حكايات مشتركة عبر البحار بين عُمان وإيطاليا في معرض بمسقط
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
افتتحت السفارة الإيطالية بسلطنة عمان في محافظة مسقط، وبالتعاون مع البحرية السلطانية العمانية والمدينة المستدامة يتي، معرضاً للصور الفوتوغرافية بعنوان "رحلات عبر المحيطات: إرث أمريجو فيسبوتشي وشباب عمان 2"، بمناسبة استضافة سلطنة عمان للسفينة البحرية الإيطالية "أمريجو فيسبوتشي" والتي انطلقت من إيطاليا في 2023 وزارت أمريكا وأوقيانوسيا وهي "منطقة جغرافية تشمل أستراليا وميلانيزيا وميكرونيسيا وبولنيزيا"وآسيا، مقدمة لمحات من إيطاليا إلى مناطق بعيدة، وسترسو في مياه ميناء السلطان قابوس بمسقط لأول مرة وستتواجد من 8 وحتى 12 يناير 2025 وستكون متاحة ليزورها الجميع
رعى حفل افتتاح المعرض محمد بن الزبير، حيث يحتفل المعرض بالتراث البحري المشترك بين إيطاليا وسلطنة عُمان من خلال مجموعة مذهلة من الصور بلغ عددها 40 صورة فوتوغرافية تجسد روح السفن التاريخية أمريجو فيسبوتشي وشباب عمان 2.
وأشار سعادة السفير الإيطالي المعتمد لدى سلطنة عمان، بييرلويجي ديليا، قائلاً: " أن الصور الرائعة المعروضة هنا، والتي تصور السفينة التدريبية الإيطالية أمريجو فيسبوتشي والسفينة العمانية شباب عمان 2، تمنحنا الفرصة للحديث عن التراث البحري المشترك الذي يربط بلدينا وإرثهما البحري الغني، مشيراً الى ان البحر هو منصة هائلة تتيح للناس من جميع أنحاء العالم اللقاء والتعارف والتبادل التجاري، موضحاً ان إيطاليا وعُمان دولتان بحريتان اعتمدتا على التجارة والبحار المفتوحة لتحقيق التنمية، وكان للملاحة دور أساسي في تاريخهما وثقافتهما منذ القدم، فقبل توحيد إيطاليا كدولة، كانت سفن الجمهوريات البحرية الإيطالية تُبحر في مياه البحر الأبيض المتوسط لتأسيس طرق تجارية وبناء إمبراطورية تجارية، حتى دون وجود دولة موحدة وعلى نحو مشابه، كان البحارة العمانيون منذ العصور القديمة يستكشفون المحيط الهندي وسواحل إفريقيا، مُنشئين إمبراطورية بحرية وطرقاً تجارية جديدة.
وأوضح سعادة السفير بأن الصور المعروضة للسفينتين تذكرنا بالإرث والتقاليد البحرية المشتركة التي تجمعنا عبر العصور، حيث أن كلا السفينتين، أمريجو فيسبوتشي وشباب عمان 2، تعملان كسفراء بحرية لبلدينا.
وأكد السفير الإيطالي ان هذا الحدث يذكرنا بالتعاون الثمين بين سلطنة عمان وإيطاليا من خلال توفير الموانئ العمانية الاستراتيجية في منطقة الخليج والمحيط الهندي، لا سيما في عام شهد عدداً غير مسبوق من زيارات السفن الإيطالية والأوروبية وكان هذا التعاون محورياً لدعم الاستقرار وضمان الملاحة الآمنة في منطقة ذات أهمية استراتيجية، وتعزيز التعاون الثنائي والتفاهم المتبادل.
وأشار النقيب بحري أحمد بن عبدالله المعمري ضابط التدريب بسفينة البحرية السلطانية العمانية شباب عمان 2 الى ان مشاركة السفينة في المعرض المصاحب تزامناً مع زيارة السفينة الإيطالية أمريجو فسبوتشي والتي تقوم برحلتها حول العالم والتي ستستغرق سنتين وتتوقف في محطتها 34 في العاصمة مسقط ، حيث تشارك السفينة العمانية بدعوة من السفارة الإيطالية كونها السفير المتنقل الذي يجوب بحار العالم ومحيطاته ناشرا لرسالة سلطنة عمان للثقافة والسلام ليشمل معرضنا مجموعة من الصور لأفضل الممارسات التي تقوم بها السفينة لصون الإرث الحضاري لسلطنة عمان بالإضافة الى عرض مرئي، مما يعكس هذا الحدث ارتباطنا الدائم بالبحر والتزامنا بتعزيز الوحدة والاحترام المتبادل بين الثقافات، والتأكيد على القيم المشتركة التي توحدنا عبر المحيطات والبحار.
