واشنطن– استمرارا لخطواتها التدريجية ومسارها المنفتح بتحفّظ على الإدارة الجديدة الحاكمة في سوريا، اتخذت إدارة الرئيس جو بايدن خطوة أخرى إيجابية تجاه دمشق بتخفيفها العقوبات عن بعض الأنشطة فيها لمدة 6 أشهر.

وقالت وزارة الخزانة الأميركية في بيان لها، الاثنين الماضي، إنها أصدرت ترخيصا عاما جديدا لتوسيع الأنشطة والمعاملات المسموح بها مع سوريا، في الوقت الذي تواصل واشنطن فيه مراقبة الوضع الذي تسيطر عليه قوى إسلامية نجحت في الإطاحة بنظام بشار الأسد قبل شهر واحد.

وأضاف بيان الخزانة الأميركية أن هذه الخطوة اتخذت "للمساعدة في ضمان ألا تعوق العقوبات الخدمات الأساسية واستمرارية وظائف الحكومة في جميع أنحاء سوريا، ومن بينها توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي".

وتعد هذه هي الخطوة الثالثة الإيجابية من جانب إدارة بايدن في إطار الانفتاح على الوضع الجديد في سوريا، بعد زيارة قام بها وفد أميركي برئاسة باربرا ليف -مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط- إلى دمشق، حيث التقت قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع يوم 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتزامن ذلك مع إلغاء واشنطن مكافأة القبض على الشرع، التي كانت تقدر بـ10 ملايين دولار، بعد تأكيدها أنه بدا في صورة "رجل عملي".

إعلان

واستطلعت الجزيرة نت آراء عدد من كبار خبراء السياسة الأميركية تجاه سوريا، وأجمعوا على أن قرار واشنطن بتخفيف العقوبات عن سوريا ينطلق من مصالحها في هذا البلد والمنطقة، مشيرين إلى صعوبة التكهن بمواقف إدارة دونالد ترامب المتوقعة من الوضع في سوريا بعد تسلمها السلطة في واشنطن.

أصدرت الولايات المتحدة الترخيص العام رقم 24 لسوريا لضمان ألا تعيق العقوبات الخدمات الأساسية واستمرارية وظائف الحكم في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي. هذا التفويض ساري لمدة ستة أشهر، حيث تواصل الحكومة الأمريكية مراقبة الوضع المتطور على… pic.twitter.com/a4GsSclhLM

— U.S. Embassy Syria (@USEmbassySyria) January 8, 2025

الخيار الأفضل

البروفيسور ستيفن هايدمان، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة سميث بولاية ماساتشوستس الأميركية، والخبير غير المقيم بمركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز، يقول إن "الولايات المتحدة تدرك أنه في غياب الانتعاش الاقتصادي، فإن التحديات السياسية التي تواجه الحكومة السورية المؤقتة ستكون أكثر صعوبة".

وناشدت الحكومة المؤقتة الولايات المتحدة رفع العقوبات. ومع ذلك، ليس من السهولة القيام بذلك في النظام الأميركي المعقد، حسب هايدمان، فعلى سبيل المثال، تم تمرير قانون "عقوبات قيصر" عبر الكونغرس، وسيحتاج الكونغرس إلى تمرير قانون جديد لسحبها. ويقول الخبير الأميركي هذا غير ممكن في الوقت القصير المتبقي لإدارة بايدن، لذلك كان الترخيص العام من الإدارة الأميركية هو الخيار الأفضل.

وعن احتمال استمرارية إدارة دونالد ترامب الجديدة في سياسة الانفتاح على الإدارة الجديدة في سوريا، قال هايدمان: "هذا سؤال مهم، لأن الترخيص العام ينتهي في غضون 6 أشهر. وقد يعتمد تجديده على كيفية سير عملية الانتقال. ومع ذلك، في الماضي، شهدنا استمرارية في السياسة الأميركية تجاه سوريا عندما تغيرت الإدارات. لم يختلف ترامب كثيرا عن أوباما في نهجه تجاه سوريا".

