء امام ناظري لتكرر نفسها مرة أخرى في مقبل الأيام…وقد كان البشير هو بطل الرواية السابقة والمستفيد منها بتمديد سنوات حكمه الى عدد ناهز العشرة بعد فصل الجنوب في ٢٠١١ الى أن تهاوى تحت ثقل تناقضاته الداخلية وفقدان بترول الجنوب وضغط الكفاح المسلح والغضب الشعبي في ديسمبر، ٢٠١٩ .
ولكن السؤال هو من المستفيد من اعادة المأساة الملهاة هذه المرة ومن الذي يحرك مسرح العرائس ممسكا بخيوطها…ويتحكم في المشهد المنظور ؟
كالعادة المستفيدة هي قيادة الجيش وتحديدا الجنرال برهان فمحرقة دارفور /كردفان الوشيكة ستريحه من اثنين من ألد خصومه واخطرهما على مستقبله السياسي السلطوي هما الإسلاميين والمشتركة الإثنين معا بضربة حجر واحد… فليذهبوا إلى جحيمها إن حرروها فله الفضل والمنة وإن هلكلوا وانكسرت شوكتهم فهو الرابح… وذلك أقصى أحلامه…
والغالب أن يتواطأ على هلاكهم لا يتوانى لسببين:-
الأول أن يتخلص من حرج التيار الشعبوي المتصاعد فكريا بقيادة النهر والبحر وبتنظير سخي من عمسيب وله مشايعوه وعسكريا عبر درع البطانة وكيكل والداعي للتخلص من دارفور ومن سكان الكنابي والمشتركة في الجزيرة… وهما المكافئ الموضوعي لتيار الانتباه ومنبر السلام العادل بقيادة الطيب مصطفى سياسيا وعبدالرحيم حمدي صاحب المثلث المعلوم اقتصاديا في النسخة الفائتة من الإنقاذ
والثاني أن ذلك يقع في نطاق تعزيز الطموح السلطوي لبرهان كديكتاتور عسكري همه الأكبر التخلص من خصومه السياسيين والعسكريين خصوصا أولئك الذين لهم عليه افضال في إنقاذ الجيش وسلطانه من التهديد الوشيك والخطر الذي مثله تمرد الدعم السريع…عبر ما اصطلح على تسميته بحرب الكرامة والطغاة لا يحبون من يشعرون تجاهه بالفضل والامتنان.
وعليه السيناريو المتوقع لهذه الحرب أن تستمر وبما أنه لم يكن هناك من سابقة في تاريخنا المعاصر بأن تمكنت الحكومة من قمع تمرد وانهائه بالعنف ولا العكس أي أن نجح تمرد في اقتلاع حكومة وتنصيب نفسه مكانها فمن المتوقع أن تنتهي باتفاق يفصل كردفان ودارفور…هذا إذا أخذنا في الاعتبار أن ميثاق نيروبي ودستوره قد شرعن ذلك عبر حق تقرير المصير وذلك بعد أن يكون البرهان قد استخدم الحرب كمحرقة لإبعاد أو على الأقل أضعاف خصومه السياسيين والعساكر ..لينفرد بالسلطة ولو الى حين كما فعل نظيره البشير في الانقاذ الأولي ..فها هو التاريخ يعيد نفسه والأحداث والظروف تتكرر لتجعله يكرر سلوك البشير وإذا الأخير هو الرابح الاكبر من اراقة كل الدماء في الانقاذ الأولى فما الذي يمنع البرهان بأن يكون هو الرابح الأكبر من ذلك في الانقاذ بنسختها الثانية التي يقود سفينتها اليوم ؟
أرى ألا مانع لديه مع استمرار وجود قوى سياسية وعسكرية بدرجة من الغباء الفكري والروحي والأخلاقي يجعلها مستعدة لتنفيذ ارادته عبر الاستمرار في الحرب ولو قادت إلى وضع نهايتها بأيديها…لتمزق الوطن وتجلس على اشلائه تندب حظها أو قل سوء تقديرها وفساد منطقها وقلة حيلتها وهوان أمرها على نفسها والناس.
عمر البشاري.