أشاد أحمد العامري بالمعرض ووصفه بأنه تجربة مميزة نجحت في إبراز دور البحارة العمانيين وعلاقتهم التاريخية مع إيطاليا، مشيرًا إلى أن الصور المعروضة لم تقتصر على توثيق الرحلات البحرية فقط، بل عكست كفاءة البحارة العمانيين وقدرتهم على خوض تحديات البحر.
وأضاف العامري: "أكثر ما لفت انتباهي هو سفينة شباب عمان التي استطاعت الوصول إلى بلدان بعيدة ومختلفة، مما يعكس مدى العزيمة والإصرار الذي يتمتع به العمانيون، إلى جانب تسليط الضوء على دورهم في بناء جسور التواصل الثقافي مع العالم."
كما أشاد بتنوع المعروضات الصورية ودورها في تقديم سرد بصري غني للتاريخ العماني البحري، مؤكداً أن المعرض يشكل فرصة لتعريف الزوار بإنجازات البحارة العمانيين ودورهم في نشر الثقافة العمانية على المستوى العالمي.
وعبّر الدكتور عبد الله البدر من دولة الكويت عن سعادته بحضور المعرض الصوري الذي جمع بين السفارة الإيطالية وسفينة شباب عمان 2، مشيرًا إلى أنه يشكل مصدر فخر واعتزاز، حيث يبرز الدور المميز لسفراء السلام العمانيين في تمثيل طابع أهل عمان الطيب وعلاقاتهم الإيجابية مع دول العالم.
وأضاف الدكتور البدر أن المعرض أظهر التعاون المثمر بين البلدين من خلال عرض محتوى صوري مليء بالجمال والتحديات، يعكس تجوال سفينة شباب عمان ورحلاتها المتنوعة، حيث ان الصور المعروضة لم تكن مجرد لقطات، بل سردت قصصاً عن الحب والسلام الذي يعيشه أهل السلطنة، والرسالة التي يسعون لنشرها في كل مكان يذهبون إليه، مشيراً الى ان أكثر صورة أعجبته هي التي ظهر فيها الفلكلور العماني والناس مجتمعه حوله.
وأعرب عبد العزيز بن أحمد الحمادي عن سعادته بحضور هذه الفعالية التي جمعت البحرية السلطانية العمانية والبحرية الإيطالية، مشيرًا إلى أنها كانت تجربة مميزة تعكس عمق العلاقات القوية بين الدولتين.
وقال الحمادي: "اليوم لأول مره اكتشفت وجود سفينة إيطالية مشابهة لسفينة شباب عمان وأتمنى أن تتكرر مثل هذه الأنشطة والفعاليات في المستقبل"
وأضاف أن الصور المعروضة لم تكن مجرد توثيق لرحلات السفن، بل قدمت دليلاً ملموسًا على عراقة العلاقات بين سلطنة عمان وإيطاليا، والتي لا تقتصر على التعاون الإعلامي، بل تمتد إلى جذور تاريخية تعكس روابط وثيقة وطيدة بين البلدين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سلطنة عمان شباب عمان 2 أن الصور
إقرأ أيضاً:
صناعة السفن الخشبية العمانية إرث بحري وجذور تاريخية تعود إلى آلاف السنين
لقد شكّل الموقع الجغرافي لسلطنة عُمان وامتداد سواحلها البحرية التي يبلغ طولها حوالي 3165 كيلومترًا، واطلالتها على بحر العرب جنوبًا، وبحر عُمان شمالًا، ثراءً تاريخيًا بحريًا، شكّل أساسًا ودافعًا لصناعة السفن التقليدية والصناعات المرتبطة باستثمار الصيد البحري، وتعود صناعة السفن في سلطنة عُمان إلى آلاف السنين، إذ كانت تتميّز صناعة السفن باستخدام الألياف عوضًا عن المسامير لربط أجزاء السفن والمراكب ببعضها البعض، ولمعرفة جانب من تاريخ صناعة السفن وأنواعها والمراكز الرئيسية لصناعتها والتحديات التي تواجهها وجهود الحفاظ عليها والرؤية المستقبلية لتطويرها، التقت "عُمان" بمختصين بالتراث البحري وتصنيع السفن.