إعلان

في حين قال ترامب إنه يريد أن تنسحب الولايات المتحدة من سوريا، فإن دعم الانتعاش الاقتصادي ينطوي على مخاطر قليلة جدا، برأي هايدمان، ولا يتطلب مشاركة أميركية مباشرة، وقد تنظر إليه إدارته على أنه وسيلة منخفضة التكلفة للولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها في سوريا خلال فترة انتقالها الجارية، ما دام أن هيئة تحرير الشام "تفي بالتزاماتها بإدماج القوى المختلفة، والمشاركة السياسية والشفافية".

من ناحيته، يرى السفير فريدريك هوف، أول مبعوث أميركي لسوريا بعد الثورة عام 2011، والخبير بالمجلس الأطلسي والأستاذ بجامعة "بارد"، أن إدارة بايدن تحاول الربط الدقيق بين منح سوريا ما بعد الأسد بعض الأدوات المتواضعة للتعافي الاقتصادي، والضغط على هيئة تحرير الشام لحماية الأقليات السورية والحكم بمنظومة تشمل الجميع.

ويضيف "لا شك في أن الإدارة الأميركية قلقة إزاء التقارير التي تفيد بأن العلويين يتعرضون للهجوم، لا سيما في منطقة حمص. وتخشى واشنطن أن تعيد الطائفية والانتقام فتح الباب أمام النفوذ الإيراني في سوريا".

وزير الخارجية السوري: رغم زوال نظام #الأسد لا تزال العقوبات تستهدف الشعب السوري ما يعوق تعافيه، وقرار الخزانة الأمريكية بشأن العقوبات يمثل انفراجة ولكن ننتظر رفع العقوبات بالكامل#الجزيرة_سوريا #الأخبار pic.twitter.com/ZSZvA9YWjk

— قناة الجزيرة (@AJArabic) January 7, 2025

قرار ترامب

وتريد الإدارة أن تظل منفتحة على هيئة تحرير الشام، لكنها تريد أيضا أن ترى دليلا على أن نظام الأسد يتم استبداله بشيء يمكن أن يجلب الاستقرار المستدام إلى بلد منقسم بشدة، حسب هوف.

وأضاف الخبير الأميركي  أن "البعض في إدارة ترامب قد يميل إلى دعم سياسة إسرائيل المتمثلة في شن حرب محدودة على سوريا ما بعد الأسد. وسيرغب آخرون في الحفاظ على الاتصال مع هيئة تحرير الشام على أمل تعزيز هزيمة إيران. ولا يمكن لأحد معرفة ما سيقرره الرئيس ترامب".

إعلان

ومن المحتمل، حسب هوف، أن يتناغم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت مبكر مع ترامب لدعم الحفاظ على العلاقة مع الحكومة السورية الجديدة وتبني نهج جديد لقمع تنظيم الدولة في سوريا.

ويرى السفير ديفيد ماك، المساعد السابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، الذي يعمل حاليا خبيرا بالمجلس الأطلسي، أن من شأن العقوبات المفروضة بصرامة أن تمنع إيصال الإغاثة الإنسانية إلى المدنيين السوريين الذين يعانون.

ويضيف أن الاجتماعات الأخيرة بين وفد حكومي سوري رفيع المستوى وقادة في المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة تظهر أنه من الحكمة التواصل مع الحكومة السورية الجديدة. وستقوم السفارات الأميركية في المنطقة بالتأكد من أن المساعدات تساعد المحتاجين. وفي نهاية المطاف، يمكن أن يؤدي ذلك إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وسوريا وإنهاء العقوبات بشكل دائم.

وعن موقف إدارة ترامب، قال السفير ماك "ليس هناك خلاف كبير بين الجمهوريين والديمقراطيين حول سوريا، ومع ذلك، اتخذ ترامب إجراءات قاسية ضدها خلال فترة ولايته الأولى. يبقى أن نرى ما الذي سينصح قادة الأمن القومي والسياسة الخارجية المؤيدون لإسرائيل بفعله الآن".

