كنت صغيراَ فى السن عندما ذهبت إلى بيت ثقافة إهناسيا المدينة - وهى مدينة فرعونية قديمة تبعد عن القاهرة ما يقرب من 140 كم جنوباً.
استقلبنى رئيس نادى الأدب الشاعر نور سليمان بترحاب شديد، وعندما استمع إلى شعر العامية الذى كنت أكتبه فرح جداً بى وقال:" جهز نفسك لندوة فى بيت ثقافة الفشن - وهى مدينة قريبة من محافظة المنيا وتبعد عن القاهرة 160كم جنوباَ أيضاً.



وبالفعل ذهبت مع مجموعة من الأدباء والقيت الشعر الذى أكتبه( وهو ليس بشعر أصلاَ) ثم صعد على المنصة الشاعر عطية معبد - من أسرة نادى أدب مدينتى إهناسيا - ليلقى قصيدة عنوانها عبقرى، ومذهل مازلت أذكره ولا أنساه حتى اليوم.
على المنصة صعد عطية معبد ناحل الجسد، شارد الذهن، مبتسماَ فى خجل طفولى ظاهر، ويمسك فى يده علبة سجائر نصف فارغة يبدو أنها لا تفارقه ثم امسك بالورقة الفولسكاب التى أمامه ليقرأ واعتدل ثم قال: 
" تفاصيل ..ضد التفاصيل وتفاصيل أخري"! 
وكان هذا هو العنوان..وكانت هذه هى اللحظة التى توقعت فيها أننى أمام شاعر - رغم عمره الصغير وقتها - سيكون علامة بارزة فى قصيدة النثر المصرية.

ودارت الأيام دورتها وجئت للقاهرة، وشغلتنى نداهة، ومتاهة الصحافة، واختفى عطية معبد عن الحياة الأدبية لأسباب كثيرة ربما من بينها تركيبته الشخصية الخجولة، والكسولة، التى لم تجعله يأخذ المكان الذى يستحقه بين كتاب قصيدة النثر فى جيله ومن أسبابها أيصاَ - بطبيعة الحال - دوائر العلاقات المتشابكة فى وسط الصحافة الثقافية فى القاهرة الذى عانى منها عطية وكل موهبة مثل موهبة عطية.. بسبب التجاهل، والتهميش، والاقصاء، والاستبعاد، لسنوات طويلة. ولكن رغم ذلك ظل اسمه وعنوان قصيدته محفوران فى ذهنى لا أنساهما!

بعد سنوات طلبنى الزميل خالد ناجح - وكان رئيسا لتحرير مجلة الهلال وكتاب الهلال ورواية الهلال - للعمل معه كمديراَ لتحرير مجلة الهلال وبالفعل وافقت وقدمت للصحافة الثقافية مع أسرة تحرير المجلة - فى حدود ما استطعت - 7 أعدادا مازال الزملاء فى دار الهلال وخارجها يذكرونهم حتى اليوم. 

وأثناء هذه الفترة بحثت عن شعر عطية معبد حتى أنشره فلم أجده، وبحثت عن عطية نفسه حتى أحاوره فلم أجده..وذات يوم وأنا فى المجلة فتحت درج مكتب قديم فوقه أطنان من التراب! فى حجرة مجاورة كان يضم كتب ومجلات قديمة فوجدت أمامى اسم عطية معبد على ديوان له كان صادراَ عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة ( إبداعات - العدد 54 ) - أول فبراير - 1998 عنوانه:
( هكذا أموت..عادة)
ففرحت به وفرحت أكثر عندما وجدت فى الديوان قصيدته التى لم انساها" تفاصيل ضد التفاضيل.. وتفاصيل أخري) والديون واضح من شكله أنه لم تمسه يد، ولم ينشر عنه حرفا، ولم يكتب عنه أحدا ( على الأقل فى مجلة الهلال ) وظل مركونا فى الدولاب القديم ما يقرب من 20 سنة حتى جئت ووجدته!
 