في البداية، قال حمود بن حمد بن جويد الغيلاني، مؤرخ مختص بالتاريخ البحري العُماني: إن علاقة الإنسان العُماني بالملاحة البحرية علاقة ممتدة منذ آلاف السنين، والعُمانيون، أُسوة ببقية الشعوب والأمم في تلك الفترة التاريخية، لم يستعينوا في صنع سفنهم بالمخططات والرسومات، بل كان اعتمادهم على الفطرة والذاكرة والمخيّلة الراقية لبناء السفن، ويذكر دونالد هولي "أن مقدمات السفن ومؤخراتها كانت تُحفَر حفرًا جميلًا ودقيقًا ماهرًا".
وأضاف: تفوّق العُمانيون في صناعة السفن منذ أزمان بعيدة، وكانوا يُصدّرون القوارب المخيطة المعروفة باسم "مدراتا" المدرعة إلى بلاد العرب، كما ورد ذلك في العديد من المصادر، ومنها كتاب "تاريخ الخليج والجزيرة العربية القديم"، ويؤكد الباحث الروسي (ميخين فيكتور ليوتوفيتش) شهرة سكان سلطنة عُمان في القرن الحادي عشر الميلادي ببناء السفن، وقد كانوا مهرة في ذلك، وتعد سلطنة عُمان من أهم مقومات الحياة التجارية للشرق، ويذهب إلى التأكيد أن العُمانيين هم أول من استخدم المسامير المعدنية بين عرب الخليج في صنع سفنهم.
وأشار إلى أن صناعة السفن الشراعية في سلطنة عُمان مرّت بمراحل متعددة لتصل إلى ما وصلت إليه حتى بداية النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي، فبدءًا من السفن المصنوعة من جذوع النخيل أو سعفه أو البوص، إلى القوارب المحفورة حفرًا كالهوري، فالسفن المخيطة، حتى وصلت السفينة إلى صورتها الحالية كسفن البغلة والغنجة والسنبوق والبوم، وهي ما تُسمى بالمرحلة الثالثة من التصنيع، وكانت في القرن السادس عشر الميلادي، إذ استوحى الصانع العُماني النماذج الأوروبية كالبرتغالية أولًا، ومن ثم الهولندية والإنجليزية والفرنسية، فظهرت السفينة العُمانية ذات المؤخرة المربعة والمعروفة محليًا باسم "الرُّقعة" أو "التفر"، التي استوحاها من السفينتين البرتغاليتين "نوا" و"كارفيلا" في صناعة السفينتين البغلة ومن ثم الغنجة، وليس كما ذهب البعض من أن سفينة الغنجة مستوحاة من سفينة كويتية هندية، ويتضح ذلك من خلال شكل مقدمة ومؤخرة سفن البغلة والغنجة.
أنواع السفن العُمانية
عرفت سلطنة عُمان عبر تاريخها البحري الممتد إلى أعماق التاريخ الإنساني وحتى الألف الخامسة قبل الميلاد العديد من السفن، يصل إلى 41 نوعًا من أنواع السفن والقوارب، ومن أنواعها سفن البوص، وصُنعت من نباتات ما يُعرف باسم "الرسل" والمعروف باسم "البوص" التي تنبت على ضفاف الأودية، ومن السفن أيضًا سفينة "ترانكي"، وهي سفينة صغيرة للسفر، يبلغ طولها نحو 12 مترًا وأقصى اتساع لها 3.60 متر، وسفينة "القطمران" وهي من أقدم أنواع السفن التي صنعها العُمانيون، و"المدرعة" أو كما أشار إليها مؤلف كتاب الطواف باسم "ماداراتي"، وكانت تُستخدم للتجارة، ومن السفن "الغراب"، وكانت تُستخدم حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي، وهي من السفن المخيطة بحبال تُصنع من أشجار النارجيل التي يكثر وجودها في محافظة ظفار، و"الشذاة" من سفن نقل البضائع والمسافرين وفي الحملات العسكرية، ومن السفن "البتيل" وتنتشر في صور والباطنة ومسندم، وكذلك سفن "البقارة" وتُستخدم في الإبحار الخارجي، وسفن "غرفة" وتُستخدم للتجارة والأسفار، وللحملات العسكرية، وسفن "بركة" وتُستعمل للنقل والأسفار، وسفن "البرشة"، وكانت تُستخدم للنقل الداخلي والخارجي، وسفينة "العكيري" وهي سفينة حربية خالصة، وسفن "الطراد" وهي سفينة