لا خطة مارشال

البروفيسورة ليلى هدسون، خبيرة شؤون الشرق الأوسط بجامعة أريزونا، والعضو المؤسس لـ"التحالف من أجل العدالة الأكاديمية"، تعتقد أن من ملامح اللحظة الجديدة في سوريا التعلم من أخطاء الماضي، موضحة أن التجربة الإمبريالية الأميركية سيئة التصميم والإدارة في العراق وأفغانستان وليبيا كشفت أن استقرار أي حكومة تصريف أعمال يعتمد على الدعم الكافي للموارد والمرونة المحلية للإدارة الجديدة.

ولفتت إلى أن تجويع الحكومة الانتقالية الجديدة وحجب الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها عن الاقتصاد السوري من شأنه أن يقوض إنجازات الثورة، ويزيد من احتمالية الفشل، ويزيد من التوتر والمخاطرة بشكل غير مقبول.

إعلان

ومع ذلك، ترى هدسون أن حزم المساعدات الثقيلة كخطة مارشال من الرعاة الخارجيين ليست متاحة ولا مرغوبا فيها، مشيرة إلى أن السوريين لا يبحثون عن صدقة، بل يبحثون فقط عن فرصة لتطوير إمكاناتهم الهائلة "إنهم بحاجة إلى أن يفهم العالم أن العقوبات كانت لمعاقبة نظام الأسد المجرم، وليس ضحاياه من الشعب السوري".

وتضيف "لقد حقق النظام الجديد بداية ناجحة بشكل ملحوظ، لكنه يواجه العديد والعديد من التحديات، بما في ذلك تاريخه المتطرف. ولكي تتحول من دولة ثيوقراطية إلى تكنوقراطية مستدامة، فإنها تحتاج إلى سوق حرة إلى حد معقول، وخالية بالتأكيد من العقوبات المعوقة".

أما البروفيسور جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط والأستاذ في جامعة أوكلاهوما، والرئيس السابق لجمعية الدراسات السورية، فأكد وجود نقاش ساخن داخل مجلس الأمن القومي الأميركي حول كيفية ووقت تعليق العقوبات.

ولفت إلى أنه من مصلحة واشنطن أن تنجح الحكومة الجديدة في سوريا في تحقيق الاستقرار، وهو شأن مهم للمنطقة والولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، يريد كثيرون أن تحصل الولايات المتحدة على شيء مقابل رفع العقوبات، وتركز واشنطن على سلامة وأمن الأكراد في شمال شرق سوريا، وثانيا الحكم الذي يشمل الجميع.

وعن موقف الرئيس المنتخب ترامب من سياسات بايدن تجاه سوريا الجديدة، وإذا ما كان سيستمر فيها، قال البروفيسور لانديس "من الصعب معرفة كيف سترد إدارة ترامب على استيلاء الشرع وهيئة تحرير الشام على الحكم في سوريا".

وذكّر لانديس بأن ترامب قال إن "سوريا ليست مشكلة أميركا"، لكن يبدو أن فريق الأمن القومي يميل إلى إبقاء القوات الأميركية في سوريا لامتلاك بعض النفوذ، ومن السابق لأوانه معرفة ذلك.

وأضاف "في إدارة ترامب الأولى، قاوم فريق الأمن القومي رغبته في الانسحاب من سوريا. هذه المرة، ربما لا ينجحون، وبعد كل ما جرى، أنجزت الولايات المتحدة كثيرا مما شرعت في تحقيقه قبل 14 عاما".

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة هیئة تحریر الشام الأمن القومی الشرق الأوسط إدارة ترامب الجدیدة فی تجاه سوریا فی سوریا ومع ذلک إلى أن

إقرأ أيضاً:

10 أسئلة لفهم تأثيرات إغلاق ترامب وكالة التنمية الأميركية

واشنطن – بدأت إدارة الرئيس دونالد ترامب إجراءات فعلية لتفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في خطوة تدشن لبدء الإجراءات الفعلية التي تعهّد بها ترامب للحد من الإنفاق الفدرالي الذي يراه مهدرا.

ووصف الملياردير إيلون ماسك الوكالة بأنها "منظمة إجرامية" و"عش أفاعٍ للماركسيين اليساريين المتطرفين الذين يكرهون أميركا". وبالمثل، قال ترامب إن الوكالة يديرها "مجانين متطرفون".

