«الله. الله هو حافظي، وهو الذي يهتم بي».
لم تكن السيدة الجليلة ميزون بنت أحمد المعشني - والدة السلطان قابوس رحمهما الله - تعلم وهي تقول تلك العبارة بغضب لطبيبتها الإنجليزية آن كوكسون أنها ستكون السبب في اعتناق هذه الطبيبة الإسلام بكامل إرادتها. تقول الطبيبة - كما تروي لصحيفة الجارديان البريطانية، ثم للمترجمة فاطمة بنت ناصر في كتابها «بيبي ميزون والطبيبة آن» الصادر مؤخرًا عن مكتبة «قراء المعرفة» - تقول إن تلك القوة والثقة، وذلك اليقين الذي نطقت به السيدة ميزون تلك الكلمات وكأن هناك قناة مباشرة بينها وخالقها لا تجعلها بحاجة لأي وسيط، جعلتها - أي الطبيبة - تقول في نفسها: «هذا ما أحتاجه أنا أيضا».
وتتلخّص الحكاية في أن السيدة الجليلة أصيبتْ قبل ساعات من إطلاقها هذه العبارة بهبوط حاد في القلب ناجم عن إصابتها بالسكّري، ولأن القصر في صلالة معدّ طبيًّا بشكل ممتاز، فقد تمكنت الدكتورة آن من الحصول على كل ما تحتاجه لإسعافها. وتوضح الطبيبة أن مريض السكّري المصاب بهذا النوع من القصور المفاجئ في أداء القلب يظل يشعر بعد إسعافه وزوال الخطر عنه بإنهاك وتعب شديدَيْن، لأنه يكون كمن ضُخَّت في جسده كمية كبيرة من الأدرينالين. ولذلك فقد طلبتْ من السيدة ميزون الخلود للراحة وعدم مقابلة أحد في ذلك اليوم، لكن السيدة رفضت قائلة إنها ضربت موعدًا في ذلك اليوم بالذات للقاء بعض العائلات الظفارية التي تنتظر هذا اللقاء منذ العام الماضي وتعقد عليه آمالًا، ولا تريدها أن تعود خائبة. لم تجد الطبيبة مناصًا من الامتثال وحضور اللقاء وهي قَلِقة على السيدة التي كانت تُصغي لضيوفها باهتمام كبير، «ولم تُظهِر لهم أي إشارة عمّا مرت به من أزمة صحية كادت تقتلها قبل ساعات، بل كانت مهتمة بكل التفاصيل الصغيرة، حتى تلك المتعلقة بضيافة زوارها، بدءًا من تقديم الحلوى والقهوة وحتى رشّ ماء الورد في كفوفهم». وحين انتهى اللقاء كانت السيدة منهكة تمامًا، وقد تضايقت الطبيبة من ذلك فعاتبتها قائلة: «إنك تمنحين كل هذا العطاء للناس، فمن يعطيكِ أنتِ الاهتمام والرعاية؟ لماذا لم أرَ أحدًا قلِقًا بشأنك اليوم في المجلس، ولم يأمر أحد من الذين حولك بإنهاء ذلك الاستقبال وهم يرونك متعبة وشاحبة!»، وهنا غضبتْ السيدة الجليلة وقالت عبارتها تلك التي ستظلّ ترن في أذن الطبيبة لسنوات، إلى أن أعلنت إسلامها رسميًّا واختارت لنفسها اسم أمينة.
والحقيقة أن من يقرأ هذا الكتاب سيمتلئ إعجابًا بالسيدتين معًا؛ السيدة ميزون صاحبة الشخصية القوية، الكريمة، الصبورة، المقدِّرة للآخر، والتي استطاعت أن تقنع امرأة بريطانية مسيحية بالدخول في دينها دون أن تدعوها إليه بشكل مباشر، وإنما فقط بطريقة تعاملها معها، مجسِّدة العبارة المأثورة: «الدين المعاملة»، والتي كانت حسب شهادة الطبيبة «متقدمة على الكثير من القيادات النسائية في عهدها، وقد شجعت بشكل كبير على دخول المرأة [العُمانية] في كل المجالات». أما السيدة الأخرى التي تستحق الإعجاب فهي هذه الطبيبة التي اختارتها السيدة الجليلة من ضمن طاقم كبير من الأطباء البريطانيين والأمريكيين عندما رأتْ أنها منذ المقابلة الأولى جاءتْ مستعدة للعمل، والتي نلمَس من قراءتنا لحوارها مع فاطمة بنت ناصر أنها تتعامل مع الطب كمهنة إنسانية في المقام الأول، كما تثير إعجابنا بتدينها الحقيقيّ الذي يهتم بجوهر علاقة الإنسان مع ربّه أكثر من اهتمامه بالشكليات.