عسكرية، وسفن "بانوش" وتُستخدم للصيد، ومن السفن أيضًا "بوصي" وتُستخدم للإبحار والتجارة، وفي الحملات العسكرية، وسفن "الزاروقة وجهاز والبغلة"، وكانت تُصنع في مدينة صور في القرن السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، واستخدمها العُمانيون للإبحار للمسافات الطويلة، ومن السفن "الغنجة"، وهي سفينة عُمانية خالصة لا تُصنع إلا في سلطنة عُمان، وفي مدينة صور على وجه الخصوص، ومن السفن "السنبوق"، كما توجد سفن "السنبوق المخيط" وتُعرف أيضًا باسم "الكمباري" وتنتشر صناعتها في محافظة ظفار، وسفن "البدن" حيث يعود تاريخ إنشائها إلى القرن الرابع عشر الميلادي، كما توجد سفن "العويسية" وتُستخدم للإبحار عبر المحيطات والبحار، بالإضافة إلى سفن "البوم"، التي يعود تاريخ صناعتها إلى ما قبل القرن 12 الميلادي، إلا أنها كانت أصغر حجمًا عمّا عُرف بعد صناعتها في القرن العشرين الميلادي، وصُنعت أول سفينة من هذا النوع في مدينة صور على يد الصانع العُماني ياقوت بن سليم الغيلاني، ومن السفن "الشوعي" وتُصنع في مدينة صور، وسفن "الشويعي" وتُستخدم للصيد البحري والنقل الداخلي بين موانئ مسقط وصور وصحار وظفار، وسفن "الجالبوت"، وهي من سفن النقل الداخلي، كما تُستخدم الأكبر حجمًا منها للسفر إلى دول الخليج العربي واليمن، وسفن "بديني" أو "أبو بوز"، وسفن "الدنجيّة"، وسفينة "الرمث"، وسفن "الدا"، وهي سفينة هندية استحسن عدد من ملاك السفن العُمانيين صلابتها واستوردوها من الهند، ثم تم تصنيعها في سلطنة عُمان، وخصوصًا في مدينة صور، كما توجد سفن "الصمعا" وتُستخدم للنقل التجاري والعسكري، وسفن "الساعية" التي تُصنع في مدينة صور وتُستخدم لنقل البضائع، وسفن "الزعيمة" وتُستخدم للتجارة والنقل البحري، وسفن "التيرماهية"، وقارب "تشالة"، وهي من القوارب الكبيرة التي تُستخدم في الإنزال البحري للبضائع من السفن الكبيرة إلى الميناء، و"الشاحوف"، وهي سفن توجد بكثرة في الباطنة ومسندم، وقارب "الماشوة"، ويُستخدم في نقل وتنزيل الركاب أو حمل البضائع من الموانئ ضحلة المياه إلى السفن الكبيرة، وقارب "الشاشة"، وهو قارب صغير يُستخدم للصيد ويُصنع من سعف النخيل، وتنتشر صناعته واستخدامه في الباطنة، و"هوري الصيد"، وهو قارب هوري الصيد أكبر حجمًا من هوري العبرة، وله سارية وشراع، بالإضافة إلى قارب "الهوري" أو "هوري العبرة"، وهو قارب صغير يُستخدم للنقل وصيد الأسماك بالقرب من الشواطئ، ولا يتسع لأكثر من أربعة أفراد، وهو عبارة عن جذع شجرة محفور، ثم استُخدمت الألواح لصناعته.
الأخشاب المستخدمة في الصناعة
لقد استخدم "الوساتيد"، وهم نجارو صناعة السفن في مدينة صور، عدة أنواع من الأخشاب في صناعتهم للسفن، وتنوعت استخدامات هذه الأخشاب، فهناك أخشاب استُخدمت كألواح، وأخشاب كـ"شلمانات أو فرمات أو حلاقيم"، أو لصنع الصواري وأنواع الفرمال، واختلفت مصادر هذه الأخشاب، فهناك الأخشاب العُمانية، وأخرى هندية، وثالثة إفريقية، ومن الأخشاب العُمانية خشب السدر، وأخشابها صلبة وتُستخدم في "الشلمانات أو الفرمات أو الحلاقيم"، وخشب القِرْط، وأخشابها صلبة وقوية وتُستخدم أيضًا كـ"شلمانات أو حلاقيم أو فرمات أو جواري"، وهناك أنواع أخرى من الأخشاب مثل الغاف والسمر، ولكن استخدامهما في صناعة السفن قليل جدًا، ومن الأخشاب العُمانية التي كانت تُستخدم قديمًا في صناعة السفن خشب الخالوب، الذي كان يوجد في سهول الجبل الأخضر.