وعندما قررت أن أكتب عن الديوان وعن عطية معبد فى العدد التالى من المجلة حدث - لسوء حظى - ولسوء حظ عطية ( كده..كده عطية حظه سىء ) ابتعدت عن إدارة تحرير المجلة، لأسباب ليس الآن المجال لذكرها.. لتبقي تفاصيل - عطية معبد - ضد التفاصيل وتفاصيل أخري " باقية، وحاضرة، وشاهدة على مواهب حقيقية - مثل موهبة عطية معبد - لم تأخذ مكانها، ولا اتسع لها زمانها بالقدر الذى تستحقه. وربما من أجل ذلك جعل عطية معبد عنوان ديوانه:
" هكذا أموت..عادة" فهل الموت الذى كان يقصده هو موت الموهبة؟! ربما!!
ويقول عطية معبد:
" ليس من سبب
يدعونى للأحتفاظ بعلب المارلبوبو
الفارغة
غير رغبتى
فى أن ارى الخراب
ملوناَ"


 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الصحافة الثقافية قصور الثقافة محافظة المنيا

إقرأ أيضاً:

حكايات الأسرى

حكايات الأسرى
من غياهب السجون والمعتقلات إلى فضاءات الحرية والتعافي ..!!
يرويها - صديق السيد البشير*
Siddigelbashir3@gmail.com
(1)
في فناء مفتوح، وعلى الهواء الطلق، وداخل خيام مصنوعة من القماش لا تتعدى أصابع اليد الواحدة ، وعلى بعد خطوات من قسم الباطنية (رجال) بمشفى كوستي التعليمي بولاية النيل الأبيض السودانية يرقد أكثر من عشرين مريضا من فئة الأسرى، الذين حررهم الجيش السوداني من سجون ومعتقلات قوات الدعم السريع، عقب تحرير منطقة القطينة شمالي الولاية وجنوبي العاصمة السودانية الخرطوم.
حين وصل الأسرى إلى ولاية النيل الأبيض، الذين تجاوزت أعدادهم المئات، ثم إنخفض العدد قليلا، ليتم توزيعهم على مراكز علاج وإيواء بمناطق الولاية المختلفة، لكنهم في حالات تحتاج للكثير من العلاج البدني والنفسي إلى جانب الغذاء والدواء ومواد الإيواء.
(2)
الأسرى الذين ذاقوا آلام الحبس، طيلة شهور الحرب، يفتقدون للكثير من المعينات، خاصة أولئك الذين يتلقون العلاج بمشفى كوستي، وهم في حاجة ماسة للأسرة والأدوية والأغذية، رغم المساعدات التي تقدمها منظمة أطباء بلا حدود، ومنظمات أخرى، ساهمت منظمة كوستي للثقافة والتنمية التي قدمت حقائب لحفظ المقتنيات الشخصية، إلى جانب تجهيزها للأسرة والأدوية التي تسلم لهم في الأيام القادمة.
(3)
الأحد السادس من أبريل 2025‪ ‬‬‬
كانت فريق من منظمة كوستي للثقافة والتنمية في زيارة لمراكز إيواء الأسرى المحررين بمعسكر (سيد الشهداء) بمدينة ربك، التابع لقيادة الفرقة الثامنة عشرة مشاه بكوستي، زيارة تحمل رسائل التضامن والمحبة والإخاء والإنسانية، إلى جانب تقديم حزمة من المواد الغذائية للأسرى، فضلا عن ترتيبات تجريها المنظمة، وتتعلق بتقديم جرعات للدعم النفسي لهم، بعد الصدمات النفسية التي تعرض لها الأسرى في السجون والمعتقلات.
حين وصل الأسرى إلى مركز (سيد الشهداء)، كان تعدادهم بالمئات، لكن عددهم الآن أكثر من 130‪‬‬‬
أسيرا، وهم في وضع صحي حرج، وآخرين يزدادون تحسنا يوما بعد يوم، وغيرهم تم التعرف عليهم، ليتم تسليمهم إلى أسرهم.
(4)