بالإضافة إلى حكايتها مع السيدة الجليلة، تسرد الطبيبة في هذا الكتاب أيضًا حكاية ثلاثة لقاءات جمعتها بالسلطان الراحل قابوس بن سعيد - رحمه الله - واستطاعت أن تقدم خلال سردها الجانب الإنسانيّ لجلالته واصفة إياه بأنه «كان لطيفًا بحقّ»، وتسرد كيف تأثرت أثناء حضورها الاحتفال بالعيد الوطني الخامس عشر وهي ترى مشهد الأطفال في المهرجان وهم ينفلتون من طوابيرهم راكضين نحو المنصّة التي يجلس فيها جلالته هاتفين باسمه، وتروي أنها سألتْ جلالته بعد ذلك: «كيف استطعتَ أن تتمالك نفسك وتسيطر على مشاعرك أمام هذا المشهد؟»، فأجابها مبتسِمًا: «لقد علمني الأمير تشارلز حركة مفيدة لمثل هذه المواقف، وهي أن أضغط بإبهامي على باطن يدي الأخرى، وقد عانيتُ بعد ذلك الحفل آلامًا في أصابعي لمدة أسبوع».
المثير للإعجاب في هذا الكتاب أن شرارة فكرته الأولى انطلقت من الفضول والتعطّش للمعرفة، فقد قرأت الكاتبة والمترجمة فاطمة بنت ناصر خبرًا قديمًا في الجارديان عن نساء بريطانيات اعتنقن الإسلام من ضمنهن طبيبة عاشت في عُمان تقول إن السيدة ميزون كانت سبب إسلامها، وهو الأمر الذي أثار فضول فاطمة لمعرفة تفاصيل أكثر عن هذه الحكاية، ودفعها ذلك للبحث عن هذه الطبيبة رغم عدم تأكدها من كونها لا تزال على قيد الحياة، إلى أن عثرت على بريدها الإلكتروني وطلبت إجراء حوار مسجل معها. وهو الحوار الذي أنتج هذا الكتاب الجميل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السیدة الجلیلة هذا الکتاب
إقرأ أيضاً:
من حي السيدة زينب إلى الشاشة.. كيف صار كمال الشناوي نجما؟ (فيديو)
تحل اليوم ذكرى ميلاد أحد أعمدة السينما المصرية والعربية الفنان محمد كمال الشناوي، الذي قدم مسيرة فنية رائعة، أمتعت الجمهور طوال الأعام الماضية وحتى الآن.
واحتفت فضائية «إكسترا نيوز»، بذكرى ميلاد الشناوي، وأذاعت تقريرا تلفزيونيا بعنوان: «ذكرى ميلاد الفنان كمال الشناوي.. مسيرة حافلة بالفن والإبداع»، مسلطا الضوء على الأدوار الفنية المتنوعة للفنان.
مراحل نشأة الفنان كمال الشناويوأشار التقرير، إلى أنّ الفنان كمال الشناوي عاش بداية حياته في حي السيدة زينب بالقاهرة، وتخرج في كلية التربية الفنية جامعة حلوان، والتحق بمعهد الموسيقى العربي، ثم عمل مدرسا للرسم، إذ قدم الفنان مسيرة فنية رائعة امتدت من نهاية أربعينيات القرن الماضي، وذلك عبر أكثر من 200 عمل فني، حتى وفاته في أغسطس 2011.
براعة في بطولة أفلام الزمن الجميلوأوضح التقرير، أنّ أولى الخطوات الفنية البارزة للفنان كمال الشناوي من خلال فيلم «غني حرب» عام 1947 وتميز بأدائه الطابعي وسحره، كما برع الشناوي في شبابه بالقيام ببطولة أفلام الزمن الجميل مثل «عش الغرام» و«سكر هانم» و«اللص والكلاب»، إضافة إلى عدد كبير من الأفلام التي تميز بها خلال تلك المرحلة.
ولفت التقرير، إلى أنّ الفنان أصبح واحدا من نجوم أهم الأفلام، كما نجح عندما تقدم في العمر أن يحافظ على نجوميته في أفلام مثل: «الواد محروس بتاع الوزير» و«الإرهاب والكباب»، ويعد آخر أدوار لعبه الشناوي دور الرئيس في فيلم «ظاظا» مع الفنان هاني رمزي، إذ تنوعت الأدوار التي قام بها طيلة مسيرته الفنية بين الخير والشر والكوميديا والدراما، ما جعله يتربع على عرش نجومية السينما المصرية.