أما بالنسبة للأخشاب الإفريقية المستوردة، فمنها خشب الميط، وخشب الأنفولة، وخشب المسمباتي، والأخشاب الهندية وخشب الساي "الساج"، وبنطيج، وفيني، وينقلي، وخشب الفن، وخشب فن أصل، وفن إبراهيم، ودوب، كما يُستخدم خشب ماليزي، وخشب "اللمبا أو الهمبا" وهو المانجو.
مراكز صناعتها
وحول المراكز الرئيسية لصناعة السفن في سلطنة عُمان، قال الباحث حمود الغيلاني: عرفت العديد من المدن والقرى العُمانية صناعة السفن الشراعية، إلا أن أهم تلك المدن والقرى هي مدينة صور، ومسقط، ومطرح، وقريات، والمصنعة، والسويق، والخابورة، وصحم، وصحار، وشناص، ومرباط، وطاقة، وصلالة، ومصيرة، والسويح، وأصيلة، والأشخرة، ومحوت، وغيرها.
دور اقتصادي وسياحي
وعن الدور الاقتصادي والسياحي لصناعة السفن، قال الغيلاني: تعد صناعة السفن هي الركيزة الأساسية للنشاط البحري العُماني، فوجود السفن شجّع العُمانيين على ارتياد البحار، مما دفع الكثير من المؤرخين إلى اعتبار ريادة العُمانيين في البحار تسبق الجوار الإقليمي بمسافات زمنية وفنية كبيرة، حيث تواصل العُماني مع كافة الحضارات القديمة عندما أبحر العُمانيون بسفنهم نحو الشرق والجنوب الآسيوي حتى الصين، كما اتجهوا نحو إفريقيا، ووصلوا إلى جنوب إفريقيا، وتحديدًا إلى مدينة كيب تاون (Cape Town)، وفي عهد السلطان سعيد بن سلطان أبحرت السفن العُمانية إلى مدينة نيويورك الأمريكية، وليفربول، ومرسيليا في أوروبا، حيث نتج عنه نشاط اقتصادي بارز، فأصبحت مدينة مسقط محورًا ومركزًا للنشاط التجاري في شبه الجزيرة العربية وما يحيط بها من بحار.
وفيما يتعلق بالجانب السياحي، أدت السفن الشراعية العُمانية دورًا مهمًّا في التواصل مع مختلف البلدان والشعوب، مما أدى إلى التواصل معهم واكتشاف تلك البلدان ومكوناتها الطبيعية، ووصف أبو عبيدالله الخضوري الصوري نفسه: "صحيح أن الرغبة في التجارة كانت دافعًا أساسيًا في توجهه إلى اكتشاف الكونغو في وسط وغرب إفريقيا، إلا أن الرغبة في معرفة تلك البلاد ونشاطاتها ومعالمها دفعته لاحقًا إلى الاستقرار فترة طويلة من الزمن، ليعود بعدها إلى وطنه عُمان ومدينته صور".
التحديات التي تواجه الصناعة
وحول التحديات التي تواجه صناعة السفن في سلطنة عُمان، كما يراها كباحث، قال: تواجه مهنة صناعة السفن الخشبية في صور وعموم المدن العُمانية الأخرى عددًا من التحديات، لذلك انخفض عدد الورش المصنِّعة، ومن أبرز التحديات توفر الأعمال المريحة وبرواتب أفضل وحياة سهلة ومستقرة للعاملين في النشاط البحري، مما أدى إلى ترك مهنة العمل في السفن، فقلّ الإقبال على صناعة السفن، ومن التحديات أيضًا اللوائح البيئية الصارمة محليًا في سلطنة عُمان أو في الدول المصدِّرة للأخشاب، مما أسهم في ركود صناعة السفن، إلى جانب ارتفاع تكاليف التشغيل بسبب تكلفة الوقود وأجور الطاقم والصيانة، وارتفاع تكاليف صناعة السفن الخشبية، ومحدودية تشغيلها في غير مهنة الصيد البحري، وأسهم في التأثير على الجوانب الأخرى كالنشاط الاقتصادي أو السياحي، بالإضافة إلى ضعف التسويق لصناعة السفن في سلطنة عُمان، الأمر الذي أسهم في وجود التحديات وعدم الإقبال على صناعة السفن بمختلف أحجامها.