ومنحت إدارة ترامب جميع الموظفين في الوكالة إجازة إدارية اعتبارا من الساعة 11:59 مساء أمس الجمعة، وفقا لتوجيه تم إرساله إلى موظفي الوكالة ونُشر على موقع الوكالة على الإنترنت. وعبّر كثير من الأميركيين عن خشيتهم من تبعات وخيمة على قوة أميركا الناعمة، ودورها ونفوذها العالميين.

الجزيرة نت تعرض في سؤال وجواب كل ما يتعلق بإغلاق الوكالة الدولية للتنمية الدولية، وتداعيات ذلك على قوة أميركا الناعمة في العالم.

ما المقصود بقوة أميركا الناعمة حول العالم؟

يُقصَد بها قدرة الولايات المتحدة على التأثير في الشؤون العالمية من خلال الثقافة والقيم والدبلوماسية ونظام التعليم والمِنح والجاذبية الاجتماعية والاقتصادية لنموذجها، بعيدا عن اللجوء للقوة الخشنة المتمثلة في الأدوات العسكرية.

ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية دفعت الثقافة الأميركية بما تشمله من لغة إنجليزية وأفلام سينمائية وموسيقى وأدوات وتطبيقات تكنولوجية لاحقا لتشكيل الاتجاهات العالمية، وهو ما عكس هيمنة الثقافة الأميركية على الكثير من مناطق وسكان العالم.

إعلان

وارتبط بذلك الترويج لما اعتبره كثيرون قِيما أميركية، قبل أن تصبح قِيما عالمية، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والأسواق الحرة، وساهمت مؤسسات أميركية، على رأسها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في الترويج لهذه القوة حول العالم.

ما الذي يخطط له ترامب بشأن مصير وكالة التنمية الأميركية؟

تخطط إدارة ترامب لخفض عدد موظفي الوكالة من أكثر من 10 آلاف موظف إلى أقل من 300، مما يؤدي فعليا إلى القضاء عليها، كما بدأت إجراءات عملية لاندماج الوكالة في وزارة الخارجية، بهدف مواءمة وظائفها بشكل أوثق مع المصالح الوطنية الأميركية.

وشرعت إدارة ترامب بإجراء تغييرات في قيادة الوكالة، وأعلن وزير الخارجية ماركو روبيو نفسه قائما بأعمال مدير الوكالة، وتم توجيه موظفي الوكالة بالعمل عن بُعد، وتجنب الحضور للمقر الرئيسي في واشنطن.

وقُوبلت تحركات إدارة ترامب بتحديات قانونية، إذ رفعت نقابات الموظفين الفدرالية دعاوى قضائية ضد الإدارة، قائلة إن تفكيك الوكالة يعد عملا غير دستوري، ويتجاوز صلاحيات السلطة التنفيذية.

وتم إيقاف المئات من برامج الوكالة، بما في ذلك مبادرات المساعدات الإنسانية الحيوية، بعد أمر تنفيذي بتجميد معظم المساعدات الخارجية الأميركية.

متى تأسست الوكالة؟ وما حجم تواجدها خارج أميركا؟

تأسست الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في البداية بموجب أمر تنفيذي وقّعه الرئيس جون كينيدي عام 1961، ومنحها الكونغرس طابع الاستقلالية بموجب تشريع في عام 1998.

يخدم حوالي ثلثي موظفي الوكالة خارج أميركا في أكثر من 60 دولة، وفقا لتقرير صدر في يناير/كانون الثاني 2025 عن مركز خدمة أبحاث الكونغرس.

ونتج عن تجميد تمويل إدارة ترامب الوكالة منع استخدام أموالها لدفع تكاليف مرافق البعثة الأميركية للوصول إلى الكهرباء والاتصالات والإجراءات الأمنية الاحتياطية، وجمع القمامة والإجلاء الطبي وغيرها من الخدمات.

كيف بدأت إدارة ترامب تحركاتها للقضاء على الوكالة؟

بدأ كل شيء بتوقيع ترامب على أمر تنفيذي في يوم التنصيب في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، جمد فيه جميع المساعدات الخارجية الأميركية لمدة 90 يوما في انتظار المراجعة.