تسعة وعشرون أسيرا، وفرت لهم لجنة استقبال الأسرى بولاية النيل الأبيض مركزا بمستشفى الشرطة الكائن بمدينة ربك عاصمة الولاية، لتلقي العلاج والغذاء اللازمين، وهم في معنويات عالية، وذلك بفضل مجهودات تبذلها المقدم شرطة طبيب سناء مصطفى أحمد مدير إدارة الخدمات الصحية بشرطة النيل الأبيض وفريق عمل المستشفى وتفانيهم في خدمة هؤلاء بمحبة وإنسانية وأمل.
حيث قدمت منظمة كوستي للثقافة والتنمية مجموعة من الحقائب الشخصية لهم، إلى جانب أزياء قدمتها شرطة محلية كوستي بولاية النيل الأبيض السودانية عبر مديرها العميد شرطة علي محجوب، وهو عضو لجنة استقبال الأسرى بالولاية.
(5)
عبر قالب ما قل ودل، كان العميد شرطة علي محجوب عضو لجنة استقبال الأسرى بولاية النيل الأبيض، يثمن في كلمات، المجهوات التي تبذلها منظمة كوستي للثقافة والتنمية، و أجسام تطوعية أخرى في سبيل تقديمها لمساعدات غذائية وطبية للأسرى، داعيا الجميع لبذل المزيد من الجهد، ما يمكن الأسرى من التعافي والإندماج في المجتمع.
(6)
بطاقات شكر وعرفان، يقدمها عضو لجنة الأسرى بولاية النيل الأبيض، مدير الإدارة العامة للمرور بالولاية، العميد شرطة دكتور خواض الشامي، بطاقات مهداة لأجهزة الإعلام والمنظمات العاملة في الحقل الإنساني، ذلك لدعمهم الكبير للأسرى، في ظل دعواته للجميع بتقديم المزيد من المعينات في قادم الأيام، وصولاً إلى وطن ينعم بالأمن والسلام والإستقرار في قادم السنوات.
(7)
يأتي ذلك في ظل تأكيدات قاطعة، أعلنها نائب رئيس منظمة كوستي للثقافة والتنمية خالد كمبال ، بسعيهم الدؤوب لتقديم مساعدات إضافية للأسرى، بما يمكن من إحداث تغيير في أوضاع الأسرى بمراكز الولاية المختلفة، مثمنا دور داعمي المنظمة في الداخل والخارج، ما أسهم في تسليم مساعدات مختلفة للأسرى
(8)
المعينات التي سلمتها منظمة كوستي للثقافة والتنمية للأسرى، ضمن دعم مقدم من منظمة كوستي فاونديش، إلى جانب جهات أخرى داعمة، مثل دكتور معتصم إسماعيل والنجومي الطيب البشير، أبناء مدينة كوستي بالداخل والخارج.
مع جهود مبذولة لمساعدة الأسرى، علاجا وغذاء ومأوى، هي أمنيات ودعوات ببلوغ الأهداف وتحقيق الغايات، وصولاً إلى سودان ينعم بالأمن والتنمية والتطور والإستقرار.
*صحافي سوداني

   

مقالات مشابهة

  • زيارة تعليمية لأطفال المحافظات الحدودية إلى معبد هيبس ضمن فعاليات "أهل مصر" بالوادي الجديد
  • إسلام خيري: قهوة المحطة عمل له قيمة كبيرة وهو مشروع نبحث عنه منذ سنوات
  • حكايات الأسرى
  • معرض “في محبة خالد الفيصل”.. سرد بصري يحتفي بذاكرة قائد وفكر شاعر
  • حارس الهلال يتألق ويتصدى لصاروخية مروان عطية بعد مرور 60 دقيقة
  • أحمد عزت.. موهبة إنشادية واعدة تجمع بين الأصالة والإحساس
  • أمل عرفة تكشف عن موهبة ابنتها مريم بالغناء.. فيديو
  • دعوة لنشر الجمال برعاية وزارتيْ السياحة والآثار والثقافة
  • خاص| زيزو أهلاوي.. ورفض العرض الروسي لمروان عطية
  • الليلة.. الأهلي فى مهمة إفريقية لخطف بطاقة المربع الذهبي من الهلال