جهود الحفاظ وإعادة الإحياء
وحول جهود سلطنة عُمان للحفاظ على صناعة السفن، قال: هناك جهودًا تتبناها وزارة التراث والسياحة في تنشيط صناعة السفن، تتمثل في وجود ورشة على مستوى عالٍ من التقنية، يتم فيها تدريب عدد من الشباب العُماني على صناعة نماذج السفن بأنواعها المختلفة، ونأمل الانتقال بالتصنيع من النماذج المصغّرة إلى مستوى أعلى من الحجم والسعة، وفق متطلبات السوق، وللترويج للتراث البحري العُماني، تسعى وزارة التراث والسياحة إلى تنشيط الفعاليات والبرامج الخاصة بالتراث البحري، حيث تقوم بتنفيذ مهرجان صور للتراث البحري سنويًا، الذي يستمر لمدة أسبوع كامل، كما تنفّذ عددًا من الفعاليات والأنشطة الأخرى في عدد من الولايات الساحلية، إلا أن الترويج يحتاج إلى كمٍّ أكبر من التسويق، خلال مختلف وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية، مما سيسهم في التعريف به، ويشجع السياحة المحلية والخارجية.
نقطة جذب سياحية
من جانبه، قال علي بن جمعة حسون، صاحب مصنع السفن التقليدية بولاية صور: نحن عائلة ورثنا صناعة السفن أبًا عن جد، وبدأت علاقة العائلة بصناعة السفن منذ حوالي عام 1730م، ومنذ ذلك الحين استمرت العائلة في صناعة السفن، ولا نزال نُعلّمها للجيل القادم، لكي تستمر هذه الصناعة التي نتطلع لتطويرها حتى تتواكب مع متطلبات العصر من السفن الحديثة، موضحًا أن صور كانت المركز الرئيسي لصناعة السفن في سلطنة عُمان والخليج، وكان بها أكثر من 14 موقعًا لصناعة السفن من بداية الكورنيش إلى نهايته، وفي الوقت الحالي لا يوجد في الولاية سوى مصنعنا، وهو الوحيد الذي استمر في صناعة السفن الشراعية.
وأضاف: مصنع السفن الشراعية الحالي أصبح نقطة جذب سياحية في ولاية صور، ويزور المصنع أعداد كبيرة من السياح من داخل سلطنة عُمان وخارجها، حيث إن المصنع يتيح لهم فرصًا لمشاهدة حيّة لعمليات صناعة السفن، حيث نصنع الكثير من السفن التقليدية الشراعية، ومنها البغلة، والغنجة، والسنبوق، والبوم، والبدن، والجانبوت، والبكارة، والبتين، وهي سفن شراعية تُستخدم للسفر والترحال.
نظرة مستقبلية
وحول أهم التحديات التي تواجه صناعة السفن كما يراها، قال: من أهم التحديات التي تواجه صناعة السفن التقليدية في الوقت الحالي هي قلّة الطلب على السفن الخشبية، وتأثير الصناعات الحديثة على الصناعات التقليدية، حيث أصبح الناس يشترون سفن "الفايبرجلاس"، مما أثّر كثيرًا على صناعة السفن التقليدية، إلى جانب عزوف الشباب عن الانخراط في هذه المهنة، وهي من أهم التحديات، مؤكدًا أن هناك جهودًا كبيرة للحفاظ على هذه المهنة التقليدية من الاندثار، ولكن لا بد من تضافر جهود الحرفيين مع الحكومة من خلال إيجاد معاهد لتدريب الشباب على هذه الحرفة، وتحفيزهم للاستمرار في صناعة السفن، وترويج التراث البحري، مؤكدًا الحفاظ على هذا الموروث من خلال إحياء رحلات السفر بالسفن الشراعية في الطرق البحرية القديمة.
وحول النظرة المستقبلية لصناعة السفن، قال: "إن فكرة تطوير صناعة السفن الخشبية وتحويلها إلى صناعة اليخوت فكرة موجودة لدينا، ونتطلع إلى أن تسير الأمور بشكل جيد، وأن نستطيع أن نصل إلى هذه الصناعات وتلبي احتياجات السوق المحلي والتصدير مستقبلًا".