إعلان

وتبع وزير الخارجية روبيو ذلك ببرقية توضح بالتفصيل كيفية تنفيذ هذا الأمر، وتجميد جميع المساعدات الخارجية تقريبا، مع بعض الاقتطاعات لبرامج الغذاء الطارئة والمساعدات العسكرية لمصر وإسرائيل فقط.

وبعد تعطيل موقع الوكالة الإلكتروني، أغلقت إدارة ترامب مقر الوكالة، يوم الاثنين الماضي، وطُلب من الموظفين العمل من منزلهم، ومُنح معظم الموظفين الأساسيين إجازة إدارية، ومُنِع الآلاف من دخول أنظمة الكمبيوتر الخاصة بالوكالة.

وكان مستقبل الوكالة أيضا محورا رئيسيا لـ"مشروع 2025″، وهو عبارة عن مجموعة من مقترحات الانتقال السياسي في حالة فوز ترامب، بما يعيد تشكيل الحكومة الفدرالية بشكل أكثر فعالية لتنفيذ أجندة يراها بعض المعلقين "متطرفة".

وعلى الرغم من محاولات ترامب النأي بنفسه عن المبادرة في مسار الحملة الانتخابية، فقد بدا أنه يستفيد من الخطة بعد توليه منصبه.

ويرى مشروع 2025 أن على الوكالة التركيز على "مواجهة تحدي التنمية الصيني"، والابتعاد عن "سياسة تغير المناخ الراديكالية" لإدارة الرئيس السابق جو بايدن.

ما موقف الكونغرس من هذه الخطوات؟

تحظى المساعدات الخارجية الأميركية تقليديا بدعم من الحزبين، حيث كانت واشنطن أكبر مانح للمساعدات الخارجية في العالم، بما فيها المساعدات العسكرية والأمنية، وهذه الأموال تمثل جزءا صغيرا نسبيا من الإنفاق الأميركي لا يتجاوز 1%، وتدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية حوالي 60% من هذه الأموال.

وبصفة عامة التزم الجمهوريون الذين يتمتعون بأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ بالصمت أمام تحركات ترامب وماسك، في حين هاجم الديمقراطيون الخطوة.

وفي رسالة إلى الكونغرس، قال وزير الخارجية روبيو إنه منخرط في "مراجعة وإعادة تنظيم محتملة لأنشطة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وإن ذلك قد ينطوي على تعليق أو إلغاء البرامج أو المشاريع أو الأنشطة، وإغلاق أو تعليق البعثات أو الوظائف، وتقليص حجم القوى العاملة في هذه الكيانات والتعاقد أو خصخصة الوظائف أو الأنشطة التي يؤديها الموظفون الفدراليون".

إعلان ما تحفظات الجمهوريين على أداء الوكالة؟

أشارت مراجعة أجراها المفتش العام للوكالة الأميركية للتنمية الدولية في عام 2019 إلى مشكلات كبيرة في البرامج التي تمولها الوكالة، التي لا ترقى إلى مستوى التوقعات فيما يتعلق بخدمة المصالح الخارجية للولايات المتحدة.

ما طبيعة وأهمية الغضب من تحركات ترامب وماسك؟

أثارت تحركات إدارة ترامب وإيلون ماسك ضد الوكالة قلق مسؤولين وخبراء سابقين من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ادعوا أن الرئيس يدمر وكالة تقدم مساعدات أساسية للملايين في جميع أنحاء العالم، وتعزز مصالح السياسة الخارجية الأميركية.

وقال هؤلاء إنه "إذا استمرت الجهود المبذولة لتفكيك الوكالة، فنحن بصدد تدمير أداة ضخمة ومهمة من القوة الأميركية حول العالم. وتابعوا "الولايات المتحدة ستفقد نفوذها وسيعاني الكثير من الناس إذا اختفت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وستبدو البلاد وكأنها لاعب عالمي سخيف وغير سخي وغير موثوق به، وستسعى الصين وروسيا إلى الاستفادة من ذلك لدعم نفوذهما العالمي".

كيف يضعف إغلاق الوكالة نفوذ الولايات المتحدة؟

كانت الوكالة أداة رئيسية في تعزيز المصالح الأميركية من خلال المساعدات الإنمائية والإنسانية والمشاركة الدبلوماسية، ومن شأن إغلاقها أن يحد من قدرة أميركا على تشكيل الرأي العام العالمي، والتأثير على الحكومات الأجنبية، وبناء التحالفات.

كما يمثل إغلاقها خسارة للشراكات الإستراتيجية لأميركا، وبدونها قد يلجأ الحلفاء الرئيسيون والدول النامية إلى مانحين آخرين، لا سيما مبادرة الحزام والطريق الصينية، مما يقلل نفوذ الولايات المتحدة في الشؤون الدولية ويفقدها أداة مساومة رئيسية في المفاوضات الدبلوماسية.

كيف يؤثر إغلاق الوكالة على تحالفات وسمعة أميركا العالمية؟

سيؤدي إغلاقها إلى سعي حلفاء الولايات المتحدة في أفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا للبحث عن شراكات بديلة، خاصة مع الصين وروسيا أو حتى القوى الإقليمية غير الصديقة لواشنطن مثل إيران وجنوب أفريقيا والبرازيل.

إعلان

وبما أن الوكالة كانت بمثابة حجر الزاوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ورمزا لسخائها والتزامها بالقضايا الإنسانية، فقد يضر إغلاقها بصورة أميركا بحيث تبدو أقل التزاما بالاستقرار العالمي وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، مما يقلل مصداقيتها بين الحلفاء والمنظمات الدولية.

أحد أقدم المستشفيات بالقاهرة التاريخية بعد ترميمه بالشراكة بين مصر والوكالة الأميركية للتنمية (رويترز) ما تبعات إغلاق الوكالة على الأمن القومي الأميركي؟

لا تتعلق برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالمساعدات الإنسانية فحسب، وإنما هي استثمار إستراتيجي أميركي في الاستقرار العالمي الذي يخدم مصالحها الكبرى.

وتدعم العديد من برامج الوكالة إعادة الإعمار وإصلاحات الحوكمة بعد انتهاء الصراعات، وبدونها، يمكن للدول الهشة أن تصبح أرضا خصبة للإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة الجماعية بما يضر بمصالح واشنطن.

كما لعبت الوكالة دورا في مكافحة التطرف العنيف من خلال تمويل برامج التعليم، وخلق فرص العمل والحوكمة في المناطق المضطربة، ويرى بعض الخبراء أن قطع المساعدات قد يؤدي إلى زيادة التطرف وتهديدات الإرهاب.

كما يمكن أن تفقد الولايات المتحدة فوائد اقتصادية طويلة الأجل، حيث تتدخل الصين ودول أخرى لبناء البنية التحتية في دول العالم الثالث، مما يمنحها نفوذا قويا في هذه الدول.

ختاما، من شأن إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أن يضعف بشكل كبير القوة الناعمة الأميركية، ويقلل نفوذها في المناطق الرئيسية، ويخلق مخاطر أمنية واقتصادية. في وقت يجادل البعض بأن إغلاقها يمكن أن يوفر المال على المدى القصير.

مقالات مشابهة

  • 10 أسئلة لفهم تأثيرات إغلاق ترامب وكالة التنمية الأميركية
  • حماس: العقوبات الأمريكية على "الجنائية الدولية" تؤكد توجهات إدارة ترامب بمكافأة نتنياهو
  • دعم دولي للجنائية الدولية بعد العقوبات الأميركية
  • إدارة ترامب توافق على صفقة أسلحة لإسرائيل بـ7.4 مليار دولار رغم اعتراضات الكونغرس
  • “العفو الدولية”: العقوبات الأميركية ضد الجنائية الدولية تهديد للعدالة
  • 79 دولة تعلن دعمها للجنائية الدولية بعد العقوبات الأميركية
  • بيان مشترك من 79 دولة يحذر من خطورة العقوبات الأميركية ضد الجنائية الدولية
  • هل نأخذ تصريحات ترامب بشأن غزة على محمل الجد؟ خبراء أميركيون يجيبون
  • خبراء: تصريحات ترامب حول غزة إلهاء سياسي لتحقيق أهداف استراتيجية
  • واشنطن: السفن الحكومية الأميركية ستعبر قناة بنما "مجانا"